روسيا قسمت تركستان الغربية لقتل الحرف العربي
بقلم / متكل أبيت نالاي
تركستان تعني أرض الأتراك … وهم شعب وقبائل تتحدث اللغة التركية الشرقية بعدة لهجات ويكتبون لغتهم هذه بالحرف العربي منذ إسلامهم. وتركستان قسمان: تركستان الغربية وهي التي كانت خاضعة-إلى وقت قريب– للاستعمار الروسي السوفييتي . وتركستان الشرقية وهي تخضع – أيضا حتى الآن للاستعمار الصيني الشيوعي.
والغريب أن كلمة “تركستان” محظور استخدامها في “أسيا الوسطى” كما أن كلمة تركستان محظور استخدامها في الصين الشعبية ( الشيوعية) , والدولة هناك أي في الصين استبدلتها بكلمة صينية هي” سينكيانج” ومعناها ” المستعمرة” .
وليس موضوعنا هنا التحدث عن الأهمية الاقتصادية الضخمة لتركستان الغربية وتأثير هذه الأهمية في الاقتصاد الروسي من حيث المعادن والثروات الطبيعية في روسيا كلها أو الأيدي العاملة المسلمة الرخيصة والكثيفة العدد أو عن العقول المسلمة ذات الأهمية البارزة في الميدان العلمي السوفييتي . وكذلك لا يقوم موضوعنا هذا على أهمية اليورانيوم في تركستان الشرقية الذي يقوم عليه الإنتاج الذري الصيني كله للحرب وللسلم معاً, وإنما يقوم موضوعنا هذا على قضية اغتيال الحروف العربية الجميلة التي كانت تكتب بها اللغة التركية في تركستان.. وسيلة لاغتيال الثقافة الإسلامية وللقضاء على الإسلام وعلى الهوية المسلمة في هذه الديار.
السياسة اللغوية الروسية في تركستان
قامت السياسة الروسية السوفيتية على مبدأ تحريم وتجريم استخدام الحروف العربية في كتابة اللغة التركية, وهي حروف استخدمها الأتراك هناك منذ أن عرفوا الإسلام.. وكانت لغتهم هذه بحروفها العربية جامعة موحدة لهم.
وقد وجد الروس أن تركستان منطقة واسعة ذات ثقافة إسلامية واحدة تتحدث لغة واحدة لها حروف ثابتة—
وللقضاء على هذه الوحدة كون الروس لجنة علمية بإشراف البروفيسور كون(( kun مهمتها محددة في قطع العلاقات الثقافية بين المسلمين في تركستان وبينهم وبين الإسلام نفسه.. واتخذت هذه اللجنة توصياتها التي قالت إن السبيل الأساسي في هذا الهدف هو تقسيم منطقة تركستان إلى شعوب ! , و”الارتفاع ” بكل لهجة من لهجات اللغة التركية في تركستان إلى درجة ” اللغة المستقلة” لها حروفها المختلفة ونحوها وصرفها.
واحتج المسلمون في تركستان على هذا خوفاً من انقطاع صلتهم بعضهم البعض وهم ذوو قربى ورحم, وخوفاً من انقطاعهم عن الإسلام والتراث الإسلامي وقام علماء تركستانيون في مؤتمرات علمية يدافعون عن الحرف العربي فقبض عليهم وحوكموا بتهمة الرجعية.
إلا أن قرار الحكومة السوفييتية قد صدر عام 1924 بناء على توصيات “لجنة كون” وقضى هذا القرار بتقسيم تركستان الغربية إلى خمس جمهوريات سوفييتية هي: أوز بكستان وقازاقستان وتركمانستان وقيرغيزستان وتاجيكستان, على أن يكون لكل جمهورية لهجتها لغة خاصة مستقلة, ويقصد القرار أن تتخذ كل جمهورية لهجتها لغة لها.. وقد أطلق على هذه السياسة وقتها سياسة ” فرق تسد” ثم دبر الروس الرسميون مع بعض عناصر إدارية شيوعية محلية في تركستان مؤتمرات تجمع ممثلين لأتراك تركستان في الإتحاد السوفييتي , وكان الهدف من هذه المؤتمرات التمهيد لإلغاء الحروف العربية.
بدأت الإدارة الروسية عام 1928 بتطبيق عملية اغتيال الحرف العربي بين مسلمي تركستان وهذا الحرف هو مفتاح ثقافتهم الإسلامية وعلوم الإسلام . وأحلوا محله أبجدية لاتينية بها بعض الحروف الروسية ( kiril ) وراعت الإدارة الروسية عند الأخذ بالحروف اللاتينية ضرورة.. اختلاف بعض أشكال الحروف مع كل لهجة محلية.. وكان هذا قرارا سياسيا يحقق أهداف روسية سياسية.. وتمثلت هذه الأهداف في :
1- قطع كل صلة بين تركستان وبين الإسلام.
2- تفريق المسلمين وعدم وحدتهم باستخدام أبجدية مختلفة لكل مجموعة منهم.
3- قطع الصلات بين المسلمين في تركستان وبين الثقافة الإسلامية.
4- منع الارتباط وقطع الصلات بين مسلمي تركستان وبين الشعوب الإسلامية المجاورة لها, سواء كانت في داخل الإتحاد السوفييتي مثل القرم والشيشان أو خارج الإتحاد السوفييتي مثل أفغانستان وإيران وتركيا.
ولم تكن السياسة السوفييتية في اغتيال الحرف العربي في تركستان واستبداله بالحرف اللاتيني إلا خطوة نحو تفتيت وحدة مسلمي تركستان, فبإلغاء الحرف العربي قطع الروس صلة جيل العشرينيات من المسلمين بالإسلام لكن هذا الجيل كان يعرف الحرفين العربي واللاتيني, فكانت الخطوة التالية للسياسة الروسية اللغوية إصدار أمر مركزي يفرض على مسلمي تركستان الغربية ترك الأبجدية اللاتينية أي الحرف اللاتيني واتخاذ الحروف الروسية ( Kiril) بديلاً…
صدر هذا الأمر عام 1940 .. ولم ينس هذا الأمر المركزي ضرورة إيجاد حروف متميزة-
في نطاق الحرف الروسي لكل شعب من شعوب تركستان ضماناً لابتعاد كل منها عن شقيقه الآخر.
وحدث الأمر نفسه عندما ألغى الروس الحرف العربي وقتلوه.. أن أحرقوا وأبادوا الكتب الإسلامية ( عام 1928) وفي عام 1940 عندما ألغوا الحرف اللاتيني الذي أكرهوا المسلمين على استخدامه أحرقوا ما كتب بهذا الحرف.
وبالطبع كان للروس ادعاؤهم في هذا الاغتيال وفي فرض الحرف الروسي على المسلمين. قال الروس وقتها أن الحروف الروسية أكثر تعبيراً عن اللغة التركية في تركستان, أكثر تعبيراً من الحروف العربية والحروف اللاتينية.
لم يقتصر الأمر في قضية اغتيال الحرف العربي في تركستان على قطع صلة هؤلاء المسلمين بالإسلام فقط, وبالتالي خضوعهم للنظام الماركسي بسهولة,. وإنما يتعدى إلى هدف روسي أخر هو إجبار المسلمين على ترك الحرف العربي وتمثل الحرف الروسي – من الوجهة الروسية الرسمية- سيجعل هؤلاء المسلمين التركستانيين أمام إمكان تعلمهم اللغة الروسية وهي لغة الإتحاد السوفييتي, وسيتيح فرض الحرف الروسي على المسلمين تسرب الكلمات الروسية ومصطلحات هذه اللغة وتعبيراتها بل وروحها إلى اللغة التركية التي يتحدثها أهل تركستان.. وفي هذا يقول العالم السوفييتي باسكاكوف ( Baskakov) عام 1952:
” أن من أهم الإنجازات التي وصلت إليها شعوب الإتحاد السوفييتي ثقافياً, هو اتخاذ الشعوب السوفييتية غير الروسية لنظام الخط الروسي في الكتابة. أن الحروف الروسية ستعمل على تطوير اللغات المحلية (يقصد اللهجات المحلية في تركستان) وفي الوقت نفسه تساعد هذه الشعوب على سرعة تعلم اللغة الروسية. وبالتالي يعمل الحرف الروسي عمله في سرعة تذويب هذه الشعوب غير الروسية وخضوعها للثقافة الروسية وتأثيراتها بشكل واضح”.
ولم ينس الروس وهم يطبقون قضية أبعاد المسلمين عن إسلامهم وتراثهم عن طريق اغتيال الحرف العربي , أن يحذفوا من لغة التركستانيين الكلمات والمصطلحات العربية في هذه اللغة وهي كثرة بحكم ارتباط الأتراك وغيرهم بالإسلام, واستبدال ذلك بكلمات روسية وملء هذا الفراغ باصطلاحات روسية, خاصة التكنيكية منها والسياسية والأدبية وغيرها.
وماذا عن اغتيال الحرف العربي في تركستان الشرقية؟
وتركستان الشرقية تخضع- حتى الآن لاحتلال الصين الشعبية الشيوعية ويطلق عليها الصينيون اسم سينكيانج بمعنى ” المستعمرة” ويحرم هناك استخدام الاسم الإسلامي وهو تركستان الشرقية كما ذكرنا.
كان اغتيال الحكومة الصينية الشيوعية للحرف العربي رسمياً عام1956 يعني في ذروة العلاقات الحميمة بين الإتحاد السوفييتي والصين. على ذلك صدر قرار الصين بإلغاء استعمال المسلمين للحرف العربي في تركستان الشرقية, ومقابل هذا أمرت الحكومة الصينية بإحلال الحرف الروسي القبيح المسمى الكيريل محل الحرف العربي الإسلامي الجميل.
ولما توترت العلاقات بين الصين الشيوعية وبين الإتحاد السوفييتي أصدرت الحكومة الصينية قراراً في فبراير عام 1960 بتحريم استخدام الحروف الروسية في كتابة اللغة العربية في تركستان الشرقية, وأمرت باستبداله بحرف جديدة أساسها الحروف الصينية لكنها تجمع بين الحرف الصيني والحرف اللاتيني.
وعن طريق هذا التغيير في الحروف دخلت في لغة التركستانيين الشرقيين كلمات وتعبيرات واصطلاحات صينية كثيرة بعد إذا لم يكن منها شيء قبل احتلال الصين الشيوعية لتركستان الشرقية عام 1949
وعن طريق هذا التغيير أيضاً أمرت حكومة الصين أن تكون الكتب المدرسية في مدارس تركستان الشرقية ترجمات للكتب الصينية المدرسية وغير المدرسية. ومن هذا أيضاً زادت الكلمات الصينية ومصطلحاتها قسراً في اللغة التركية الإسلامية هناك, وزاد الأمر سوءا بعد أن رفعت السلطات الصينية شعار اللغة الصينية هي الوسيلة الوحيدة للتقدم”. وأخذت الدوائر الرسمية الصينية ترجح النظر في طلبات المسلمين الذين يكتبونها باللغة الصينية.
وفي تركستان الشرقية يقطن من القبائل التركية المسلمة : الأويغور والأوزبك والقازاق والقيرغيز والتتار وغيرهم. لغة الجميع: هي التركية, وحتى لا يتفاهم الجميع عملت السلطات الصينية على جعل كل لهجة من لهجات هؤلاء الأتراك لغة مستقلة, تأسياً بالسياسة الروسية في هذا الأمر, واستمر هذا الوضع أيام حكم ماوتسى تونج, لكن الأمور في الصين تغيرت كثيراً بعد زوال تأثير ماو واستفادوا المسلمون في تركستان الشرقية كثيراً من انتهاء غمة ماو, وكذالك حدثت تحولات في شعوب الإتحاد السوفييتي في عهد البير يسترويكا وكانت احدي نتائجها فهم حقيقة تركيبة الإتحاد السوفييتي بعد أن تكابد شعوبها مرحلة صعبة جداً في حياتهم, أخيراً بات من المفهوم للرئيس غورباشوف بأن هذه الشعوب عليها أن تفتش طريقة لسياقة تطورها وعليها أن تجد طرق لتسريع التنمية فيها, وخضعت فكرة الإتحاد للتحليل النقدي وأعاد التفكير في أمور كثيرة , الأمر الذي أدى إلى استقلالهم بعد سبعين عام من الضياع.
كتبت هذا المقال وثمة رغبة تحدوني للتوجه إلى الشعب الإرتري لتداول معهم مسألة اللغة العربية, وعمدت واعياً تاريخ تركستان لكي نستنتج منه عبر ودروس وأبعاد السياسية لطريقة التي نحن نسلكها الآن.
أولاً نحن بحاجة لفهم بأن للغة فكر ناطق, والتفكير لغة صامتة, وللغة هي معجزة الفكر الكبرى. واللغة العربية فيها لنا قيمة جوهرية كبيرة في حياتنا كقوميات تنقل مفاهيمها وروابطها الموحدة وبها يتم التقارب والتشابه والانسجام فيما بيننا.
أن القوالب اللغوية التي توجد في أفكار اللغة العربية, والصور الكلامية التي تصاغ بها من مشاعر وعواطف لا تنفصل مطلقاً عن مضمون الفكري لمعظم القوميات الإرترية, التي تنظر إليها كاللغة روحية تؤوي مشاعرها. وقد مضى دهر طويل وشعبنا يتمتع بخصائصها من ألفاظ ومعاني وخيال أضفنا جزءا كبير في ثقافتنا من العرب واشتركنا معهم في كثير من مفاهيمهم وأفكارهم وكنا نقط الالتقاء بين العرب والمنطقة.
أن اللغة العربية هي الترسانة الثقافية التي تبني شعبنا وتحمي كيانه. إنها الرابطة الحقيقية نتجاوز بها محاذير كثيرة, وحينما اختارها الشعب الإرتري اللغة العربية في الخمسينيات كاللغة موحدة لمشاعره الوطنية لم يكن قد ظهر البترول لدي الدول العربية, ولكن اختاروها كصفة لشعبهم, واتصالها بتاريخهم الثابت وكانت من مظاهر ثقافتهم الموجودة من عهود الفتوحات الإسلامية في البلاد. لقد حمل العرب الإسلام إلى المنطقة, وحملوا معهم لغة القرآن العربية واستعربت شعوب المنطقة فتركت لغاتها الأولى وآثرت لغة القرآن, أي أن حبهم للإسلام هو الذي عربهم, فهجروا ديناً إلى دين,وتركوا لغة إلى أخرى.
واتصلت اللغة العربية بالنضال الإرتري جيلاً بعد جيل وانبثق عنها ثقافة كاملة تؤلف وتصوغ أفكارها وعواطفها بالغة واحدة وأصبحت أداة الاتصال والمكون لتفكيرنا وأصبحنا نتكلم بالغة التي سجلت تاريخنا ونضالنا وأحاسيسنا منذ أبعد العهود واستطاعت أن تكون لغة أبناؤنا الذي ولدوا بها.
لقد أعاد إسياس المشكلة التاريخية المزمنة مع نظام هيلي سيلاسي بديكور لتهميش حقوق المسلمين وإرساء أسس الدكتاتورية بهالة من الكلام الديمقراطي حتى لا ترتقي العناصر التي همشت في نظام الإثيوبي, وحينما رفض المسلمون التعليم بالغة الأمهرية كانت النتيجة نخبة متعلمة تملك كل شيء مقابل أمية مست أكثر من 85% من المسلمين , واليوم يبدأ إسياس من جديد بعث للقانون الإمبراطوري بأشكال جديدة لا تقدم للواقع شيئاً ربما تحول دون تقدم القوميات الإرترية المهمشة. أن غياب المقاييس الاجتماعية الصحيحة في بلادنا هو نهج استراتيجي انتهجته الشعبية منذ مؤتمرها الأول, ولآن لا نعتقد إنها يمكن أن تتراجع عنه, خصوصاً هو احدي مرتكزاتها التي صنفت بها شعبنا إلى تسعة قوميات.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6367
أحدث النعليقات