طفولة بلا أب, بلا أم, بلا عقيدة, بلا نسب, بأي حق يمارس هذا ؟
بقلم / متكل أبيت نالاي
تصور نفسك ولدت تحت أشجار الساحل وعشت وسط الآلاف من الأطفال المعذبون في الأرض, من مختلف الفئات والأعمار, ثم فجأة تكتشف أنت لست ابن الشهيد كما كانوا يقولون لك, والدك الحقيقي حي يرزق, وكذلك والدتك, فكيف سيكون ردة فعلك؟ هل ستهرع لتكتشف أصلاك ملامحك التي كانت تبدو لك غريبة؟ حواجبك, أنفك طول جبهتك, قامتك عيوب يشكلها جسمك ماذا تريد أن تعرف؟ جذورك من أنت بالتحديد, وكيف تكون شجرة عائلتك؟ أم تصمت وتنتمي إلى ثورة التي أسقطت فضائل كثيرة عن الشعب الإرتري ؟ أم ترى الثورة نفسها كانت مجرد وعاء لجلبك إلى هذا العالم الغريب؟ أسئلة تعيدنا إلى نقطة الصفر, إلى مقاصد إسياس, وتجعلنا نبدأ في البحث عن هوية أطفالنا في المقام الأول, ثم نبدأ لنصحح فيها, ولا نعني لمن ولدوا في زمن الثورة وحدهم ,بل نبحث فيما يحدث حالياً لأكثر من 30 ألف طفل إرتري ولدوا بطريقة مجهولة, للأسف كتبت على هويتهم الحقيقية أن يكونوا مجهولين,فالأطفال اليوم وفي جميع أنحاء العالم يؤكدون حقيقة جارحة وهي إنهم أولى الضحايا في أزمة العنف, والحروب, أو الفقر, وتخبط القيم,إنها حكايات مأساوية وقاسية للأبوة والأمومة وكذلك لطفل الذي أنتزع من كنف أسرته وعاش بعيداً عنهم.
ونحن لا ندعي إننا نقدر أنعيد مثل هذا الواقع المر, كما يجب أن يكون, ولكننا نتمنى أن تكون قراءة كل قارئ لهذا المقال أن يضع لحظة تأمل لهذا الواقع والاقتناع بضرورة أن يتغير وضع هؤلاء الأطفال. لهذا أتمنى أن يتكاتف الجميع سواء كان البداية من الأسر المعذبة أو المجتمع, لإيقاف كل ما يحدث أضرار على طفولة, و نبذ كل عرف يخلق مالا يقره الدين والعقل, وخصوصاً تلك التي يتولد منها أجيال بدون عقيدة بلا حنان, بلا نسب دم والقربة, وهي قصص كثيرة تمر بها المرأة, نتيجة زيجة غير مشروعة ومتعددة الرجال للمرأة واحدة ,مما يعجزها عن تتبع أثر أبائهم, ومعظم هؤلاء الأطفال ضحايا لا ذنب لهم في ما حصل عليهم . ومن جانب أخر ساعدت وجهة نظر التنظيم حينما اعتبر هذه المسالة عادية ومقبولة,تحت دعوى سماها ” بالزواج الثوري” وينظر على مواليدها أفضل الناس في إرتريا ويأمل عليهم على إنهم وحدهم الذي ممكن أن يفعلوا للحكومة كل شيء.
ظل الزواج الثوري نتائجه غير مهمة من وجهة نظر المقاتلين المهزوزين, ولم يزعجهم مصير أطفالهم طالما لا ينقصهم شيء, وطالما الدولة تهتم بأمرهم طول السنين, وبعضهم من يقول أن ظروف الثورة كانت تقتضي ذلك. لهذا كان المقاتل مطمئن لرعاية الدولة.وبعد التحرير ثقلت المسؤولية على المقاتل وزادت همومه ولم يشعر بالأمان, بدأ يلهث وراء نزواته مسلم نفسه للأخطاء متناسياً أطفاله الذي ولدوا من هنا وهناك, كما ظل مشغول يحارب الفقر ويكابد معانات المعيشة ليلاً ونهاراً, شتت هذه الأفعال كلها ضميره ,وأضاعت قيمه الإنسانية.
أما تنظيم إسياس الذي عرف هذه تعاسة,فوراً حولها إلى مكسب سياسية ولإغراض التسول الاجتماعي وغيره حدد لها الإطار العملي لتنظيم وما يجب أن تكون عليه حيات هؤلاء الأطفال في المستقبل, بهذا وضع أمنياته فيهم ليكونوا الركائز الأساسية لجشع, والجحود, والتجسس, والانحراف, ومن هنا حلت المخطر على المجتمع الإرتري كله, واليوم ما نهدف به في هذا المقال هو في أساس تمليك هذه المخاوف لشعب, من أجل أن نجعله يقدر العواقب التي تترتب على ذلك في المستقبل.
وكم هو مؤلم للأم التي تحملت هذا الشقاء, تراها حائرة, وأنا أعرف أم نجت بالإرادة وقوة الإيمان.. والعزم من مزالق الشيطان والهوى. ولكن لا تعلم إذا كان طفلها الذي أخذ منها وهو في حديث الولادة عائش أم مات؟ وكذلك شقيقته الذي وولدت في سنين مختلفة عنه لا تعرف ماذا حصل لهم؟ هل خدعوها فعلاً؟ وهذا سر يقلقها ويقلب حياتها دائماً وباستمرار ولعدة سنوات لا تحس بطعم الحياة, تهاونت معهم طوال فترة النضال وضاع شقاء السنين هباء, كما ضاعا مستقبل الأولاد والبنات في مهب الريح وانتهى عمر الشباب. وهال عليها الزمن التراب.. انتهت هذه المرأة نزوتها وأصبح حلمها استرجاع أطفالها, وهي تقول تشك في إجابة التنظيم لها,لا تصدق الشعبية وأقوالها, وكذالك لا تعرف إلى من تلجأ.؟ دائماً مترددة أن تستسلم لهذه النهاية! ظلت حيات النساء في إرتريا هكذا طوال فترة النضال زائد 14 عام من التحرير.
أما الأطفال أنفسهم يطمحون معرفة المزيد عن والدهم الأصلي, وهذا الموضوع ليس سهلاً لهم كما يتصوره البعض في الجبهة الشعبية, فعدم معرفة هوية والدك البيولوجية يمكن أن تتحول إلى هم حياتي حقيقي, كما تعقد في المستقبل مسألة الميراث وقد تخلق زواج المحارم ومسائل قانونية معقدة للأجيال القادمة.ولهؤلاء الأطفال لهم الحق أن يحصلوا على المعاملة نفسها التي يلقاها الأطفال الآخرون من حنان أبوي ورعاية اجتماعيه ومكانة في المجتمع وهوية دنية وعرقية تميزهم وتعرفهم كعلامة دالة في أصولهم الإرترية. وهذا شرط إنساني للوجود, تكفله كل القوانين السماوية والوضعية.
أن الأبوة والأمومة رسالة ينبغي أن نؤديها بأمانة.. وحتى وان عانينا الشقاء أحياناً.. وهي حق إنساني يتحقق به السعادة لطفل وهو أسمى هدف يحققه له المجتمع الذي يعيش فيه. وسؤال الذي نطرحه كيف وإلى من نرفع الدعوى القضائية وإلى أي جهة إنسانية, ومن هم القادرون على التضحية وإثارة الموضوع؟.كما إنها تحتاج معرفة بالإجراءات القانونية لمنظمات التي ترعى الطفولة والتشريعات الدولية المناهضة لمثل سلوك الشعبية. وهل يمكن هؤلاء أن يخرجوا لنا ويتحدثوا عن أنفسهم وعن معاناتهم لشعب الإرتري سواء كان ذلك بالتليفزيون أو الصحف أو غيره. طبعاً لا يوجد من ينزع الخوف من الشعب الإرتري.
أن الأسماء مثل فري قدلي. وأبناء الساحل, وأبناء الشهداء,واذكروني,وفري مالاي وقيح عنبابا و وأبناء القوميات التسعة, حقاً بهذه المعنى هي أسماء مهينة بالفعل وأين كان المنطق فيها فهي غير صحيحة. وأن المسميات التي طالت حقوقهم وامتهنت أدميتهم تلقي بمصائرهم إلى المجهول. ولهؤلاء لهم حق الحيات والمساومة في الحقوق, ولا يجوز أن نتركهم يعيشوا هكذا بهذه المسميات المصنوعة من هراء وجنون الشعبية.
وعلى الحكومة الإرترية أن تدرس أوضاعهم باء معان وأن ترفع عنهم بقرار اعتباري معنوي يعلن رسمياً ويكونوا لهذا القرار قوة قانونية يسند إليه, ويلزم الشعب الإرتري به, يصحح أوضاعهم,ويضمهم في حقائق المجتمع المعروفة التي نحترمها, وينسجم معها الجميع, ونعتقد هي وحدها الأقدر أن تحتضنهم أكثر من مقاصد التنظيم.
وإنني اوناشد إتحاد المرأة الإرترية, ووزارة الصحة والقائمين في أمر القضاء الإرتري وكل المشرفون ممن يعملون بالأمر وخصوصاً جماعة الشؤون الاجتماعية ورعاية الطفولة أن يكونوا سباقين في مصارحة الحكومة الإرترية بالحقائق الدامغة.
فالكشف عن هوية الوالدين ستكون ذامنفعة كبيرة للأطفال وأهلهم والمجتمع الإرتري. وأن يعملوا جاهدين لتغير القوانين المجحفة التي تعمل بها الحكومة الإرترية ضد الطفولة والإنسانية. ومن غير المقبول لهؤلاء الأطفال أن يكونوا مستثنون من ذكر أباهم وأمهاتهم وقبائلهم ودياناتهم في معاملات الدوائر الحكومية. فأي حق يمارس عليهم التحجير في حقوقهم. وكفى أن نؤرقهم بالهيئة التي هم عليها الآن, حائرون تدور في رؤوسهم أسئلة كثيرة تعزلهم عن المجتمع الإرتري تماماً.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6390
أحدث النعليقات