فنانون على خط النار
بقلم : كـرار هيابو (أبو علي)
حين تتعرض البلاد الى هزة في جميع أركانها ، وأوضاعها السياسية والإقتصادية والعسكرية والأمنية ، فإن إنعكاس مثل هذه الهزة لابد وأن يشمل جميع فئات المجتمع على إمتداد الوطن ، ويلحق أثره بالمواطنين ممن هم خارج هذا الوطن أيضا . وينطبق هذا الحال اليوم على كل من ارتريا وأثيوبيا ، فبعد أن خاضتا حربا تحررية كانت موعودة لخلق أوضاع إقليمية مستقرة ينعم فيها المواطن بحياة آمنة وعيش رغد ، بدأت بينهما الحرب قبل أن تضع حرب التحرير أوزارها ، وقد طغت الحياة العسكرية على أكثر من جيل يتوارثها أبا عن جد.
وللحرب نتائج أفظع وأسوأ مما يتصوره عقل إنسان لم يخض غمارها ، فالى جانب ما تخلفه من الموت والدمار ، فانها تخلف أيضا الفرقة والشتات بين الناس ، ويسود التناحر والتنافر مما يقود الى مزيد من بؤس المجتمع الواحد وشقائه ، ويؤدي الى بروز تكتلات وأجنحة ، وبالنتيجة فانها تفرز مواقف غير متجانسة وقلوب شتى. والامثلة أمامنا كثيرة ، كحرب لبنان واسرائيل وظاهرة جيش لبنان الجنوبي ، وحرب الخليج الأولى وظاهرة فيلق بدر والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية ، وغيرها من الأمثلة الأخرى ، والحالة الأرترية – الأثيوبية تظل واحدة من الأمثلة الحية.
فالحرب الأرترية – الأثيوبية الأخيرة قد خلفت أعباء ضخمة أمام مسيرة البناء لكلا البلدين وعلى كافة الأصعدة ، وسوف تتعاظم هذه الأعباء اذا ما استمر الحال كما عليه الآن ، أو أن يتم تدارك الأمر والسعي الى فك الإشتباك الصامت لينصرف كل بلد الى إعادة الحياة من جديد.
هناك من بيننا من نأي بنفسه عن قضايا الوطن بعد أن غلب على روحه اليأس ، فانصرف الى حال سبيله ، وتفرغ لحياته الخاصة . ومنا من تحفظ أو أبدى الإمتعاض ، أو ربما تمرد على الأحوال ، وسلك مسلكا مغايرا ومختلفا ، ومنا من مضى بالطبع في طريق التحدي ، فعسكر على خط النار الأول وبامتداد الوطن غير آبه لظروف الحياة الضاغطة . وهنالك كثير من النماذج الأخرى التي يمكن تناولها في هذا المقام ، مثل هؤلاء الذين ما تزال تلامس أصابعهم ’ التـتـك‘ وهم على جبهات الترقب ، والفنانون الأرتريون هم بعضا من هؤلاء.
تابعت لقاءً فضائيا لفنانين في حلقة خاصة ، كان ضيوفها حسب الترتيب الأبجدي: أحمد ود الشيخ ، إبراهيم محمد علي ـ قورت وإدريس محمد علي ، وباستثناء الثاني الذي يعيش بالمهجر ، فان الاثنين هما من المرابطين على خط النار ، وفي قلب الأحداث ، أحداث الجبهة المشتعلة . فهما يقدمان روائع الأغنية الوطنية والعاطفية من لهيب تلك الجبهات.
التقيت عن قرب بالفنانَين إبراهيم قورت وإدريس محمد علي في (حفلة) في بلاد المهجر ، وجلستُ اليهما استمع الى كلمات ومواقف وطرائف كل منهما ، وكانا في قمة البدلوماسية الفنية والإجتماعية امام الجمهور حين سأل أحد المتطفلين لقورت عن مستوى علاقته بإدريس ، وما اذا كان راضيا عنها . فأجاب قورت بانه ومن شدة قوة هذه الصداقة حكى يوما لإدريس عن حبيبته ، وعندما بلغها الأمر خاصمته ، وهددته بالهجران ، فأنشد قائلا:(فتييه وفتيكي جل إدريس يئسألكو وجل أورو يئسألكو … والله حابئو علكو) ، وكانت أحدث أغانيه التي قدمها للحضور على آلة العود ، وفيما بعد (نزلت) الأسواق ، بينما قدم إدريس أغنيته المعروفة ( مرعاوي) هدية للعروسين ، وكان ذلك في الاسبوع الأخير من شهر مايو عام 1990م ، وهي الأغنية التي صاحبتها الضجة بعد الإستقلال عندما قدمها في حضرة الرئيس اسياس!
أبرار عثمان الذي أسهم في تطوير الأغنية الوطنية ومنها التيجرينية على وجه الخصوص حاز قبل أعوام على جائزة أفضل فنان الموسم ، وحين دعي لتسلم الجائزة (النقدية) ، تبرع بها لتطوير الفن . وإذ هو في مهجره ، فانه على خط النار أيضا.
قبل الوداع:
أوالـد تلهيـا لبيـلا ليبـل مـرر إيتئبيـا لبيـلا ليبـل ( محمود سعيد وايراي)
تهــاني قلبية
مئــة شمعة ونـيف ، بل وبلا حدود نتمنى أن تطفؤها – فرجــت – وهي تصول وتجول في ساحات الإعلام والى الامام ومزيد من التقدم
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6327
أحدث النعليقات