عندما تصبح الإشاعة ممارسة سياسية
بقلم /محمود طاهر 10/1/2010م
الإشاعة في اللغة هي الإظهار والنشر، وهناك تعريف أخر للإشاعة وهو شايعت الشيء أي اتبعته، أما اصطلاحا فالإشاعة هي كل قضية أو عبارة مقدمة للتصديق تتناقل من شخص إلى شخص دون أن تكون لها معايير أكيدة للصدق. وهي صفة ذميمة وقبيحة ولها أثر مدمرعلى تماسك المجتمعات والشعوب وقد نهت عنها جميع التعاليم والشرائع الدينية والمادية المنتشرة وسط البشرية، التي تدعو الى المحبة وإعلاء قيمة الانسان،وقد وجدت هذه الصفة منذ أن وجد الصراع الأيدلوجي الذي يستهدف البشرية ويؤثر فيها ويوجهها الي الوجهة المستهدفة، وتسمي بالحرب المستترة لانها تستهدف اعماق الانسان وعقله وقيمه، وسميت كذلك بالحرب المعنوية لانها تستهدف شيئاً معنوياً .
وإن الشائعات بأنواعها المختلفة حية رقطاء، تنفث سمومها في المجتمع وإذا لم يتكاتف كل المواطنين والشعب في مقاومتها ودرئها بكل عنف فإنها تقضي على الروح المعنوية التي هي أساس كل نجاح. والأساطير ماهي إلا شائعات تجمدت على مر الزمن، بل إنها استمرت وتبلورت في احضان كل حضارة وثقافه، وهناك شائعات غير قابلة للاستنفاذ، وأن كانت تأخذ أشكالاً متنوعة في اوقات مختلفة، وسواء كانت الشائعة قصيرة العمر أو طويلة العمر، فإنها تعتبر من اهم واخطرالأوبئة والأسلحة المدمرة للمجتمعات البشرية، وظاهرة من الظواهر التي يجب على كل شعب أن يتعاون للقضاء عليها لضررها الكبير والمفجع وقد استعملها المتخصصون في الحروب واستخدموا ما اطلق عليه الطابور الخامس في نشرها وترديدها وأثبتت التجارب والدراسات أضرارها وتدميرها التي لا تقل عن أذى وأضرار الحروب نفسها ويصف (الدكتورخضر بــارون )مــروج الإشاعات بأنه شخص يعاني من اضطـــرابات نفسية أثرت علــى سلـوكه وأخلاقياته فهو يهمه ان يرى الآخرين غيـــر سعداء، ويعانون من مشاكل، المحزن ان سعـــادته تتناهى مع أحباط الناس .
والشائعة في زماننا هذا اصبحت أداة سياسية تمارس وتستخدم لاغراض مختلفة وشتى من جانب الحكومات ومعارضيها على حداً سواء، ونجدها ازدهرت في مجتمعنا الارتري بشقيه المدني والسياسي، ففي الجانب المدني تأخذ طابع التنفيس بالنكات عن الكبت والضغوط اليومية التي يعاني منها الشعب جراء سياسات النظام القمعية نتيجة لانسداد الافق في التخلص منه، ولا تتجاوزهذا المدى الترويحي، اما في الجانب السياسي فتأخذ منحى آخر تأمري وإقصائي إذ تستخدمها الدولة، لكسر شوكة وإرادة اعدائها ومعارضيها لترويضهم اوإغتيالهم معنوياً في نهاية المطاف، وتستخدم في ذلك كل الطرق والوسائل الغير اخلاقية، وعلى سبيل المثال فرية التعاون مع اثيوبيا التي اخترعتها الحكومة لقمع وإحتوا مجموعة ال15 الاصلاحية من قبل الديكتاتور، وهكذا ديدان الحكومات الديكتاتورية على مر السنين والتجارب، التخلص من المنافسين المحتملين اوالراغبين في الإصلاح بطرق قذرة وجبانة. ولكن ان يتم استخدم هذه السلاح الخطير بين تنظيمات المعارضة، والتي تنوح صباح مساء باستخدام مثل هذه الممارسات ضدها، وتاتي هي لتقوم بذلك الفعل المستهجن فهذا لعمري سقوط مريع في الاخلاق وتناقض غريب لايمكن تفسيره ولا تبريره، وذلك بهدف كسب سياسي رخيص ولحظي، يعتبر امرفي غاية الخطورة وهي جريمة لا يمكن القبول بها او السكوت عليها مهما كانت المبررات والدوفع، لان الولوغ في وحلها ليس بيسيراً الخروج منها، وإن كان البعض إستمراء هذا الفعل القبيح والقول الذميم في السنين الاخيرة، فإن إيقاف هذا العبث الصبياني هو واجب وطني واخلاقي، من خلال العمل على كبح جماح المتفلتين ومثيري الفتن والغرض اينما كانو ضرورة قصوى، تقتضيها المصلحة الوطنية، وليستغرب المراء ويقف مذهولاً عند ماتصبح هذه الجريمة المنكرة عمل تقتات منه المعارضة في فعلها وردها، لان مايسمي بالتخطيط والاستراتيجية هو شئ من الترف الفكري الذي لا يتناسب مع افكار قياداتنا، لذلك تعتمد في بناء مواقفها على هذه الترهات، ويظهر ذلك جلياً عند حدوث اية أزمة طارئة او مزمنة والتهمة جاهزة ومعلقة عند الشماعة، لا يهم ان تكون بنفس المقاس والحجم للشخص المستهدف او المجموعة، ولكنها تهمة والسلام ووصل الإتهام بالعمالة للسلطة الحاكمة في اسمرا امراً يسيراً، واصبحت هذه العباءة تناسب كل من له وجهة نظر مخالفة داخل التنظيم الواحد، وذلك دون عناء البحث عن الدليل لان الهدف هو التشويه بغرض الاغتيال المعنوي ليس إلا، وهذا يظهر مدي ضعف التكوين التنظيمي والإضمحلال الفكري لدن معارضتنا. فلا توجد آلية او وسيلة لتسوية الخلافات الداخلية عبر الحوار الموضوعي والهادف للوصول بالتنظيم اوالحزب الى برالامان إلاهذه الطريقة الإرتدادية العاجزة في حل الخلافات بين الاطراف المتنازعة، حيث يبداء الجميع بالحشد لما هو آتي والترتيب للحرب الكلامية المقبلة بعد فك الارتباط المفروض من الطرفين، فكل تجارب الانشقاق والانفصال التي حدثت في معسكر المعارضة بشقيها الإسلامي والعلماني في فترة ما بعد التحرير لا تخرج التهمة فيها عن امر واحد الا وهي الارتباط بالحكومة، فلا القيادة يرهقها تكرار الاسطوانة المشروخة ولا القاعدة تمل من التكرارالممجوج، (وبات عندهم الترويج بضاعة يظهرسوقها عندهذه الملمات ليوارو بها عورة الإخفاقات المتراكمة)، ولو اردنا مناقشة هذه القضية بموضوعية وبعيداً عن النفاق السياسي نجد ان الحكومة ليست بحاجة لزرع عملاء بيننا وذلك ليس لقوتها ولكن لضعفنا وعجزنا ولأننا نحمل بذرة فنائنا بداخلنا الذي لايحتاج لبيان، ولو فرضنا جدلاًان بإمكانها ان تصل باختراقها إلى أعلى قيادات المعارضة ممثلة في قادة تنظيماتها فهذا يعني اننا لسنا جديرين بثقة الشعب، ولا يمكننا بهذا الحال المائل إسقاط هذا الديكتاتورلانه ببساطة شديدة الاموراصبحت بين يديه، وهذه الفرضية المزعومة غير مقبولة البتة، ولكن ما يحدث هو تحميل اية اخفاق حاصل داخل هذه التنظيمات نتيجة الكبت وسيادة الفردانية في الراي والقرار لجهات خارجية وخاصة النظام دون الوقوف على الاسباب الحقيقية التي ادت الي المشاكل ومحاولة علاجها قبل استفحالها، وهذا هروب الي الامام ولكن بطريقة مختلفة، فلو كان ما قيل حقيقة كيف يسمح لمن اُتهم بالامس بالعمالة وبعد إنجلاء غبارالازمة بفترة يتم التعامل معه باريحية وكأن شيئاً لم يحدث، وتجد من كان يُتهم بانه عميل للنظام اصبح عضوا اصيلاً كامل الدسم في التحالف الديمقراطي الإرتري، دون ان يطلب منه أحد رد التهمة عن نفسه وكذلك دون طلب الإثبات من المدعي وكأن الامر كان مزحة سخيفة استدعتها حالة استباقية للشوق المتوقع للفراق الحار بين الاحبة الاعداء، وان مثل هذه التهمة الساقطة هي سنة حميدة تستدعيه ماضي المتخاصمين.
وسبب ذلك ومرده ان القيادة جعلت لنفسها هالة من القداسة بحيث لايمكن مناقشتها في اي قضية من قضايا التنظيم والوطن،وان اي خارج عن راي القيادة يعتبر خائن واحياناً مرتد، والقاعدة صارت تتلقى اوامر القيادة كانه تكليف مقدس لا يجوزمناقشتها او عصيانها ووسط هذه الاجواء والظروف نمت الإشاعة وترعرعت وكبرت حتى انتجت جيلاً من المروجين المحترفين الذين لا يراعون عرفاً ولا اخلاقاً في نشر امراضهم واحقادهم هذه بين الناس وبذلك صرفوا المجتمع من مواجهة العدو في قضايا شخصية بامتياز.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=40605
أحدث النعليقات