رحيل المناضل محمد سعيد عمر عنططا
تتقدم أسرة فرجت بأحر التعازي والمواساة لاسرة الفقيد سائلين المولى عز وجل أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويدخله فسيح جناته ويلهم أهله وذويه جميل الصبر والسلوان وحسن العزاء.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
السيرة الذاتية للمناضل محمد سعيد عنططا (نقلاً عن صفحة الزميل احم الحاج )
ولد الفقيد في الثلاثينات من القرن الماضي وأكمل المرحلة الاعدادية بمدينة كرن وأنخرط في العمل الوطني منذ أن كان يافعا وسجن لعدة شهور بعد مشاركة فعالة له بمظاهرة كرن الشهيرة عام 1958.
ويعد الراحل واحدا من الكوكبة الخالدة التي نسجت الخيوط الأولي لجبهة التحرير الارترية بمدينة القاهرة عامي 60 و 1961 حيث حضر الاجتماعات التي كان يترأسها الزعيم الوطني الراحل إدريس محمد آدم.
وأضطر الراحل وهو أب لبنت وولدين مغادرة وطنه في نهاية 1958 ووصل الي مصر مع رفيق دربه المناضل آدم أكتي حيث كانا من أوائل الطلاب الذين منحتهم الحكومة المصرية الفرصة الدراسية وغادر لا حقا مصر بعد أن أكمل بها الثانوية العامة بمدينة بورسعيد.
وفي العراق الذي وصلها عام 1966 واصل بها دراستة وتخرج من جامعة بغداد كلية التجارة وإدارة الأعمال سنة 1971.
أما علي الصعيد الوطني فبجانب محطاته بداخل كرن والقاهرة فيما بعد عرف عنه حضوره للمؤتمر الوطني الأول عام 1971 وترأسه للجنة الانتخابات التي تم إختيارها من المؤتمر ولكنه غادر الميدان بعد أن “رأي مواقف لم تعجبه” كما أخبرني ذات مرة، وفيما بعد ولسنوات عديدة في كل من ليبيا ( 73ـ 1975) والامارات ( 75 ـ 2000 ) واصل التعاطي مع شئون الثورة والوطن ضمن صفوف الجماهير الارترية.
وقبل إستقراره بأستراليا عام 2000 كان يترأس الجالية الارترية بأبوظبي التي عاش فيها لخمسة وعشرين عاما وعمل بها مسئولا كبيرا في شركة المياه والكهرباء ووظف في تلك الفترة الكثير من الارتريين الذين يحفظون له المعروف ويذكرونه بالخير الي اليوم.
وشارك في أستراليا ولسنوات طويلة في الأعمال المناهضة للنظام وكان خطيبا جريئا وحادا في مظاهرات وأنشطة معارضة ورافضة لنهج النظام الارتري.
هذا وتقرر مواراة جثمانه الطاهر الثري يوم الأربعاء 23 أغسطس الحالي بمدينة ملبورن.
نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته وأن يدخله فسيح جناته وأن يلهم أهله وذويه وكافة معارفه وأقاربه جميل الصبر والسلوان وإنا لله وإنا اليه راجعون.
أقرأ لقاءنا معه حول الراحل الزعيم إدريس محمد آدم أحد مؤسسي جبهة التحرير الآرترية وبدايات تشكيل الثورة.
مقابلة مع الاستاذ المناضل/ محمد سعيد عمر(عنططا) أحد رفاق الراحل/ إدريس محمد آدم
خسرت الساحة الأرترية بتأريخ 28/8/2003 أحد قاداتها التأريخيين ممن لعبوا دوراً كبيراً في تأسيس كفاحها السياسي والعسكري الشيخ الكبير/ إدريس محمد آدم، وعلي هامش التأبين الذي أقامه الأرتريون في مدينة ملبورن ـ أستراليا ألتقيت بالسيد/ محمد سعيد عمر (عنططا) من الذين ساهموا في مظاهرة كرن 1958 ثم شارك في إجتماعات القاهرة التي تأسست فيها جبهة التحرير الأرترية وقد عاش تلك الفترة لصيقاً بالراحل وعرف الكثير عن تفاصيل يومياته.
ـ إدريس محمد آدم، متي سمعت بهذا الإسم لأول مرة؟
عنططا: في الخمسينات داخل ارتريا وحين اشتركت مع رفاق لي في المظاهرة الطلابية التي جرت بمدينة كرن عام 1958 كنا نتخذ من مواقفه الشجاعة في البرلمان الأرتري نبراساً نهتدي به نحو المطالبة بحقوقنا الوطنية المتمثلة في الاستقلال.
ـ أجلت سفرك خارج أستراليا لحضور حفل تأبين الراحل الكبير ألهذا الحد كان عزيزاً عليك؟
عنططا: بل كان عزيزاً علي الشعب الأرتري كله، فهو الذي كرس حياته من أجل شعبه وضحي بكل شيئ في سبيل وطن حر وشعب سعيد، أتذكر منذ أن قابلته رأيت فيه حبه الكبير لأرتريا وشعبها ـ هذا الرجل فضائله كثيرة أعطي للشعب كثيرا ولم يأخذ منه شيئاً.
ـ متي ألتقيت به لأول مرة؟
عنططا: ألتقيت به لأول مرة عام 1959 في القاهرة بصحبة الأخ/ آدم أكتي، بعد أن وصلنا الي مصر ذهبنا مباشرة الي منزله وبعد ذلك توطدت العلاقة بيننا وبدأنا نعيش معه تفاصيل حياته اليومية المملوءة بالعطاء والبذل، وأتذكر انه أستخرج لنا منح دراسية من الحكومة المصرية، وكان ودوداً ولطيفاً مع كافة الأرتريين، وعن طريق زياراتنا المتكررة لمنزله تعرفنا علي مجموعة من الأرتريين المهتمين بالقضية والذين كانوا يحثونه للتحرك ولإتخاذ موقف ما.
ـ ماذا كانوا يطلبون منه تحديداً؟
عنططا: بعد أن تم اقصائه من البرلمان كانت لديه اتصالات مع شخصيات وطنية داخل البلاد وكذلك مع الخارج، كانوا يريدون منه التحرك لإعادة القضية الأرترية الي الأمم المتحدة بإعتبار إثيوبيا بدأت تنتهك بنود الاتحاد الفيدرالي وكان البعض منهم يطلب منه وكذلك من رفيقه الزعيم/ أبراهيم سلطان الخروج من الوطن حتي يجد حرية أكبر في التحرك للدفاع عن أرتريا وشعبها، أما في القاهرة تحديداً كان الطلب منه بأن يأخذ زمام المبادرة ويعلن الكفاح المسلح إن تعذر خضوع إثيوبيا لرغبات الشعب الأرتري.
ـ ماهو أكثر شيئ كان يشدك نحوه؟
عنططا: حماسه الوطني العالي وحركته النشطة وقلبه المفعم إيماناً بحق شعبه للعيش بكرامة، كان يؤمن بشكل كبير جدا بقدرة الأرتريين علي إنتزاع حقهم طال الأجل أم قصر، وبعد أن بدأ الكفاح المسلح كان يقول لنا الآن المسألة مجرد وقت.
ـ علي المستوي الإنساني، ماهي الصفات والسجايا التي كان يتحلي بها الراحل؟
عنططا: كما أسلفت لك أنه كان ودوداً يتفقد أحوالنا ويسأل عنا ويتابع حالاتنا الدراسية، وكان يحثنا لتحقيق المزيد من التفوق والنجاح، ومنزله كان عامراً ومفتوحاً لجميع الأرتريين، لم يظهر ضيقاً أو تأففاً قط هذا بالإضافة الي شجاعته المعروفة وسخريته من الاغراءات المالية والمزايا المادية التي قدمتها له إثيوبيا ليلين مواقفه منها ولكنه رفض ذلك بإباء، وكان يقول مابال هؤلاء الإثيوبيين لا يريدون أن يفهموا مانريده منهم ولم يثق فيهم أبداً، وكان يحدثنا بمرارة عن وعدهم الكاذب للشخصية الوطنية محمد عمر قاضي حين أوعده وزير الخارجية الاثيوبي في الأمم المتحدة بمناقشة القضية الأرترية وتطبيق القرار الفيدرالي وطلب منه العودة الي أرتريا ثم قامت إثيوبيا بإعتقاله.
ـ هل تحدثنا عن ميزة معينة كانت تميزه عن الآخرين؟
عنططا: كان حريص جداً في المسائل المادية وأستطيع أن أكد بأن ذمته المالية كانت طاهرة جدا وكذب ماكان يقال عنه امتلاكه لفيلا في القاهرة، فالفيلا كان مستأجرها من مالكها وخرج منها بقرار من المحكمة، والأمر كذلك بالشقة التي كان يسكنها بدمشق، وفي السعودية تم قبوله كلاجئ سياسي الي ان توفاه الله.
ـ ماذا كان يعني حضوره الدائم وسطكم؟ كيف كنتم تستفيدون من هذا الحضور؟
عنططا: كنا نستفيد من ثقله وتأريخه السياسي إبان العهد الفيدرالي، كان أكثرنا خبرة وحنكة، كما أن وجود معنا كان يضفي مصداقية أكبر حول عدالة قضيتنا فهو الشاهد الأكبر لإنتهاكات اثيوبيا لقرار الأمم المتحدة لذا فإن صوته كان مسموعاً لدي الحكومات والدول، ومن ناحية أخري فإنه كان يشكل حلقة وصل بين مجموعة القاهرة والمجموعات الوطنية الأخري المتواجدة خارج مصر، وعلي الصعيد النفسي كنا نشعر بالإطمئنان والثقة وهو وسطنا.
ـ أنت أحد الذين حضروا اجتماع القاهرة الذي تأسست فيه جبهة التحرير الأرترية، هل تتذكر أين عقد ذلك الإجتماع؟ وكم كان عدد حضوره؟ وكم أستغرق من الزمن؟
عنططا: ماعرف بإجتماع القاهرة، في الواقع لم يكن إجتماعاً واحدا بل سلسلة اجتماعات كنا نعقدها بشكل مستمر ومكثف خاصة في عامي 1959 و1960 وكان يعقد معظمها في منزل الراحل/ إدريس محمد آدم ومن الإجتماعات ما عقدناه أيضاً خارج منزله ايضاً كإجتماع المنطقة السياحية بجبل مقطم.
ـ بشكل رئيسي، من هم أولئك الذين كانوا يحضرون تلك الإجتماعات؟
عنططا: إدريس محمد آدم/ إدريس قلايدوس/ آدم أكتي/ محمد صالح حمد/ سعيد حسين/ محمد سعيد عمر عنططا/ سليمان أحمد/ أبراهيم ادريس بليناي/ سيد أحمد هاشم وكان الراحل يترأس تلك الإجتماعات.
ـ هل كانت هناك جهات أجنبية تقف خلفكم وتشجعكم علي عقد مثل هذه الإجتماعات؟
عنططا: لا. إطلاقاً ولكن المصريين كانوا علي علم بجميع تحركاتنا.
ـ هل يحضرك شيئاً من علاقة الراحل إدريس محمد آدم بحركة التحرير الأرترية؟
عنططا: نعم مازلت أتذكر قدوم المرحوم/ طاهر فداب الي القاهرة وعقده معنا أكثر من اجتماع في منزل الراحل، وعرضه علينا لوائح الحركة وأنظمتها وأهدافها، طلبنا منه أسماء قيادة الحركة ومعلومات أكثر عن برامجها وخططها وأهدافها، وأكدنا له بأنه ليس لدينا مانعاً لكي نبعث بأربعة أشخاص الي مقر الحركة بمدينة بورتسودان لمناقشة كيفية العمل مع بعضنا البعض، لكن طاهر فداب طلب مزيد من الوقت لمشاورة قيادة الحركة وأعتقد أنه بعث لهم برسالة، ثم جاءنا برد يقول فيه ان قيادة حركة التحرير وتمسكاً بلوائحها لا يمكن أن تكشف أسماء قيادتها وهي تطلب منكم الإنضمام اليها لكن نحن اعترضنا علي ذلك وقلنا أن القاهرة فيها شخصيات وطنية كبيرة كأمثال ادريس محمد آدم وأنه لا يعقل أن ننضم الي تنظيم لا نعرف علي الأقل أسماء قيادته وذلك لمجرد قراءة لائحته، وكنا قد رشحنا فعلاً أربعة أشخاص منهم طه محمد نور وسعيد حسين للذهاب الي بورسودان لكن رد حركة التحرير الأرترية الحاسم صرفنا عن ذلك، وفي رأيي الخاص لو أن الحركة تجاوبت مع مطالبنا ربما لما لجأنا الي تأسيس جبهة التحرير الأرترية ولأكتفينا بالحركة، مع ذلك وعلي المستوي الشخصي فإن الراحل ادريس محمد آدم حافظ علي إنفتاحه تجاه الحركة وأبقي علي اتصالاته الشخصية معهم لإيمانه بأن الحركة قوي وطنية تسعي الي خدمة أرتريا وشعبها.
ـ أذكر لنا مواقف ثنائية جمعتك مع الراحل؟
عنططا: بعد أن أخذت الثانوية في مصر توجهت للراحل وطلبت منه ترتيب إلتحاقي بالميدان لكنه رفض وأصر علي مواصلتي للدراسة، كان يقول لي بأن أرتريا ستحتاج الي كوادر متعلمة ومتخصصة لتواصل تطويرها وازدهارها وهكذا فقد رفض التحاقي بالميدان وطلب توجهي الي بغداد لمواصلة الدراسة الجامعية، كان ـ يرحمه الله ـ يقول ينبغي أن نوجه معركتنا علي صعيدي التحرير والبناء.
ـ ماهي أكثر الدول التي زارها الفقيد؟ ولماذا؟
عنططا: زار السودان والسعودية وسوريا والعراق والصومال وبالطبع مصر، كان يشرح في جميع رحلاته أبعاد القضية ويحرك الأرتريين نحو الهدف الرئيسي المتمثل في الاستقلال ويطلب الدعم والسلاح والإعتراف بالثورة، وفي المسائل الاجتماعية كان سباقاً في جلب المنح الدراسية للطلاب وتوفير العمل للأرتريين المقيمين بالدول العربية، وعندما أفتتح مع رفيق دربه الشهيد الكبير/ عثمان صالح سبي مكتب “جمعية الصداقة الصومالية الأرترية” تمكن من خلال هذا المكتب توفير جوازات سفر صومالية للأرتريين الذين استفادوا من حملها فائدة عظيمة.
ـ متي شاهدته آخر مرة أو أتصلت به؟
عنططا: رأيته لآخر مرة في أبوظبي عام 1985 ثم أتصلت به بعد تحرير أرتريا مباشرةً لأهنئه بالنصر المؤزر الذي حققه شعبه ولأقول له بأن وعده لنا تحقق، وحين ذهبت الي أسمرا عام 1991 أجرت معي إذاعة “صوت الجماهير” مقابلة تطرقت فيها عن كيفية تأسيس جبهة التحرير الأرترية وما قامت به، وذكرت أسماء العظماء الذين كانوا يؤمنون بوحدة الوطن ويتفانون في تخليصه من براثن العدو، ووجهت نداءً للعودة والمشاركة والمساهمة في البناء، ثم هاتفت الراحل أدريس محمد آدم وناشدته للعودة وقد وعدني خيراً.
ـ لكنه لم يعد أبداً؟
عنططا: نعم لعل ذلك يعود الي حدوث تطورات أخري!
ـ كلمة أخيرة؟
عنططا: فقدت أرتريا رجلاً عظيماً أعطاها كثيراً ولم يأخذ منها شيئاً، كان وطنياً حقيقياً بمعني الكلمة، لم يجعل أرتريا همه اليومي وحسب ولكنه تقدم مع رفاق دربه الأبطال بآليات عملية وثورية للتعامل مع هذا الهم الوطني، مات عظيم النفس طاهر اليد متواضعاً زاهداً، لا نعزي فيه أسرته وحسب ولكن أرتريا جميعها، رحمه الله رحمة واسعةً واسكنه فسيح جناته وألهمنا الصبر والسلوان.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=41931
أحدث النعليقات