صدى مارس في حديش عدي
أكتب إليكم من مدينة الصفيح في حي كل أهله يموتون قتلاً أو يذهبون إلى السجن, أو يصبحون جنوداً من لدرجة الثانية. وفي هذا الحي توجد بيوت لها أبواب قصيرة تأسست ممن يأتون إلى المدن هرباً من بؤس الريف وما يعانيه أهلها من جفاف , بدافع الفقر والحاجة وجدوا في الخمر والجنس رواد وما ينسهم حرمانهم وعذاباتهم , يهاجرون إليها مكرهين ويتعرضون للذل بحثاً عن الرزق.
وفي يوم من أيام مارس وتحت ظل شجرة كبيرة في حي حديش عدي عقد اجتماع بمناسبة 8 من مارس( عيد المرأة العالمي ) وكنت في جلستي المستريحة أشم قليلاً من الهواء من شرفة منزلي وهنا أخذت أنظر إلى الطريق الترابي الذي يتعرج في السهول والوديان ثم ينعدم في الجبال لأرى القادمون من نساء الحي وأطفالهن وقد تهرأت قدماهم من المشي تحت أشعة الشمس المحرقة.
في هذه المناسبة النساء يستطيعون أن يدبروا إنجيرا وقليل من قيجا وبرميل من الماء ولكن
لا أحد يعلم عن أوضاعهم الاقتصادية التي ضربة المنطقة كلها- الناس أشكالهم ضعيفة وهزلت أجسادهم, عروقهم تظهر من فوق الجلد بل تراها تتحرك باستمرار, كما عافوا عن أكل اللحوم منذ زمن بعيد حينما ارتفعت عليهم أسعارها حتى شيرو أصبح له شأن في هذه الأيام.
تاجر الحي فيهم هو ذلك الذي يبيع الفستق في مواقف الباصات وصبي الصغير المتدرب عند الخياط الشعبي.
كان موضوع الاجتماع عن عادة الطهور للأنثى(الختان الفرعوني) في المجتمع الإرتري, ونحن نعرف البلاد كلها خير وبركة في هذا الأمر, وما يحدث في بلادنا أيضاً يحدث في كثير من البلدان المجاورة, ولكن لماذا يفهم بأن حقوق المرأة هو هذا كله, ويستهزأ بدين وتحكي فيه قصص جنسية مثل كيف يقضون حاجتهم ومعهم الواقي الذكرى وقالت رئيسة الاجتماع السيدة/ أفرو طيزا وهي امرأة قدماها صغيرتان وساقاها ممتلئين لحم بما فيه الكفاية, التقطت النساء من كلامها قولها” مالكم ومال الزواج عيشوا حياتكم أحرار وتعلموا الوضعية الجنسية الكثيرة التي تحتوي على سعادة المرأة مثل رقم 69والديش, والمروحة,والفرس,”
لم يتصور أحد سوف يشرحون لهذا الحشد بهذا الشكل في يوم من يوم الوفاء للمرأة الإرترية, بل قيل لهم أنه شيء عادي وطبيعي وحق مطلق للمرأة, وعلى المرأة عليها إدراك وتحديد سعادتها.
كل القيم الإرترية النبيلة قد ماتت حتى الأطفال الجالسون في قطعة حجر الكبيرة المغروسة في الأرض كانوا يضحكون مما يسمعون وخصوصاً كلما حكة أفرو طيزا سروالها التي تفوح منه رائحة الخمر,
ومن اليمين قامت السيدة/ رايت( أم محمد) التي شعرت بكل هذه العفن والغليان وقالت لها بغضب لا حد له ” أنتم تتخيلون أشياء بعيدة غير موجودة الآن في المجتمع الإرتري وأنصحك أنتي بذات أن لا تتعبي نفسك بالشرب الخمر لكي تحلي مشاكل لا يمكن التغلب عليها إلا في حالة الوعي التام.
ثم تحدثت جارتها السيدة/أخبرت وهي امرأة شديدة الخجل الكل يحبها ويقدرها استنكرت كلام أفروطيزا وقامت وابتهلت وتحسرت أمام صورة مريم المحتضنة طفلها والمعلقة في الجدار. وكانت تدعوها أن ترفع هذا لبلاء الذي ظهر في البلاد.
أما أفروطيزا قالت لهم أنتم تتكلمون مثل والدتي, وهنا عمل الحضور ضجيج غير مفهوم اختلط فيه الغيظ مع قهقهة بعض المخمورات حتى غطى على صوت الميكرفون. وكانت الساعة حوالي الحادية عشر ليلاً والنساء المخمورات تتبول على بعد أمتار من مقر الاجتماع وتقولوا للمتحدثات استعدوا لشهرين سجناً على الأقل ولكن كان يأتهم الرد من الشريفات بقولهن بأن السجن لأمثالنا هو راحة وانفتاح على الحرية.
كانوا متا كدين لا يمكن أحد أن يتجرأ على نقدهم, ولكن الواقع بدأ يغلي في صفوف الحضور وأصبح النقاش صعبا, اشتبكت فيه الأشياء التي كانت تدور في النفوس و كانوا يعرفون سالفاً بأن وجهة النظر بين نساء الحي الفاسقات والشريفات لم تكن متقاربة وأن الحي نفسه كان يحمل فكرة الانشقاق والكل مندهش من تصرفات سكانه الجدد وما يبطنون لشرفاء,
لا أحد قادر إعادة عافيت هذا الحي البسيط التي أصبحت الحياة فيه تعيسة من جراء المصايد والفخاخ التي ينصبها المستوطنون الجدد لولادعد. وفي نهاية جاءهم أمر بالتوقف عن النقاش
وقالوا لهم إشفاقاً على طول مدة الاجتماع نعلن الانصراف.
وقالت رايت يا الله فلنذهب يا أخبرت الآن. وبنهاية أخر لليل من ذلك اليوم, أنهت المرأة الإرترية اجتماعها بالتذمر والشكوى وتبادل الاتهامات والنفي والتهاون والجدال.
وللحقيقة نقول يوم المرأة العالمي لا يعني شيء بالنسبة لبعضهن رغم ما يحمله من دلالات إرترية قوية لنضال المرأة الإرترية لأن العيد نفسه فقد نكهته السياسية من زمان, وأصبح مناسبة لشعبية تؤرخ فيها تاريخها وتستخدمه كوسيلة لدعاية النظام للحصول على التبرعات.
هكذا لعب عليها الزمن لعبته الذكية والمقصودة فغير من حالها وأحوالها وتم تعريتها أمام الجماهير, فهي اليوم تكنس الشوارع, وتسجن بسبب هروب ابنها, وتعمل في إنشاء السدود كعبيد للنظام, وتشيد المباني أي( مناولي) وتسكن فيها كل الصور المشينة لسلوكيات الحكومة الفاسدة. هكذا وهكذا يقراه حقوقها, وهذه هي وسامها واستحقاقها, ونوط شجاعتها لدور الذي قدمته لبلادها. وهنا نتساءل أين اختفت قرارات المرأة التي تدعو بالارتقاء بقدرات المرأة ورفع وعيها التي تغنى بها إتحاد المرأة الإرترية في الميدان.؟
لا شك هموم المرأة كبيرة وكثيرة ولكن لا أحد يريد التطرق إليها, لهذا نطلب منها أن تقوم بنضال جبار تتحده فيه كل القيود بل عليها أن تحتج على مقتل 19 ألف إرتري فليكن هذا الاحتجاج من أجل إيجاد حل لوضعها المتأزم أو لكشف المآسي الذي حدثت لهن في أولادهن وأزواجهن من النظام الحاكم حتى يكونوا تأريخ معتمد يدخل ثقافة بلدان أخرى.
بقلم/ متكل أبيت نالاي
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7433
أحدث النعليقات