علاقات إرتريا بالعالمين العربي والإسلامي عبر القرون 2/3
بقلم / آدم محمد صالح فكاك
رابعاً :
وفي ديسمبر 1950 م اتحدت إرتريا فيدرالياً مع إثيوبيا بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 390 كحل وسط بين الاستقلال والانضمام إلى إثيوبيا ، وبموجب ذلك كان لإرتريا دستور وضعته الأمم المتحدة ورد فيه بأن” اللغة العربية هي اللغة الرسمية بجانب التجرينية في إرتريا ” كما نص على الرموز الخاصة بإرتريا ، من علم وسلطة تنفيذية ومجلس وزراء ، وسلطة تشريعية وسلطة قضائية مستقلة .
وفي أواخر عام 1952م شكلت حكومة برئاسة السيد تدلا بايرو زعيم حزب الانضمام إلى إثيوبيا . وهنا فقط بدأ التواصل والتمازج بين سكان الإقليمين المذكورين وبدأت حركة تنقلات إدارية محدودة للموظفين من وإلى كلا الإقليمين .
واستمر التعليم الأساسي باللغة العربية إلى جانب الإنجليزية في الإقليم الأول والمسلمين الإرتريين في الإقليم الثاني ، وكانت الكتب المقررة في المدارس هي كتب بخت الرضا السودانية تماماً كما في السودان ، والكتب المصرية ” النحو الواضح” للأستاذ علي الجارم الخ. وكانت الكتب والمجلات والجرائد المصرية والسودانية توزع في جميع أنحاء إرتريا ، وإن الكثير من الجرائد والكتب الحكومية كانت تصدر باللغة العربية والإنجليزية ،أما في الإقليم الثاني فقد كانت التجرينية بجانب الإنجليزية هي السائدة في المدارس وغيرها في نواحي الحياة.
خامساً :
وبعد اعتداء إثيوبيا على الحقوق السياسية والثقافية الإرترية ، بدأ الكفاح الإرتري من أجل تحرير إرتريا في عام 1958م بقيادة حركة تحرير إرتريا ، التي تم الإعلان عن ميلادها في مدينة بورتسودان- السودان، برئاسة السيد محمد سعيد ناود ثم الثورة المسلحة بقيادة جبهة التحرير الإرترية في الفاتح من سبتمبر 1961م ، وقد عقدت مؤتمرها التأسيسي في كسلا – السودان برئاسة المرحوم السيد إدريس محمد آدم وعضوية الشيخ إبراهيم سلطان علي والشيخ آدم إدريس نور، الذين لجأووا إلى مصر في عام 1959م، ثم تم تشكيل قيادة الجبهة برئاسة السيد إدريس محمد آدم وعضوية كل من السيد عثمان صالح سبي وإدريس قلايدوس وغيرهم ، وقد تحمل الإقليم الأول تبعات الكفاح المسلح ودفع ثمناً غالياً أرضاً وشعباً طيلة ثلاثة عقود وحتى تحرير إرتريا من الاحتلال الإثيوبي في ربيع 1991م بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا ، وهو تنظيم منشق من جبهة التحرير الإرترية ، وباختصار وبكلمة واحدة فقد تم تحرير إرتريا بسواعد كل الإرتريين مسلمين ومسيحيين بصرف النظر عن السابقين واللاحقين في الكفاح المسلح .
وفي عقود الكفاح الإرتري من أجل الاستقلال كانت كل أدبيات الثورة الإرترية باللغة العربية في الداخل والخارج .
سادساً :
عقب تشكيل حكومة دولة إرتريا المؤقتة بعد التحرير مباشرة برئاسة السيد أسياس أفورقي وتلاه تشكيل ثانٍ للحكومة بعدا لاستفتاء برئاسة السيد أسياس مرة أخرى ، والذي دشن حكمه بزيارة عاجلة لإسرائيل وعلى بعد آلاف الأميال بحجة أنه يعاني مرض يحتاج إلى علاج عاجل بدلاً من زيارة الأقطار العربية التي ساندت ودعمت الثورة الإرترية سياسيا ومادياً ومعنوياً ، وهي التي تملك مستشفيات حديثة وراقية وتتوفر لديها كفاءات طبية على أعلى المستويات ( مصر والسعودية) نموذجاً ، في الوقت الذي كانت تعادي فيه إسرائيل الثورة الإرترية وتدعم إثيوبيا بالمال والسلاح ، والمعلومات وقد قبضت الثورة الإرترية على العديد من جواسيس إسرائيل . وما ادعاء مرض الملاريا الدماغية إلا غطاء للاتفاق الذي وقعه مع إسرائيل للابتعاد عن الأمتين العربية والإسلامية ، وقد كان . وقد تراجعت العلاقات العربية والإسلامية في ظل هذا النظام إلى أضيق نطاق .
سابعاً :
لقد اختطف نظام الجبهة الشعبية برئاسة أسياس أفورقي أهداف ومبادئ الثورة الإرترية اختطافاً مشهوداً، تلك الأهداف والمبادئ التي ناضل الشعب الإرتري من أجلها طويلاً وهي الحرية والديمقراطية والاقتصاد الحر ، والعدالة والتنمية والمساواة ، بين أبناء الشعب الإرتري وإقامة علاقات ممتازة مع الدين العربية الشقيقة ، والتي أيدت ودعمت الثورة في جميع المجالات ، وكذلك مع كافة دول العالم التي أيدت النضال الإرتري وحقه في الحرية والسيادة .
ويمكن ملاحظة أبرز تخبطات النظام وابتعاده عن عمقه العربي والإسلامي في المجالات التالية :
1-في المجال السياسي :
ويتبدى دعم الدول العربية لحق الشعب الإرتري في استرداد حقه السليب ، جلياً في مساندتها ودعمها للثورة الإرترية مادياً وسياسياً ولوجستياً ، عكس الدول الإفريقية جنوب الصحراء التي كانت تكن العداء للثورة الإرترية بشكل مكشوف .
وقد بدأ النظام الإرتري بالابتعاد عن الدول العربية وخاصة تلك التي دعمت قضية شعبينا وهي في بواكير عمرها النضالي ، بل مضى أبعد من ذلك بأن اتخذ سياسة عدائية مع بعض الدول العربية ، فقطع العلاقات الدبلوماسية مع السودان ، ثم اليمن لأسباب تافهة كان يمكن حلها وتجاوزها بالحوار وعبرا لأطر الدبلوماسية ، ودخل في حرب خاسرة مع إثيوبيا بسبب النزاع حول منطقة ” بادمي” وكان بقليل من التعقل نزع فتيل الخلاف الذي تطور إلى حرب ضروس -مع رفاقه في السلاح وأصدقائه قادة النظام الإثيوبي ” كما كان يحلو له أن ينعتهم بذلك “-راح ضحيتها الآلاف بسبب طيش النظام ، ولم يكتف بذلك بل اشتبك في ملاسنة سليطة مع مصر ، وأخيراً أدخل العلاقات مع الجارة جيبوتي مأزقاً جديداً ، ورفض فكرة الانضمام إلى الجامعة العربية التي أيدت الثورة الإرترية ، بل هرول إلى عضوية منظمة الوحدة الإفريقية التي كانت تعادي نضالات الشعب الإرتري منذ تأسيسها .
يتبع
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=3586
أحدث النعليقات