قصصات وفاء لأصدقاء الثورة الأرترية

(1)

لا شك بأن الثورة الوليدة تحتاج إلى من يرعاها ويُخفف عليها وطأة التأسيس ومحاولات التضييق، وتُريد من يُقدم لها العون والمساعدة حتى يقوى عُودها وتتجاوز مرحلة الضُعف إلى القوة ! ومن العَتَمة  للضوء! ومن الإِعِراض إلى المُناصرة والتأييد! ومن نطاقٍ ضيقٍ إلى ساحة إنتشاراٍ أوسع ! ومن دعم أفراد يؤمنون بالفكرة إلى دعم مُجتمعات ودُول! فتضمن الثورة بذلك نجاحها! فالثورة الأرترية كغيرها من الثورات مرت بتلك الظروف والمراحل وكان خلف هذا النصر( إستقلال أرتريا ) بعض شعبها الصابر الباسل رجالُ شُرفاء خدموا الثورة فى بداياتها وقدموا لها مالانستطيع وصفه بالكلمات وعلى رأس هؤلاء رجال من السودان وفى مقدمة الشعوب يأتى شعب السودان ذلك الشعب المِضياف فالمقال إذاً هو قصصات وفاء وتسجيلاً لعِرفاناً .

(2)

هى إذاً لمسة وفاء للذين تحركت ضمائرهم لمُناصرة الضُعفاء ووقفوا بجانب ثورتنا رغم المخاطر! نكتبُ لتعرف الأجيال الأرترية من ناصر قضيتها ووقف معها أيام ثورتها ! نكتبُ لتحفظ الأجيال القادمة هذا الجميل فالوفاء قيمةُ جوهرية ليس للإنسان قيمةُ دونها! ولعل غياب الوفاء هو السبب الجوهرى لما يتعرض له شعبنا ووطننا من مِحن ومأساة ولهذا نؤكد بأن أرتريا وإستقلالها جاء نتاج دعم الشُرفاء من الشعوب المُحبة للحرية والسلام .

(3)

ربما لانستطيع أن نُعدد مأثر الشعب السودانى على مسيرتنا النضالية ووقفته مع الثورة فى بواكيرها وخدمته وإستضافته لشعبنا لعُقود ولاتزال مُستمرة بسبب نظام الحُكم ، فالسودانيين كانوا السند لثورتنا وقد فتحوا للثورة منابرهم وصُحفهم ولقياداتنا بيوتهم حتى أصبحت الثورة الأرترية ثورةً جديرة بالإحترام وأكتسبت بوقفتهم الشرعية ! وهنالك الكثير من المواقف الخالدة لرجال ٍمن السودان قدموا الكثير للثورة فى بواكير قيامها وقد كانوا من مُختلف طبقات المُجتمع السودانى ومن المحطات التاريخية الخالدة التى غيرت مسار الثورة هى تمرير أول شحنات سلاح  كانت قادمة من سوريا عبر مطار الخرطوم سنة عام 1965م وأشرف على العملية السيد /الرشيد الطاهر بكر والسيد/ محمد جبارة العوض بالتعاون مع أخرين وتم ترحيلها للحدود الشرقية لتدخل عبر الحدود للثورة وقد خلقت عملية التسليح هذه تحولاً نوعياً كبيراً فى تقدم الثورة وقوتها وإنتشارها، هذا وقد لعب الصحفى السودانى/ أحمد طيفور دوراً كبير فى إبراز القضية الأرترية للإعلام ففى ستينيات القرن الماضى قام بنشر أول سلسلة تحقيقات عن الثورة الأرترية بصحيفة 21 أكتوبر السودانية بعد أن دخل الميدان مع المقاتلين عبر الحدود السودانية الأرترية وتعرض للكثير من المُضايقات بسبب نشره لتلك التحقيقات من أثيوبيا وكان هذا أول سبق صحفى عن الثورة ! ثم كان للصحفى السودانى الراحل/ سيد أحمد خليفة الذى سجل مواقف رائعة محفوظة فى سفر التاريخ الأرترى لدفاعه عن القضية الأرترية والشعب الإرترى ، ولطالما جاءت سيرة الصحفيين ووقفتهم مع الثورة لابد من ذكر الصحفى الكويتى /عبد الرحمن يوسف والصحفى السورى /أحمد أبو سعدة  فقد كان لهما مجُهودات كبيرة  فى خدمة الثورة إعلاميا!ً

ومن هؤلاء أيضا السيد / محمد أبو القاسم حاج حمد الذى كان من أوائل الذين ناصروا الثورة الأرترية وتعرض للكثير من التضييق بسبب ذلك الموقف ولن ننسى فى عيد إستقلالنا أيضاً الأستاذ/ عابدين عبد الصبور رئيس أول لجنه شعبية سودانية لمناصرة قضية الشعب الأرترى في بداية الستينيات بمدينة ود مدنى وعند قيام ثورة أكتوبر 1964 م تجذر وتنامي هذا التأييد وبلغ أوجه حين أتخذت جمعية الصداقة الأرترية السودانيية بأتخاذها قرار دعم الثورة الأرترية وعقدت مؤتمراً لمناقشة وبلورة الوسائل الكفيلة لدعم الثورة وتحولت الجمعية إلى الجبهة القومية السودانية للدفاع عن قضية الشعب الإرتري هكذا كان السودانيين وقوفاً خلف الثورة الأرترية دعماً ومساندة ومشاركة !

(4)

وفى الأدب كان الشاعر والإعلامى السودانى السيد/ التيجاني حسين دفع السيد الذى وهب للشعب والثورة قصيدته المُلهمة (أرتريا يا جارة البحر) هذه القصيدة التى شَكَّلت شخصية الثائر الإرتري وإنسانه بل وعَزَّزَت إنتماؤه للوطن وهى من أشهر الأغانى والقصائد الأرترية وأكثرها رواجاً وتُمثل إحدى القصائد الوطنية الخالدة فى وجدان شعبنا وإليكم بعضاً منها :-
إريتريا يا جارةَ البحر ويا منارة الجنوب،
من أجل عينيك الجميلتين من أجل عينيك الكحيلتين  يأتي زحفنا، من أقدس الدروب
يا وردةً يعشقها يعشقها أحبتي، يا جنةً عشتُ بها عشتُ بها طفولتي،
يا أنت يا ضحية الحروب يا وحيدة ،
مازلتِ فى دفاترى دفاترى  قصيدة وفى ظِلال أعينى كشمعةٍ جديدة،

أرتريا ياجارة البحر ويامنارة الجنوب .

أعتقد أن الرابط الأدبى يكفى للتدليل على حجم الترابط العميق بين شعبى البلدين الشقيقين الجارين وهو الجِسر المتين فى علاقات الشعوب.

(5)

وبهذه المناسبة يمتُن شعبنا كثيراً بالشعوب التى فتحت له أرضها وجامعاتها ومدت له يد العون والمساعدة لشعوبنا فالشعوب العربية كان لها فضلُ كبير جداً فى خدمتها لشعبنا ودعمها لثورتنا حتى شبَّت عن الطَّوْق ، وعن الدعم الرسمى التى وجدته ثورتنا تأتى دولتى سوريا والعراق والصومال كأول الدول التى قدمت دعماً رسمياً للثورة تسليحاً لمقاتلينا وتدريباً وتأهيلاً لقياداتنا وكوادرنا العمالية فى مختلف التخصصات ثم توالى الدعم من بقية الدول العربية بصورةٍ وأخرى ، وفى الجانب التعليمى قدمت السعودية وقطر وجمهورية مصر والكويت والإمارات وليبيا والجزائر واليمن والعراق وسوريا دعماً بإتاحتهم لفُرص التعليم وفتح أبواب جامعاتهم فكانت هذه الدول سبباً فى خلق جيلٍ مُتعلم ومُستنير ولن نُبالغ إن قلنا إن السعودية وبدعمها السخى لمؤسسة جهاز التعليم الإرترى كان لها النصيب الأكبر فى توعية الأجيال وتعليمهم فى معسكرات اللجوء بشرق السودان وأتاحت دول الخليج مُجتعمة فرصاً لحركة العمالة الأرترية مما ساعد ذلك فى تخفيف معاناة شعبنا !

أما السودان فلايزال هو الوطن الثانى لشعبنا ولا يمكن مقارنته ببقية الدول والشعوب فالحكومة السودانية (الإنقاذ)  فتحت أبواب جامعاتها للطلاب الأرتريين وفى مختلف التخصصات حيث شكل ذلك نقلة نوعية فى تنمية المجتمع الإرترى، وفى خضم هذه الذكرى لن ننسى ماقدمته حركة فتح لثورتنا من الدعم الفنى والتدريب والتسليح ونقلت لثورتنا الكثير من الخبرات وفتحت لها الكثير من الأبواب.

(6)

هذه الشُعوب والدول والشخصيات والنقابات والـإتحادات المهنية العربية وأخرون لم يتم ذكرهم فى المقال كان لهم دوراً محورياً فى إبراز قضيتنا للعالم وأكتسبنا بفضل وقفتهم حقوقنا المشروعة فى الإستقلال نُطالبها اليوم بأن تقف بذات الطريقة مع مطالب شعبنا المُشروعة فى إزالة الهيمنة وحُكم الفرد لتكتمل مُنجزات ثورتنا التى بدأت فى أدال ويستعيد شعبنا حقوقه كاملةً غير منقوصة .

 

 

محمد رمضان

كاتب ارترى

Abuhusam55@yahoo.com

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=37281

نشرت بواسطة في يونيو 12 2016 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010