في اللَّيلةِ الظلماءِ يُفتقد البَدْرُ
في الذكرى الأولى لاستشهاد المناضل أحمد محمد ناصر
بقلم / عمر محمد أحمد
سماء المسرح السياسي الإرتري ملبدٌ بالغيوم، والرؤية غير واضحة، وعدد ليس بالقليل يفتقد البوصلة. الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إرتريا تزداد تدهورًا يومًا بعد يوم. فالنظام الديكتاتوري لا يزال يواصل رحلته إلى المجهول، رحلة الإقصاء والانفراد بالقرار الوطني، وإحالة الوطن إلى سجن كبير…. ولا يرعوي في سبيل ذلك من ممارسة الحرق والتدمير للمواطنين العزل، كما تجلى مؤخرًا في ضواحي أسمرا وعدي قيح. والنتيجة، لا محالة، طال الزمن أم قصر، إعلان إرتريا دولة فاشلة.
وعلى صعيد معسكر المعارضة – وتحديدًا قوى المعارضة التي تنشط خارج أرض الوطن – لا يزال الضياع السياسي والضبابية والتناسل التنظيمي هو سيد الموقف.لا يزال النقاش حول “جنس الملائكة” مستمرًّا !!! التغيير الراديكالي أم الإصلاح؟ أسلوب النضال المسلح أم النضال السلمي؟!!! في وقت يُلوح فيه البعض بسيوف خشبية، ولا يستطيع البعض الآخر أن يحشد بضع عشرات لمظاهرة سلمية في بلدان المهجر !!! أما التواصل مع الجماهير الإرترية داخل أرض الوطن فلا يزال بعيد المنال، حتى الآن !! ليس، بالطبع، نتيجة لرضى الجماهير بالأوضاع السائدة، بل نتاجًا للقمع الذي يمارسه النظام الديكتاتوري، وضعف القوى المعارضة وعدم تمكنها من ابتداع أساليب نضالية جديدة لمواجهة ذلك النظام، واستقطاب الجماهير وراء أهداف سياسية واضحة المعالم. ولا يزال “تفريخ” التنظيمات والحلقات السياسية مستمرًا، فمسرح المعارضة يشهد يوما بعد يوم ميلاد تنظيمات قبلية. والمضحك المبكي أن ساحتنا تنفرد برفع شعارات القبلية والديمقراطية!! ولإزالة اللبس والغموض فإننا نعني بالقبلية، الانحياز إلى التعصب القبلي مقابل نضال وحدة كافة مكونات الوطن الواحد، وصولا إلى دولة المؤسسات وسيادة القانون ومشاركة الجميع في السلطة والثروة.
في هذا الليل البهيم، نحن أحوج ما نكون إلى تنظيمات تمتلك برامج سياسية تعكس مهام المرحلة التاريخية الراهنة. كما أننا أحوج ما نكون إلى قيادات تمتلك إمكانيات استثنائية، قيادات تعتمد استراتيجية واضحة المعالم، وتتشبث بالقرار الوطني المستقل، وترفض الانسياق وراء المخططات الأجنبية التي لا تخدم مصالحنا العليا. وقبل كل شيء، نحن أحوج ما نكون إلى قيادات تجسد الشعارات التي ترفعها، ولا تحيل العمل السياسي إلى مهنة ارتزاق.
كان الشهيد أحمد واحدًا من القلائل التي تجسد ذلك الطراز من القيادات التي تفخر بها الحركة الوطنية الإرترية. إن المسيرة الوطنية للشهيد، أبو بردى، كتاب مفتوح يحوي التحديات التي واجهته والتضحيات التي قدمها في سبيل الوطن. وستشكل قراءتها قراءة موضوعية، بلا ريب، إلهاما لنضالات الأجيال الصاعدة.
انخرط الشهيد أحمد ناصر في النضال الوطني منذ ريعان شبابه. وفور نيله الشهادة الثانوية في أسمراغادر العاصمة متوجها إلى السودان انتظارًا لتعليمات قيادة جبهة التحرير الإرترية. انحاز إلى الثورة الإرترية ضاربا عرض الحائط بالإغراءات التي كان يقدمها النظام الإثيوبي لأبناء الوجاهات العشائرية وكبار التجار. وفي فترة لاحقة اختير من قبل قيادة الجبهة، ضمن أربعة مناضلين آخرين، للالتحاق بالكلية العسكرية في العراق. وفور انتهاء الدورة العسكرية توجه إلى الميدان.
كانت تلك صفحة جديدة في نضاله الوطني. وكان يؤمن بأن الواقع المعاش خير مدرسة… كان حريصًا أن يتعلم من جماهير الفلاحين والمناضلين البسطاء. وقد ترك ذلك انطباعًا جيدًا في صفوف قواعد جبهة التحرير الإرترية. ونتيجة لذلك اختاره المؤتمر الوطني الثاني لجبهة التحرير الإرترية رئيسًا للجنة التنفيذية. كان ذلك عبئًا ثقيلا، إذ لا تزال الثورة الإرترية تعاني من الصدامات المسلحة بين فصيلي الثورة، بينما يوشك النظام الإثيوبي أن ينهار، والجماهير الإرترية تناشد قيادات الثورة أن تتحمل المسؤولية التاريخية… فقد لاحت فرص ذهبية لتحقيق الاستقلال الوطني.
ومن جانب آخر كانت الحرب الباردة على أشدها بين القطبين الدوليين. ولا شك أن ذلك كان يترك بصمات واضحة على الصراع الإرتري – الإثيوبي.
كانت المسؤولية في قيادة جبهة التحرير الإرترية – كتنظيم ديمقراطي – مسؤولية جماعية. لكن دور القائد أشبه ما يكون بدور “المايسترو” في الفرق السيمفونية، فدوره ملحوظ أكثر من دور زملائه. وفي مجتمع كإرتريا لازالت الديمقراطية كطفل يحبو، يُعتقد أن دور القائد كدور “رأس” أو “شوم”، إذا وُفِّق اعتبر نجاحًا لفرد فقط ليس للطاقم القيادي، وإذا لم يوفق فقد يخصم من رصيده بالدرجة الأساس. ومع ذلك فقد قبل الشهيد أحمد التحدي، وخاض مع زملائه أعضاء القيادة نضالا بطوليًّا في ظروف غير ملائمة.
ويحضرني في هذا المجال الضغوط التي كان يتعرض لها من قبل القوى الداخلية والخارجية. فقد حاولت بعض قوى اليسار العربي ممارسة الضغوط للتوصل إلى حلٍّ للصراع الإرتري – الإثيوبي لا يتضمن الاستقلال الوطني الناجز. في هذا السياق التقى الزعيم الجزائري الراحل هواري بومدين، وكان من أصدقاء الثورة الإرترية، بالشهيد أحمد محمد ناصر ونصحه بأن تقبل “جبهة التحرير الإرترية” الحلول التي يقدمها الأصدقاء، وإلا فإنها ستجبر فيما بعد بقبول حلول أسوأ. وكانت إجابة الشهيد أحمد “سينتهي وجودنا السياسي كقيادة أو كتنظيم، بمجرد التنازل – ولو قيد أنملة – عن الأهداف التي نؤمن بها ونناضل في سبيل تحققيها وهي خيانة لتضحيات شعبنا على مدى سنوات طوال”… وفي فترة لاحقة، وفي ظروف مختلفة، طُلب من الفصائل الإرترية، وضمنها جبهة التحرير الإرترية بقيادة الشهيد أحمد ناصر، الانخراط في المخطط الذي رسمته إحدى القوى العظمى لإعادة ترتيب الخارطة السياسية في جنوب البحر الأحمر وباب المندب. رفض الشهيد أحمد وزملاؤه أن يكونوا مطية لتمرير مخططات أجنبية لا تنسجم مع المصالح الوطنية العليا للشعب الإرتري.
وفي بداية ثمانينيات القرن الماضي، أثناء الآزمة الخانقة التي تعرضت لها جبهة التحرير الإرترية، وُضع في المحك لاختبار مدى التزامه بالأهداف التي كان يدافع عنها.
أصيب بخيبة أمل من مواقف رفاق الدرب لكنه أصرَّ على التمسك بمواقفه المبدئية. ففي إحدى فترات الانتكاس طُلب منه أن يبتعد عن العمل السياسي ورُحب به في بلد عربي كلاجئ سياسي – مع توفير مسكن له ولأسرته وميزانية مالية كبيرة . رفض كل ذلك لأنه لم يكن يرضى لنفسه أن يتخذ من العمل السياسي مهنة ارتزاق.
هكذا كانت مسيرة الشهيد أحمد محمد ناصر صفحات بيضاء مليئة بالتضحيات والبساطة والوضوح التي ستشكل، بلا شك، إلهامًا للأجيال الصاعدة في نضالها من أجل إسقاط النظام الديكتاتوري وإقامة البديل الديمقراطي.
رحم الله الشهيد أحمد ناصر بقدر ما قدم لشعبه ووطنه !!
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=33963
نعم رحم الله المناضل احمد محمد ناصر على قدر ما قدم للشعبه بصرف النظر عن الاخفاقات التى حدثت لثورة الارترية فى تلك العقود .. ان ما يعانه الشعب الارترى اليوم من المعانات وفشل الدولة يرجع لاخفاقات تلك المرحلة .. لا نريد ان نحمل احد الان لان السألة تحتاج الى تقيم موضوعى وليس سياسيى وهذا التقيم الموضوعى لمرحلة الثورة قد يتم بعد ان يلتقط الشعب الارترى انفاساه ويترك المجال للبحث الاكاديمى والعلمى حتى يقف الشعب الارترى على حقائق التاريخ والرجال . لكنى اتساءل لماذا الاخوة فى جبهة الانقاذ دائما يحاولون ان يرمو الثوب القبلى الى الاخرين كأنهم ملائكة السياسة الارترية .. لماذا الاشارة بالبنان الى الاخرين والاستحواز على المشروع الوطنى دون الاخرين .. اليس هذا مبالغ فيه ؟؟ اليس هذا نوع من ممارسة الاقصاء السياسيى ؟؟؟ ان التنظيمات الارترية كلها اشبه ببعضها البعض لو اردنا ان نتحدث عن جبهة الانقاذ وعناصرها ومكوناتها لما كفانا سواد الميداد مسارات السياسة الارترية كلها تحتاج الى التصحيح والخروج من الوهم الى الحقائق حتى يتمكن الجميع الوصول الى المعالجات المطلوبة اذا لو ابتعدنا من المزيادات السياسية واستقلال الشهداء فى التوظيف السياسى يكون افضل لمصلحة الجميع وللمصلحة الوطن. ان التاريخ سوف يعطى لكل ذى حق حقه التاريخ لا يرحم .
رحم الله الشهيد أحمد ناصر بقدر ما قدم لشعبه ووطنه !!