رسائل عبر الحدود
الرسالة الثالثة
بقلم عمر جابر عمر
ملبورن استراليا
إلي الفريق / عمر حسن احمد البشير رئيس جمهورية السودان .
الإريتريون منذ استقلال السودان كانوا يفرقون بين حكام السودان والشعب السوداني . العلاقة مع الشعب السوداني كانت راسخة متجذرة في التاريخ وتقف علي أرضية صلبة من التراث المشترك والثقافة المتداخلة والمتفاعلة والطموحات الموحدة في بناء مجتمعات مستقرة ومتطورة وجوار يرمي بخيراته هنا وهناك بما يحفظ وشائج صلات الرحم والعلاقات الاجتماعية خاصة علي الحدود الشرقية للسودان .
أما الحكام فكان الإريتريون ينظرون إليهم كشأن داخلي يخص الشعب السوداني _ أن قبلهم صفق وغنى لهم وأن رفضهم أنتفض عليهم وأزاحهم .
لذا فان مواقف الحكومات السودانية من الثورة الإريترية لم يحسبها الإريتريون علي السوداني ،عندما قام نظام (عبود) بتسليم المناضلين الإريتريين إلي إمبراطور إثيوبيا كان ذلك موقفاً لا يعكس إحساس ومشاعر الشعب السوداني .
وعندما صادر ( الصادق المهدي ) رئيس وزراء السودان أسلحة الثورة الإريترية ( في ضاحية بري ) عام 1965م لم يكن ذلك الموقف يمثل إجماعاً حتى بين أحزاب الحكم والمعارضة . حينما كان ( نميري ) يقوم كالثور الهائج بمطاردة الإريتريين والتضييق عليهم كان ذلك خروجاً علي رؤية وموقف معظم السودانيين . وجئتم يا سيادة الرئيس إلي الحكم ولم نشاهد أو نعايش موقف من جانبكم ينحاز إلي خصمنا إثيوبيا ويصيبنا بالضرر المباشر – ربما لأن الصراع مع إثيوبيا كان علي وشك النهاية والنظام الإثيوبي يلفظ أنفاسه الأخيرة .
ولكننا رأينا في عهدكم أمراً جديداً آلا وهو التدخل في الخلاف الإريتري – الإريتري والانحياز إلي طرف واحد وقمع الآخرين .
في عام 1991م قامت السلطات السودانية بقفل معسكرات ومكاتب جميع المنظمات الإريترية وصادرت ممتلكاتها وأسلحتها ما عدا الجبهة الشعبية !
أثار ذلك الموقف دهشة واستغراب كل الإريتريين خاصة أولئك الذين كانوا يعتقدون بأن النظام في الخرطوم أقرب إليهم وهم أقرب إليه وفي الواقع بدأت علاقة الجبهة القومية الإسلامية مع الجبهة الشعبية قبل ذلك بفترة أي قبل وصول الجبهة الإسلامية إلي السلطة وقبل التحرير الأمر الذي كان مصدر متابعة وبحث من قبل العديد من المراقبين : ماذا جمع التنظيميين وهما علي نقيض ظاهر في تركيبتهما وفلسفتهما ورؤيتهما !؟
وقد عبر عن ذلك القلق الكاتب الصحفي السوداني ( سيد أحمد خليفة ) في مقالة له بعنوان ( هل أسلم اسياس أم كفر الترابي ) !؟ ولكن كما أثبتت الأيام فلا اسياس دخل الإسلام ولا الشيخ ارتد عن دينه – ولكن ما حدث كان أكبر وأشمل من قناعة فردية وخيار ديني لشخص واحد .
وفي محاولة لتفسير وتبرير القرار السوداني . بقفل معسكرات المنظمات الإريترية ومصادرة ممتلكاتها أجتمع ( الشيخ ) بقيادات المنظمات الإريترية ( الإسلامية ) وقال لهم ناصحاً ( استفيدوا من تجربة الحركة الإسلامية – لقد دخلنا إلي الاتحاد الاشتراكي – نميري – وسيطرنا عليه من الداخل . والجبهة الشعبية حديثة عهد بالحكم وتنقصها التجربة – ادخلوا فيها واخترقوها ففيها الكثير من الثغرات والفجوات التنظيمية والسياسية …) !! وما درى الشيخ وما علم بأن تنظيم الجبهة الشعبية ( جسم أصم ) مختنق ليس فيه حتى ( المسامات ) الطبيعية التي تنتج التنفس لأعضائه ناهيك عن خصومه ! .
وفي إريتريا – كان قادة الجبهة الشعبية في جلساتهم الخاصة يتهكمون علي نصائح (الشيخ ) ويقولون سنريهم من نحن – والاختراق سيكون من طرفنا وليس العكس !؟
وربما صدق قادة الجبهة الشعبية أنفسهم عندما حدث الانشقاق في صفوف الحزب الحاكم في السودان وظنوا أنهم من دبر ذلك ؟ والحال أم ما حدث هو نتاج لتجربة سودانية خالصة وتراكمات كمية ونوعية لسلبيات الحركة الإسلامية السودانية وضغوط المعارضة السودانية والقوي والدولية . وبالمقابل حدث الانشقاق في الجبهة الشعبية ودخل السجن عدد من رجالات الصف الأول في التنظيم – ولا دور للنظام السوداني في ذلك أيضاً . ولكن بعد انتهاء شهر العسل – بدأت الحملات الإعلامية بين الطرفين وقفلت الحدود وبدأت الحروب – والضحية : البسطاء من أبناء الشعبين ! واليوم يدور حديث عن ( مصالحة ) قادمة بين النظامين – إنها بشرى سارة تبعث علي الأمل والتفاؤل – ولكن يبرز سؤال : علي ماذا كان خلافكم يا سيادة الفريق مع النظام الإريتري ؟؟.
إذا كان السودان قد بدأ خطواته الأولى لجمع شمل الصف الوطني وتحقيق الاستقرار والحرية لجميع أبنائه – ماذا فعل النظام الإريتري بالمقابل – ومرة ثانية : لماذا كان الخلاف أصلاً ؟ . السودان كان وما يزال ملاذاً لإعداد كبيرة من الإريتريين الذين ضاقت بهم أرضهم – وهم يريدون العودة إلي ديارهم بعد أن يستقر فيها السلام ويشعر فيها كل مواطن إريتري بالأمن والكرامة والانتماء .
لهذا فان المواطن الإريتري إذ يشعر بالفرح حين يسمع بأن هناك مصالحة قادمة فأنه مباشرة يسأل نفسه : إذا كان كل شئ علي حاله ولم يتغير شئ – فما هي أسس تلك المصالحة ؟ ومرة ثالثة وأخيرة يا سيادة الرئيس : ما هي أسباب الخلاف بينكم وبين النظام الإريتري؟
سيادة الرئيس : حكام أفريقيا عامة والقرن الأفريقي علي وجه الخصوص بحاجة إلي مصالحة مع أنفسهم أولا ومصالحة شعوبهم ثانياً وثالثاً وهذا هو الأهم : مصالحة مع حركة التاريخ ! . كم من وقت ذهب هدراً وكم من جهد بذل في غير اتجاهه وكم من أموال صرفت وضاعت وشعوبنا في أمس الحاجة إليها لمواجهة الفقر والجهل والمرض – وكم من أرواح أزهقت وأبرياء فقدوا حياتهم وأحياء أصبحوا نزلاء دائمين في السجون .
علي ماذا الاختلاف ؟؟. إذا كان بسبب المبادئ والقيم ومن أجل مصلحة الشعوب فأنعم به من خلاف – وبالمقابل إذا كانت المصالحة من أجل كسب الوقت وترتيب الأوضاع الداخلية لاستئناف جولات الملاكمة التي يشاهدها الشعبان الإريتري والسوداني بملل واستغراب فندعو الله أن يضع لها حدا وحدوداً حتى يعيش الشعبان في أمن وسلام لقد شهدت المنطقة العديد من الأنظمة الدكتاتورية ( هيلي سلاس – منقستو – عبود – نميري ) ولسنا بحاجة إلي المزيد –
لقد صبر الشعب الإريتري وتحمل الكثير ولا يغير من قناعته دكتاتور صغير يحاول أن يعيد التاريخ إلى الوراء – الصلح خير ولكن ليس مع دكتاتور كل همه أن يبقى في السلطة وينكر حق الأخرين ليس في المشاركة فحسب بل حتى في الوجود .
اللهم هل بلغت –
اللهم فأشهد .
الرسالة الرابعة
الى الشعب السوداني
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6565
أحدث النعليقات