ظل الحقيقة
القصة الحائزة على المركز الأول لــ ( مسابقة محمّد سعيد ناود للقصة القصيرة ) 2015م وتم نشرها بموقع صحيفة ” إيلاف ” اللندنية .
قصة بقلم : محمد علي نور حسين
من وجِهة نظر صديقي، لم تكنْ هذه الفتاة في حاجة إلى الكثير من كلمات الإعجاب والحب لإقناعها كي تعُجب بي أو تُحبني، لكن ما حدث هو العكس تماما.
لقد أخذت منى وقتاً كثيرا وكثيراً جداً من الكلمات، فيما كانت تقابلني بالرفض المغلف بالأمل تعبت منها، وتعب صديقي مني. وكان الحل؛ من وجهة نظر صديقي: أن أقول لها باختصار: أنا آسف على كل كلمة قلتها لها، وأن أتمنى لها حياة سعيدة، وأودعها، ثم استطرد صديقي: (فإذا كانت تُحبك ستأتي إليك وتصارحك بحبها أو العكس؛ ستنساك وتنساها وهو الأفضل لك ولها ولي أنا أيضا.)
عند لقائي بها، بعد ذلك، قلت لها كل كلمة وأنا أرتجف من الخوف والخسارة، نعم خُسارة أخر أمل لي في أن أراها وأتحدث معها. أما هي، فلم يطرف لها جفن ولم تقل لي حتى كلمة مواساة، واختفى الرفض المغلف بالأمل.
لن أقول لكم ماذا قالت لي، ولكن يكفي أن أقول: كانت كلماتها مثل السهام انسلت من بين شفتيها فى نعومة واخترقت قلبى محدثة ألماً لا يوصف، انقسم العالم إلى نصفين، عالمي الذي هو عبارة عن سواد قاتم وخطوط بيضاء، وعالمها الذي هو عبارة عن ضوء أبيض ناصع خال من أي خطوط سوداء سوى خط رفيع جداً يكاد لا يُرى.
توسلت إليها بأحلامي أن تمنحني فرصة؛ فأنا متيم بحبها. لكن صمتها الأسود كان قاسيا، أليس من حق أي إنسان: أن يلقى نصفه الأخر، أم أن حظ الإنسان يلعب دوراً خفياً فى أن يُبعد عنه نصفه المكمل له؟ هذا السؤال طالما وجهته لنفسي.
خرجت من المنزل قاصداً صديقي الذي يعمل في محل لبيع الهواتف الذكية، وقريباً من محله استوقفتني إحدى النساء المتسولات لتطلب منى بعض المال. لم يكن من طبعي أن أعُطي المتسولين شيئاً، لكن نظرة هذه المرأة غيرتني سريعاً، كانت نظرة أقل ما يُمكن أن توصف بها: إنها مقنعة لأي رجل كان، نعم حين عرفت في عينيها تلك النظرة أعطيتها كل ما كان في جيبي!
قلت لصديقي ما كان، فقال: صِف لي هذه المرأة، سريعاً. قُلت له: هى لا تشبه المتسولات فهي ليست متسخة الثياب، ولم تكن لها نظرة منكسرة، أو صوتا راجيا، لا، هي إنسانة عادية جداً من النظرة الأُولى، ولكن عندما تُمعن النظر فيها، وأنت مجبور بفعلك هذا، تكتشف أن لديها نظرة شهوانية قاتلة، عبر جسد متناسق يفيض أُنوثة، وابتسامة كأنها… فجأةً قاطعني صديقي ضاحكا وقال إنه يعرف هذه المرأة.
لا أعرف لماذا ضحك صديقي ضحكته الشهيرة الساخرة، التي أوحت لي بأن هناك شيئاً ما حدث أمامي ولم أره، أو أفهمه، لم أغضب من صديقي ولكني أحببت أن أعرف لماذا ضحك وما هو الشيء الذي لم أنتبه له، وما هو سر هذه المرأة التي اعتقدت أن صديقي يعلم قصتها جيداً.
هي، قال صديقي (وهو لا يعلم أنه لا يبدأ قصة فقط ولكنه يشعل ناراً لن تنطفئ أبداً) أرملة توفى زوجها قبل عامين وترك لها أموالاً كثيرة.. صمت قليلا ثم قال: حسناً، ليس هناك قصة مؤكدة عنها، هناك القِيل والقَال. بادرته: قل لي القِيل والقَال أرجوك، فأجابني ضاحكاً: حسناً، يقال أنها تأتى كل أسبوع أو أسبوعين وتقف عند ناصية الشارع وتطلُب من أشخاص مُعينين المال وإذا أعطاها أحدهم مالا يكون بينهما حديث قصير، ليذهب معها هذا الشخص إلى منزلها ولك أن تتخيل ما يحدث بينهما وهما في منزل لوحدهما!؟ هذا ما فاتك يا صديقي؟
ودعت صديقي وهو لا يعلم أن هذه المرأة قد احتلت جزءً كبيراً من تفكيري. يجب أن أُقابلها مرة أخرى، ولم أشأ أن يعلم صديقي بالأمر حتى لا يصفني بالجنون.
أريد أن أعرف ماهي قصتها ولماذا لم تتحدث معي وتدعوني إلى منزلها كما هي عادتها! هل أخطئتْ في اختيارها؟ أولم أكُنْ مناسب لها؟ هل المشكلة في طريقة كلامي؟ ولكنني لم أتحدث معها، ام يكون السبب شكلي (أعلم أنني لست وسيماً ولكن ما دخل الشكل في ما سيدور بيننا) لماذا أشغل بالي بهذا الكلام الآن يا ترى؟، فبعد أسبوع سأعلم ما هي القصة عندما تأتى؟
كنت طوال الأسبوع أرتب ما سأقوله لها، لكنها لم تظهر، لم أكنْ بحال جيدة لان لدى (وسواس) طالما كان دائماً ينخر بداية أي فكرة لنسيانها المؤقت..
شهر كامل مَّر ولم أرها، ظننت أنها مريضة، أو أن أحداً قتلها من الذين تأخذهم معها إلى المنزل، طمعاً فى بعض مقتنياتها الثمينة..
كانت تلك التساؤلات تعصف بي وأنا أبحث لها عن عذر لغيابها؛ عندما رن هاتفي وكان صديقي هو المتصل. لم أرغب في الحديث معه أو مع أي شخص آخر إذا لم يكن الحديث عنها او معها، كيف أتت هذه الفكرة من الأساس!
لا يوجد شخص يعلم قصة هذه المرأة غير صديقي الذي نسى أمرها، تبا لي، يا لى من شخص مريض حتى أجعل لهذه المرأة حياة وتفاصيل داخل حياتى الخالية من التفاصيل… ) الو هل أنت نائم؟) لم يكن الصوت المنبعث من هاتف صديقي صوته، كان صوت أُنثى … (لا أدري، آسفة إذا سببت لك ازعاجا ولكننى كنت أتمنى أن…)
في أحيان كثيرة عندما يتحدث معي شخص ما، أكون فى نصف وعيي وأسمع مع حديثه وجهات نظر من أعماق عقلي الباطن، وأربط بين حديثه وحديث أشخاص أخرين. لكني مع صوتها، في تلك المكالمة، لم أكنْ في نصف وعيي حتى، لم أكنْ أسمع منها او من أعماق عقلي الباطن أي شيء أبداً. لطالما قال صديقي إن هذه المرأة إما ساحرة أو أن لديها قدرات خفية. كم ضحكت من أفكار صديقي وقلت له أنني لم أسمع ما قالته لي أبداً ولا أعلم كيف انتهت المحادثة بيننا، ذُهل صديقي من حديثي وأعتقد أنني أريد أن أخيفه ليس إلا ولكنني كُنتْ أقول عين الحقيقة.
إذاً لن تقابلها غداً كما وعدتها؟، قال صديقي.
صعقت من حديثه الذي كان على ما يبدو جاداً فيه، ولم أعلم ماذا أقول غير أن أسأله: هل أنت جاد فى كلامك؟
فقال لي، هي من قالت لي أنك وافقت علي لقائها؟!!…
لحظة من فضلك يا صديقي هل هي قالت لك ذلك، وهى التي اتصلت علي من هاتفك، أيضا، وهى تعلم أنك صديقي ولا أجد منك، مع ذلك، اي تعليق؟
كيف تعرفت عليك؟ وكيف علمتْ هي أننا أصدقاء؟ وكيف كان اللقاء الذي أدى إلى الاتصال بي يا صديقي؟ رمقني باستغراب قائلا: (هل تعتقد أننى أدبر لك مقلباً أو..؟)
(لا لم أقل هذا ولكن أود أن أعرف كيف علمت هذه المرأة أننا أصدقاء)؟
) أُقسم لك أننى لا أعلم)… كان جوابه مثالياً جداً في تلك اللحظة.
هل تظن أنني يجب أن ألقاها غداً؟
فأجابني صديقي ( نعم )
(أين إذاً؟)
فأجابني بعبارة حائرة:
(لا أعلم، ولكنها قالت إنها ستتصل علي هاتفك قبل اللقاء أعتقد أننى سمعتها تقول لك هذا) (لا يفيدني اعتقادك الآن يا صديقي لكني أود أن أتأكد من أنني يجب أن ألقاها)
نظر صديقي نحوى وقال (أنت مجنون) .
لم يكن مخطئاً فى تلك اللحظة أبداً، فلم يكن الانتظار مؤلما كما كان من قبل.
الآن مشغول بكل تلك الأمور التي تسبق أي لقاء بين رجل وامرأة؛ من تجهيز الملابس الخاصة، والذهاب إلى الحلاق والرفع من معنوياتى بالحديث مع أحد الأصدقاء (كصديقي صديقي الذي سيدعمني بالقول أننى الفائز اليوم ولا يجب أن أخاف اللقاء).
رنْ هاتفى وكانت هي المتحدثة (افتح الباب أنا أمام المنزل)
انا لا أُحبْ المفاجئات كثيراً، وحتماً لم أحب هذه المفاجئة التي كانت بالنسبة لي امتحانا لم أكن مستعداً له، كل المحاولات لم تنجح في استجماع شجاعتي كي أفتح لها الباب، حقيقةً كنت أتجاهل فوائد أشياء كثيرة فى حياتي، مثل هذا الباب، نعم هذا الباب الذي كان يفصل بيني وبينها، هذا الباب كان أخر قناع لي بعد الصمت والهاتف والطريق الطويل…..
(أهلاً كيف حالك أنا أسف لم أكنْ أعتقد أننا سنتقابل في منزلي، لا أعلم ماذا تريدين منى ولكنني لست الشخص المطلوب على ما أعتقد، هل انا محق؟ أعتقد أنك غاضبة من شيئاً ما) وهي تنظر للمنزل متفحصة قالت: (هل تستطيع أن تصمت أنت تتحدث كثيراً جداً)
(أنا أسف جداً لم أشأ أن أُسببْ لكِ إزعاجا)…
يا إلهي ماذا يحدث لي؟ لم أكنْ في يوم من الأيام أكثر خوفاً وتوتراً من هذا اليوم أبداً: العطر أم الوجه الجميل، أم هذا الجسم المثير جداً هو الذي يُصدر لي كل هذا الخوف والتوتر؟
قالت فى ضيق: (أعلم ما يقال عني وعن الرجال الذين التقى بهم في الشارع ليأتون معي إلى منزلي) .
…. انا أسف، لكننى لا أعلم لماذا أنتِ فى منزلي هل نحن بصدد أن نقيم علاقة هنا ام ماذا. كان هذا ما يدور في عقلي ولكن لم أستطع البوح به، ولذت بالصمت كالضيف الخجول.
قالت: ( أعلم أنك خائف منى ولكنني لن أسبب لك أية مشاك )
( حسناً انا شاكر لك، ولكن ماذا تريدين منى؟ وقبل أن تقولي لى ماذا تريدين منى، قولى لي كيف أمكنك الوصول إلى منزلي؟وكيف علمتِ أن صاحب محل الهواتف صديقي؟ ولماذا رفضتِ الحديث معي عندما التقينا؟ وهناك أسئلة كثيرة تدور فى رأسي هل أنتِ على استعداد لأن تردي عليها وبصدق؟).
(نعم)، قالتها وكأنها كانت تنتظر مني هذا السؤال طول عمرها، ثم أضافت:
(هل يمكنك تخّـيُّل أن يكون لكَ دوراً فى حياة وأفعال شخص، وأنت لا تعلم من الأمر شيئاً وأن تكون أنت سبباً فى سعادته وحزنه، وأنت أيضاً لا تعلم، وأن تكون سبباً في أن يموت شخص بصورة غير مباشرة طبعاً، وأنت أيضا لا تعلم عن هذا أي شيء؟)
في تلك اللحظة، فقط، خفت عندما نطقت كلمة (موت (، وأيقنت أن هذه المرأة مختلة عقلياً ويجب أن أتصرف سريعاً وأطردها من منزلي، لكنها كانت أسرع، وقبل أن أُفكر في طريقة لطردها دون أن تسبب لي أي مشكلة أو يعلم الجيران بوجودها، قالت لي: (أنا أعلم عنك كل شيء وأعرف جميع تفاصيل حياتك؛ حتى أدق تفاصيل حياتك الجنسية)!
ضحكتُ لحظتها، ليس استهزاءا، بل خوفاً منها، لان طريقة حديثها كانت واثقة جداً. قالت (أعلم أنك خائف وهذا وضع طبيعي عندما يقول لك شخص أنه يعلم عنك كل تفاصيل حياتك، ماذا تأكل وتشرب.. ماذا تحب وتكره.. أين تذهب ومن أين تأتى.. متى تزور أهلك وأصدقائك)؟
لم أكنْ متأكداً ما إذا كان كل هذا حلم أم خيال، ولكن كل هذا الحديث، حتى الآن، لم يتضمن أي تفصيل او شيئاً حقيقياً؛ كل هذا الكلام يمكنْ أن يقوله طفل في العاشرة من عمره، هل أناغبي لهذه الدرجة حتى تنطلي علي مثل هذه الألاعيب؟… أي ألاعيب! أليست المرأة أمامك! تستطيع أن تتأكد من كلامها بسؤالها عن أشياء لا يعلم عنها شخص غيري، ولكن عن ماذا أستطيع أن أسألها؟ تباً ضاعت كل تفاصيل حياتي هل استطاعت هذه المرأة أن تمحو كل تفاصيل حياتي بحضورها فقط؟
لا، ثلاثة أسئلة كافية جداً لان تُظهر حقيقة هذه المرأة؛ السؤال الأول: من هى أول فتاة أحببتها؟ وما هو السبب الذي أرغمني على ترك السفر عندما تم اختياري من قِبل الدولة للعمل فى إحدى السفارات بالخارج؟ وما هو السبب الذي يمنعني من الزواج حتى الآن؟
اكتسى وجهها بألم وحزن بالغ وهي ترد علي قائلة: (الجواب الأول: صديقتي، فهي حبك الأول والأخير، وجوابي على سؤالك الثاني أيضاً صديقتي؛ عندما مرضت ولم تشأ أن تتركها تُعاني لوحدها، والجواب الأخير هو أنك لم تستطيع بعد موتها أن تُحب إنسانة أُخرى وفضلت العيش على ذكرى أيامكم الجميلة (!
وأنا أسمع حديثها، انتابني إحساس بالهلع ممزوج بالفرح ومنتهي بالصمت. ثم أردفت قائلة: (أنت وصديقتي أصل القصة أما أنا فتفاصيلها وبطلتها .. أود منك أن تسمع فقط فسأحكى لك قصة حياتك الغنية بتفاصيل لا تعلم عنها شيئاً، أسمعْ فقط :
(أنا وهي كنا أعز صديقتين في هذه الدنيا، درسنا كل مراحلنا التعليمية سوياً حتى افترقنا في الجامعة، أنا سافرت للدراسة في الخارج، وهى واصلت تعليمها هنا، ولكن كان بيننا تواصل دائم عن طريق الرسائل والهاتف، ومع مرور الوقت أصبح بإمكاننا أن نلتقي يومياً عن طريق الإنترنت. كانت تحكى لي كل ما يمر بها خلال اليوم، وانا كذلك، حتى أتى اليوم الذي ذكرت فيه أسمك؛ في البداية، لم أكنْ أعتقدْ أنها سوف تتعلق بك، ناهيك عن أن تُحبك، ولكن لم يمر يوم من غير أن تذكُرك فيه، ولم أُصدق أن تهتم بشخص أكثر منى، لا لم أُصدق أبداً، لكن ذلك حدث بالفعل. خلال عام كامل كانت تحكي لي عنك وعن لقاءاتكم الرومانسية وعن تلك القبلات التي تسرقونها عندما يكون جمهور الحب مشغولاً بنفسه، وعن مدى حُبها لك وعن مدى حُبك وإخلاصك لها، أما عنى أنا، فكان كل يوم تحبك فيه أكرهك أضعافا مضاعفة، ولسبب ما، طلبت منها أن لا تذكرني أمامك أبداً، وطلبت منها أن تعدني بذلك وفعلت. حين عدت إلى الوطن، كانت هي أول من وصل إلى المطار لاستقبالي، بكيت في حضنها شوقاً وحزناً ولكنها كانت تبكى فرحاً بلقائي فقط.
كُنتْ أتمنى أن تنسى قصة الحُب التي بينكما عندما أعود إليها، ولكن ازداد حبها لك عندما علمت أنني أكرهك حد الموت، أعتقد أنها ظنت أنني أود أن أسلُبكْ منها، وهي لا تعلم كم أُحبها ــــ لا تنظر لي هكذا فأنا لست شاذة جنسياً ـــ أعلم أنك لن تفهم ولكن كانت هي الوحيدة القادرة على فهم مشاكلي النفسية المشوشة نحوها بين الصداقة والأمومة.
قبل أن تظهر أنت في حياتها، كانت ملكاً لي أنا وحدي، كنت أقطع الطريق إلى منزلها في دقائق، ولكن أمام البيت أقف ساعة كاملة مترددة في الدخول، أخاف أن أدخل لأنني أعلم ما سأسمع منها، أنت في كل مكان في حياتي، تفاصيل حياتي أمست في يدك ترسمها وأنت مغمض العينين، حاولت أن أستلطفك، أن أرضى بك شريكاً في الحياة التي أعيشها، ولكن لم أستطع أبداً، أُقسم لك أنني حاولت، كنت أستمع لحديثها عنك وأنا أقول لنفسي أنني وسط حلم ولن يمضى وقت حتى أستيقظ.
أن تطلب منها الزواج كان أخر شيء أُفكر فيه!، ولكنها عندما اتصلت عليّ ترجو مني أن أتي إلى منزلها سريعاً، كنت أُمِّني نفسي أنك قلت لها شيئاً قد أغضبها، مع أنني علمت من نبرة صوتها انها سعيدة وتود أن تشاركني الفرحة ولكن أن تطلب منها الزواج؟ لم يرد ذلك في خيالي ولا في أبشع كوابيسي، كانت تحكي لي كيف أنك أعددت لهذه المناسبة وأنك قد فعلت المستحيل حتى لا تنسى هذه اللحظة، وأنت تطلب يدها أمام كافة رواد حديقة العشاق، تباً أنت تقتلني كل يوم بتفاهاتك هذه، ولكن كان يجب أن أُوقفكْ عند حدك فقد أنقطع أخر خيط من الصبر بعد طلبك الزواج منها، أنت لا تعلم من أين تأتي الأفكار السوداء أو كيف تأتيك، ولكنها تكون بين يديك عندما تعجز عن العفو والرحمة، نويت أن أنتقم منك وقد كان؟
فأنت تستحق الموت ولكن الموت البطيء…
السحر كان الخيار الأول والأخير بالنسبة لي، تمكنت من الذهاب إلى ساحر في أطراف المدينة مع صديقة لي، كان اتفاقي معه أن يُبعدكْ عنها فقط، ولكنه أشترط أن أتي له بأي شيء من متعلقاتك ولم أستطع طبعاً، فكان أن عدت له وأنا خائبة ومحطمة، نظر إليَّ فعرف أنني لم أستطيع أن أحصل على شيء، فقالْ لي: أنه يريد أن يعرف ماهي القصة ولكن يجب أن أقول له الحقيقة، أخبرته الحقيقة: وهي أنني أُريدْ أن أبُعدك عنها بأي ثمن كان، وشرحت له ما تعنيه هي بالنسبة لي. لم يستغرب الساحر من كلامي أبداً وهو ما أحسسني بالراحة، لكن ما قاله لي، الساحر، بعد ان انتهيت من قصتي؛ كان شيئا لا يصدق ولا يمكن أن يكون أبداً: (أستطيع أن أجعلها تُحبك وتكون تحت أمرك أنت فقط، وتنسى كل ما يتعلق بهذا الرجل الذي تُحبه، ستكونين أنتي الآمرة الناهية ودائماً مطاعة)
(انا الآمرة الناهية؟ لن تُحب سواي؟ لقد حققت لي كل أحلامي)
قال: (لا تنسي أنه يجب عليك الدفع مقابل هذه الخدمة) فأجبته (سوف أعطيك كل ما تريد من مال) لكنه استدرك قائلا (أنا أسف المال لن يفيد بشيء.. مثل هذه الخدمات لها طرق أُخرى للدفع؟)، استغربت حديثه الذي أكمله وهو يضع بعض البخور على النار، قائلا (لأ تمكن من سحرها يجب عليك القيام ببعض طقوس السحر في منزلك لبعض الوقت، وبعدها سيكون كل شيء تحت يدك).
(قل لي فقط ما تريد وسأنفذُه بالحرف). أبتسم الساحر وتمتم ببعض التعويذات، ثم نطق بصوت غير الصوت الذي كان يحدثني (عليكِ كل يوم قراءة بعض التعويذات من هذه الورقة. اذبحي ديكاً كل يوم أثنين وجمعة وامسحي من دمه على منديل من القماش وأُخفيه تحت فراشك).
تمنيت أن أهرُبْ في تلك اللحظة، أن أتوب إلى الله فأنا أعلم جيداً عاقبة هذه الأفعال، لكن كان هنالك ذاك الشيء الذي يدفعني بقوة نحو إتمام الأمر والانتهاء من هذا الكابوس.
لم يكن من السهل أنْ أقوم بمثل هذه الأفعال في المنزل من غير أن أواجه بالكثير من الأسئلة من أُمي وإخوتي، وكان السؤال الأصعب: لماذا أذبح ديكاً كل يوم أثنين وجمعة؟ كثرت الأسئلة وبدأت تظهر بعض التغيرات في طريقة كلامي.أصبحت لا أُطيق أي شخص يتحدث معي او يجلس بقربي في أي مكان كان، وبعد مرور أسبوعين على هذا الوضع وتنفيذ كل ما طلبه مني الساحر عدت إليه وأنا مشتاقة له وللمكان الذي يسكن فيه وهو ما لم ألاحظه في وقته، كنت أشعر بالراحة كلما اقتربت من منزل الساحر؛ أُحسْ أن عبئاً ثقيلاً ينزاح عني في كل خطوة لمنزله، جلست في صالة الانتظار بعيداً عن باقي النسوة اللاتي كنْ ينتظرن دورهن في الدخول للساحر، نظرت إليهنْ وهن يضحكن ويتجاذبن أطراف الحديث وثمة إحساس الراحة يملأ وجوههن. أعتقد أن هذا الساحر يجيد عمله جيداً فلم أر أي واحدة من الجالسات عابسة أو باكية.
حان دوري في الدخول، وقبل أن أقوم من المقعد الذي كُنتْ أجلس عليه تغير شعوري من الراحة والاطمئنان إلى الخوف، تسارعت دقات قلبي بصورة مخيفة، أبتسم مساعد الساحر وأتى ليُساعدني على الدخول من غير أن أقول له. جلست دون أن أنبس بكلمة، أقترب مني الساحر وبدأ يتمتم ببعض التعويذات وأمرني بخلع ملابسي كلها، لم يكن بيدي أن أعترض أو أوافق، كنت في حالة أشبه بالتنويم المغنطيسي، خلعت ملابسي وأنا أنظر إليه فيما هو يتحول إلى كائن ما لم أستطع أن أعرف ما هو.
حين استيقظت في الغرفة المجاورة لغرفة الساحر، كنت بملابسي الداخلية فقط، هل ضاع أغلى ما أملك (شرفي)؟ تحسست جسدي وأنا أكاد لا أُصدق أنني قد فقدت كل شيء، أتى الساحر وأنا أُحاول أن أرتدي ملابسي. قال لي أنني قد نجحت في الاختبار وأنه يستطيع أن يمنحني الشفرة التي تمكنني من أن أُنادي على (الجن) الخاص بي في أي وقت أُريد!؟
لم أستوعبْ حديثه وظننت أنه يحاول أن يُكمل لعبته القذرة ليمارس معي الجنس مرة أُخرى. قال أنه يستطيع أن يسمع كل أفكاري، وأنه لم يمارس معي الجنس ولكن هناك من سيمارسه معي وهو خادمي من (الجن) الذي ينفذ كل ما سأطلبه منه مقابل هذا الفعل، هل تفهمين ما أقوله لك؟ ثم أردف الساحر: (هناك شيء أخر، إذا لم تنادي على الجن الخاص بك لمدة شهر او أكثر سيأتي إليك في منامك ليس لشيء ولكن ليأخُذ راتبه المعتاد وهو ما تم الاتفاق عليه، وأنتِ وافقت على ذلك الآن تستطيعين الذهاب وخذي معك هذه الورقة فيها التعويذة التي تُمكنك من مناداة خادمك)؟!
لم أصدق أنني وصلت إلى هذه المرحلة من الجنون حتى أتعامل مع السحرة والجن، هل قال أنني أملُك أحد الجن؟، أجبته: (آسفة ولكن هل أستطيع أن أُلغي هذا الاتفاق؟).
تغيرت ملامح وجهه سريعاً لشيء لا يشبه الإنسان وقال لى: (أنتِ من أختار هذا الطريق ويجب اِكماله، وإلا ستُصابين بالجنون)
لم أقل اي كلمة، أكملت ارتداء ملابسي وخرجت مع بعض النساء اللواتي كن انتهين من زيارتهن للساحر، وهن نفس النساء اللاتي كنْ يتضاحكن فرحاً وحيوية عندما كُنت أنتظر دوري لكن الآن لا يوجد على وجه أي واحدة منهن لمحة من ماضي سعيد حتى!
أعتقد أنه تمكن من سحرهن وهن في الداخل ليشعرن بالراحة والطمأنينة في منزله.
حين دخلت الشارع المؤدي لمنزلنا شعرت بضيق شديد في صدري، شيء لا يوصف أبداً، خرجت إحدى النساء من منزلها لتقوم برمي كيس من الأوساخ في السلة، ألقت علي التحية باسمةً، حاولت أن أبتسم لها، وأن أرُدْ عليها التحية، لكني لم أستطع، خارت قواي ووقعت على الأرض أمام هذه المرأة وهي لا تدري ما تفعل او تقول.
أفقت منتصف الليل وأنا أحس بصُداع غريب، حاولت أن أقوم من السرير حتى أُنيرْ الغرفة ولكن لم أستطع، شعرت بأنني لا أملك أي قوة، حاولت أن أُنادي إخوتي أو أُمي لكن لم يخرج مني آي صوت، لم أكنْ أسمع صوتي! بكيت وأنا أحاول أن أُنادي أُمي، أحسست بيد تربت على كتفي وتمسح على شعري بحنان، هدأت قليلاً حاولت أن أرى الشخص الذي يمسح على شعري، أعتقد أنها أُمي، ام هل تكون صديقتي؟ نعم هي الوحيدة التي ستسهر من أجلي وترعاني، ستمسح على شعري وتحاول تهدئتي، ستحتضنني وتواسيني، فهي تحبني ولن تتخلى عني، حاولت أن ألتفت للخلف لأراها لكني لم أستطع، كانت يدها ناعمة أو خشنة لا أعلم، قد لمست وجهي فأحسست بشيء كالشعر في يدها نزلت يدها ناحية عنقي، انتابني إحساس بأنها ليست يد صديقتي، وعنقي بين تلك اليد المعرة، حاولت أن أبتعد عنها قليلاً، فجأة ً كانت تلك اليد تمسك عنقي بالكامل، وبدأت رحلة الموت، كانت اليد تعصر عنقي بكل قوة وانأ لا أستطيع فعل أي شيء، توقف الهواء عني، بكيت دماً، لم أعد أرى شيئاً، كُنتْ أعتقد أن من يموت يدخل للعالم الآخر عن طريق ضوء أبيض ناصع يكون ممراً للعبور لعالم الأموات. ولكن لم ينتهي العذاب ولم أر الضوء الأبيض..
استيقظي، هل تسمعينني؟ أرجوك استيقظي، فتحت عيني بصعوبة لأجد نفسي في غرفة بمستشفى ما، وجميع أفراد أُسرتي حاضرين وصديقتي تنادي علي، بكت أُمي وهي تراني قد أفقت من غيبوبتي التي دامت أكثر من يومين كما قالو لي، لم أكنْ أُحاول الحديث حتى، كُنتْ فقط أستمع لكلامهم وهم يحكون لي كيف أن المرأة التي وقعتْ أمام منزلها قد أخذتني إلى المستشفى وقامت بتبليغنا عن طريق الهاتف و….
كُنتْ طوال الوقت أنظر لصديقتي لعلي أعرف منها أكثر مما يقولون، هل كنت أهُذي بما فعلت مع الساحر؟ هل عرفوا أنني أمتلك (جنا)؟ هل وجدوا الورقة المكتوب عليها التعويذة التي تمكنني من مناداته؟ كنت أنظر إليهم لأفهم على الأقل ما سيأتي في المستقبل، ولكني لم أر شيئاً يدل على معرفتهم بالموضوع مع أن صديقتي كانت لا تبعد عني ثانية، وحتى عندما كانت تأتيها مكالمة كانت تجعل الجوال في وضع الصامت ولا ترد عليه، أحسستُ أن هذا من عمل الساحر وقد تمكن السحر منها وسوف تكون تحت أمري وتحبني أنا فقط…
بعد أسبوع طويل خرجت من المستشفى من دون أن يحددوا ما بي من مرض وتم إلصاق التهمة على الإرهاق والجو الساخن، طوال الأسبوع الذي مكثته في المستشفى، وحتى بعد خروجي كانت هي بجواري لا تفارقني أبداً، وهو ما أكد لي ان السحر قد تمكن منها، تغيرت طريقة كلامها معي، قديما كانت تأمُرني بأن أفعل هذا، وأذهب إلى هناك، أما الآن، فكانت تنتظر مني أن أتكلم، أن أقول اي كلمة. يكفي أن أسعل حتى تنظر إلي قائلة: هل أنتِ بخير؟ كُنتْ في غاية السعادة ونسيت ما ينتظرني مع الجن الخاص بي.
وفي ليلة مظلمة هادئة أتاني الجن، كان الجميع نائماً، لم أفهم الطريقة أو كيف أتعامل معه، كل ما أحسسُت به كان الخوف وبعض اللذة الخفيفة، لم أره ولكن كنتْ أسمع صوت أنفاسه وهو يمارس فعله بي، انتهى مني وغادر كما أتى من غير صوت او صورة.
لن أكذب عليك ولكن انتابني إحساس بالمتعة ممزوجاً بالنصر، كم تمنيت أن أُشرك معي صديقتي في هذه اللعبة، هل أصبحت تحت أمري وملكي؟ سؤال كنت دائماً ما أسئلة لنفسي ولم أجد له جواباً حتى بعد كل التغير الذي حدث لها، كان أمامي خيار أن أطلب من (الجن) الخاص بي أن يقوم بأي شيء لأتأكد من إخلاصها لي، وفي يوم كُنتْ لوحدي في المنزل وأخرجت الورقة الخاصة بتعويذة الجن، قرأت التعويذة كاملة ولم تمر دقائق حتى أحسست بعدها بثوان بوجود هواء ثقيل في الغرفة، سمعت صوتاً يقول لي: أن آمُره وهو مستعد للتنفيذ، قلت له أنني أُريده أن يبعدها عنك وأن تكرهك بشدة وترفض طلب الزواج منك (لك ذلك)، قالها (الجن) وأنصرف.
بعد يومين فقط أتتني صديقتي تبكي وقالت إنها لا تحبك وتكرهك ولن تتزوجك لأنك إنسان خائن وحقير، لم أُصدق ما سمعت، بعد كل هذا الحب؟ سألتها ما الذي حدث؟ كنتُ أعتقد أنها رأتك أو سمعت أنك تخونها مع أُخرى، ولكن أتضح لي أن الأمر لم يكن سوى شكوك انتابتها خلال اليومين الماضين وتأكدت من ذلك لأنك لم تتصل بها خلال تلك المدة، أعتقد أن هذا (الجن) خبير في عمله لدرجة لا توصف، بكت في حضني قائلة إن كل الرجال وحوش وحيوانات ويجب أن لا نثق بهم، كان يجب علي أن أكذب وأقول لها إنك ستتعظ وتعود إليها وأنك تحبها ولكنها كانت تقول أنه لا فائدة من حديثي في هذا الموضوع لأنه انتهى بالنسبة لها، كم كنت سعيدة وأنا أسمع ردودها بشأن حبكم، قلت لها أن لا تبكي فأنا سأكون لك كل ما تريدين الصديقة والحبيبة والأم الحنون ولن تحتاجي لما يسمى رجلا في حياتك أبداً.
أجمل أيام بالنسبة لي كانت؛ فترة انفصالكم الأولى فهي لم تكن تستطيع الابتعاد عني ولو ليوم واحد، كان حضني مأواها الأول والأخير وكلماتي بلسم لجروحها، وأنا في أوج سعادتي يأتي من يهدمها بطلباته التي لا أستطيع رفضها ولا مناقشتها، كنت قد كرهت (الجن) الخاص بي فأنا لم أُعد أُريده، يكفي ما أخذه مني ويكفيني ما وجدت منه: الغالية على قلبي أصبحت ملكي ولا أُريد أكثر من هذا، كيف أستطيع أن أتخلص منه، سؤال كان يجول في عقلي لمدة من الزمن، كرهته جداً لا أُريده في حياتي كفى فليرحل منها، لم أُدرك أن هذا (الجن) كان طوال الوقت معي ويسمع أفكاري ولم يكن يحتاج تعويذة ليأتي بل كان دائماً معي يسمع ما أقول ويرى ما أرى، بعد مدة ليست بالقصيرة بدأت أحس بتغير معاملتها معي فسألتها هل أنتِ بخير؟ لكن الصمت كان عنوان لقائنا لأيام، أحسست أن هناك خطباً ما ولكن لم أعلم ما هو، استيقظت في أحد الأيام على صوت نغمة رنين جوالي وكانت المتصلة أُمها ترجوني أن آتي لمنزلهم سريعاً فصديقتي مريضة وتحتاج إليَّ، اعتقدت أنها مريضة مرضاً عضوياً ولكن عند وصولي لمنزلها اكتشفت العكس تماماً، كانت تصرخ وتبكي وتنادي باسمك وترجو أُمها أن تتصل عليك وتريد أن تكفر عن ما فعلتهُ بك ولا تريد سواك، كنت أحسْ بكل الخوف وأعلم يقيناً أن هذا الذي يحدث عمل ساحر، واعتقدت أنك من فعل هذا ويجب أن تُعاقب على فعلك، ذهبت إلى منزلي وأنا لا أُصدق أنك فعلت هذا الشيء بها، هل أنت مُختل هل تريدها أن تصاب بالجنون؟ دخلت غرفتي وأخرجت الورقة الخاصة بتعويذة (الجن) الخاص بي وقمت بقراءتها، ولكن لم أجد آي رد، كنت أظُنْ أنني قرأتها خطأ وقمت بإعادة قراءتها لكن لم يحدث اي شيء، هل تخلى الجن عني؟ والثمن الذي دفعته له؟ وصديقتي؟ ووو؟
ماذا أفعل الآن، ذهبت للساحر أستفسر عما يحدث لي ولصديقتي، نظر لي بكل غضب الدنيا وقال: (أنتِ السبب في كل هذا)
(ولكنني لم أفعل اي شيئاً)
صرخ في وجهي وقال: (الم تكوني تفكرين في إبعاد الجن عنك وعن حقه فيك؟ الم تقولي إنك كرهته وتريدينه أن يبتعد عنك وعن صديقتك؟)
( أنا آسفة أُقسم لك أنني لن أُكررها مرة أُخرى صديقتي ستصاب بالجنون أرجوك أفعل أي شيء ليس بيدي أي شيء لأفعله)
صرخ في وجهي مرة أخرى قائلا ( أذهبي وانتظري ما سيصيبك، أخرجي من هنا فلن ينفع الندم بعد الآن ).
خرجت وأنا لا أكاد أقوى على أي خطوة، انهارت قواي وتحطمت كل أحلامي، وأنا في دوامة الحزن والضياع تلك اتصلت علّى أُمها تطلب مني أن أتي للمستشفى لأنهم نقلوها إلى هناك، كنت أتساءل: هل أستطيع أن أعيش من دونها؟ إذا حدث لها اي مكروه هل سأنتقم لها؟ هل أملك القوة للاعتراف بالذنب أمامها، وهل ستدرك ما أقول، أعلم إنها ستسامحني ولكن هل أملك تلك الجراءة وأقول الحقيقة؟.
تباً لك أنت السبب في ما انا فيه.. ذهبت إلى المستشفى ووجدت أنهم قد أعطوها مُهدئ للأعصاب سيُمكنها من النوم لمدة ليست بالقصيرة، كنت أخرج كل يوم من منزلي قاصدة مستشفى الأمراض النفسية وأنا أعلم أنه ليس مكانها وأنني أنا السبب ولكن لا أستطيع البوح بذلك فالبوح والاعتراف يحتاج شجاعة كبيرة لا أملكها، صديقتي وحبيبتي كانت تذبل كل يوم كزهرة قطفت ولم يكن في يدي شيئاً لأفعله، كان على إعادة المحاولة والذهاب للساحر، وفي كل مرة كان الجواب ذاته. وقلت في نفسي لماذا لا أُجرب ساحراً أخر. ذهبت إلى ساحر لا يبعد عن الأخر كثيراً، فذاك الحي مليء بالسحرة كما علمت، فقال لي الساحر الجديد أنه لا يستطيع مساعدتي ويجب علي أن أستعد لما هو أتي!؟
ما الذي يمكن أن يأتي بعد هذا؟ أعتقد أن هؤلاء السحرة يعملون مع بعضهم البعض، تباً لهم جميعاً، بعد أيام فقط من زيارتي للساحر الجديد انتحرت حبيبتي وصديقتي وقلبي قافزة من أعلى السلم الخاص بالمستشفى لتمنح جميع أفراد أُسرتها الراحة وتوقف رحلة المعاناة والألم بالنسبة لهم ولها، لم أُصدق أنها ماتت لأنني من غيرها لا أساوى شيئاً، هل صحيح أنها ماتت؟ هل تصدق أنها ماتت؟ هل أنا السبب؟ أنت السبب فلولا حبك لها لما حدث ما حدث.
مرت الأيام وأنا في حزني وذكراها لا تفارقني، كل ثانية كانت تمر كانت هي أساسها ونبضها، وبعد مرور ستة أشهُر تقدم لخُطبتي رجل أعمال فلم أجد مانعا من الزواج منه ومحاولة نسيان ما كان، لكن النسيان في حد ذاته مرض ومرض خبيث.
كُنت دائماً ما أُحاول أن أمسح تلك الفترة من حياتي؛ أن لا أذكُرها بأي شكل كان، وبدأت في تأسيس حياة جديدة بالزواج من رجل الأعمال وكانت البداية موفقة وشبه سعيدة، ولكن مع مرور الأيام بدأت المشاكل في الظهور والسبب: أنت؟
فبعد زواجي بفترة بدأت أحلم بك وبها، كنت أذكر اسمك واسمها وأنا نائمة وأراد زوجي أن يعرضني على طبيب نفسي ولكني رفضت بشدة، في كل يوم يمر كنت يزداد الأمر سوءاً، حتى أتى ذلك اليوم الذي ظهر فيه (الجن) الخاص بي ومارس معي الجنس وزوجي ينظر مستغرباً إلى ما يصدر مني من أصوات وحركات، وحين انتهى الجن من فعلته وذهب في حال سبيله، أدركت عندها أن قصة الجن لم تنتهي حتى الآن ويجب علي أن أجد حلاً في أسرع وقت، لكن كان للجن رأي أخر؛ أصبح يأتي كل يوم ويمارس الجنس معي وزوجي ينظر لي ولا يتحدث، أعلم أن الجن قد سحره ولكن مهما كان فهو زوجي، تعبت من هذا الوضع وتدهورت العلاقة بيني وبين زوجي فهو لا يدري ما الذي يصيبه في منزله فهو دائماً ما يكون في حالة من الصمت الغريب ولا يستطيع أن يمارس معي حقه الشرعي، توصلت لقرار وهو الاعتراف لزوجي بكل ما حدث ويحدث الآن، أعلم أنه لن يستوعبْ ويُصدق ما أقول ولكن يجب علي المحاولة فمن حقه أن يعرف ويمكنه، بعد ذلك، الاختيار بين المواصلة أو الانسحاب، حاولت أن أجعل كلامي بسيطاً ومختصراً، قدر الإمكان، لكنه لم يفهم أو يحاول الفهم حتى، ونعتني بالجنون والشرك بالله، وطلب مني أن أُغادر المنزل في الحال.
كنت في قمة غضبي وأنا أخرج من المنزل وفي يدي ملابسي فقط، ولكن في منتصف الطريق اتصل علي وطلب مني أن أعُود إلى المنزل وسوف نُحاول أن نجد حلاً للمشكلة ومن دون أي تفكير عدت إلى منزلي وأنا أنتظر منه أن يبدأ بقول اي شيء ولكن كان دائماً ما يحتضن الصمت، علمت أنه لم يكنْ يُريد أن أعُود للمنزل ولكن هناك أمر ما حدث وأنا في الطريق لمنزل أبي؟!
أعتقد أن لـ(الجن) علاقة بالموضوع، حاولت أن أتحدث معه، أن أفهم منه شيئا، لكن بلا فائدة لم يطلب مني طوال أشُهر أن يأخُذ حقه الشرعي ولن يطلب كما أرى، كانت حالته تسوء كل يوم وتذكرت حال صديقتي وكيف ماتت… هل سأكون سبباً في أن يموت شخص أخر؟ كان المنزل مليئاً بأقارب زوجي وبعض أصدقائه حين اشتد عليه المرض والسبب معروف بالنسبة لي فقد أمسيت قاتلة محترفة من دون قصد… تحدثت أُم زوجي قائلة إنه يجب علينا أن نأخذه للخارج لتلقي العلاج فهي تعتقد أن العلاج في اخارج سيكون أفضل. وافق إخوته وبعض أصدقائه على أن نسافر لدولة مجاورة ليتلقى فيها العلاج وبدأنا في التجهيز للسفر لكن قبل السفر بأيام فقط؛ كان زوجي قد فارق الحياة وترك لي كل ما يملك من مال.
تمكن (الجن) الخاص بي من تعذيبي لمدة طويلة و قتل كل من أحببت فقط من أجل أفكار كانت تجول في خاطري!، فكرت أنه يجب علي أن أعيش حياتي كما أُريد فأنا أملك المال… ولكن لم أستطع أن أستمتع بما أملُك من مال ف(الجن) يتحكم فيَّ ولتشويه سمعتي فقط يأمُرني أن أذهب لأجد شخصاً ما، يصفه لي وأقوم بجلب هذا الشخص من الشارع بعد أن أتسول أمامه وأقوم بإقناعه بممارسة الجنس معي وفي منزلي، وهناك الكثير مِمن يذهبون معي ولكن لا يستطيع أي واحد منهم أن ينال ما يُريد، بل العكس يُصابون بالعجز الجنسي المؤقت بسبب مجيئهم معي وهو عقاب من قِبل (الجن) الخاص بي وكل مرة أخرج فيها تكون بأمره، وهذه هي حكايتي التي كنت فيها جزءاً أساسياً وتفصيلاً مهماً.)
فجأة أيقظني رنين هاتفي النقال، وصوت صديقي ضاحكاً: ( صباح الخير ياعريس)
قلت له مستنكر: (هل جننت يا صديقي هل تتمنى لي أن أتزوج وأخون ذكرى حبيبتي؟)
(أعتقد أنك لم تستوعب ما فعلت يوم أمس يا صديقي)؟
أبعدت سماعة الهاتف عن أذني قليلا، ونظرت من حولي لأجد نفسي في غرفة لا تشبه غرفتي ولم تك تشبه أي غرفة أعرفها.
كان صوت صديقي يتردد عبر الهاتف: (الو.. الو.. هل أنت موجود على الخط يا صديقي؟)
أغلقت الجوال في وجهه وأنا أحاول النزول من السرير الفخم الذي كنت أنام عليه!
أين أنا وما هذا المنزل؟ وكيف وصلت إلى هنا من الأساس؟
سمعت صوتاً من خارج الغرفة، كان صوتا مألوفاً بالنسبة لي، خطوت بهدوء نحو الصوت وفتحت الباب الخاص بالغرفة المجاورة… فجأة رأيت منظرا غريباً أمامي : امرأة ترقد على سرير لوحدها وتصدر بعض الأصوات وتتحرك بصورة غريبة كأنها تُعذب من قِبل شخصا ما. وقفت مذهولاً مما أرى. بعد دقائق فقط نظرت المرأة نحوي وقالت: ( تعال بقُربي يا زوجي العزيز)!؟
Wedi_ali_jbr@yahoo.com
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=36428
الأخ/ محمد على نور حسين أنت مبدع حقاً ولا تهتم بالمحبطين أخى العزيز وهم كُثر .
القصة حبكتها جميلة وفيها لغة ماتعة لدى ملاحظات فقط كون فى أنها موغلة فى الخيال مجرد ملاحظة.
كتاباتك القصصية السابقة كانت أكثر جذباً وتأثيراً لأنها كانت تلامس الواقع وتنقلنا إليه وكأننا شهودُ وحضور لتلك الوقائع حاول إعادة الكتابة على ذاك النمط من الصور ليس بالضرورات العذابات والقمع لكن صوراً أخرى تكون قريبة من واقعنا الحب . الهجرة . العيش . الشهداء . إلخ…
شكرا لك اخي محمد رمضان .. هذه القصة شاركت بها في مسابقة وكان يجب علي ان اخرج من الخط الذي كنت اسير عليه حتى استطيع المنافسة مع الاخرين .. ان شاءالله القادم اجمل ومليئ بذكريات الوطن .
كن بخير
ودي علي بطل هذه الوساويس الخيال الذي لاياتي من وراه الا الهلوسة.ابتعد عنه يارجل!
هذه القصة حائزة على المركز الاول في مسابقة الأديب ” محمد سعيد ناود ” للقصة القصيرة ، وانت لم تجد غير هذا التعليق السطحي ! ، هناك ما يسمى بالنقد ” الاسلوب ، طريقة السرد ،الصراع داخل القصة ، البداية والنهاية ….”
شكرا ابو صالح