زغاريد التحدى فى النقرة..!
بقلم / محمد آدم حاج محمد
نرجع ادراجنا الى النقرة بؤرة النشاط الشعبى الفوارة . نحفر تحت طبقات ذاكرتنا الجماعية . ننقب عن رواسب اثار من اعمال شعبية؛ كانت يومئذ مجيدة ومشرفة ترقى الى مستوى الاعمال البطولية .. ! وكنت شاهدا عليها او مشاركا على هامش منها، مع ابطال كثر يتبارون بحماس وهمة فى عمل يومى مرهق يقصدون من ورائه حشد الطاقات الشعبية، وتعبأة صندوق المجهود الوطنى بالمال يكبر حجمه بالتراكم دينارا فوق دينار .. ويشهد التأريخ انه كانت نقرة ورشه عمل لا تهدأ جلبة الحركة الشعبية فيها .. وكانت مسرحا للفن الشعبى الأصيل يلهب المشاعر الوطنية، ويبعث من كوامن النفس روح المبادرة والإبداع . ويحضرنى كيف بدأت الفرقة الفنية بالنقرة بداية متواضعة بعدد من الشباب المتحمس للعمل التطوعى، وبدون آلات الموسيقية .. وأتعمد ان أذكر أول عازفة على الربارة – كرار – فى الفرقة الناشئة؛ وهى الآنسة معْراف يوهنس وكانت إمرأة كبيرة فى السن تعتلى المسارح مع شباب من عمر ابنائها وتعزف ألحانا وطنية مؤثرة . والأهم من أسبقيتها فى العزف الموسيقى؛ فهى أم لشاب شجاع وجرئ – ملقيتا – ظل الى اليوم نشطا ومتحمسا للعمل الوطنى، وذات يوم واجه الرئيس فى اجتماع مفتوح عقد فى حرم السفارة بسؤال جرئ وخطير دونه حياة السائل وكان سؤاله : ما مصير سجناء الرأى والضمير فى بلادنا .. اين هم يا فخامة الرئيس .. ؟؟!! ( أنظر جوجل : حامد عبد الله – شيطان أخرس .. لمعرفة تفاصيل المواجه الساخنة ..؟ ) . وكانت نقرة ايضا متجرا شعبيا يدر مالا تعمل فيه بالتناوب فرق منظمة من جنود مجهولين همهم توفير المال يَستوْلد فلسا من فلس يكبر مع الأيام ويغذي بفعالية خزينة الثورة الفقيرة المعتمدة على قدرات شعبها المحدودة . وكانت المرأة العاملة فى خدمة المنازل البطل الحقيقى فى ملحمة العمل الشعبى المثابر فى ورشة النقرة المستنفرة دائما.. ! .
أريد ان أذكر هنا موقفا ذات دلالة، وله علاقة مباشرة بموضوعنا؛ نقله الىَّ الأخ عبد الله جابر – فرج الله كربته – والموقف الذى كلمنى عنه اضعه بين مزدوجتين على النحو التالى : ( فى عصر ذات يوم من ايام 1983م دعانى الصديق عبد داؤود اركا؛ لتناول فنجان قهوة فى مقر عمله، وكان الجو العسكرى العام ينذر بمخاطر جدية تهدد وجودنا العسكرى فى مواقعنا الحصينة .. وبينما نتبادل اطراف الحديث فى مجلس قهوتنا مر بنا القائد ابراهيم عافة، وحالما اقترب منا على بعد امتار قليلة هدأ سائقه سرعة المركبة، وفتح ابراهيم نافذة سيارته وحيانا ملوحا بيده يودعنا .. وفهمنا من كلمات وداعه : ليلتكم سيعدة … إن كُتبَتْ لنا فرصة اللقاء .. فأين سنلتقى ؟؟!! . القى علينا ابراهيم كلمة وداعه القصيرة ومضى فى طريقه .. وانا لم اعط إستفهامه – أين سنلتقى – اي بعد غير عادى يذكر .. واما عبد الله ركا فقد رنَّتْ الكلمة فى ذهنه وكأنها ناقوس خطر مدوى، وأقلقته ولم يخف عنى قلقه الشديد؛ وأخذ يكلمنى عما فهمه من كلام القائد عافة : يا عبد الله .. اين سنلتقى سؤال يتعلق بمكان اللقاء المحتمل ألقاه علينا رجل يعرف تفاصيل كل الأمكنة فى الخريطة الطبيعية لإرتريا .. ومن طبعه الكتوم لايسأل عن المكان الذى يقصد اللقاء بأحبته فيه .. أنه عسكرى بارع فى تحديد نقاط الإرتكاز بحجم رأس الدبوس على خريطة جبهات قتاله العريضة .. ويعرف بدقة أين يضع مدفعيته .. وبأي مسلك وعر يحرك مشاته .. ويعرف جيدا كيف يلتف على خاصرة العدو ويكسرظهره فى المفصل الرخو من تشكيلات جيشه .. هو بارع جدا وبعبقرية يحسد عليها يضع قواه العسكرية فى مواقعها المناسبة فى الخريطة العسكرية المفرودة امامه دائما .. وبحسبة دقيقة يعرف مسبقا حجم خسائره فى العدة والعتاد .. وعلى نحو دقيق يحدد بدقة تقديرية فائقة عدد شهدائه فى المعركة وحتى فى سلسلة المعارك الجارية فى آن واحد ..؟!!.
لايترك ابراهيم مصائر الأمور للصدف، ولايقفز فى الهواء المجهول؛ فكل شئ عنده مدروس بدقة تقديرية عالية ترتكز على تقديرالمتحول من الأحداث .. فتحما يعرف سلفا المكان الإحتياطى الآمن الذى ينبغى أن نزحزح فيه اجهزتنا الإدارية ومدارسنا ومستشفياتنا .. اذا ما إضطرتنا الظروف العسكرية الطارئة .. أعرفه أنه رجل بارع فى لعبة الشطرنج يحرك بيادقه بذكاء وهدوء و يحرج منافسه بهزيمة سريعة وسهلة .. ومعركة القتال عنده اشبه بلعبة الشطرنج يسيطر على مسرح العمليات القتالية بشكل كلى ودقيق حسب خطته المعدة بدقة فى خريطة واضحة المعالم .. وأما ان يسألنا رجل عسكرى محترف عن مكان اللقاء حين تزول المخاطر؛ وخرائط القوة بين يديه؛ فهذا أمر تنطوى فيه مخاطر جدية تؤرقنى تماما – يا عبدالله .. ؟؟!!. وقبل ان يكمل عبد الله ركا تداعيات قلقه الناجم من سؤال : أين سنلتقى ..؟؟ . لمحت اطفالا يلعبون بالقرب منا بأكوام تراب على الوادى، فشدتنى مناوشاتهم البريئة، وهم يتبادلون بعثرة أكوام لهوهم؛ فألتهيت قليلا عن كلام عبد الله ركا .. ! . وفى الحال سمعنا ” دوزنة ” ربابة يلعب على أوتارها طفل صغير متسلق على شجرة نبق ظليلة، ويطلق ألحانا شجية ومؤثرة؛ لأغنية عنوانها ” الجيش الشعبى نار بركان .. ” وعلى وقع اللحن المموسق قطع عبد الله ركا كلامه معلقا على الطفل الذى يشدو فوقنا : ” ماذا يقول الشبل يا عبد الله .. عمه الأسد فات من هنا يودعنا ليطفئ براكين الدم المتفجر فى غير مكان من ساحلنا المنيع .. وهو الآخر – الطفل – يتغنى ببراكين الدم ويحرضنا على القتال .. نعم .. ابن وزة عوًّام .. وهذا الشبل الذى يمتعنا ويبعث فى نفوسنا الثقة بالنصر عنيد اشبه ابويه . وأكيد أنه رضع من حلمات لبوة كريمة ..! ” .
نادى ركا الشبل المغنى : ” تعال يا نافع .. أنزل على مهلك .. أنتبه لايجرحك الشوك .. ” ونهض من جلسته يهم مساعدة الطفل فى النزول الآمن من الشجرة .. وسبقه الطفل بحركته السريعة وإختلط بأقرانه اللاهون بأكوام التراب وأخذ يصيح عليهم بأعلى صوته : ” أين كومى .. أين بيتى .. من هداه وبعثره .. والله ما اسيبكم .. ؟!! ” . ومن جديد نادى عبد الله داؤود ركا الطفل الغاضب من زملائه اللاهون يراضيه ويهدأ من ثورته : ” تعال عندى يا نافع .. تعال سلم على عمك عبد الله جابر .. تعال خذ هذه الهدية منى .. اترك التراب .. عندى لك هدية قيمة .. ؟!! ” . أقبل اليه الشبل المغنى مهرولا وأخذ ركا حفنة من ” نبق ” وحشرها على جيب طفله الصغير : ” برافو يا نافع نحن نحبك .. هيا سلم على عمك عبد الله جابر .. قبله على يده .. وغنى له تانى : ” هزباوى سراويت اسات تقمرا .. !! ” . إبتسم الطفل استحياءا وعاد أدراجه راكضا إلى أقرانه يلهو معهم بالتراب .. ؟؟ ) .
عاد عبد الله جابر من مركز الزلزال فى ” نقفة ” الى موقع عمله بالكويت . وترك خلفه بركان دم يقذف حممه الملتهبة من فوهته العليا بجبل ” دندن ” الشامخ .. ووجد إرتدادات الزلزال المدمر، ولفح البركان الدامى؛ قد وصلت الى النقرة . ووجدها تغلى .. ووجد الناس هنا فى حالة استنفار قصوى يضعون الخطط والبرامج العملية للمساهمة الجادة لإخماد براكين الدم المتفجرة فى قلاعنا الحصينة هناك .. ! . الناس فى النقرة حاستهم الوطنية قوية يستشعرون المخاطر عن بعد؛ ولا ينتظرون الأوامر العليا من أحد .. !.
فى النقرة عشن لبوات كريمات لا يذرفن دموع الضعف عند الشدائد والمحن الوطنية . ويعرفن طريق التحدى الطوعى وكيف يجهزن مؤونة الجندى الملتحم فى جبهات القتال المزلزلة على امتداد خريطة إرتريا الوطنية .. النساء فى النقرة تحديدا ظللن على مدى اربعون عاما يطلقن زغاريد التحدى كلما اشتد حمي وطيس الحرب الضروس وسقط فى اتون ميادينها أعزاء من الرجال والنساء .. كانت زغاريدهن العامل الحاسم لمواجهة آلة الحرب الفاشية والإنتصار عليها بالإرادة المشفوعة بتدابير العمل المنظم .. بزغاريد التحدى المدوية كن يلهبن مشاعر الحماسة الوطنية، ويحفزن فى الناس كافة روح التحدى والإصرار على المقاومة الشعبية الباسلة بكل الوسائل المتاحة .. وما المتاح فى الغربة من وسائل نضال فاعلة غير وسائل الدعم المالى والمعنوى من بعيد للذين يقبضون على الجمر فى الخنادق، ويخمدون بأكفهم حرائق القتل المشتعلة فى إرتريا .. فى هذا المجال كن بارعات يُضرب بهن المثل فى التفانى والإخلاص الوطنى ..! . كنت اري كيف يتقدمن الصفوف بالعمل الجاد من شأنه تعزيز روح الصمود الإسطورى، برفع أسهم مشاركتهن العملية فى صندوق الدعم المالى !!؟؟ .
النساء فى النقرة عاملات منازل اجورهن زهيدة لاتتعدى فى المتوسط سقف المائة دولار أمريكى (30دك ) شهريا .. وبالكاد يغطى إحتياجاتهن الضرورية؛ ومقابل هذا الأجر الزهيد يعملن عملا مضنيا فى خدمة المنازل بدون تحديد ساعات العمل اليومى .. كما هو محدد فى قانون العمل بثمانى ساعات فى اليوم . ولا يسمح لهن مزاولة عمل إضافى لتحسين ظروف معيشتهن بزيادة الدخل الشهرى .. ومن هذا المبلغ الزهيد يَعلْنَ اسرهن فى إرتريا .. ويوفين إلتزاماتهن الوطنية كالإشتراكات الشهرية للتنظيم؛ ولأتحادهن الفئوى، وكذا دفع اشتراكات إتحاد العمال بإعتبارهن عاملات فى التصنيف الطبقى .. وكلما قرعت طبول الحرب يبادرن طوعا بالتبرع على الأقل براتب شهر كامل .. وكم من مشاريع خدمية أو تنموية اسهمن فيها بسخاء كمصنع الفوط الصحية الذى أنشأ فى الميدان لتغطية حاجة المقاتلات .. والآن يعملن لأنشاء مركز للتنمية النسوية فى عصب تقدر تكلفته بعشرات الآلاف من الدولارات الأمريكية ..؟!!.
كانت لهن إجازة اسبوعية للراحة هى أقل من اربعة وعشرون ساعة فى الاسبوع؛ وعلى قلتها كن يقضينها فى عمل مضنى آخر فى النقرة بإنخراطهن فى الأنشطة الثقافية والتعليمية .. وفى إعداد الوجبات الغذائية المخصص ريعها لدعم المجهود الوطنى ..؟ . بحق آمنَ بأن المشاركة الجادة بالعمل الشاق هو السبيل الوحيد لتحقيق المساواة الفعلية فى الحياة ..؟ّ!! .
وكانت فى النقرة زغرودة للفرح فى مواسم الأعراس .. وهو موضوعنا القادم فانتظرونا ..؟؟!! .
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=35311
أخي العزيز ، النقرة كانت مسرح للخديعة ، حيث خدع البسطاء من أبناء الشعب الارتري ، بشعارات براقة لذر الرماد في عيونهم بينما كانت خفافيش ( نحن وأهدافنا) تعمل في الخفاء مستغلة بساطة البعض وطيبته ، وجهل وتعصب البعض ، كانو يؤججون نيران الفتنة فيكم واصفين ناس الجابرية بالتتلف والرجعية ووصل البعض هناك في النقرة لجهله أن كان يطئ مجلة النضال التابعة للجبهة تحت جزمته حتى يطلق عليه تقدمي ، المصيبة أعضاء الشعبية وبعد كل الخدمات الجليلة التي قدموها لأصحاب مشروع نحنان علامانان وأوصلوني إلى ما وصلنا إليه بدلا من أن يستحو ويعتذروا تراهم يتشدقون بالمعرفة والوعي ، وهم الذين خدعو أزمانا كانو يلعبون فيه دور المغفل النافع ، في حين أبسط الارتريين وعيا قد عرف حقيقة هذه المجموعة والتي ما وصلت إلى ما وصلت إلا بإستغلال هؤلاء
رائع حد الإمتلاء… سرد موفق ..إختيار جميل للألفاظ.. شكرا لك