قراءت هادئة لملف العلاقات السعودية الإرترية
توكل: نفحات الشهر الفضيل والزيارة الخامسة للسعودية
محمد توكل
في هذه القرءاة أتناول العلاقات السعودية الإرترية وهي علاقة ذات خصوصية قائمة منذ فجر التأريخ. وكانت هناك هجرات وصلات قربى ومصاهرات بين الاسر الإرترية والسعودية إلى جانب التأريخ المشترك.
فإرتريا هي الأقرب إلى السعودية بين دول جنوب البحر الأحمر (جيبوتي؛ إرتريا؛ الصومال؛ والسودان) ولهذا كانت إرتريا منذ فجر التأريخ قبلة المهاجرين الأوائل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ورست سفن الصحابة الكرام عند ميناء مصوع الذي أقام به الصحابة المهاجرون أول مسجد في أفريقيا ولازال هذا المسجد شامخا رغم ما فعل به الدهر إضافة إلى عوامل سياسية أرادت أن تطمس الهوية الإسلامية التي أرخت لها الهجرة الأولى والثانية للمسلمين إلى الحبشة.والحديث عن العلاقات الإرترية السعودية لاتخلو من تناول الهجرات السعوديين إلى إرتريا والهجرة المعاكسة للإرتريين إلى السعودية مما ترتب عليه التزاوج والمصاهرة بين الأسر الإرترية والسعودية مما أعطى العلاقات السعودية الإرترية هذه الخصوصية.
و في ظل نفحات الشهر الفضيل قمت بزيارة الى السعودية وهي الزيارة الخامسة أما الزيارة الأولى كانت في العام 1978؛عندما كنت في ريعان الشباب والتي لازلت اذكرها عندما سافرت على متن طائرة لأول مرة في حياتي من الخرطوم إلى جدة وبطبيعة الحال فإن السفر من إرتريا إلى السودان كان مشيا على الأقدم وكان معظم جيلنا ينتقل ويسافر مشيا على الأقدام أو الجمال وأن الألاف من الشباب حينها قد عبروا بحرا إلى السعودية وبرا إلى السودان وهذا يكشف عن عمق العلاقة والقرب الجغرافي بين البلدين. وظلت جدة في مخيلتي حيث كانت المحطة المهمة بالنسبة لي.
وكم كانت فرحتي وفرحة من استقبلوني من الجيران واصدقاء القرية في ذلك اليوم بمطار وكان الأكبر في المدينة وكيف كان الاستقبال والحفاوة والكرم كل يأتيك بما يملك ليعبر عن سعادته بقدومك ويؤكد على انه لا زال يتمسك بقيم تلك القرية(حرقيقو) التي جمعتنا بالحب والود والتقدير كاسرة واحدة تتوسع لتشمل أبناء مصوع والوطن عامة.
وما لفت نظري هو ان تلك العادات والتقاليد في استقبال الضيف لازالت حية وحاضرة أجدها أينما ذهبت بين افراد تلك الاسر تلك التقاليد والعادات امتدت معنا الى الغربة والمهجر وهو مزية يجب ان احفظها واذكرها للجالية الإريترية ومستوى تماسكها فيما بينها حيث تجد الفرد منهم يفعل المستحيل حتى يعبر لك عن فرحته بهذا القدوم الميمون حتى ولو كان لا يملك شيئاً تجده يجتهد ليصلك ويعبر عن حبه وتمسكه بذكريات الوطن.
وانا عادة عندما ازور السعودية ابدأ بزيارة الاسر تلك التي تذكرني ايام الطفولة التي لا انسى معالمها وتفاصيلها ولعل غالبا ما تفسد زياراتي وجود بعض الوفيات خلال الفترة التي انقطعت فيها لكن يظل الكرم الدائم والبسمة المتجددة عنوانا للزيارات واللقاءات التي اجريها مع الاحباب.
وقد تمكنت في هذه الزيارة من تقديم التعازي في وفاة الاخ العزيز رحمة الله عليه ” حسين مشناق ” الذي تعلمنا منه الصدق والوفاء والاخلاص والتواضع. وبرغم قساوة الزمن ومعاناة الغربة للجالية الأرتيرية بجدة يبقى عزاؤهم انهم بالقرب من الحرم وهي مزية يتمناها الاخرون.
تلك كانت الزيارة الأولى أما زيارتي في الأعوام 2000 – 2002 طغت عليها أبعاد وطنية واللقاءات كانت تتصدر الهم الوطني والأحداث الكبرى التي تعصف بالوطن والإقليم. حيث كانت اللقاءات جلها مع النخب الإرترية. أما في زيارتي عام 2008 كانت على هامش مشاركتي في مؤتمر حوار الحضارات وحينها زرت فيها مدينة الرياض التي التقيت بها العديد من المسؤولين في المؤسسات الإعلامية والوسط الدبلوماسي.أما زيارتي الأخيرة هذه كانت متنوعة لأن القصد فيها كانالعمرة وزيارة بيت الله الحرام وصولا إلى الأهالي هناك إلا أن الهم الوطني والتطورات في الإقليم كانت حاضرة كالعادة.
وهذه خواطر أتناول فيها العلاقات السعودية الإرترية حيث مثلت السعودية منذ سبعينات القرن العشرين جسرا لمئات الآلاف من الارتريين الذين عبروا من خلالها أو استقروا فيها، هربا من ويلات الحروب وموجات التطهير التي طالت المواطنين الإرتريين إبان حكم الاستعمار الإثيوبي.
وقد كنت شخصيا احد هؤلاء الارتريين الذي عبروا الحدود باتجاه السعودية في العام 1978 ، و شعرت حينها كغيري من الارتريين بدفء العلاقات الإنسانية والأخوية التي منحتها السعودية لأبناء الجالية الإرترية، فضلا عن تسيير وتسهيل إجراءات إقامتهم وعملهم عبر ما كان يعرف وقتها بإقامة “44” كما كان للسعودية بصمات واضحة في دعم الارتريين في التعليم والخدمات المختلفة وللشهيد عثمان صالح سبي الزعيم الإرتري الحاضر الغائب ادوار واضحة وخالدة في فتح أفاق متعددة وتوطيد العلاقات بين المهاجرين الإرتريين وأصحاب الأرض السعوديين.
كانت الجالية الإرترية في تلك الفترة ومن خلال ما أتيح لها من تسهيلات في العمل والإقامة والتنقل بالسعودية ، رافدا قويا للثورة الارترية وسندا للأسر الارترية في مواطن اللجوء من خلال الفرص التي قدمتها السعودية للارتريين مماانعكس ايجابا علي المقيمين فيها امتد أثرها على حياة جميع الارتريين خارج السعودية ، حيث لم يكن حال الجالية الارترية في السعودية كحال الجاليات الأخرى القادمة من أوطان مستقرة والذين كانت تتمحور مهامهم في شراء مسكن أو تأمين تكاليف زواج حيث كانت مهام الجالية الإرترية، مهام جسيمة وذات تحديات كبيرة ، لاسيما أنهم كانوا بمثابة الخط الأول والداعم لولادة وطن مستقل ، فضلا عن تأمين احتياجاتهم الحياتية الأخرى لهم وإعالة سرهم المقيمة في مواطن اللجوء.
وعند نيل الاستقلال، لم تدخر الجالية الارترية بالسعودية جهدا في مواصلة دعمها للوطن إلى جانب العودة الجماعية لإرتريا على مستوى العائلات والأسر، حاملين معهم ما ادخروه من أموال لإعادة إعمار الوطن عبر الاستثمار والتنمية، فضلا عن أولادهم الذين اقتلعوهم من حيث ولدوا بالسعودية، وجاءوا بهم إلي ارتريا لتتم إعادة زراعة هذا النبتات في الوطن الأم، وليسقى بماء المستقبل الواعد، لكن وللأسف لم تكن الأحلام وردية كما ارتسمت في أذهان الكثيرين من الارتريين آنذاك ، حيث تحولت مدخراتهم إلي سراب بسبب سياسات التضييق والتطفيش ، وتحول أولادهم إلي سخرة وعبيد في معسكرات الخدمة العسكرية الإلزامية.
هذا في صعيد الجالية الارترية، أما على صعيد البلد المضيف لها وهي السعودية فإن الحال لم يكن الأفضل إن لم يكن الأسوأ من ذلك حيث كان أول هجوم إعلامي شنه النظام الارتري عبر إذاعته في العام 1992 ، موجها إلي السعودية ، دون أي اعتبار للجوار ومسيرة الدعم السعودي السخي و الطويل لإرتريا وللارتريين، إلا ان السعودية تعاملت بمنطق من الحكمة مع هذه الاستفزازات الطائشة واستطاعت احتواء الموقف، وظلت الحكومة الارترية تمارس وعلى مدى عقدين من الزمان نوعا من الابتزاز السياسي، من خلال بناء تحالفات وثيقة مع كل من يستهدف السعودية ابتداء بإسرائيل ثم إيران ومرورا بدول أخرى عربية كليبيا القذافي فضلا عن دول خليجية ، ولم تفكر يوما في أن تبني علاقات وثيقة مع السعودية.
حتى موقف الحكومة الارترية من عاصفة الحزم ، جاء ضاربا عرض الحائط بكل علاقات الدعم والمساندة التاريخية التي جمعت الشعب الارتري بالحكومة السعودية، وكان موقفا باهتا محايدا ، أجبرت عليه الحكومة الإرترية بسبب العزلة الإقليمية والاتهامات الدولية بتجاوزات في قمع شعبها، فالحكومة الارترية كانت مستعدة أن تمارس الابتزاز السياسي كعادتها وتقف موقفا رافضا أومخالفا.والجالية الارترية بالسعودية ورغم ما مر بها من مراحل ومنعطفات ، تظل الحديقة الخلفية للارتريين، ماديا ومعنويا وإنسانيا ، وتبقى الآمال معقودة عليها في أن تتصدر زمام المبادرة و التغيير الاجتماعي والثقافي والاقتصادي في ارتريا ، عبر مؤسسات مجتمع مدني وجمعيات أهلية ، تكون على قدر عال من المسؤولية في مواجهة تحديات المرحلة القادمة.
ومن المعروف أن العلاقات الرسمية بين الحكومتين الإرتيرية والسعودية مرت بمنعطفات كثيرة ولم ترتق الى مستوى ما قدمته السعودية للشعب الإرتيري وهذا بلا شك يرجع الى سياسة النظام الحاكم في اريتريا الذي يتخذ من سياسة الصدام والعداء مع الجيران نموذجا مفضلا له فلم يترك دولة من دول الجوار الا وواجها بالعداء الذي وصل حد الصراع والمواجهة العسكرية باستثناء السعودية مع أنه خاض ضدها حربا بالوكالات عندما أقام قواعد عسكرية لإسرائيل وإيران وهو ما تعتبره السعودية تهديدا لأمنها وهذا ما كشفت عنه الوثائق السرية المسربة عبر “ويكيليكس
ومن اطلع على هذه الوثائق والمراسلات التي تمت بين السفارة السعودية في اسمرا ووزارة الخارجية الإرترية تعرف حجم القلق السعودي من تحركات إرتريا التي أقامت محاور مع دول وتنظيمات تعتبرها السعودية أذرعا للقاعدة وإيران مثل حركة الشباب في الصومال والحوثيين باليمن.
وبرغم ذلك تعتبر زيارة الرئيس الإرتيري للرياض في ابريل الماضي والتي استقبل فيها بحفاوة كبيرة من السعودية بأنها بوادر إنفراجة للأزمة التي ظلت تراوح مكانها لأكثر من عقدين.
وهذه الزيارة التي تباينت فيها الاشتهادات والتوقعات بنتائجها وأصبح فيها المتابعون بين متشائم ومتفائل فيما التزم الرئيس الإرتري الصمت دون أي تعليقات أثناء الزيارة أو بعد العودة إلى أسمرا وحتى وسائل الإعلام الإرترية لم تشر إلى الزيارة لامن قريب ولا بعيد.كما لم يتطرق الرئيس الإرتري إلى الوضع في اليمن لا بالتلويح أو بالتصريح.
فإرتريا التي ترتبط بعلاقات خاصة مع الرئيس اليمني على عبدالله صالح وكذلك مع الحوثيين لم تخف امتعاضها من الانتقادات التي وجهها مسؤولون في الحكومة اليمنية متهمين إرتريا بدعم الحوثيين.
وحتى الرئيس الإرتيري هو الاخر ظل يؤكد على الحيادية مناشدا اليمنيين بالاحتكام إلى الحوار رغم اتهامات
كبار القادة في الحكومة الشرعية باليمن إرتريا بدعم الحوثيين وأصبحت إرتريا جسرا للحوثيين إلى اليمن وهو مادأبت بنفيه إرتريا.
فالزيارة الاخيرة الى الرياض لم تجد حظها في خطاب الرئيس الإرتيري بمناسبة اعياد الاستقلال في الـ 24 من مايو كما لم يتطرق الى الوضع باليمن
واللافت للنظر هو ما نشرته صحيفة اريتريا الحديثة في عددها الصادر بتاريخ الـ 26 يونيو المنصرم حول وثيقة موقع ” ويكيلكيس المسربة من السفارة السعودية باسمرا حيث اوردت الصحيفة اسم ” عبدالله جابر ” مسؤول الشؤون التنظيمية بالحزب الحاكم ولذي يقبع في سجون الحكومة الأريتيرية بتهمة الانتماء إلى قادة محاولة الإنقلاب في الـ 21 من يناير 2013 المعروفة حركة 21 يناير. حيث نشرت الصحيفة تحت عنوان ” صدق اولا تصدق ” الوثيقة المسربة وهذه للمرة الأولى في تاريخ الحكومة الإرتيرية تقوم بنشر اتهامات لاحد معارضيها عبر صحيفة رسمية.
وبلا شك فان ” عبدالله جابر ” الذي يقبع في سجون الحكومة الإرتيرية وهو احد رموز النظام الحاكم سيكون اول ضحايا الوثيقة المسربة خاصة وان المواقع الاعلامية التابعة للحكومة الأرتيرية وجهت اتهامات لعبدالله جابر بالعمالة والخيانة. وما هو مؤكد إن عبدالله جابر أصبح أول ضحايا ويكليكيس في القرن الأفريقي.وما أود أن ألخصه في نهاية هذه القراءة أن السعودية دولة مهمة وتمثل ثقلا سياسيا واقتصاديا في الإقليم وإنها تتعامل وفق مصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية.وإرتريا كذلك هي الأخرى تجد نفسها منعزلة ومحاصرة إقليميا ودوليا وتراهن على التحولات الإقليمية بأن تأتي لصالحها. هذه المرة الأزمة اليمنية قد لا يختلف اثنان حولها لانها جاءت لصالح إرتريا حيث حاول الرئيس إسياس أفورقي توظيفها بصورة جيدة ويذكر أن ملف الإرهاب على مدى عقدين من الزمان ظل يستخدمه في مناوراته السياسية وكذلك أمن البحر الأحمر. ولا تغيب عنها علاقات إرتريا المتغيرة مع إيران وإسرائيل وليبيا ومصر والمعارضة السودانية؛ والصومالية والإثيوبية .ولكن ليست كل مرة تسلم الجرة لأن النتيجة هذه المرة كانت عكسية. وقد أدان مجلس الأمن الدولي في عام 2009 الحكومة الإرترية وفرض عليها العقوبات. وكذلك تقرير مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة يؤكد عزلة النظام الإرتري رغم المناورات الدبلوماسية عبر بوابة الأزمة اليمنية.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=34887
اعتقد ان ادارة فرجت سوف لن تنشر تعليقي هذا لسبب أو آخر وأتمنى ان اكون مخطئا يتحدث كاتب الموضوع عن العلاقة السعودية الاريترية بمثالية اقرب الى التملق و يضع لوما على النظام الاريتري بالموقف السلبي تجاه (عاصفة الحزم السعودية تجاه اليمن و كأن سياسات السعودية على صواب من مجمل القضايا الدولية ويخصنا هنا الاريترية منها اولا وجود الارتريين في السعودية هو امر عادي كوجود الملايين من غير الاريتريين يعملون هناك . اما مساعدة السعودية للاريتريين معظمه تحت شروط ومعظمه كان شرط التفكك و المساعدة السعودية التي تسببت في انجاح فصيل من فصائل الثورة و بالتعاون مع النظام السوداني و المصري و وياني تقراي و ظلت تساعده حتي لحظة كتابة السطور و محصلة اهم المساعدات السعودية و الحقيقية هي نظام اسياس و مساعدة آل سعود نبعت من ايمانهم ومبدئهم (الحفاظ على كرسي السلطة بأي وسيلة واي نظام يحترم حق الجميع بالتساوي عدوهم )من هذا المبدأ كان اسياس حليفهم وما زال .