رحيل فارس من فرسان التحرير في وطنه دون أن يكرم
مركز “الخليج” 12/يونيو 2006م
رحل المناضل عثمان صالح دندن في السابع من يونيو الجاري عن عمر يناهز 65 سنة، وبعد نضال طويل امتد إلى أربعة عقود، حيث دفن في العاصمة إرتريا أسمرا ، وتوفي على بعد صراع مع المرض، وقد انضم دندن منذ نعومة أظافره إلى صفوف جبهة التحرير الإرترية وكان من أوائل المشاركين في تأسيس اتحاد الطلاب الإرتريين فرع القاهرة، والتي وصل إليها في العام 1958 مع مجموعة من الطلبة أبناء حرقيقو الذين أرسل إلى القاهرة عبر ثلاثة دفعات، وكانت الدفعة في عام 1958، حيث درس المرحلة الابتدائية والاعدادية في حرقيقو، وأكمل الثانوية في مصر، وثم دبلوم في المحاسبة، وتمت تمويل رحلتهم إلى القاهرة من قبل جمعية (العروة الوثقى) وهي جمعية أهلية تأسست في حرقيقو، وكان يترأسها المرحوم عثمان صالح سبي صاحب الفكرة، وكان دندن في الدفعة الأولى مع محمد على عمرو أحد ابرز قيادات الثورة وقائد المنطقة الرابعة وحالياً سفير إرتريا في نيجيريا، ورمضان محمد نور الأمين العام السابق للجبهة الشعبية وحالياً متقاعد منذ مؤتمر نقفة للجبهة الحاكمة، ومحمد أحمد نقاش والمرحوم محمد علي أفعرورة ، وصالح طيواي وعبده الأمين منسعاي واستمرت الدفعات من حرقيقو إلى القاهرة من خلال حركة الإخوان المسلمين في السودان الذين لعبوا دور في تسهيل مهمة الطلبة إلى القاهرة .
وبدأ الراحل نشاطه السياسي في اتحاد الطلبة، حيث تولى مدير اتحاد الطلبة فرع القاهرة، حيث كانت حينها مناصب القيادية في الاتحاد من منصب الرئيس والسكرتير والمدير كان من أهم المناصب الإدارية ليخلفه محمد أحمد عبده هي منصب مدير الاتحاد، وثم توجه دندن في وقت مبكر إلي السعودية، وشارك في العام 1963 في تأسيس أول خلية تابعة للجبهة في السعودية، وثم تم تزكيته من قبل عبده ياسين جميل من أبزر واجهات الجالية الإرترية، وعثمان خيار وطه نور الذين كانوا الواجهة الأساسية للجبهة في السعودية، واصبح مسئول مباشر من الفرع، وثم أصبح فيما بعض ممثل للجبهة في عام 1964، وفتح أول مكتب للجبهة في المملكة، حيث تمكن من إقامة العلاقات مع المسئولين السعوديين من خلال الراحل سبي توجت بلقاء مع الملك فيصل بن عبد العزيز في عام 1968، حصلوا على مرسوم ملكي يمنح للإرتريين إقامة حرة المعروفة بإقامة الأربعين، وبموجبها تمتع كافة الإرتريين بالإقامة الحرة في المملكة دون أي مضايقات من السلطات المعنية، وتم استثناءهم من الكفيل، واصبح المرسوم الملكي ومكتب الجبهة هو الكفيل، مما مكنهم من المساهمة في دعم الثورة الإرترية بجانب تحسين أوضاعهم التي ساءت بسبب اللجوء.
وهذا يعد أكبر إنجاز صنعه الراحل للثورة الإرترية وللشعب الإرتري، وكان لـ دندن بسمات واضحة في العلاقة الإرترية السعودية، وحول مكتب الجبهة إلى واجهة دبلوماسية تم اعتماد ورقة الجبهة إلى كل الجهات الرسمية، وقدم خدمات جليلة للإرتريين فالفائدة كانت عامة ولا ننكر إن الخلافات الإرترية – الإرترية التي عصفت بالثورة الإرترية كانت لها انعكاسات سلبية رغم ذلك ظلت مصالح الإرتريين مستمرة على وتيرة ثابتة، وعلى إثر الخلاف داخل جبهة التحرير الإرترية وقف المرحوم في عام 1970 إلى جانب قوات التحرير الشعبية، وثم أنحاز إلى البعثة الخارجية في الخلاف مع اللجنة الإدارية في عام 1976 ، وأغضب موقفه الجبهة الشعبية التي اغلق أمامها منافذ كثيرة، واستمر دندن ممثلاً لتنظيم الموحد حتى إعلان استقلال إرتريا وورثته القنصلية الإرترية في جدة، وظل دندن شامخاً كجبال أدال لم ينحني يوماً أمام العواصف متعددة، إلا أنه قبل بإفرازات الاستقلال والواقع الجديد، ورفض العمل مع الجبهة الشعبية التي اشترطت عليه التعاون مقابل تسليم وثائق سبي التي نقلت إلى حوزته من بيروت بعد الحرب الأهلية وهو ما رفضه دندن مما زاد حدة الخلاف مع أركان النظام. وكان الذين لم يغفر لهم مواقفه واستبعادهم من المملكة، وعلاقاته مع الأمير التركي الفيصل رئيس المخابرات السعودية في السنوات العصر الذهبي وأحدث نقلة في العلاقات لصالح الثورة والشعب الإرتري، إلا أن الجبهة الحاكمة اعتبرت تلك العلاقات خصماً عليها، ووجه أكثر من مرة انتقادات للأمير السعودي ودندن، ولم تخفي على فاطن المعاملة السيئة التي تعرض لها الراحل من اركان النظام الذين مارسوا سياسة الانتقام.
وفي السنوات الأخيرة العجاف التي قضاه في أسمرا ولم تمتد له يد العون من الحكومة الإرترية التي كانت ترسل حاشيتها لتلقي العلاج في بعض الدول الخليجية، إلا أن دندن عوقب لموافقة السياسية والوطنية والشجاعة ورافضا انحناء رأسه. إلا أن الأمنية الوحيدة التي تحققت لدندن هي أن يرى استقلال إرتريا وأن يدفن في ترابها.
يأسف المرء لهذا الجحود من الحكومة التي لا تكرم أبناءها الذين قدموا الكثير لهذا الوطن، فيما تكرم عناصر هامشية. وكان دندن قد استقبل أفورقي ورمضان محمد نور في طريقهم إلى الصين من مدينة بورتسودان السودانية إلى (ميناء جدة ) ومن ثم إلى اللاذقية في سوريا مع أربعة من المفوضين عبر باخرة الوليد التي يقوده القبطان محمد علي برلي وهي ضمن أربعة بواخر كانت تمتلكها الجبهة حينها، ومن هناك استخرج لهم الراحل سبي جوازات سفر صومالية مكنتهم من السفر إلى الصين، وكانت هذه الدفعة الأولى لدورة الصين والذي امتدت إلى عام كامل وذلك في عام 1966 وكان من ضمنها رمضان محمد نور وإسياس أفورقي وأحمد أدم عمر ومحمود إبراهيم شكيني، وفي طريق العودة إلى إرتريا ألقت السلطات السعودية القبض على الباخرة المحملة بالسلاح من الشعب السوري للشعب الإرتري، رغم تعقيدات الموقف، وخاصة الوفد كان محملاً بأطنان من أفكار الثورة الثقافية التي ضبطت مع أفورقي ودفعته، إلا أن دندن نجح بإطلق سراح الباخرة وفك الأسرى.
وكان هذا الموقف كفيل بأن يغفر النظام لدندن وأن يكرمه التكريم بقدر ما قدم لشبعه وللوطنه إرتريا.
وهكذا رحل فارس من فرسان التحرير دون أن يجد التكريم المناسب له.
رحمه الله الفقيد وألهم ذويهم الصبر وحسن السلوان. (إنا لله وإنا إليه راجعون).
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=8647
أحدث النعليقات