رسالة من مغبون الى صديق فى الخارج؟؟
عزيزى… اولا ،..ادرك انك سوف تستغرب، ان تصلك منى رسالة مطولة كهذه .. بعد هذا الزمن الذى يفصلنا. ثانيا ..ادرك انك سوف لن تجد الوقت الكافى لقرائتها، فالزمن عندكم يعنى كل شئى .. اما عندنا مجانى.. ، ومن كثرة تدفقه ، لا نستطيع ان نستعمله . لكن اشعر انك ستقرا هذه الرسالة رغما عما ذكرت.. اتذكر ياصديقى.. كنت لصيقى وقريبى واخى وعزيزى … يا روعة تلك الذكريات… والطفولة الجميلة.. اتذكرحينا كنا نلعب …انا لم انسى .. لم انسى لعبة(عم عميرا).. وكنا نردد فى صطفاف دائرى… عمى عميرا /ها ها .. ضرب الصفارة /ها ها .. صافرة الحربى/ ها ها… جاردين مكلاسى/ ها ها … حبا ارانشى/ ها ها .. ناكل ونمشى . عزيزى… ياصديق الطفولة والشباب… الحلم والالم.. وهوس البحث عن وطن . صديقى القديم.. اتعرف ما نحن عليه اليوم؟!. اذكر جيدا… انك قد ابلغتنا ما سنكون عليه!.. اذ جارينا هذا المعتوه….حقيقة لم نعتبرك جادا .. او انك تقرا الابراج … لكن من السذاجة التى فينا .. من الفطرة تقريبا .. ضحكنا منك .. رجائى الا تحاسبنى على غفلتى تلك … ربما اليوم استطيع ان اسمع اكثر … لقد ازحت الشمع والغبار الذى عتم على عيناى. عزيزى … اعرف انك تحيا بحرية تامة .. ولكن ادرك ايضا انك تتالم لما حل بنا. عزيزى، اسمع هذا.. ان اول ما سمعته من الحقيقة الغائبة عام 91 اى يوم التحرير او مرحلة نهاية البداية .. هو كلام اضحكنى كثيرا.. واضحك من معى … كان ذلك من فم( مجنون)… نعم مجنون او مصطنع الجنون ،.. نعم فهمنا الان انه الحقيقة… ليتنا لم نضحك .. هذا المجنون كان يدعى امانئيل.. وهو شقيق اسياس افورقى… كان يقول…(ان شقيقى سوف يريكم ما هى الحسرة والالم… سيفعل بكم مالم تعرفوه… انه افعى تسمم كل شيئ… لا تعرف الا نفسها) … ربما تكون قد سمعت بملابسات موته العجيب ؟!! كان مثلك ينصح او يقرا هذه الخراب الذى نحن فيه… لكن كما ضحكنا من نبؤاتك.. ، ضحكنا من تعليقه الصادق.. عزيزى… اتدرى كيف احيا.. بعد كل ما جاهدت من اجله … ودفنت من اجله كل الطيبين… مستقبلى واحلامى… وقلت لا ( كل شيئ بعد الوطن).. طبعا كانه كان كلاما رنانا… احيا الغضب والامتعاض.. والعجز والحرمان والخوف… بل الجوع ايضا ولا اريد ان اخجل من هذا.. امانئيل المجنون … الذى لم يعترف احد بجنونه فى اسمرا، هو اخ لاسياس افورقى … كان مناضلا فى الجبهة وليس الشعبية..، هما اشقاء كما يدعى هو ، والله اعلم .. والاخر كما ترى مجنون… يعترف الكل بجنونه .. . فالامر سيان، فلا فرق لارتريا .. هذا الشبل من ذاك الاسد..!! اتريد منى ان اصف الناس ايضا ؟… اعزرنى.. ارغب فى ان استلف قولا (الحرية عبئ لا يمكن تحمله).. فاذا ارادوا الحفاظ عليها ..استنهدوا من القمع/ والكبح/ والتملك/ والغبن/ والخنوع/ والخضوع/ والحرمان/ والاجبار. انظر الى هذا الخنوع… لا…لا ، لا يمكن لابتنك السفر للعلاج، لانها تجاوزت سن الخمس اعوام.. والبلد تحتاجها بعد الثامنة عشرة. -قال لماذا؟؟!! -قالوا، لكى تذهب الى معسكر” ساوا” -قالوا ، أتعرف لماذا؟ -قالوا ، لاننا سنحارب… ونظل نحارب للابد… حتى وان لم نجد من نحارب..!! وفى صورة اخرى.. تطالب الفتاة التى تبيع جسدها” للخواجات “، ان تدفع 500 نقفة.. لان بيع اسفل سرتها للاجانب يعتبر سلعة تصديرية… ويعنى تدر عملة صعبة ؟.. شر البلية ما يضح .. صحيح اتريد صورة اخرى ؟.. طبعا اعرف انك تتخيل هذه النكبات ..لا عليك،.. لانه تاخر شهرين كاملين من اخر زيارة لاهله.. فان امه خافت ان ياذوه..ان يمسو شعرة من راسه..فرجته العودة اليهم … انهم لا يرحمون يابنى!!… بل اصطحبته حتى مقر وحدته العسكرية،… كان سيبلغ التاسعة عشرة ونصف العام.. قال لامه، انهم سياذوننى … انك سترين المرارة بسببى… حتى والده محمد سعيد قال ، اتركيه لا تبعديه.. انه الان رجل ، ويعرف اكثر منا !!.. لكن امه خائفة.. وهذا ما حصل… لقد اعدموه رميا بالرصاص..لا لشئى.. بل ليكون عبرة لغيره.. لانه تاخر فى الرجوع من الاجازة ..البلد فى حرب؟؟!!! طبعا الحكايات كثيرة.. سميها ما تشاء.. لن تنتهى؟ اتذكر زميلانا / احمد عافة شريفو.. انه دائما بطل… لقد هرب الى السودان … اعنى ترك النظام .. بل ترك الوطن .. كتب لى ،انه فى معسكر استقبال،.. وهناك الكثيرين ممن اعرفهم.. يقول فى رسالته الاخيرة.. احبائى .. لكى تلحقو بى .. اقول طبعا ان السبب الذى جعلنى اترك وطنى … بل ابنائى وامى واخوتى.. هو ليس الخوف من القدر نفسه .. القدر جربته من قبل ، فالذى يتهددنى هو الجوع الذى يسكن بيتى .. الامل المفقود… الصور البشعة التى تطاردنى، والتى اراها فى عيون الناس… فى قصصهم وماسيهم ، لا ، لا هذا كله ولا ذاك؟؟!!الحقيقة انا هارب خجلا من نفسى ،..ومن … وخجلا من ضعف قوتى.. خجلا من هؤلاء الناس الذين كذبوا على الجميع مرتين .. اخجل منهم ان يرونى وانا اتفرج فى فعلهم النجس… اخاف لا يعتبرونى صامت كالاخرق .. فعلا قد اكون اخرق .. لقد بدات اشك اننى انا… انهم يحاولون ان يجعلون نصمت ..ان ننسى؟؟ وخيرا ، قال فى ختام رسالته… انه الان يشعر بنوع من اراحة الضمير! .. وان كنت اكذب نوعا ما!! ياصديقى البعيد .. اعرف انك تتعجب الان… كيف احيا… مع هذه المرارات المميته ..الموجعة ..المفزعة. وكيف احكى عنها؟؟ لا ياعزيزى… لازلت واقفا.. ولست متفرج .. انى احيا… وسط هذه العواصف … والاضطهاد… والركام. لكن.. لايعنى اننى مستسلم! …ارجو الا تفكر بهذا .. فهذا ما يريده المعتوه… الذى ظن انه سيتملك ارواحنا…او انه سيجفف البحر. عزيزى … بصراحة … انا فى حوجة… واعرف ان الجميع يبحث عن سند… حتى وان كان معنوى… ابعث به …الان… يبدو اننى اسمعك بشكل اوضح. … انا فى انتظارك. التوقيع صديقك ايام زمان
2006مدينة – كرن
ود القبائل
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7003
أحدث النعليقات