في ذكراك يا عمي وأبي آدم ادريس نور
في أول من رمضان الموافق 19/12/1998 توفي عمي آدم ادريس نور رحمه الله في مدينة كرن.
كانت عمّي آدم ولادته ونشأته في مدينة كرن ،وكان تاريخ ميلاده عام 1924 ودرس القرآن وختم عند الشيخ خليفة بلال، بعد ذلك كان يحرص على حضور ألتعليم الديني بالمدارس الخاصة الليلية، فكانت نشأته نشأة دينية، وفي صغره وشبابه كان يحب حضور الإجتماعات الدينية والموالد النبوية الشريفة، وكان له نشاط ملحوظ في ذلك.
العم آدم رحمه الله كان يمتاز بحبه لآل البيت ولاسيما السيد جعفر المرغني والشريفة علوية بنت اليد هاشم المرغني والسيد بكري ابن السيد جعفر وذرياتهم وكان يكنّ لهم كل تقدير وإحترام.
بعد وفاة والده سنة 1941 وكان وقتها العم آدم يدرس بمدرسة كرن الدولية الإبتدائة، تبنى إخوانه وجعلهم يواصلون دراستهم وهو باشر عمل والده في التجارة وقام بتربية اخوانه ومساند تهم الى ان بلغوا سن الرشد، وبعد أن هاجر إلى القاهرة أيضا جمّع أولاد إخوته وعلّمهم وقام بتربيتهم.
وكان العم آدم رحمه الله بطبعه منذ الصغر يهتم بالأقارب والأسر ويساعدهم عندما كان في كرن.
إن العم آدم كان يهتم بقضية وطنه أيضاَ منذ ريعان شبابه، فعند تأسيس الرابطة الإسلامية عام 1946 والتي كانت تنادي بالإستقلال كان العم آدم من أوائل الشباب الذين التحقوا بها وكان نشاطه فيها لا يُحَد، هو وزملائه ، آدم قدوف،محمد يس وسليمان مريروآخرون. وكان فيها عضو بالمجلس الأعلى للرابطة.
ناضل العم آدم بكل ما استطاع من اجل استقلال ارتريا واضطر عام 1958 الى اللجوء الى السودان ومنها الى القاهرة مع ابراهيم سلطان وادريس محمد آدم رحمهم الله جميعاَ في فترة حكم الرئيس جمال عبدالناصر.
وكان للعم آدم نشاط سياسي ملموس في تلك الفترة مع زملائه في السياسة. وواصل نضاله السياسي من القاهرة مع جبهة التحرير الإرترية ، وبعدها مع قوات التحرير الشعبية من عام 1971م عضواً بمكتب القاهرة. وكان العم آدم رحمه الله بين زملائه أعضاء المكتب والزعماء بما فيهم صالح سبي رحمة الله عليه محور وملتقى الود والوفاء وأخ ناصح لهم يستمعون له ويحترمون رأيه لما كان له من صواب الرأي وحلم والإخلاص في معالجة الأمور.
وخلال اقامته في القاهرة اشتهر وعُرف بحبه لخدمة الناس منذ وصوله للقاهرة وخاصة الشباب الإرتريين الذين كانوا يأتون للدراسة أو المرضى للعلاج وايضاَ كان يساعد الارتريين القاطنين في امورإقاماتهم وغيرها. كان العم آدم اباَ رحيما وقلباَ كبيرا لكل طالب وطالبة وأباَ نصوحاَ لكل أسرة بصرف النظر عن عرقهم أو خلفيتهم.
لذا كان العم آدم محبوباً لديّ الجميع حتى لديّ المصريين خاصة الأطباء الذين كان يتعامل معهم وكانوا يكنّون له كلُّ احترام.
أذكر في القاهرة أن الشيخ عزالدين ماضي أبو العوائم والدكتور جمال أبو العزائم رئيس جمعية الأطباء النفسانيين العالمية كانوا يحرصون بشدة على حضور العم آدم للمولد النبوي الذي يقيمونه في مقرهم أولحضورالمحاضرات الدينية بدعوته شخصيا. أذكر يوماَ أن العم آدم كان في سفر فقال لي الدكتور جمال أنت تحضر المحاضرة في غياب أبيك فالشّيخ آدم عزيز علينا وانت من ريحته.
من ضمن المواقف التي مرت بي في القاهرة، كنت عند نادي الطلبة بشارع شريف وكنت ذاهب الى البيت فصادفني أحد الطلاب الارتريين الناطقين بالتقرينية فقال لي أنا ذاهب الى قهوة العم آدم فقلت له ساصطحبك حتى هناك في طريقي الى البيت، فأخذ هذا الشاب الذي أعرفه جيداَ يحكي لي عن العم آدم وكيف هو يهتم بالطلبة وعندما يكون عنده ضائقة مالية أو مشكلة يلجأ اليه وهو يعتبره أكثر من أب لأنه أب حنون وهذا الشاب كان يتيم، فقال لي اذا احتجت لأيّ شئ اذهب اليه وهو أهل للمساعدة، فقلت الحمد لله الذي يشهد لأبي آدم كل شخص، فذهب هو دون أن يعرف علاقتي بعم آدم الى قهوة العم آدم المشهورة في حي العابدين والّتي ظننت حتى أنا لفترة انها له، ولكن بعد فترة علمت انه كان يجلس فيها وكان الارتريين يوفدون اليه من كل مكان في المساء من أجل” الوَنَسَة” الحلوة أو الطلبة لحاجاتهم المختلفة أو للمرضى لكي يأخذوا النصيحة ومنهم من أدمن الجلسة الطيبة مع العم آدم أو من كان يريد بيتاَ للإيجار أو الإقامة وغيرها من أمور أخرى.
وكان العم آدم فطن وصبور وكانت فيه صفات من الصعب أن تجدها في الناس هذه الأيام من الحلم الوجه البشوش المزاح الهادف والمُوَقّر وإهتمامه بالناس وحبه لهم.
أذكر يوماً في سنة 1988 ذهبت معه الى السودان ونحن مارّون في الطريق في مدينة كسلا يصادفوننا بعض الشباب أو الرجال فعندما يرونه يأتوا اليه مهرولين وفي وجوههم الفرحة ويسلمون عليه بحرارة وهو كذلك، فأسأله ، من هذا يا عمي؟ فيقول لي بكلّ هدوء ربما أحد أولادنا الذين درسوا في القاهرة. ومرة ذهبنا الى خشم القربة في زيارة قصيرة، فضللنا الطريق، فناد العم آدم شخصاَ وأوقفه فسأله عن البيت فأخذ الرجل يصف لنا الطريق وفي نفس الوقت يطيل النظ في وجه العم آدم ،وبعد أن وصف لنا الطريق قال للعم آدم “انت علي ادريس نور انت؟” فقال العم آدم لا، وقبل أن يكمل العم آدم قاطعه الرّجل وقال:” أنت آدم انت” (بالتجري) فقال العم آدم نعم أنا آدم، ففرح الرجل وسلم عليه بحرارة وقال له لم اراك منذ كنت في كرن عرفتني؟فإحتار العم آدم من امر الرجل بسؤاله ولكن لم يستغرب وركّز في وجهه وقال له: الست أنت من بيت فلان؟ وذكر اسم العائلة ففرح الرجل بذالك وذهب مسروراً فسألت أبي آدم، هل تعرفه قال أعرف من ملامحه هو من بيت مين أما أنا فيكفيني انه ما زال يتذكّرني جيداً وعلّمني في هذا الموقف احترام الناس مهما كانوا وفي أيّ موقف.
وايضاً عندما ذهبنا الى الخرطوم سبقنا العم آدم بيومين فذهبنا الى بيت الضيافة للثورة لنلتحق بالعم آدم قبل ذهابنا الى كسلا فقالوا لنا انه لم يبت هنا، فذهبنا الى البيت الذي استضافه ( الأخ محمد علي الدالة) (أبو إهاب) الله يذكره بخير ويبارك في ذريته حيث جلسنا عنده ايّام فقال لي يوماَ : على فكرة يا ابني محمود لازم تعرف أن العم آدم ليس ابوكم أنتم فقط بل أبونا أيضاً، وإذا جاء العم آدم الى الخرطوم ولم ينزل عنده فيعتبره تقصير من جانبه تجاه العم آدم وخسارة له، فدائماً كان أبو اهاب حريص على ذلك وحريص على قضاء أغلب اوقاته عند زيارته للقاهرة مع العم آدم.
عند سفري الى أوسترالية قال لي العم آدم في احد الليالي رحمه الله، تعال أجلس جنبي يا إبني، مَن مِن العوائل معكم في المدينة المتجه اليها؟ فقلت له لا أحد يا عمي: فقال لي أوصيك أن تكون على اتصال مع هذه العوائل فهم أهلك وعلاقتنا معهم علاقة تاريخية وصلتنا معهم قوية وأخذ يعد ويذكر لي العوائل في ملبورن وكاد أن لا يترك أحد من الأسر بملبورن رحمه الله.
وأخيراً في عام 1994م أصرّ العم آدم وكان مريضاً جداً أن ينتقل الى ارتريا حيث العلاجات التي قدمت له لعدة سنوات ( لم تعطي النتيجة المطلوبة) التي كانت في السعودية تارة وفي مصر تارة أخرى ولمّ اشتدّ به المرض في مصر لزم الفراش، جاء لزيارته والدي محمد أحمد ادريس نور فطلب منه العم آدم وبإصراربأنه يجب ان يعود الى الوطن ، ففي اواسط شهر سبتمبر 1994م عاد العم آدم الى الوطن وتحسّنت صحته ، وصار يصير على قدميه ويمشي في الأسواق ويعود الى منزله ماشياًالى أن اختاره الله الى جواره بعد أن أمضى في المدينة التي ولد بها أكثر من ثلاثة سنوات متتاليات فرحمة الله عليه له الكثيرين من الإخوة والأخوات والأمهات والآباء الذين ترك العم آدم في قلوبهم الكثير من الحب التقدير ويدعون له بالخير، وللعم آدم من الذريّة بنت وولد وألاد إخوته الذي قام بتربيتهم.
محمود م.أحمد إدريس نور
ملبورن، اوستراليا
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6831
أحدث النعليقات