قصة اعتقال الأستاذ إبراهيم جمع ثم ابنه عبد الوهاب
هنا بيت سعيد يضج بأطفال صغار، يمنعهم من المرح مرض أمهم (مكة باشاي)، التي ترقد بالمستشفى أياما ليست قليلة تصارع الموت بسبب مرض أصابها، وكان ممن برفقتها زوجها معلم المعهد (إبراهيم جمع)، الذي يوزع نفسه بين تمريض الزوجة والإشراف على الأولاد، يتردد بين المستشفى هنا والبيت هناك، مقسم بين أداء واجبين: واجب الزوج المسؤول، وواجب الوالد الحنون، ولم يدر بخلده أن واجبا رابعا بانتظاره نيابة عن شعبه ووطنه، لأن الواجب الثالث (التدريس) أو الطريق الصعب هو الذي كان يوصله الى الرابع مباشرة.
ففي ليلة كالحة السواد من ليالي العام 1994 وتحديدا مساء 14 إبريل وقبيل صلاة العشاء عاد إلى البيت من زيارة زوجته في المستشفى، ففوجئ بثلاثة من زوار الليل مسلحين، ينتظرون مقدمه وقد دهموا المنزل بلا أدب! فلم يكن في سرور بهم المكان، ولا الزمان ولا الأسرة، إذ ليس من مهام العساكر اقتحام البيوت الآمنة، ولا الطروق في عتمة الليالي والقيام بترويع الأهالي.
كان في استقبال الضيف الشؤم بنته الكبرى (منيرة) وكعادة أهلها في إكرام الضيوف هيأت لهم ما يقدم من طعام وشراب، وانتظرت معهم مستبشرة مكرمة حتى قدوم الوالد، وكانوا يتحدثون (بالتجرايت) ولهذا كان ظنها بهم حسناً.
بعد أداء صلاة العشاء حضر المعلم إبراهيم جمع، فسلم على ضيوفه، فوجد هم يتأبطون شراً، طلبوا منه أن يرافقهم إلى خارج المنزل، فعلم من سيرة الجبهة الشعبية أن هذا أوان الاعتقال الطويل، فكانت فرصة أن يودع أهله، ويحزم أمره، ويقدم نصيحة الوالد لأولاده بالصبر الجميل، والتعامل مع المحنة بثبات، وأن يخبرهم بأنه ترك لهم الله الذي خلقهم ولن يضيعهم.
منيرة التي كانت تستقبل الضيوف بترحاب هالتها هذه المفاجئة الصادمة فأصيبت بنوبة قلبية فكانت سابقة الأسرة إلى الأخرة.
اشتد المرض على الزوجة في المستشفى حتى عجزت عن إرضاع طفلتها (سلوى) فسجلت الرقم الثاني في قائمة ضحايا الأسرة الكليمة إذ ماتت سلوى وهي تصرخ من الجوع.
ليت الحال يمهل الأسرة المكلومة بفقد الأب والبنت والطفلة، بل فتح فصل جديد من مسلسل المعاناة والحرمان، فعبد الوهاب هو الأبن الأكبر قد اقتحمت عليه ذئاب الليل بيئته وهو قد طري، حتى لحق بوالده معتقلا عندما بلغ الثامنة عشرة من عمره، وذلك بعد عامين فقط من اختطاف والده.
عبد الوهاب المولود عام 1976 كان طالبا مجتهدا في المرحلة الثانوية، لكنه يقوم بدور الأب بحكم وضع الأسرة بغياب الوالد، وحتى عندما سمع الطرق الشديد للباب لم يتبادر إلى ذهنه أن زوار الليل يقصدونه هذه المرة، وكانت صدمة الأسرة المكلومة أن يقتاد هو الآخر أمام أعينها إلى المجهول، فمصيره ووالده قبله لم يظل مرتبطا بفرد إنما أصبح للأسف مصير الوطن بأسره حيث يسير به الظلمة إلى المجهول.
ولما تتجاوز أسرة المعلم تلك المحن المتتالية إذ بخالد الذي يقع ترتيبه في الوسط من أبناء الأستاذ إبراهيم جمع يلقى ربه وهو يشكو ظلم الحكام وقسوة الأمراض، لقد أصيب بنوبة قلبية فأضيف إلى قائمة ضحايا الأسرة مسجلاً الحالة الثانية التي تموت بهذا المرض بعد شقيقته منيرة.
لم يبق من الأسرة إلا ولد وبنتان ضاق بهم الوطن، فالحسن وأختاه حنان وزهور وأمهم مكة باشاي، قد هاجروا إلى السودان هرباً بأنفسهم مثل الآلاف الذين سبقوهم أو لحقوهم، ليجدوا هامش الحرية المفقود والحضن الدافئ معيشة ودراسة وطيب مقام.
التحق الثلاثة بالدراسة التي لم تكملها حنان وزهور حتى يسر الله أمر زواجهما فتفرعتا إلى أسرتين طيبتين، وتخرج أخوهما الحسن من الجامعة يحمل بكالوريوس العلوم ويتزوج من أسرة إرترية كريمة، فوالد العروس هو الأستاذ إدريس سعيد ضمن معتقلي عام 1994م مع والد العريس، وبهذا اجتمع السلف سجناً ومحنة واجتمع الخلف دراسة وعلما وزواجاً مباركاً ورفعاً لراية الحق والصلاح والإصلاح، فتواصل العطاء والغرس الطيب الذي يغيظ الظالمين السجانين الحاقدين. فهل علموا أن شعلة الخير التي قصدوا إطفاءها لا تزال متقدة وإلى الأبد لا يكسر عزمها قيد ولا يوقف مسيرتها سجان.
لا أنسى والدي الضحية البريء الذي كان يعلم الأجيال، أعتقل لأنه كان من خريجي المعهد الديني الإسلامي بمدينة كرن، أعتقل لأنه كان يقوم بواجبه تدريساً ودعوة في بلاده وبين أهله، فقد تم تغيبيه ليغب دوره عن الحياة وتخلو الساحة لنظام الفساد ومنظومة الإفساد.
فيا معلمي وقدوتي أقول لك اليوم إن كنت حيا أو ميتا – بعد أن تركتني وعمري ثلاثة أعوام – بشرى لك ولأصحابك الدعاة التقاة الثقات و كل الشرفاء في زنازين الظلم والقهر، أن قضيتكم حية في قلوبنا ورايتكم عالية فوق رؤوسنا، وسوف يعود يوسف – بعد طول ظلمة الجب وطول الحبس وبيع العبد- إلى حضن أهله وأحبائه كريماً سيدًا إن شاء الله في دولة العدل والحرية، والفتح المبين باقتصاص الله من الظالمين.
زهور ابراهيم جمع – النرويج
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=41436
المعلم والمربى الأستاذ إبراهيم جمع مدير معهد الضياء الإسلامي بكرن نعتذر عن عدم استطاعتنا فعل أي شي من اجلكم سبحان الله مغير الأحوال أتذكر كيف كان تتزين شوارع كرن بعد خروج طلبة المعاهد
مثلا معهد الضياء بعد خروج الطلبة من الباب الرئيسي الشارع يكون مزدحم يمينا ويسارا الى ان تصل السوق الرئيسي لا خروج لطلبة (سكندرى) المدرسة الثانوية الى بعد مرور هذا الكم الهائل وأيضا أنشطة المعاهد في يوم الاستفتاء والاستقلال ويوم الشهيد والمسابقات الكرة وو في كل هذه المناسبات هم أبناء المعاهد المسيطرين والاوائل في الأناشيد و الشعر و التمثيل لو لهذا الجيل أعطيت له فرصة فقط عشرة سنوات بتلك الطريقة لكان التغير كثير في بلادنا ولكن قالو يجب خلع وقطع هذه الشجرة قبل ان تتمد غصونها وتكبر
ولكن هيهات الرسالة وصلت من اساتذتنا الاجلاء والأمانة في اعناقنا لن ولم ننساهم وكما يقال في المثل
( أسك تتدالى قيتلاى أبوكا التالى) اللهم احفظهم وعافيهم اين ماكانو املنا بالله كبير
صبرا يا ال إبراهيم جمع