قــطوف أرتــريـة الحلقة (17)
بقلم : أحمد نقاش
ما هو مستقبل مسلمى أريتريا
بعد زوال نظام اسمرا ؟!
اريتريا كوطن صار فى ظل نظام هقدف سجن كبير،العيش فيه جحيم لا يطاق ومعاناة الشعب بأسره تعجز الكلمات عن اعطاء الصورة الحيقيقة له،وبسبب سوء الحكم الذى يتعرض له المواطن اصيب الوطن فى اهم مفاصله،الا وهى موت المشاعر الوطنية التى كان يتميز بها المواطن الاريترى الى عهد قريب،اما اليوم حدث ولا حرج ان الوطن والوطنية اصبحت عند المواطن الاريترى كلمات هلامية ليس لها معنا حقيق فى نفسه،بل صار الشعار الوطنى عند كل مواطن _الفرار من جحيم النظام وترك الوطن له بما حمل_ وعندما يعجز الناس حل مشاكلهم بشكل جماعى يلجئ الكل الى بحث الحلول الفردية،كأن المقام مقام الميعاد وليس مقام المعاش “يوم يفر المرء من اخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امريئ منهم يومئذ شأن يغنيه”سورة عبس34-37 هكذا اصبح كل قادر على الفرار من الوطن يفر منه الى مصير مجهول من التشرد والجوع بحثا عن الامان فى الصحارى والمحيطات، ليهلك من يهلك وينجوا من يكتب له حياة جديدة فى بلاد الغربة ولسان حاله يقول:
ابيت فى غربة لا النفس راضية
ولا رفيق ما بى ويكتئب
ولا صديق تسر النفس طلعته
وشباب اريتريا اصبحوا اكثر جدلا مع القدر الذى جعلهم جزء من هذا الوطن الذى كانوا يحلمون به طويلا ليكن لهم جنة المأوى،لكن احلامهم تبددت كسراب وتحول الوطن الى مكان للعبودية والسجن والعذاب لا لعيب فى ارض الاباء والاجداد لكن لسوء السياسة وفعل الساسة والادارة :
لعمرك ما ضاقت البلاد بأهلها *** لكن احلام الرجال تضيق
وتحولت البلاد فى ظل نظام لا دستورى الى بؤرة الفساد والاضطهاد “ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت ايد الناس”والشعب الاريتري اليوم بأسره يعيش تحت حكم نظام دكتاتورى بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى،هذا ماإ تضح للكل منذ الحرب الثانية من عام 1998مع اثيوبية،اما قبل تلك الحرب اللعينة الكثير كان يعتبر النظام الحاكم فى اسمرا نظاما وطنيا صادقا لا ينافسه احد فى العدل والمساواة، حتى سمى الحزب نفسه (الجبهة الشعبية للعدالة والديمقراطية) لان العصبية القومية فى كثير من احيان لا تعطى الا الرؤية الضبابية للامور،والصدمات احيانا تنجلى عندها الرؤية،بعد الحرب التى كشفت المستور بدأت تتضح الرؤية لكثير من الناس،،وتلك الاحكام التى كانت تصدرفى كثير من الاوقات من الذات الانانية التى لا تشعر بحقيقة ما يعانه الشق الاخر من المجتمع، بدأت تتبدد ويظهر فسادها،اما الطرف الاخر الذى كان يشعر بخطورة هذا الحزب منذ نشأته فى السبعنيات، ورأى حقيقة خطورته منذ سيطرته الكاملة على الساحة الاريترية عقب خروج جيش التحرير الاريترى فى الثمانينات القرن الماضى، تعرض لمعاناة كبيرة فى ظل الصمت المحلى والدولى،اذا كان ظلم النظام امتد اليوم على الكل كطوفان الذى يفقد السيطرة،ان مسلمى اريترية كابدوا ظلمات بعضها فوق بعض من نظام اسمرا الذى خدع واضلا كثيرا حتى من ابناء المسحوقين نفسهم تحت خطابات اقليمية وعشائرية التى كان يسربها بشكل مدروسة على ضعاف النفوس من الرموز والقادة،كما تتسرف بعض الحيوانات فى اصطياد فرائسها كل هذه الامور ظهرت حقائقها بفضل المماراسة العملية التى لامسها وعيانها الكل بفضل الوقت والزمن،كما قال بعض الفلاسفة (يمكنك ان تخدع كل الناس لبعض الوقت،ولكن لا يمكنك ان تخدع كل الناس لكل الوقت…)
ومسلمى اريتريا يكابدون ويعانون من الاقصاء والظلم من النظام القومى المتعصب الذى رفع العلم الوطنى تحت اقراع الاجراس والطقوسات الطائفية والقومية، الا ان مسلمى اريترية استعانوا فى تحمل هذه المظالم بخبراتهم التاريخية المخزونة فى الذاكرة الجمعية فى كيفية تجاوز المحنة والمصائب،فضلا عن الذكر الحكيم الذى يرشد اتباعه بالصبر والمصابرة.
بمأن وقوع الفساد والظلم هى جزء من سنن التاريخ من اجل ان يتدافع الناس للاصلاح والتغير والتطور الى الافضل من الضرورة ان يدرك الناس اهميته فى اقامة العدل والمساواة (… لو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ..) من قدر الشعب الاريترى ان يكون تدافعه على مراحل، اذا كانت المرحلة الاولى التى مرت على الوطن من التدافع من اجل تحرير التراب الوطنى من المستعمر الاجنبي التى ابلى فيها مسلم اريتريا بلاءا حسنا،ثم التحق بهم اخوانهم مسيحي اريتريا لتكتمل بهم دائرة التدافع والنضال ضد المستعمر، فضلا عن ان هذا النضال المشترك الذى خلق الاخوة والمحبة والوطنية الصادقة فى نفوس المواطنين حتى اصبح الناظر لا يستطيع ان يفرق بين هذا وذاك،وعندها اكتملت اللبينة بين السيد المسيح وخاتم النبين محمد عليهما افضل الصلاة والتسليم فى بناء الصرح الوطنى الذى تناد اليه رجال صدقوا ما تعاهدوا اليه من الوطنية ونساء اعن الرجال فى الصدق،مطالبون اليوم جميعا للتدافع فى المرحلة الثانية من اجل تحرير الانسان من كل ظواهر الظلم، والتميز،والتعصب من اجل بناء دولة القانون والعدل والمساواة والديمقراطيةوخاصة من بعد ان تسلل شيطان القومية فى ظلمة الليل،ليفرق القلوب التى اجتمعت على كلمة سواء،وليسيل الدماء من بعد ان حقنت،وليظرف الدموع من بعد ان جفت (…يا بن آدام الم اعهد اليكم ان الشيطان كان لكم عدوا مبين …) هكذا شياطن القومية اعادوا الشعب الاريترى الى المربع الاول وبدؤا يسيرون بالوطن الى مصير مجهول.
والوطنيون الصادقون من مسيحي أريترية وخاصة الحكماء منهم اصبحوا يدركون بحقائق المظالم التى تقع على اخوانهم المسلمين خاصة،وما تسبب به القوميون المتعصبون من احداث التصدع فى البناء الوطنى،إلا ان قدرتهم اقل بكثير من معالجة المشكلة دون تحرك اصحاب الشأن والتدافع من اجل رفع مظالمهم _ما حك جلدك افضل من دفرك_ وتفرق مسلمى اريتريا شيعا واحزاب قبائل وعشائر، لم ولن تحل لهم، اى مشكلة جماعية، ولن ترفع لهم اى مظلمة سياسية او اقتصادية، وكما ان تفرقهم فى الاحزاب والتنظيمات دون توحيد الرؤية فى حدها الادنى لن يحقق لهم اكثر من كونهم ادوات العمل وضرورة التنوع لذر الرماد فى العيون،عليه ان يتنادوا قبل فوات الاوان لترتيب اوضاعهم وتحديد مظالمهم وخلق آليات تعينهم فى رفع الظلم وإعادة الحقوق _ ما ضاع حق وراءه طالب _ وترتيب اوضاع لا تعنى بالضرورة ان يتجمعوا فى بوتقة واحدة او حزب واحد هذا قد لا يتأتى فى المنظور القريب، ولكن عليهم ان يعقدوا مؤتمر الحوار يضعون فيه النقاط فوق الحروف ويحدود الخطوط العامة لثوابت حقوقهم لينادوا بها ويعملوا من اجل تحقيقها كل فى مكانه من التنظيمات والاحزاب والتجمعات،وخاصة الذين فى المهجر ان يستفيدو من الفرص المتاحة بل يمكنهم ان يؤسسوا مؤسسة مدنية تطالب برفع المظالم وارجاع الحقوق،وان يتحرر الكثير من ابناء المسلمين فى اريترية من عقدة الوطنية،والمطالبة بحقوق مجتمعك لا تعنى انتقاص من وطنيتك بأى حال من الاحوال بل على العكس تؤكد حرصك على سلامة الوطن وازدهاره،وكما عليهم ان يتحرروا من الانانية الفردية، لان الانسان لم يخلق ليعيش لنفسه فقط بل العيش الحقيقى من يعش لمجتمعه،هذا هو الفرق بين الانسان الذى اكرمه الله والحيوان الذى لايطلب من ان يكون اكثر من تراب.اما الانسان الحقيق الذى اكرمه الله وميزه عن الدواب بالمنطق والنطق من واجب الدين والتاريخ ان يهتم بمعناة شعبه ويعطى جزء من وقته للمساهمة فى تحسين اوضاع مجتمعه ليحقق بذلك صدقة جارية وليذكر فى تاريخ شعبه بعد حين من الزمن،ان لذة الحياة تكمن حقيقتا فيمن يعيش لنفسه ومجتمعه لا لنفسه فحسب _ …عاش الاحياء بين الناس امواتا… وعاش اموات بين الناس احياء .._ والحديث فى المقاهى،والبكاء فى البيوت،لن تحل به قضايا المجتمع،والحلول السياسية لا تتأتى الا بالوحدة والحوارات والمؤتمرات والعمل المشترك فى الاهداف المشتركة،والعمل السياسي اليوم ليس وقف على السياسين او على قادة سياسين فحسب بل فرض عين على كل مسلم قادر على الفهم والادراك والعمل،لان الفرص المتاحة اليوم قد لا تتكرر لان التحولات السياسية لا تتحقق الا بتوظيف الجيد لبعض لحظات التاريخ فى الوقت المناسب،والاحداث فى القرن الافريقي عامة وفى اريتريا على وجه الخصوص اخذت فى وتائر متسارعة فى معطياتها واحداثها.والعقل يشير الى إغتنام الفرصة فى وقتها : فإذا هبت الرياح فغتنمها**وعقبا كل هبة سكون .
بما أن أي نظام يحمل بداخله بذرة فنائه, أن التغير حتمي لا ريب فيه أن لم يكن بفعل فاعل وبفعل الذات والزمن.ولكن ماذا بعد زوال النظام؟ومن يخطف الثمرة هذه المرة؟الشعب أم فرعون جديد؟وما أكثر الفراعنة في هذا الزمان.معلوم أن سقوط النظام سيحدث هزات ارتدادية قوية، وهذه الهزات سوف تؤثر على الخارطة السياسية والتوازنات المختلفة وسوف تدخل في المسار السياسي الإرتري أشياء كثير لم تكن في البال محلية واقليمية ودولية.
ومسلمي أريتريا أن يتوقعوا كل هذه الأشياء ويستعدوا لها من الآن وان يفكروا فى الحلول المناسبة وكيفية رفع مظالمهم لان السياسة العملية لا تبنى على حسن النية والمواثيق والعهود فحسب بل تبنى على الوعي الكامل لكل المعطيات الوطنية ومكوناته التاريخية وخلفياته الثقافية، مما يعنى ذلك خلق توازن وقراءة المستقبل بشكل أكاديمي صحيح والابتعاد عن المثالية والمصالح الفردية الضيقة، وعلى الكل أن يفكر بعمق ويعمل بجهد اكبر لما سيكون عليه الوطن بعد زوال النظام أكثر من إزالته، حتى لا يكرر التاريخ نفسه من جديد وتموت الفرحة في مهدها مرة ثانية.
والتفكير فى رفع الظلم عن الذات يساهم بالضرورة فى رفع المظالم عن الوطن ككل لان العدل والمساواة الحقيقين هما الكفيلان لخلق السلام الوطنى والمحبة بين جميع افراد الوطن من المسلمين والمسيحين وغيرهم من المكونات الوطنية.
وجملة القول بما أن سقوط النظام لا يعنى زوال كل مؤسساته وخاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن لتلك مؤسسات خلفيات ثقافية وسياسية وأخرى مصلحية مرتبطة ببعض قوى المعارضة وهذا حتما سيجعل هذه المؤسسات تبحث عن حلفاء لها في إحدى قوى المعارضة أو تبحث عنهم بعض أطراف المعارضة، وأصحاب الفكر الاقصائي قد يتسللون إلى بعض قوى المعارض أو يسيطرون عليها، وهناك مظالم مكبوت سوف تظهر على السطح، كل هذه الأشياء سوف تحدث حراك سياسي واجتماعي شديد الحساسية, قد يصعب التحكم فيه أو إيجاد حل عاجل له، لذا مفترض من الآن ان يتحرك مسلمي اريتريةلعقد( مؤتمر حوار لمسلمي اريتريا) ليحددوا فيه مظالمهم المجتمعية لينتقلوا بأفكار مؤتمرهم وما اتفقوا عليه الى إخوانهم مسيحي اريترية من اجل الجلوس فى المائدة المستديرة لتعاهد على الثوابت الوطنية يتفق فيه الجميع على قاعدة نظرية تقر المبدأ الديمقراطي التعدد، وتداول السلمي لسلطة، وفصل السلطات الثلاثة، واستقلال القضاء، وإبعاد الجيش والشرطة ومؤسسات الأمن المختلفة عن السياسة، وإقامة دولة المؤسسات.
ومثل هذه الخطوات العملية من المجتمع المسلم فى اريتريا قد تساعد اكثر العقلاء والوطنيون من ابناء المسيحين فى البلاد لوضع حد للمتعصبين القومين من ابناء جلدتهم.والكل عليه المساهمة فى بناء وطن معاف من كل تعصب وتشدد من المسيحين والمسلمين على حد سواء، والحكمة السياسية تتطلب ان نبحث عن كل مظلمة فى زاوية من زواي الوطن حتى لا يكون هنا مغبونا ولا مظلوم والسياسة الوطنية ان تكون قادرة على احتواء الكل وان يكون شعارها _ الوحدة فى التنوع وليس فى الاقصاء او اختزال.”ومن أياته خلق السماوات والارض وإختلاف ألسنتكم وألوانكم” سورة الروم 22
Nagash06@maktoob.com
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=41055
أحدث النعليقات