سياسة الإحلال والإبدال أثارها الكارثية
بقلم / محمود طاهر 20/11/2008م
إن مسألة الملكية العامة هي من القضايا التي توقفت عندها النظريات السياسية المختلفة، في عالمنا ما بين إطلاق عام في النظام الليبرالي وتقيد تام في الفكر الاشتراكي وفرض ضوابط تنظم حدودها في النظام الإسلامي، وقد جاء الاختلاف بين هذه النظريات، حول طريقة التملك وكيفية الاستفادة منها في تدبير الموارد المتاحة بما يخدم الجميع ،ولم يتم التعامل معها علي أنها قضية سياسية تستخدم للمنع والإقصاء, خاصة حيازة الأرض التي تعتبر من الأمور الجوهرية في حياة الشعوب والمجتمعات لارتباطها بالتاريخ والإرث والمعتقد ،فلذا اعتبرت من القضايا البالغة الحساسية، وأي مشكلة ارتبطت بها في بلداً ما صنفت في خانة الأزمات الخطيرة والمعقدة، والتي تهدد بقاء هذه الدول والشعوب في وطن واحد، والمتعارف عليه في كل الدول أن المواطن هو الذي يختار البقعة التي يعيش بها بغض النظر عن عرقه أو جنسه أو دينه داخل إقليمه أو خارجه بعيداً عن التدخل والوصاية من أحد.
إن قيام النظام الإرتري الطائفي بعملية الإحلال والإبدال بإسكان مواطنين مكان آخرين ،هو بمثابة بارود قابل للانفجار في أي لحظة مما يهدد الأمن والاستقرار والعيش المشترك بين مختلف مكونات الشعب الإرتري، وجعل البلاد في مفترق طرق ،وأن مثل هذه الأعمال الإجرامية لا تقوم به إلا الأنظمة الطائفية و الديكتاتورية من خلال سياسة” فرق تسد ” ،لاطالة عمرها بافتعال المشاكل والأزمات الداخلية والخارجية، ليسهل عليها السيطرة علي الوضع بحشد كل الطاقات لمواجهة العدو الافتراضي الذي يعشعش في مخيلة النظام المريض ،فقد هدفت الحكومة القمعية من سياسة التغير الديمغرافي تنفيذ برنامجها الاقصائي، وفرض ثقافة بعينها علي كل المجتمع دون مراعاة لا بسط حقوق المواطنة،وهذه السياسة لم تأتي مصادفة أو نتيجة خطاء في التوقعات، وما أكثرها في ظل النظام الديكتاتوري ويرجى منه التصحيح في فترة لاحقة ،بل هي استراتيجية انتهجتها الزمرة الحاقدة لأهداف مستقبلية.
وان الصراع حول هوية الأرض يأخذ صوراً متداخلة ومعقدة بسبب التركيبة السكانية والعلاقات الاجتماعية السائدة ، بين المجموعات ا لوافدة والمستقرة ،وتعتبر حملات التهجير والترحيل التي تجري علي قدم وساق في عهد النظام القمعي، من اجل تغير الخريطة السكانية وخلق قري ومدن جديدة لساكنين جدد محل مدن وقري قديمة، يعد واحدة من ابرز أسباب تدمير حالة التعايش السلمي بين المكونات المختلفة، ولا يقتصر الآمر علي هذا بل تعده إلى تقديم قروض مالية كبيرة لهذه الأسر لمساعدتهم في بداء حياتهم الجديدة ،مما دفع بالكثير من أولئك الانتقال إلى تلك المناطق والحصول علي ارض سكنية وقروض مالية لبناء منازلهم،هذا إضافة إلى حملة التغير الثقافي في الجغرافية السكانية التي فرضها النظام علي المناطق وأهاليها، وهذا تميز واضح بين أبناء الوطن الواحد، و سيجعل كل طرف يعيش في عالمه الخاص به، حيث لايمكن للوافد الاندماج في محيطه الجديد كما لايمكن للآخر أن يتفاعل مع من يرى انه جاء لاغتصاب أرضه، وهنا لابد أن نفرق بين الذي أٌتي به قسراً من قبل الحكومة، والذي جاء لاستغلال الوضع الجديد بكامل أرادته مستفيداً من المغريات ، فالأول مثله مثل صاحب الأرض فٌرض عليه التهجير القسري، وسلمت أرضه لاخرين ، بينما الثاني أتي بدافع الجشع والأنانية ولاستثمار الوضع بما يخدم مصالحه ، مما يستوجب معه مراعاة ظروف كل طرف عند طرح الحلول المستقبلية.
والوضع الشاذ والغير أخلاقي الذي فرضه النظام الديكتاتوري علي المواطنين، سيؤدي في نهاية المطاف إلى آثار مدمرة وكارثية عندما يبدأ الطوفان الشعبي الرافض لسياسات الحكومة بصفة عامة، والذي تشير كل الدلائل والمؤشرات إلى حدوثه، بعد أن بلغ الظلم والاضطهاد حداً لايمكن السكوت عليه، مما يستلزم معه التدخل العاجل من المعارضة الإرترية ممثلة في التحالف الديمقراطي، من خلال رفع الغبن والتهميش، الذي أصاب شرائح كبيرة من المواطنين، جراء السياسة الغاشمة، وذلك بطرح حلول جريئة وعملية لمعالجة كل القضايا المتعلقة بالمظالم، ولابد أن يسبق هذا اعتراف واضح وصريح يعتبر كل الذي جرى جريمة وطنية، لما لهذا الأمر من اثر طيب في تهدئة الخواطر والنفوس ،وستعزز هذه الخطوة من دور المعارضة من خلال حل القضايا والأزمات التي تسبب فيها النظام، كما سيتفاعل معها الجميع في مشروعها الوطني المناهض لسياسة الديكتاتور، وكما سيشفي القليل من غليل أولئك الذين ارتكبت بحقهم هذه الممارسات الإجرامية، خاصة وان العمل في التحالف بداء يسير في الطريق الصحيح، بطرح وحل قضايا كانت تعتبر في السابق من الأمور الشائكة والمعقدة،وهذا ما يبشر في المستقبل المنظور بإيجاد معالجات ترضي جميع الأطراف من غير منتصر أو مهزوم، وتعيد الاستقرار إلى ربوع البلاد التي تمر بظروف عصيبة، من تاريخها لم تشهده حتى في فترة الاستعمار البغيض.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=41085
أحدث النعليقات