طريق الديمقراطية محفوف بشهوة الحرية ومداخل الديكتاتورية -2
بقلم عمر محمد صالح
كاتب وصحفي ارتري
بما أن الديمقراطية حالة إجتماعية متقدمة يقاس من خلالها مستوى تحضر المجتمعات وتطورها ومدى إنعكاس تلك الحالة على الأجيال المتعاقبة وتمسكها بمفهومها كعرف إجتماعي وسياسي واقتصادي وثقافي لا غنى عنه بغيره . ومن ثم فهي تعتبر المحطة الهامة في حياة الفرد والمجتمع الإرتري المتواجد داخل وخارج مجتمعه .. ومن ثم نرى أن الوقت قد لعكس وترجمة هذا المفهوم على أرض الواقع وخاصة المنتمية منها للمعارضة القائمة الآن ضد الوجود الديكتاتوري في بلادنا .. وهو بالإضافة الى ذلك حق تاريخي مستحق لصالح الشعب الإرتري الذي دفع ضريبة هذا المكسب السيادي ، إلا أن هناك من ترهبه هذه الدعوة لأن القيادات الديكتاتورية المتدثرة بثوب الديمقراطية والمختبئة بعباءتها متواجدة أيضا في مربع المعارضة ومتأهبة لممارسة دورها الديكتاتوري بعد إسقاط النظام الحالي الذي يختلفون معه في القسمةوليس المبدأ ولهذا هم الآن يتشدقون بألفاظ تنبئ وكأنهم من غلاة الديمقراطية ومحبيها الى درجة الوله والهدف هو التغلب على خصمهم القوي ليس أكثر ، ولهذا نرى السعادة وهي تتسلل منهم خلسة كلما رأوا الناس يعدونهم الى جانب المعارضة وكلما لمسوا أن الآخرين قد إقتنعوا بأن الديكتاتورية إنما هي صناعة حفنة يقودها إسياس ويحكم من خلالها النظام الحاكم في أسمرا ) ..
ولعل المعارضة بفصائلها السياسية والمدنية تتهدف بجدية لنقل المجتمع الإرتري للمستوى المتقدم الذي دعت إليه الديمقراطية ، إلا أن تجاوز الخطوة الصعبة المتمثلة في تحرير مضلعي مثلث السيادة الوطنية الساقط من معادلة السلطة القائمة الآن .. أي تحرير مضلع الحقوق والصلاحيات السيادية للإنسان الإرتري الفرد ومضلع حقوق وصلاحيات المجتمع الإرتري ككل من سلطة الإخضاع القسري الخارج عن القوانين والدساتير المعمول بها داخل مؤسسات الدولة والمجتمع . يمثل الأساس الذي ينطلقون من خلاله لإرساء القواعد الإجتماعية العادلة للواقع القادم بعد إسقاطنا للديكتاتورية .
ومن ثم فإن الديكتاتورية عندما نشير إليها كمفهوم أو مدخل لتعريف السلوك الإجتماعي أو السياسي الخاطئ إنما ننطلق من كونها العقبة الثانية (بعد شبهة الإستقلال التي تناولناها في مقالنا السابق ) ذلك لأنها تحمل من المعاني والدلالات ما يفوق وصف القراءة البسيطة التي إنتخبناها للتعبير عن السلطة السادية الفردية التي لا تقبل النقاش أو المشاركة أوالمراجعة من قبل مؤسسات الدولة والمجتمع…لماذا ياترى …؟ لأن مسار العمل السياسي المعارض وهو يستهل طريقه نحو الديمقراطية لا يستقيم إلا بالكشف عن منابت الديكتاتورية المتجزرة في الواقع الإرتري العام بإعتبارها حالة إجتماعية ناجمة عن ظروف الوعي المتأخر بسبب الإستعمار الذي أعاق المجتمع وغيبه من التعاطي مع وسائل التفكير المتقدم أو المتحضر .. لينسحب هذا السلوك الإقصائي على المجتمع الإرتري ككل .. ليبرز أمامنا من بعد ذلك الأفراد الذين نشأوا وتغذوا من هذه السمات حتى تشكلت لديهم نوازع الديكتاتورية بصورة بدت للوهلة الأولى خفية وظلت هكذا مستترة حتى توفر الموقع والمركز الإجتماعي (المرموق )المناسب لظهورها ومن ثم تنفس هؤلاء الصعداء ونفثوا عن أمراضهم أو بالأحرى عن عقدهم الكثيرة والمتمثل بعضها في عقدة النقص والشعور بالضعف أمام المجتمع المتسيد من حولهم والفارض قيوده وضوابطه الأخلاقية عليهم منذ نعومة أظفارهم .. ولعل ذلك الإفراط في مشاعر الغبن والسخط من كون مساحة التعبير عن حريتهم غير مكتملة .. كان المدخل الأساسي لظهور سحب الأزمة السياسية في الثورة وبقائها بعد ذلك حسب فرص الظهور والتفوق على المجتمع كعقد مستعصية على الحل وبركة ساكنة تحمل بداخله الرغبة الدفينة للإنتقام من البيئة التي أوجدتهم وخلقت فيهم هذا الواقع المتأزم (وفق رؤيتهم القاصرة لمفهوم الحرية التي لا تتحقق في نظرهم إلا باستئصال عقدة الأخلاق الفاضلة والتفسخ من ضوابطها كحل أوحد للنطلاقة من الأزمة نحو الحضارة والمدنية الغربية نموزجهم الأعلى للسلوك الحضاري )
ومن الطبيعي إذن والحال كذلك ان أن ينحو كل من تملكته هذه الرغبة للعمل في السياسة أو المجال العسكري ، وذلك للتنفيث عن جلدتهم التي لا تقوى على حر الغطاء الأخلاقي والإنضباط السلوكي المبرمج وفق آليات التنظيم القانوني المبني على الشفافية والمحاسبة والموضوعية في التشريع والتقرير والبناء الدستوري للدولة والمجتمع .. ذلك أن من خضائص هذه الشريحة أن تشعر بأن المساحة المقررة من الحرية حسب هذا النظام المؤسسي واللوائح الدستورية المنظمة للمجتمع هي أقل بكثير من المساحة التي تتطلع إليها .. الأمر الذي يفسر وبوضوح الإندفاع الغريزي الذي يتملكهم للإستيلاء على حرية الآخرين من خلال وسائل خبيثة مثل التحرش بقيم الكرامة والشرف
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=286
أحدث النعليقات