عن نضالات المرأة الارترية لقاء مع المناضلة ايلسا مسفن
أجرى اللقاء : الاستاذة سهير قندفل
أن تعددت اللغات وتعددت السحنات نتيجة لتعدد القبائل واختلاف المناطق يبقى ما يوحد ويميز نساء بلادي تلك الروح المقاتلة وذاك العطاء الذي فاق التوقعات، وهن يشاركن في شتى المجالات فمنهن من قاتلن مباشرة ،وعمل غيرهن بالاستخبارات ،ورعاية المصابين ، وجمع التبرعات ….الخ وها نحن اليوم نذهب صعودا الى عاصمتنا الجميلة ونساءها الرائعات لنتعرف على واحدة من جميلات اسمرا المقاتلات السيدة المناضلة / زفان ود ميكائيل التي لم يسعفنا الحظ لمقابلتها والتحدث اليها حيث انتقلت الى ربها فى عام 1998 ، ولكنها تركت تاريخ ناصعا وابنة جميلة متفهمة سعينا للتعرف عليها حتى نستفهم عن الوالدة فاذا بنا نكتشف أن الابنة لا تقل وطنية عن والدتها وأن لها ايضا دورا مهما في الساحة الارترية الا وهي المناضلة / ايلسا مسفن فجاء اللقاء مزدوجاً عن الأم والابنة.في البداية
استاذة ايلسا نتعرف عليك وعلى الوالدة؟الوالدة زِفان من مواليد يناير(1928م) في قرية(اِمني صليم) منطقة سراي، والدها ود ميكائيل كحسو مسيح (مزارع) ووالدتها قدوسان جانقول(ربة منزل)،ومن قريتها انتقلت الى مدينة مندفرا ثم الى اسمرا حيث تزوجت من الضابط مسفن امباي ،وذهبت للعيش معه في اثيوبيا في مدينة (دري داوا) حيث ولدت ، بعد فترة انفصل عنها الوالد وتزوج من أُخرى واصبح لديه اطفال اما انا فقد كنت ابنتها الوحيدة فعادت بي الى مدينة اسمرا . حيث كبرت وتلقيت كل مراحلي التعليمية فيها .كيف بدأت علاقة الوالدة بالثورة والثوار؟للأسف تاريخ الوالدة ناقص وغير مكتمل لعدم تدوينه من جهة ولسرية العمل من جهة اخرى ولصغر سني لم تكن تحكي لي شيئا، ولكن اذكر عندما يأتي اخوالي من البلد يجتمعوا عندنا في البيت ويبدوا في الغناء والأناشيد الوطنية ، وكانت امي تغني معهم. عملت والدة بالتجارة وكان لديها عمل خاص ( بزنس) ، ولم اعرف طبيعة علاقتها بالثوار لانها كانت تستخدم عملها كساتر او تمويه وتلتقي بهم على اساس انهم زبائن عمل ، واذكر مرة ونحن نمر بالقرب من قاعدة (كاينوا استيشن) وكانت لديهم عربات كبيرة(تابعة للمخابرات الامريكية) فقلت لامي لماذا لا تشتري لنا مثل هذه العربات فقالت لي عندما ينتهي الطريق الى مصوع ، ولم افهم شي من كلامها ، ولكن مرة اخرى كنت مع خالي وشاهدت هذه العربات فقلت له امي سوف تشتري لنا مثل هذه العربات عندما ينتهي الطريق الى مصوع فانزعج خالي وقال لي (امك دي تسبب لينا مشاكل) وكانت نبرة صوته مختلفة ولوذت بالصمت لاني شعرت به ينبهي لشي لم ادركه وقتها . كان هنالك الكثيرمن الزبائن يزورا الوالدة ويتحدثوا معها طويلا ثم يذهبوا وبعد فترة ياتوا اخرين وهكذا ، وبعد أن كبرت عرفت انهم لم يكونوا زبائن بل ثوار ولم تكن تبيعهم شي انما كانت تمدهم بالمعلومات التي تجمعها عن الأوضاع والتحركات في العاصمة اسمرا.فعلا هذه المعلومة ذكرتها لي السيدة المناضلة نسريت كرار وقالت أن المناضلة زفان كانت نشطة في اسمرا وكانت تمد الثوار بالمعلومات ، ولكن بالنسبة لك الم تشاهدي موقف مميز للوالدة؟عند بلوغي سن الثانية عشر بدأت اسمع الأخبار ولم يعد يخفى عني شي واصبحوا يتحدثون امامي ، واذكر في تلك الفترة زارت الملكة اليزابيث اثيوبيا (23نوفمبر 1965م) وكان من المقرر أن تزور الى اسمرا، وقبل زيارتها تمكن العدو من احباط محاولة تفجير اعدها الثوار حيث تم القبض على كمية اسلحة ادخلها الثوار الى اسمرا لتنفيذ عملية التفجير وبهذا احبطت العملية وتم اعتقال بعض الثوار المشتبه بهم وفشلت الزيارة . قامت الوالدة بتوكيل محامين للدفاع عن الثوار ، وبعد فترة تم استجواب الوالدة ، وسؤالها ماذا كان يعمل هؤلاء في بيتك؟ فقالت انهم زبائن وكنا نلعب الورق فاسقط عنهم التهم .اذكر من الذين كانوا يترددون على الوالدة باِستمرار شخص يدعي (أبرها كفلي) وكان يتحدث معها بصوت منخفض وبعدها عرفت انه قائد الفدائيين في منطقة حماسين، وكان يأتي لأخذ معلومات من الوالدة ، بعدها ادركت أن الوالدة كانت تقوم بجمع معلومات عن الأوضاع وعن الضباط وتحركاتهم تحت غطاء العمل التجاري.بالرغم من عمل الوالدة في اسمرا كان يتم بسرية كاملة كيف قررتي الخروج والِالتحاق بالثورة؟التحقت بالجامعه (كلية العلوم ) حيث الدراسة التمهيدية لدخول كلية الطب، وفيها تعرفت على الروابط الطلابية حيث الحماسة والنقاش، كان رئيس الاتحاد الطالب تسفي ماريام أول من اتخذ خطوة عملية حيث ترك الدراسة (السنة الرابعة) والتحق بالميدان،هنا بدأت أفكر في الالتحاق بالميدان وعندما اخبرت الوالدة برغبتي ، ورفضت وقالت لي اكملي دراستك اولا. وفي السنة الثانية في الجامعة(1975م) زادت المضايقات على الطلاب وكنا مستهدفين فقررنا انا وزميلتي صيون منغستو باريو(ابنة عم المناضل حروي تدلى باريو) قررنا الخروج، (مع وقف التنفيذ) الى أن جاءت الفرصة عندما جاءنا الطالب انقسوما اصًبحا واخبرنا انه سوف يخرج ومن يريد الخروج يستعد. فابلغناه باننا نريد الخروج ولكن لا نملك المال لتجهيز انفسنا ولا نستطيع طلبه من الاهل لانهم ضد فكرة الخروج، فقام انقسوم بشراء جميع مستلزماتنا واحضر عربة واوصلنا بها الى المناضل حروي تلي باريو في منطقة حماسين (كانت تحت تسيطر الجبهة). وعندما جاءت الوالدة ومعها والدة صديقتي للسؤال عنا اخبرهم المناضل حروي باننا ذهبان الى بركة( حتى لا يعودا مرة اخرى).ما هي المهام التي كلفتم بها عند وصولكم لمنطقة حماسين و كيف انتقلتوا بعدها الى بركة؟ في حماسين خضعنا لدورة تدريبية(تدريب عسكري) في منطقة (حار عونا) وكان هنالك عدد كبير من النساء. بعدها توجهنا الى اقليم بركة. وكنت ضمن مجموعة ضمت كل من ادحنت عندو/ قنت قبرهوت/ الماظ ولدو/ واخريات لم اتذكر اسمائهن . وكانت رحلة شاقة أذكر اني وقعت وأصيبت في جبهتي ومن معاناة الرحلة ايضا نقص الزاد كنا نقوم بحرق السكر ونشربه كالشاي وننام في الخيران والادوية ، ومما خفف علينا هو ادراكنا مسبقا بكل تفاصيل الرحلة وما يمكن أن نعانيه ، كنا شباب يحدونا الامل والرغبة الكاملة في العمل والنضال، بالاضافة لوجود اناس ذو خبرة وتدريب عالي ساعدونا كثيرة خاصة أن حمولتنا لم تكن ثقيلة (اغراض شخصية)، وبهذه الروح وصلنا الى بركة وكان في استقبالنا مسؤول المعسكر وعلى الفور تم توزيعنا في اماكن مختلفة وخضعنا للتدريب على الاسلحة كلها(ربط وتفكيك وتجهيز) وكان هذا لمدة (6) أشهر وفي اثناء هذه الاشهر تم عقد المؤتمر الوطني الثاني لجبهة التحرير، وتم اختياري ممثلة للمعسكر ،ومن ثم ارُسلنا الى دورة في مدرسة الكادر التابعة للمكتب السياسي، بعد انتهاء الدورة(3) شهور تم توجيهي ومعي المناضل تسفي لدت الى احدي الكتائب(في منطقة القاش) فيما يعرف ب(كادر كتيبة) وكان دوري القيام بالتعبئة السياسية (وفي هذه الكتيبة وجدت المناضل أنقسوم اصبحا والمناضل داويت وغيرهم من طلبة جامعة اسمرا) ، تتكون الكتيبة من ثلاثة سرية الواحدة بها (50-75) شخص ، تحت قيادة المناضل صالح أبوبكر، ومسؤول الامن المناضل صلاح الدين عبدالله، وكانت مهمة الكتيبة التصدي لمحاولات العدو الذي كان يسعى الى فصل مدينة بارنتو. وكانت قوة الكتيبة تأتي من ما يعرف ب( م. ط) وهو سلاح مضاد للطائرات متمركز فوق الجبل ولم يكن يسمح للجنود بالنزول من الجبل الا بشروط، وكنت ازروهم كثيرا بعد انتهاء عملي كان عددهم خمسة أذكر منهم المناضل مبرهتو والمناضلان تسفي قرقيز وكفلاي( اللذان استشهدا في معركة اغردات1977م). واذكر في هذه المنطقة (منطقة الكناما)توجد أنواع من الطماطم صغيرة الحجم كنا نقوم بخلطها مع العدس وهذا نوع من الترف بالنسبة لظروف الميدان، ومن الطرائف ايضا كنت انام تحت شجرة سدر(نبق) كبيرة وفي الصباح اصحى وسط كميات كثيرة من النبق فاتناولها (كان هذا فطوري).كان معنا الكثير من المقاتلين(شباب وبنات) وكانوا في حالة حذر دائم، لان العدو يعلم بوجودنا في المنطقة ، الا انه يعلم ايضا بوجود السلاح(م.ط) الذي تصدى لهم اكثر من مرة . اذكر في هذه الفترة مرضت مرض شديد وصادف ذلك زيارة المناضل محمود حسب وعندما علم بمرضي اصطحبني معه الى كسلا ونزلت عند اهله .بالرغم هذا الاداء الرائع تركتي الكتيبة وذهبتي لاتحاد المرأة ماهو الدور الذي اؤكل اليك في هذا الاتحاد ؟. فعلا كان عملي مهم مع هذه الكتيبة وقد احببته جدا، وبعد مرور عام على وجودي في الكتيبة (1976) ،استدعوني الى المكتب السياسي في (عاليت) واخبروني أن اتحاد المرأة يحتاج لكوادر نسائية وعليه تم اختياري ومعي كل من ادحنت عندو / ونورا سعيد / وصيقى ولدي ماريام. للعمل معهم وكنا نعمل حسب التوجيه وليس الرغبة .قبل وصولنا كان اتحاد المرأة قد كون المرحلة التاسيسية وزامن وصولنا فترة الِاعداد للمؤتمر فتم اختياري من قبل اللجنة التحضيرية للتعاون معهم ، بدأنا العمل ومن ثم تم توجيهنا ومعي المناضلة القانيش كيداني(بعدها ذهبت مع الفالول الى الجبهة الشعبية)الى منطقة سراي وحماسين للتعبئة للمؤتمر وانتخاب من يمثل المرأة من هذه المنطقة. ومما سهل العمل هو وجود خلية للنساء في حماسين كانت قد شُكلت سابقاً من قبل المناضلتين (قنت، الماظ) ، فقمنا نحن بتوسيع هذه الخلية الى عدة خلايا وانتخاب نساء للمشاركة في المؤتمر ومن سراي انتخبنا المناضلة ملؤ نقاسي واخريات لا اذكرهم ،وفي سراي ولضيق الوقت قررنا أن نعمل منفصلين فاتجهت المناضلة القانيش كيداني الى سراي ، اما انا فذهبت الى حماسين وصحبني الدليل من قرية لاخرى واكملت مهمتي في شهرين.اذن بهذه المهمة عدت مرة اخرى الى منطقة حماسين اي بعد سنة ونصف من خروجك الم تسمعي اخبار عن الوالدة أو تلتقي بها؟فعلا عندما علمت الوالدة بوجودي في منطقة حماسين جاءت تسال عني ووصلت منطقة(هزقا) فذهبت اليها وتحدثنا في مواضيع كثيرة اهمها حقوق المرأة فقد كانت الوالدة تؤمن بالمساواة بين الرجل والمرأة مع العلم انه لا توجد اي مكانة للمرأة في مجتمعها والرجل هو المسيطر، لكنها كانت تدافع عن المرأة في مختلف المواقف، اخبرتها عن عملنا ومدرسة الكادر والكتيبة ،فأعجبت بالعمل وحدثتني عن الوطن والوطنية واهميتهما . وكنت أريد أن ابقى معها اطول فترة ممكنه ولكن مع نهاية اليوم اخبرني المناضل تسفاي تخلي ازقي انه سوف ينزل غدا صباحا الى بركة ويجب أن اذهب معهم، لهذا لم يستمر لقائي بالوالدة سوى يوما واحدا فقط.ننتقل الان الى الحديث عن المؤتمر وما دار فيه ومخرجاته.قبل المؤتمر حدثت أول مشكلة عندما رفض بعض النسوة الانضمام الى اتحاد المرأة ، من وجهة نظرهن انهن مقاتلات مثلهم مثل الرجال ولا يجب التقليل من شانهم ومسالة الِاتحاد سابقة لاوانها، و بينما كنا نرى نحن بضرورة التزام الجميع باتحاد المرأة لانه يرتب وضعها ويحفظ حقها ،خاصة أن المراة لم تكن تحظى بالتقدير الكامل ، وكانت كل المناصب حكرا على الرجال بما فيها المكاتب الادراية، وعندما اشتد الخلاف تدخل مسئول المكتب السياسي المناضل تسفاي تخلي ازقي وعقد اجتماع لمناقشة الموضوع ، وفي الاجتماع عجزت المعارضات عن ذكر اسباب موضوعية تمنعهم من الانضمام الى الاتحاد، عندها وبقرار جماعي تم الاتفاق على ان تكون كل النساء (بما فيهم المقاتلات) ضمن عضوية اتحاد المرأة.عقد المؤتمر سنة (1976م) في منطقة بركة وكان العدد(200) امراة وحضر الجميع بالاضافة لممثلين للمنظمات العربية والاجنبية، واذكر بعض من النساء اللواتي كنا في الخارج وجاؤا لحضور المؤتمر :المناضلة نفيسة محمد برهان (مصر)، المناضلاتان مدهنيت وزينب امانتو (السعودية) ،والمناضلة الم (ايطاليا).وفي المؤتمر تم انتخاب
- امنة ملكين (رئيس)
- فاطمة صالح (نائب رئيس وعلاقات خارجية )
- اسجدت محرت اب( مالية)
- نسريت كرار(شئون اجتماعية)
- ايلسا مسفن(الاعلام)
- ايلسا تسفي ماريام (سكرتير)
- ادحنت عندو(شئون تنظيمية)
لو عدنا مرة اخرى للوالدة الان وبعد تشكيل خلايا المراة في حماسين هل تغيرت طبيعة عملها في الداخل؟ الوالدة استمرت في عملها الى أن تم القبض على مجموعة من الفدائين في اسمرا ، هنا طلب من الوالدة الخروج خوفا من اعتراف البعض تحت التعذيب ولكنها رفضت ، عندها طُلب مني أن اكتب لها رسالة ،اُخبرها بوجودي في أغردات المحررة، وفعلا جاءت الى أغردات ونزلت في بيت المناضلين وكنت ازورها من فترة لاخرى ، لكن بعد الهجوم الاثيوبي على المدينة ذهبت الى مدينة كسلا ومنها الى مدينة الخرطوم حيث استقرت بها ، وبعد التحرير عادت الى اسمرا حيث وافتها المنية في نوفمبر 1998م.في ختام هذا اللقاء وانا اتوجه بالشكر لك ولمن ساعد في الترجمة أريد أن اعرف رائك في وضع المرأة الارترية الان و ماهو المطلوب منها؟وانا بدوري اشكرك واشكر الاخ المترجم ، وأقول أن المرأة الارترية قدمت الكثير وهذه الحالة غير طبيعية ، الطبيعي بعد كل هذه التضحيات أن نكون في وطننا نتمتع بكامل الحقوق ، ولكن نحن الان في الشتات لذا يجب علينا العمل متحدين من خلال بناء جسم قوي يشمل كل تجمعات النساء في المهجر ويعمل على بناء وتحضير المرأة للمرحلة القادمة، كذلك يجب أن نُورث تجربتنا النضالية للأجيال القادمة من خلال التعريف بما قدمته المرأة سابقا والدور المطلوب منها حاليا لبناء الوطن.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=45686
أحدث النعليقات