رحيق المنابر

الحمد لله ونصلي ونسلم علي أشرف خلق الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مرت قبل أيام قليلة ذكرى مولده عليه الصلاة والسلام ، ولم يكن لهذه المناسبة ميزة خاصة عند اصحاب النبي عليه الصلاة والسلام مع أنهم رضي الله عنهم أكثر الناس تعلقا به حيث أحبوه حبا لم تعرف البشرية له مثيلا أحبوا خَلقه وخُلقه فهوا كما هو معلوم أجمل الناس  خَلقا وأطيب الناس أخْلاقا ، فذابوا في حبه حبا ملك عليهم كل جوارهم وإستبد بمشاعرهم ولذالك قال سيدنا علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه -عندما سئل كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: كان والله أحب إلينا من أموالنا واولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ )

صور المحبة :

* محبة الإستلذاذ بالإدراك كمحبة الصور الجميلة والأطعمة الشهية والأشربة اللذيذة.

* محبة تدرك بالعقل وهي أن يتعلق الإنسان بخصال وصفات حميدة يجدها عند المحبوب.

*محبة من أحسن اليك ولمن قدم لك معروفا فهي ضربا من ضروب الحمد والشكر .

وهذه الأنواع من المحبوبات متوفرة في النبي- صلى الله عليه وسلم – فهو من أجمل الناس واصبح الناس وأضوء الناس ، وقد نظر الصحابة الي أخلاقه وشمائله وصفاته الحميدة فتعلقت به قلوبهم ، فكانوا إذا وجدوا إنسانا كريما رأو رسول الله أكرم منه وإذا أشجع فرسول الله اشجع منه وإذا رحيم فرسول الله أرحم منه وهكذا ما من صفة تعجبك في البشر إلا ورسول الله متقدم وقائد وسيد لجميع البشر في جميع خصال الخير ،أما الإحسان فلا يوجد مسلم في الدنيا إلآ ولرسول الله دين في عنقه ، فلولاه لما عرفنا ربنا ولا سلكنا طريق الخير ولا طمعنا في جنة ،فهو الذي قد أنار عقولنا بالمعرفة وملئ قولبنا بالعاطفة وأندي جوارحنا بالمحبة والإقتداء [ ففداه امي وابي ونفسي وولدي ، بل فداه الدنيا جميعا] وقد قال الله تعالى (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)

فقد جمع الله في هذه الآية كل المحبوبات التي تتعلق بها الفطرة  لأن حب النفس وحب ما يملكه الإنسان طبع وحب الغير إختيار، فحب الأب والإبن والأخ والزوجة والقبيلة والعشيرة والأموال والمنازل حب فطري فطرت عليه القلوب وحب رسول الله حب واجب دعى له الشرع ، ومعلوم لدى الجميع أن ما دعى الشرع لحبه أو ما قدم الشرع حبه ينبغي أن يقدم في المحبة

ورحم الله أصحاب النبي الذين قدموا حب رسول الله على كل حب حتي على نفوسهم

فهذا زيد بن الدثنة  يجتمع إليه رهط من قريش ليقتلوه  فقال له أبو سفيان حين قدم ليقتل : أنشدك الله يا زيد ، أتحب أن محمدا عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه ، وأنك في أهلك ؟ فقال : والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه ، وأني جالس في أهلي . قال : يقول أبو سفيان : ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمدٍ محمدا.

وتأمل موقف هذا الصحابي وأقول ( موقف ) حتي لا يعتقد البعض هذا مجرد شعور ولكن الصحابي الجليل قال : لا اصبر حتي آتي فأنظر اليك وهو ما حسنه الطبراني وأخرجه  عن عائشة  رضي الله عنها قالت: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي، وإنك لأحب إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت انك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وأني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك. فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا حتى نزل جبريل بهذه الآية {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا } الآية ، وكيف لا يحبونه وهو الذي أحبهم عليه الصلاة والسلام ، كما وصفه ربه جل وعلا فقال [لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ] فهو الذي جاء يرفع عنا الأصار والأغلال العقدية والفكرية والإجتماعية التي كانت تكبل وترهق الأمم من قبلنا فكان يعز عليه عنتنا وتعبنا ولذالك كان حريصا علينا أكثر من أنفسنا فكان منهجه يحتوي علي  الرأفة والرحمة ، وكان يعيش يوميات أصحابه ويسعي لحل مشاكلهم ويشاركهم همومهم و يزورويتفقد مرضاهم ويساهم ويشارك في أفراحهم ويتحسس مشاعرهم ويعرف أحوالهم وأنظر الى هذه  الحادثة تخبرك من هو نبينا المجتبي ورسولنا المصطفي  عليه الصلاة وأزكي التسليم.

فعن يعلى بن مرة الثقفي رضي الله تعالى عنه قال: ثلاثة أشياء رأيتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا نحن نسير معه إذ مررنا ببعير يسنى عليه قال:فلما رآه البعير جرجر فوضع جرانه فوقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( أين صاحب هذا البعير ) فجاءه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( بعنيه) قال : بل نهبه لك وإنه لأهل بيت مآلهم معيشة غيره قال : (أما إذ ذكرت هذا من أمره فإنه شكا كثرة العمل وقلة العلف فأحسنوا إليه ) قال: ثم سرنا حتى نزلنا منزلا فنام النبي صلى الله عليه وسلم فجاءت شجرة تشق الأرض حتى غشيته ثم رجعت إلى مكانها فلما استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت له فقال : ( هي شجرة استأذنت ربها في أن تسلم على رسول الله فأذن لها ) قال ثم سرنا فمررنا بماء فأتته امرأة بابن لها به جنة فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمنخره ثم قال: ( اخرج إني محمد رسول الله ) قال ثم سرنا فلما رجعنا من مسيرنا مررنا بذلك الماء فأتته المرأة بجزر ولبن فأمرها أن ترد الجزر وأمر أصحابه فشربوا اللبن فسألها عن الصبي فقالت والذي بعثك بالحق ما رأينا منه ريبا بعدك ) . قال الهيثمي :رواه أحمد بإسنادين والطبراني بنحوه وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح و صححه الألباني)

حتي الطيور تشتكي لرسول الرحمة فداه امي وأبي :

عبد الله بن مسعود عن أبيه رضي الله عنه قال : ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ومررنا بشجرة فيها فرخا حمرة فأخذناهما قال فجاءت الحمرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تصيح فقال النبي صلى الله عليه وسلم من فجع هذه بفرخيها قال فقلنا نحن قال فردوهما) رواه أبو داود والحاكم و قال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

فقال الشاعريسجل هذه الحادثة :

جاءت إليك حمامة مشتاقة *** تشكو إليك بقلب صب واجف

من أخبر الورقاء أن مقامكم *** حرم و أنك مأمن للخائف

رسول الله عند المؤمنة أغلى من الزوج والأب والأخ :

أخرج ابن إسحاق: عن سعد بن أبي وقاص قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار وقد أصيب زوجها، وأخوها، وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد، فلما نعوا لها قالت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

قالوا: خيراً يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين.

قالت: أرونيه حتى أنظر إليه.

قال: فأشير لها إليه، حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل.

وروي إبن سعد في الطبقات الكبري أن رجلا عمي بصره بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة وكثرة بكائه على موت سيد الخلق عليه الصلاة والسلام فلما قيل له في ذالك قال :[ وما اصنع بهما ؟ إنما أحببتهما حتي أنظر بهما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم]

كيف نستطيع أن نحب رسول الله كما أحبوه ؟

هل أحب الصحابة رسول الله كل هذا الحب لآنهم رأوه؟أم لأنهم علموا أن محبته واجبة ؟ أم اثر فيهم هو بأخلاقه ومعاملاته ؟ قد يكون كل ذالك وأكثر، لكن كيف نستطيع نحن أن نحبه ؟   قد يقول قائل في السؤال غرابة ،وهل ينقصنا اليوم حب نبينا عليه الصلاةوالسلام ؟  ألم تر كيف أن الدنيا بأسرها إحتفلت بمولده ورقصت وتمايلت وطربت وسردت قصص حياته وشمائله وجمال خَلقه وطيب خُلقه ، فأحرقنا البخور وطيبنا المجالس وأكلنا الفتة وربما دخنا الشيشة وزرفنا الدموع شوقا اليه  ولبسنا العمائم الخضراء وإرتدينا ملابس الزهد المرقعة ، بل أكثر من ذالك عندما نالوا من رسول الله برسومهم المسيئة هببنا كالريح العاصفة في أرجاء الدنيا وصرخنا وهددنا وتوعدنا وأقسمنا الا تهدا هبوبنا وعواصفنا حتي نقتلع العالم عن جذوره ونثأر لرسول الله  ثم ذهب كل واحد الى بيته ونام نوم أصحاب الكهف، وكما قلت ها نحن في هذه الايام  نحتفل بمولد فنجتمع ونشرب الشيشة وندخن السجائر ونرقص في الميادين ونبكي كالثكالي ونذهب الى قبور الأموات لنأخذ منهم البركات ولا حولا ولا قوة الا بالله العلي العظيم وحسبنا الله ونعم الوكيل ،

إخوتي في الله محبة الحبيب عليه الصلاة والسلام لا تكون بمخالفة منهجه والخروج عن نهج أصحابه وتسطيح الأمور والتغافل عن اساسيات رسالة الهدي والجنوح الى القشور والمظاهر وخلاصة الأمر من أراد أن يخدم رسالة النبي عليه الصلاة والسلام فاليخدمها بما شرع هو من الشرائع لا ما استحسنته عقولنا وأهوائنا .والمعيار حدده الله تبارك وتعالى في قوله(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم)

وفي الختام أكثروا من الصلاة والسلام على سيد الخلق ومنقذ البشرية من الضلال [ اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين]

 

أخوكم / محمد جمعة

 

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=2385

نشرت بواسطة في مارس 12 2010 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010