في ذكري الشهيد الدكتور (يحي جابر) 31 يوليو
ليس هناك تاريخ شعب ما خالي من الأحداث الهامة التي تشكل منعطفات وتحولات في مسار حركة هذا الشعب أو ذك، خاصة إذا كان هذا التاريخ يعني بشعب إنتفض ضد الظلم من أجل حريته، وخاض نضالاً طويلاً تعددت ميادينه وإتسم بالمد والجذر، وبذل الغالي والنفيس حتى إنتزع حريته… فالأحداث المفصلية في مسار نضال الشعب الإرتري،
والتي أفدت إلى تحقيق هدف التحرير لا تقل أهمية -إذا ما أخلصنا لتاريخنا- من حدث التحرير نفسه. والذي ما كان له أن يتحقق، إلا بتلك الأحداث التي حفظها لنا التاريخ… ففضل تحرير إرتريا في عام 1991 يعود إلى إنطلاقة ثورة الفاتح من سبتمبر1961 وللقائد حامد إدريس عواتي ورفاقه… فترسخ هذا التاريخ ورجاله في ذاكرة شعبنا. وما كان للثورة الإرترية أن تستمر وتنتصر لولا أن (جيش) الرعيل الأول المتواضع الإعداد إلا من الإيمان، إنتصر في عام 1964في معركة تقوربا على الجيش الإثيوبي المضجج بأحدث الأسلحة والمصنف آن ذك ضمن أعتى الجيوش الإفريقية… وهكذا تتعدت الأحداث والمحطات والشخصيات وتتوالى، لتكون علامات مضيئة في تاريخ نضال الشعب الإرتري.
وبمناسة 31 من يوليو يوم ذكرى شهداء الحركة الطلابية نختار من هذه الأحداث والشخصيات التى تركت بصمتها في تاريخ نضالنا واتخذت لها مستقراً في ذاكرة شعبنا، الشهيد الدكتور يحي جابر الذي كان إلتحاقه بالميدان حدثا باعتباره أول طبيب إرتري يترك مغريات الحياة بعد أن تخرج من كلية الطب في إحدى الجامعات الإيطالية والتحق بالميدان ليسد النقص في هذا المجال وليضمض جراح شعبه… وأصبح بذلك قدوة على مر السنين لمن جاء بعده من الشباب الإرتري الحامل لشهادات عليا في تخصصات مختلفة، توافدوا إلى الساحة معلين إنضمامهم إلى صفوف مقاتلي جيش التحرير الإرتري.
ويسرنا أن نلتقي بهذا الخصوص بالمناضل خليفة عثمان رفيق درب الشهيد الدكتور يحي جابر في فترة دراستهما في القاهرة وإيطاليا لنتناول معه أطراف الحديث حول تك المرحلة، والقاء الضوء ماستطعنا على حياة الدكتور يحي في الفترة التي سبقت إستشهاده… وإلى مضبط الحوار
س:حدثنا عن علاقتك بالشهيد يحيى جابر، وما انطباعاتك الشخصية عن هذه العلاقة:
ج:تعرفت على الشهيد الدكتور يحيى في القاهرة بعد وصوله إليها قادمًا من السودان، وكان الشهيد إدريس قلايدوس هو الذي قدم أحدنا للآخر. وشاءت الأقدار أن تجمعنا الرحلة إلى إيطاليا بجانب زميلين آخرين. كان الشهيد طه محمد نور قد سبقنا إلى إيطاليا والالتحاق بإحدى جامعاتها. ويرجع له الفضل لتشجيعنا لاقتفاء أثره. وقد حصل الزميلان على منحتين لدراسة الطب في المجر، بينما حصلنا نحن على منحتين لدراسة الطب والهندسة في إيطاليا. وهنا أيضًا كان للشهيد طه دورٌ بجانب الوطني الغيور المرحوم جبري ميكائيل جبري سلاسي. وهنا لا يمكنني أن أفوت دون الإشارة إلى وطني غيور هو المرحوم الحاج الذي كان ملجأ الإرتريين القادمين إلى روما أو المارين بها.
كان الشهيد يحيى، بجانب وعيه السياسي المتقدم، يتحلى بالشجاعة في عرض آرائه بجرأة حتى في المحافل التي يعلم مسبقًا بأن المسيطرين عليها هم ممن تتعارض قناعاتهم مع قناعاته، مثلما كان يحدث في الاجتماعات السنوية للطلبة الإثيوبيين، والتي كنا نستغلها – كطلبة إرتريين – للاجتماع من وراء ظهورهم، لبحث قضايانا الوطنية ونضال شعبنا من أجل تحرير الوطن من الاستعمار الإثيوبي.
س:ماذا عن طبيعة نشاطاتكم كطلبة في القاهرة، وكيف كان دور الشهيد يحيى ؟
ج:كان نادي الطلبة الإرتريين في شارع شريف مركزًا للنشاطات الإرترية في ذلك الحين. ولا أتحدث عن دور خاص للشهيد يحيى، فهو على ما أذكر، لم يمكث في القاهرة طويلاً. والذي أتذكره هو أنني حينما كنت مشرفًا على المجلة الحائطية للنادي، أجرى زميل لنا حديثًا مع الشهيد يحيى فقمنا بنشره.
س:هل لك أن تحدثنا عن أبرز الشخصيات الإرترية التي شاركتكم في نشاطاتكم في تلك الفترة ؟
ج:في تلك الفترة كان النادي هو مركز كل النشاطات الإرترية والملتقى لكل الإرتريين. وكانت جبهة التحرير الإرترية قد تأسست في القاهرة، ونشاطها ونشاط حركة تحرير إرتريا كان واضحًا، وقادة التنظيم كانوا الأكثر نشاطًا على الرغم من أن الجبهة تأسست قبل مغادرتنا بقليل، وبما أن الشهيد طه محمد نور كان من مؤسسيها كنا نستقي منه المعلومات.
لا شك أن نشاطات الطلبة في الساحة الإرترية كانت لها تأثير كبير. والتأثير الأكبر جاء حينما قام الطلبة وبعض السياسيين المقيمين في مصر بتأسيس جبهة التحرير الإرترية، التي قامت بتبني مجموعة القائد حامد إدريس عواتي الذي قاد حمل السلاح في وجه المحتل الإثيوبي.
س:كيف وجدتم النشاط الوطني في إيطاليا؟
ج:كان في إيطاليا في ذلك الحين عدد قليل من الطلبة الإرتريين – حيث كانت الغالبية الساحقة من العمال والعاملات. وكان في غالبيتهم- مثل كل الوطنيين الإرتريين – يتمنون الخلاص من الاستعمار الإثيوبي. وأصبح الطلبة الإرتريون في إيطاليا وزملائهم في مختلف بلدان أوروبا يحضرون مؤتمرات “الطلبة الإثيوبيين” سنويًّا، و”المدفوعة الثمن” ليعقدوا اجتماعاتهم في ظلها “سرًّا” !! وقد تطور فرع اتحاد الطلبة الإرتريين في إيطاليا، لدرجة أنه أرسل مندوبين له لحضور “المؤتمر العام للطلبة الإرتريين” المنعقد في بغداد في عام 1970. ولم يكن العمال أقل وطنية، كانوا هم الأغلبية الساحقة، والعنصر النسائي له الأكثرية فيهم. ولكن الانقسامات في الساحة الإرترية أثرت بالطبع في الإرتريين أينما كانوا، ولم تنج إيطاليا منه.
س:كيف استطاع الشهيد يحيى التوفيق بين نشاطه السياسي ودراسته؟
ج:كان في إيطاليا في ذلك أغلبية الطلبة يمارسون السياسة، بل في أوروبا كلها حيث انفجرت في العام 1968 ثورة الطلبة المشهورة في عموم أوروبا.
س:هل كان الدكتور يحيى يعمل لتوفير مصدر مادي بعينه لمواصلة دراسته؟
ج:لا أعتقد ذلك، فكما ذكرت آنفًا كانت لدينا منح دراسية (مصروف شهري) من الحكومة الإيطالية.
س:عُرف عن الشهيد يحيى أنه كانت له علاقات واسعة مع جهات إيطالية وغير إيطالية، لها نشاط سياسي في تلك الفترة، كيف استثمر هذه العلاقة في دعم القضية الإرترية؟
ج:قد لا أعرف أو لا أتذكر التفاصيل، ولكن لا جدال بأنه قد استثمرها بشكل جيد.
س:هل كان لإيطاليا كدولة كانت تستعمر إرتريا سابقًا إحساس بالتزام أخلاقي تجاه القضية الإرترية كخلفية لمساعدتكم في نشاطكم الوطني ؟
ج:لا أعتقد أن الحكومة الإيطالية كانت تقوم بمثل ذلك. بل إنها وفي أوج نضالينا التحرري استقبلت هيلي سلاسي بحفاوة بالغة في روما. والمعارضون الأحرار تعاونوا معنا مثل الصحفي صديق الثورة الإرترية “فرانكو برانكو ” ، حيث قام بكتابة ملصف ضد زيارة هيلي سلاسي إلى إيطاليا، عارضًا فيه جرائمه ضد الشعب الإرتري، حيث قمنا بنشره في شوارع العاصمة الإيطالية.
س:ما حجم الدور الذي لعبه الشهيد الدكتور يحيى في دعم القضية الإرترية؟
ج:لا شك أنه كان يعمل بإخلاص وتفان في خدمة قضية شعبه بكسب الأصدقاء لها، وفضح المستعمر في تعامله الإجرامي مع شعبه.
س:كان بإمكان الدكتور يحيى أن يعمل بشهادته العلمية في إيطاليا أو في أي موقع آخر في العالم ويؤمن بذلك حياة طيبة لنفسه إلا أنه اختار التوجه للميدان وخدمة شعبها. كيف كان وقع قراره على بقية رفاقه من الإرتريين في إيطاليا؟
ج:كان قراره موقع إكبار وإجلال من الجميع سواء أكانوا إرتريين أو أجانب وصار – كما رأينا – مثالا يحتذى من الكثيرين من أبناء الوطن.
س:كيف تلقيتم نبأ استشهاده ؟
ج:كان استشهاده فاجعة كبيرة لنا جميعًا…. وعانيت منها شخصيًّا لفترة طويلة. أن تفقد أخًا وصديقًا مثل يحيى يصعب احتماله. لم تكن الخسارة لأهله ورفاقه بل خسارة للثورة والوطن. ومن آكثر ما آلمني هو كيف أن الثورة تفرط بأول طبيب يلتحق بها. ونعرف أن الثورة المسلحة أكثر ما تكون بحاجة لمثل الدكتور يحيى جابر يداوي جرحاهوهكذا ينتهي الحوار مع المناضل الكبير السيد خليفة عثمان رفيق درب الشهيد الدكتور يحي جابر
أجرى الحوار فريق قاش- بركة
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=31022
أحدث النعليقات