غياب ارتريا عن توقيع وثيقة سد الالفية
عبدالله اسماعيل
مركز دراسات القرن الإفريقي
في 23/ مارس 2015م وقع رؤساء كل من اثيوبيا والسودان ومصر على وثيقة سد النهضة
وقد شهد التوقيع وفود من جنوب السودان وأوغندا والجامعة العربية والإتحاد الإفريقي والإيقاد والصناديق العربية، وغابت عن هذا اللقاء ارتريا وبغيابها تكون اثيوبيا قد أكدت أن لا شأن للنظام الدكتاتوري الحاكم في ارتريا بما يجري من تفاهم بين دول حوض النيل الشرقي، كما أكدت أيضا أن النظام الحاكم في ارتريا لا يستطيع أن يعيق خطط اثيوبيا وبرامجا في مواردها المائية، وتؤكد عزلة النظام اقليميا ودوليا.
ارتريا خارج حوض النيل الشرقي:
ارتريا تعتبر من دول حوض النيل الشرقي حيث يمر عبر أراضيها أكبر روافد حوض النيل الشرقي بعد نهر النيل الأزرق وهو نهر سيتيت الذي يسهم سنويا بأكثر من 15 مليار متر مكعب من المياه ويعرف في اثيوبيا بتكزي وبعد التقائه بالعطبراوي وبا سلام داخل الأراضي السودانية يشكل نهر عطبرة ويبلغ طوله 850 كيلو مترا منها 200 كم داخل الأراضي الإرترية.
ارتريا خلال الأربع وعشرين عاما الماضية قامت بتنفيذ مشاريع هامشية تمثلت في سدود ترابية وحفائر في الإقليمين الجنوبي والأوسط قاربت الثلاثمائة حفير وسد ترابي فيما اطلق عليه ببرا مج حفظ وصيانة التربية، وأغلبها حواجز ترابية قامت على مجارى مائية محدودة التخزين لا تدوم الا لأشهر معدودة وليست لها طاقة تخزينية تسهم في الزراعة، بل تندرج ضمن البرامج الانتقائية ركزت على نطاق جغرافي ضيق شحيح في موارده المائية، ومحدود في المساحة الزراعية، وتتسم أراضيه بالوعورة، ولا يمكن أن تقام فيه مشاريع زراعية استراتيجية.
ارتريا كان الأجدر بها أن تقوم ببحث امكانية الاستفادة من مياه نهر سيتيت والذي يمر عبر أراضي زراعية تتسم بخصوبة التربة وكبر الرقعة الزراعية حيث تقدر بأكثر من نصف مليون فدان ومستوية وتتمتع بارتفاع مستوي هطول الأمطار في موسم الخريف لأكثر من 400 ملم مما يمكن من اتباع نظام الدورة الزراعية بحيث يمكن أن تستمر دورة الإنتاج في العام لثلاثة دورات بسبب وفرة المياه وخصوبة التربة مما كان سيجنب البلاد مشكلة شح الغذاء التي تعاني منها بل كان سيوفر لها مداخيل اضافية من خلال انتاج محاصيل نقدية مثل القطن والحبوب الزيتية، غير أن النظام الذي تتحكم فيه عقلية الهيمنة أهمل استغلال هذه الإمكانيات بسبب أن هذه الأراضي تقع ضمن أراضي من يعتبرهم المنافس التاريخي لطموحاته التوسعية فهي تمتد من مدينة تسني وحتي مدينة أم حجر مع الحدود الإثيوبية لمسافة 120 كم، ومن المنحدرات الجنوبية الغربية للهضبة وحتي أطراف الحدود السودانية في جنوب غرب ارتريا وهي على مدى التأريخ الحديث لإرتريا تعد مخزن الغلال والثروة الحيوانية لإرتريا، وقد ترتب على هذ الاهمال بان تبدو ارتريا اليوم دولة لا شأن لها بما يجير من حولها وهي ترى جيرانها يتفاهمون من أجل التأكيد على حقوقهم في مياه حوض النيل الشرقي وبالتأكيد لا يرغبون في أن تفيق من ثباتها العميق لان القسمة هنا لمن حضر.
ارتريا ومنذ الاستقلال لم تعمل على تثبيت حقوقها في المياه من خلال مشاريع على نهر سيتيت باعتباره من الانهار المشتركة وقابل لان يكون بؤرة للنزاع سواء مع اثيوبية او السودان وحتي مصر التي في المستقبل سوف لن توافق على أن تقوم ارتريا بإقامة مشاريع مائية لأنه يسهم في تضاؤل حصة مصر من المياه بسبب قيام سد الالفية على النيل الازرق لذا بدت ـ أي ارتريا ـ وكأنها ليست لها حقوق تنافح عنها وهذه الحالة أفسح عنها راس النظام في يناير الماضي في مقابلة تلفزيونية حين تيقن من انسداد الافق حوله عندما قال :(حتي وان لم يؤثر علينا منبع حوض النيل البعيد عنا …. احيانا قد نفضل عدم اختيار دبلوماسية نشطة بالرغم من وضوح الصورة … فنفضل الجلوس جانبا للمتابعة) وبالفعل ابرمت الدول الثلاثة صفقة تاريخية اكدت من خلالها حقوقها بينما ارتريا قبعت في مقاعد المتفرجين.
وما تقدم يطرح سؤال ملح لماذا النظام الارتري لم يقم بإقامة مشاريع استراتيجية في هذه المنطقة تمكنه من استغلال مواردها الطبيعية والمتجددة ؟ ربما أن النظام أخر استغلال هذه الثروات حتي يكتمل مشروعة الاستيطاني حيث دفع بأعداد كبيرة من سكان الهضبة نحو هذه المنطقة وفي المقابل عمل على تهجير سكانها الأصليين بشتي الوسائل، كما انتزع الأراضي الزراعية من ملاكها حتي حصر نصيب الفرد في فدان واحد، وأقام فيها مشاريع تابعة لأعوانه ولشركائه في كل من ضفتي نهر القاش، ومشروع علي قدر الزراعي، ومشروع قرست الزراعي، ومشاريع قلوج ومعلوبة. فشخص مغمور مثل ودلقس كان يعمل في السمسرة وممن اغتنوا بصورة مريبة يمتلك اليوم ما لا يقل عن 10% من مساحة الزراعة في هذه المنطقة، كما أن أغلب جنرالات الدكتاتور واعوانه هم من يسيطر على أغلب الاراضي الزراعية، فقرية عد شيقالا في معلوبة واغلب سكانها من قومية الكوناما قد فقدوا جميع اراضيهم الزراعية والرعوية حيث تمت مصادرتها وتم منحها للآخرين. بينما سكانها الأصليين ما زالوا يرزحون في الفقر المدقع والجهل ويعانون من التشرد والتعسف.
وربما هناك من يقول أن النظام أقام سدود في هذه المنطقة، صحيح أن هناك ثلاثة سدود صغيرة هي سد فيسكو في منتصف وادي القاش، وسد قرست بالقرب من قلوج، وسد بادميت عند مصبه في نهر سيتيت، غير أن المهم أن ندرك أن هذه السدود أقامها النظام ضمن مشاريعه التي تخص شركائه وقد تم انتزاع الأراضي من ملاكها وهي أراضي تتمتع بخصوبة عالية خاصة في القاش وقرست، وهي مراعي طبيعة ومعبر للرعاة، الحرفة الرئيسية لسكان اقليم القاش بركة، وقد تسببت في افقارهم بدلا من أن تسهم في رفع مستوي معيشتهم وقد هجر كثير منهم حرفة الرعي بسبب ضيق المراعي وبسوء العلاقة مع اثيوبيا حيث كانت اعداد كبير من المواشي تنتقل إلى الأرضى الإثيوبية في مواسم الجفاف.
التشويش على الاتفاق:
بالتأكيد أن النظام الإرتري لم يكن ليسعده أن يرى عودته اللدود اثيوبيا وهي توقع اتفاق وثيقة سد الألفية، وهو الذي اجتهد كثيرا في أن يستغل خلاف مصر مع اثيوبيا لأجندته الخاصة ولا علاقة لها بالمصلحة الوطنية، كما سوق نفسه في امكانية أن يكون شريكا في أي عمل عسكري قد تقوم به مصر ضد سد النهضة، وقد بادر رأس النظام بزيارتين لمصر بعد التطورات التي شهدتها بعد الثلاثين من يونيو، كما أجري بعض التغييرات في طاقمه الدبلوماسي في القاهرة بإعادة السفير فاسيل قبر سلاسي من أجل كسب تعاطف الكنيسة القبطية لكونه ينحدر من أم مصرية واستبعد السفير عثمان محمد عمر الذي اعتبر عاجزا عن مواكبة تطورات السياسية المصرية حيث نشطت المعارضة الارترية و الحركات الشبابية الإرترية التي ظهرت في مصر بعد ثورة 25 يناير 2011م مثل حركة شباب 24 مايو، غير أن الدبلوماسية الإثيوبية كانت هي الأقدر على حشر رأس النظام وإرتريا في الزاوية الضيقة وهو ما حدث بالفعل حيث لا دور لإرتريا في قضاياها والإقليم كما أن مصر بالتأكيد تدرك عجز النظام الإرتري في أن يكون له تأثير على مجريات الأحداث في محيطه. لذا أقدم كعادته على اثارة التشويش على لقاء القمة بين الرؤساء الثلاثة وذلك بتسريب اخبار مفبركة أولا بتعرض قوة من جيشه للاعتداء في منطقة بيشا من أجل تهيئة الأذهان ثم اتبعه بخبر غير مؤكد ( ولم يرد من جهة مستقلة حتي الآن) قبل القمة بيوم بأن طائرات اثيوبية قصفت منجم بيشا وهو خبر لا يمكن احفاءه إن حدث فعلا حيث الحركة المستمرة التي يمكن أن تؤكد صحة الخبر غير أن شيئا من ذلك لم يكن موجودا علي الأرض.
نظرة على الاتفاق :
بالتأكيد أن اثيوبيا قد خرجت من خلافها مع مصر في سد النهضة منتصرة فقد بدأت مطالب مصر بإيقاف بناء السد والتأكيد على ما اعتبر بحقوق مصر التاريخية، ثم اتنقل الى التهديد بضرب السد، غير أن مصر لم تكن تملك العمق الاستراتيجي الذي تخلت عنه في عهد مبارك حين فصلت أمنها القومي عن الأمن الوطني السوداني وكذلك الأمن الوطني للدولة الصومالية لتجد نفسها اليوم بلا حليف في منطقة القرن الإفريقي كما لم يكن السودان مستعدا لأن يضحى بمصالحة القومية من أجل مصر ولذلك جاء موقفه من الوهلة الأولى ليؤكد بأن قيام سد النهضة لا يشكل تهديدا لمصالحه وأمنه المائي في اشارة إلى انفصال الأمن القومي المائي للسودان عن الأمن القومي لمصر وفي تحول جديد لتغير التحالفات.
اثيوبيا بدورها كانت في حاجة ماسة إلى موقف السودان ولذلك ربطت أن أي تفاهم مع مصر يمر عبر السودان من أجل أن تؤكد على اضعاف الموقف التفاوضي لمصر ولذلك كانت زيارة السيسي للسودان مباشرة بعد لقاء قمة الإتحاد الإفريقي التي جرت في مولابو من أجل التفاهم مع السودان، وكان الرئيس دسالين قد توجه إلى مولابو وفي جيبه كرت عودة مصر إلى الإتحاد الإفريقي مقابل التفاوض على سد النهضة وفق الشروط الإثيوبية وهي :
• التأكيد على حق اثيوبيا في بناء السد.
• حقها في تحديد حجم السد.
• استقلالها بمفردها في ادارته وتمويله.
• رفض كل المطالب المصرية التي قد ينجم عنها مستمسك قانوني يؤكد على حقوق مائية في المستقبل.
ولذلك كان موقف مصر التفاوضي ضعيفا حيث لم يكن أمام النظام المصري الجديد خيار سوى الرضوخ للشروط الاثيوبية مقابل الحصول على الشرعية برفع تجميد عضوية مصر من الاتحاد الافريقي حيث اعتبر الاتحاد الافريقي أن ما حدث في الثلاثين من يونيو انقلابا على الشرعية.
انحصرت المطالب المصرية على التفاوض على فترة ملئ السد حيث كان يطالب بفترة 15 عاما بينما اثيوبيا كانت قد حددت فترة ملئ بحيرة السد بثلاثة أعوام مما يعني حرمان مصر من مياه النيل الأزرق بواقع خمسة وعشرين مليار متر مكعب سنويا وتمثل نصف حصة مصر من مياه النيل مجتمعة بحوضيه الشرقي والجنوبي، مما قد تضطر مصر للانتظار لستة أعوام حتي تكون بحيرة ناصر قد عادت الى وضعها الطبيعي.
مما لاشك فيه أن اثيوبيا قد تعرضت لضغوط من حلفائها الغربيين خاصة الولايات المتحددة التي طالبت اثيوبيا بأن تقدم تنازلات حتي تقوي من موقف السيسي داخليا فجاءت وثيقة اتفاق سد النهضة التي كانت مصر السيسي أكثر حوجة إليها من أجل أن يتفرغ لملفات اخري داخلية واقليمية.
للتواصل :
hornafrica2003@yahoo.com
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=33851
تحليل جميل فى مجمله عن حرب المياه والصراع حولها لكن القول بأن أفورقى لم يبنى السدود على نهر تكزى لاسباب تعود لأنه اى السكان المحليين سيكونون هم المستفيدين جانبه الصواب بالمرة.
النظام القائم فى ارتريا لايرقى لمستوى الدولة حتى يقوم بدراسة إقامة سدود وتوفير التمويل لها. . افورقى يقود نظاما يترنح للبقاء ويعيش على تهريب الذرة ومواد الوقود من السودان فمن اين له التفكير فى المشاريع الإستراتيجية الكبرى كالسدود وحصة ارتريا من المياه. ..
عند التحليل يجب على من يقود مراكز الدراسات التجرد من العواطف وعدم البناء عليها صحيح ان النظام هيمن على المشاريع الزراعية فى المنخفضات ولكنه قطعا لم يقم ببناء السدود ليس لكى لا يستفيد منها ابناء المنطقة بل لانه نظام حكم يعتمد العشوائية منهجا فى إدارة الحكم