رحيل العالم والداعية ورئيس مجلس الأوقاف الإسلامي الإريتري (2)
الحلقة الثانية : عن رحيل العالم الداعية الشيخ / محمد صالح عبدالله رحمه الله :
أنشأ منارة تضيئ قلوب الناظرين والسامعين:
حالة الوطن الإريتري في زمن عودته:
(إنجازات غرس لها الشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء) ويقول الله تبارك وتعالى في محكم تنزيله: ” ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون” سورة إبراهيم رقم الآية 25 والحديث عن الشيخ الراحل وإنجازاته حديث له ذو شجون :
أولاً: وبكثرة ما وفقه الله بين عمره المبارك وبين الإنجازات العملية التي أضاء بها السبيل لجيل نتوقع منه بأن يسلك على نفس النهج الذي رسمه لهم أو يجب أن يكون كذلك، ذلك الجيل الذي رباه على النهج القويم فإن للشيخ فضائل لا تحصرها مثل أقلامنا بهذه العجالة، ومهما يكن من أمر فإن الذي كتب ويكتب عنه وهي محاولة للتعبير عن الشعور بإنجازاته النهضوية التي حققها وعن الخسارة التي أصيبت بها الأمة الإرترية بفقده ، وفيما يلي أوجز عن ذلك الغرس المبارك:
- وبتوفيق من الله أن يجعل عمره المبارك مقسوماً إلى مرحلتين متساويتين :
- إثنان وثلاثون عاماً قضاها بين مرحلة الطفولة المباركة وبين الهجرة والتغرب من أجل طلب العلم الذي حث به نبي هذه الأمة : ” أطلبوا العلم ولو بالصين” وأعطاه الله العلم فعاد إلى وسط أمته لينشر تلك الرسالة بين من هم في ظماء شديد بخلو الأرض عمن يُرويهم بالعلم.
- وإثنان وثلاثون عاماً منذ تاريخ عودته وإلى يوم وفاته رحمه الله
- ومن الملاحظات المهمة التي تستحق التوقف عندها وهي :
وكلنا يعلم بأن الوطن الإرتري لقد عرف بعودة بعض الخريجين من الجامعات الإسلامية والعربية والأزهر الشريف يأتي في المقدمة، ولا يسع المجال بالدخول إلى سرد التفاصيل عن ذلك سوى أننا نعلم بأن دور أولئك العائدون لم يتجاوز عن الالتحاق في سلك التدريس بالمعاهد الدينية بقلتها ، أو في المدارس العربية هي الأخرى بندرتها في الوطن الإرتري ،أو الإفتاء ويأتي مفتي الديار الإرترية سماحة الشيخ / إبراهيم مختار الراحل رحمه الله في الواجهة الأولى، أو كقضاة في المحاكم الشرعية أو في مجال الوعظ والإرشاد ولا نقلل من أهميتهم ولهم مكانة في نفوس الإرتيريين إلا أنه لم يُعرف في حدود علمي من عاد منهم يحمل فكرة مثل فكرة الشيخ الراحل / أبو خليل ، أو القريبة منها على الأقل. والفارق بينه وبينهم شاسع وواضح بل نادر جداً، وهذا الحصر لا يشمل الأقاليم الارترية الأخرى وإنما بالمنطقة التي أقيم بها المشروع الإسلامي فقط، ولهذا جاء دوره رائداً وفكرة لم يسبق إليها أحداً ، فتحقق له ما كان يشغل باله طوال مراحل دراسته مما يعتبر امراً نادراً في تاريخ المنطقة .
ثانياً: المشروع الحضاري ومرافقه المتعددة :
حالة الوطن الإرتري في زمن عودته : –
ومنذ عام 1961م وهو العام الذي أعلن فيه الشعب الاريتري لبدء مرحلة جديدة للنضال المسلح ضد الاحتلال الأثيوبي بقيادة جبهة التحرير الإرترية من أجل الحرية والاستقلال بعد أن استنفد الشعب كل الوسائل السلمية التي خاضها قرابة عشرين عاماً منذ أن صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على المشروع الأمريكي المشؤوم في عام 1951م باسم القرار الفيدرالي الرقم 390/أ/5/ بعيداً عن إرادة ورغبات الشعب الإرتري ، ومنذ ذلك الوقت إلى زمن عودة شيخنا الراحل كانت الحالة الاريترية تحت عوامل القتل والتدمير والطرد والتهجير مما يؤكد بانعدام العوامل المشجعة بالعودة إلى إريتريا ممن هم يقيمون خارجها ، ولكن الشيخ عاد متوكلاً على الله ومطمئناً فوطئت أقدامه الشريفة وأضاء وجهه الصبوح ربوع تلك المنطقة وضواحيها بل إرتيريا برمتها .
ثالثاً: موقع الإقليم الذي أقيم به المشروع :
وتقع مدينة (صنعفي) التي أعلن الداعية بوضع الحجر الأساسي للمشروع ضمن مديرية (أكلى قوزاي) كما هو معروف في تاريخ إرتريا المعاصر، والإقليم الجنوبي حالياً، وأثناء عودته ليغرس تلك الشجرة الطيبة في قلب المدينة (صنعفي) لم يكن معه مال ولا معين ولكنه استقر فكره واطمأن قلبه على بذر نواة تلك الشجرة المباركة معتمداً على الخالق الذي لا ينسى من يسعى في سبيل الصلاح والتقوى ، ومن ثم رفع صوته مؤذناً بالشروع لبناء المشروع ليسمع بندائه من بالداخل ولمن ينتمون إلى تلك المنطقة ويقيمون في المهجر خاصة في منطقة الخليج العربي وفي المملكة العربية السعودية بصفة خاصة.
رابعاً: تحديد المشروع ومرافقه المباركة :
- مشروع بناء الجامع الكبير على الطراز الحديث، وربما لم يكن تسمية ذلك الجامع بجامع أبو بكر الصديق مجرد مصادفة، وجميع المسلمين يعلمون بأنه أول خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، بل ربما اختاره قبل عودته وحمل معه. وجاء الأساس على أنقاض مسجد صغير لم يكن يحمل أي اسم، وتقادم به العهد بما يزيد عن قرن كامل، وليس غريباً بأن يكون الشيخ هو المهندس والمخطط الأول لذلك المشروع وما على المهندس الذي سيأتي به لبناء المشروع إلا أن يشرع لتحديد الإمكانيات التي يحتاج إليها المشروع من جميع النواحي والزمن الذي سيستغرقه إذا توفرت له المتطلبات ، وتحديد الفنيين والأيدي العاملة به .
خامساً: المرافق الأساسية التي تم إنشاؤها ضمن المشروع :
- مركز لتحفيظ القرآن الكريم: وبني المركز لتحفيظ القرآن للرجال والنساء كباراً وصغاراً وكل من عاصر في تاريخ المنطقة يعرف بأن تعليم القرآن كان يتم تحت شجرة عتيقة وآيلة للسقوط تحت أقل العوامل المناخية ولكن الشجرة عمرت وكانت لا تزال ثابتة في الأرض، ومعلم القرآن هو أحد الفقراء وقد يكون من نفس المدينة أو يؤتى به من البادية ولا يملك شيئاً من مقومات الحياة الضرورية سوى ما يتلقاه من أيدي آباء اولئك التلاميذ وهو شيء لا يسمن ولا يغني من جوع وأما بعد بناء المركز الخاص به بدأ يتم بنظام متطور في المقر الجديد بفضل جهود الشيخ .
- مركز للخياطة النسائية: وقد قطعن فيها شوطاً متقدماً وهذا أمر جديد ولم يكن لهن عهد به في تاريخ المدينة.
- تأسيس مكتبة عامة: وقد كانت المساهمات من المقيمين في الرياض بدأت تأتي أكلها في المرتبة الأولى معتمدين على الله أولاً وعلى الإمكانيات الذاتية ثانياً وبالإضافة إلى معرفتنا بأهمية دور المكتبات في الحياة البشرية وبتقديرنا للحكم التي رسخت في التاريخ وخلدت في دور الحضارات، وهي مقولة علماء الحضارات: “ولو دمرت كل الحضارات في العالم، وبقيت المكتبات لتمكن العلماء بإعادة تلك الحضارات”.
- الورشة : وللشيخ / أبو خليل الراحل كانت له نظرة واسعة ونادرة بفتح أبواب العلم والتنوير الحضاري في المنطقة ضمن المشاريع الإسلامية التي لم تعرف شيئاً من هذا النوع من التطورات في تاريخها الطويل وكانت الورشة تحتوي على عدة مهن ومنها : النجارة ، والحدادة وغيرها من المهن وتم شراء المعدات الضرورية التي كانت تحتاج إليها الورشة من الرياض عدة مرات، وخرجت تلك الورشة جيلاً متنوراً في المهارات المختلفة تم تعليمهم والتدريب عليها تحت إشراف المتخصصين من أبناء المدينة ومما يدلل على الاهتمام بتلك المهن انتقال التعليم والتدريب في تلك الورشة إلى أحد الخريجين من تلك الدورات نفسها لاحقاً .
وللحلقة بقية .
3/9/1437هـ
سليمان محمد اسماعيل
السعودية – الرياض
.
.
رحيل العالم والداعية ورئيس مجلس الأوقاف الإسلامي الإريتري
اريتريا- مدينة صنعفي
رحيل العالم والداعية ورئيس مجلس الأوقاف الإسلامي الإريتري
12/7/1437هـ -19/4/2016م
رحل من هذه الدنيا الفانية عالم من علماء إريتريا الشيخ / محمد صالح عبدالله صبيحة يوم الثلاثاء الثاني عشر من شهر رجب سنة 1437هـ الموافق 19/4/2016م وتوفي الداعية في أسمرا العاصمة عن عمر ناهز. 64 عاماً وكلها مباركات- استغرقت بين العلم والعمل، ونقل جسمانه الطاهر […]
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=37299
أحدث النعليقات