فرجت وتفاؤله اكثر رواجاً من زازا المنتج فى عالم السياسة ارترياً
بقلم : محمد هنقلا
عندما يضيق بالأنسان الوضع المعيشى أو السياسى يحاول هذا الكائن الاجتماعى الخروج من حظيرة القهر ، ويتم هذاالخروج عبر عدة منافذ ، وتكون الطريقة اما عبر اسقاطات ، او قفشات ، يطلقها صوت الانسان عبر ذاته ، او من خلال الاخرين ، وهكذا يتحايل على النفس المقهورة عبرهذه الطريقة ، طريقة النكتة ، التى يبنى بها عالم التفاؤل ، لعلى تنسيه ا لمساحة المظلمة فى عالم الأنسانية . وان ثقافة النكتة الساخرة والهرج الهادف ، يصبح زاداً فى هذه الدائرة الاجتماعية والسياسية التى ينهشها القهر، وتتخذ رموزها “هذه الثقافة” من الواقع المعاشى ، وعلى حسب الظروف السياسية والاجتماعية تعبر عن غموضها او وضوحها ، وكلما كانت السلطة السياسية او الاجتماعية استبدادية ، تغرق هذه الثقافة ، ثقافة التهكم والسخرية التى يسوقها صوت الجنون فى الرمزية حتى تمر بسلام من قبضة البطش الغير مبرر ، وتنموفى هذا الجو مفاهيم اسطورية البعض منها مرتبط بشخصية السلطان الذى لا يقهر والبعض الاخر مرتبط بمفهوم الخلاص ( مهدى المنتظر ) حتى تختلط الامور ويصعب تميزها وتظهر شخصيات تعبر عن هذه الحالة باصوات متعددة وغير مألوفة والبعض من هذه الاصوات هى من وحى الخيال ينسجها المجتمع لاغراض فى نفسه ، وان التاريخ يحدثنا عن امثلة كثيرة لهذه الاصوات التى يستحضرها الناس عبر سرديات فى حوار مباشر مع شخصية بهلول فى اماكن التجمع بغرض الفضفضة او من خلال نسب الحديث الى بهلول تجنباً للمسؤلية ، هكذا تلامس الناس عبر هذه الاسقاطات هموم ومشاكل المجتمع الحساسة التى لا يستطيع انسان عاقل ملامستها او الاقتراب منها الا تحت هذا الستار لان الوضع لا يتحمل المجاهرة بالنقد ، ولهذا يسلك افراد المجتمع مسالك تضلل الرقيب الاجتماعى والسياسى ، وفى مثل هذا الجو ينتج الوعى الشعبى ، الادبى الشفوى او المكتوب يتداوله الناس كأدات مناهضة لعوامل القمع كما يقول ( محمد حيان السمان ) فى كتابه خطاب الجنون ، و ارترياً كانت هناك عدة شخصيات ظهرت تحت ثوب الجنون او الدروشة ( زازا – فرجت ) واخرون ، ولكل شخصية من هذه الشخصيات لها خصوصيتها وخطابها الجنونى .
ونبدا بشخصية فرجت للفظها التفاؤلى ليس الا ، ان هذه الشخصية تتوزع شهرتها فى كل مدن ارترية تحت هذا الاسم ” فرجت ” ولا يمكن اعتبار سلوك فرجت باى حال من الاحوال انها سلوك صوفية ، فهذا الصوت اى فرجت ، لا يحمل اى سمات صوفية تجاه المجتمع وتجاه نفسه ، سلوكاً وممارسة ، انه بعيد كل البعد عن فلسفة الصوفية ، نعم انه شخصية هادئة تظهر بمظهر الذهد لكن ليس فى المظهر وحده تتمثل الاهداف ، وكان شغلها الشاغل- هذه الشخصية- هو كيف تجمع الهبات وعندما نقول هذا لا ننكر دوره التفاؤلى الذى كان يبثه عبر صوته اثناء منتصف الليل من قمة جبل ” يت عبر ” او نهاراً فى حوارى المدينة ، وجعله هذا الصوت التفاؤلى اقرب الى نفوس الناس تلك النفوس التى يحاصرها الصمت وحالة الطوارى كانت تجد فى هذا التفاؤل مخرجاً للذات الغارقة فى هموم الحياة ومتاهت الاحتلال ، هذا هو فرجت كان ياخذ الهبات مقابل صوته التفاؤلى .
اما زازا واجره على الله كان نشطاً ومشاكساً عكس شخصية فرجت واعتمد على مداخيل كان يحصل عليها نتيجة جهده العضلى عبر ايصال حمولة على كتفه الى بيت من بيوت مدينة كرن مقابل قيمة مادية متواضعة ، وله حكايات ونوادر يرددها آل مدينة كرن ومن ضمن هذه الحكايات ، يقال ان زازا وصل الى المكان قبل أن يصل الحجر الذى رماه ، التى كانت عادة من عاداته “سب الناس ورمى الحجر” عندما يتعرض الى مضايقات من اطفال الحارة وهو فى طريقه الى ايصال الحمولة، واذا صحت رواية وصول زازا قبل الحجر ، معنى ذلك ان سرعة زازا ربما تقاس بسرعة الصوت ، ومن غرائب الامور رغم تصنيف هذه الشخصية فى خانة الجنون او الذهنية الغير سوية كان زازا يمارس قولاً وعملاً خلافاً لذلك الاتهام ، من حيث العمل كان يكافح كفاحاً مريراً عكس وضعية العقلاء بمعنى اخر ان لقمة عيشه كانت وليدة عرق جبينه بأمتياز ، اما قولاً كان يطلق عبارات ساخرة تتهكم من الواقع المعاشى تحت مظلة الجنون وان الناس تتداولها لانها تجد فيها التعبير الصادق لهمومها ، وغالباً زازا يلاحق هذه التصرفات بعد اطلاقها بأستدراك عاقل مما يضع الناس فى حيرة على هذا التصرف المتناقض صوت الجنون وصوت الوعى فى نفس الوقت ، وهذا التناقض اعطى بعد اخر لشخصية زازا فى ثقافة المجتمع الفكاهية ، هذا هو زازا يملأ شوارع المدينة نشاطاً وحيوية ، قفشات ومشاكسة والناس تخلق من هذا الصوت حكايات وحكايان فى مجالسها .
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=5890
أحدث النعليقات