قــطوف أرتــريـة
بقلم : أحمد نقاش
تحليل نص تاريخي – الحلقة (1)
مدخل:
أريد ان اتناول تحت هذا العنوان (قطوف ارترية) كل ما اتسع المجال لذلك فقرات مختصرة،لكى يتناولها القارء الكريم،على عجلة من امره،وهذه الفقرات قد تكون فى مجال التاريخ،والثقافة،والسياسة،وكذلك فى الاجتماعيات وفى فقرة التاريخ قد نأخذ محطة من محطات التاريخ الوطني (نص من نصوص التاريخ) للتحليل والتعليق وفى مجال الثقافة والسياسة سوف أركز فيما اعتقد انه يساهم فى توسيع ثقافتنا السياسية والقانونية،وكذلك مفاهيم إصطلاحية،وفى الاجتماعيات سوف تكون فقراتنا فى المفاهيم الاجتماعية المختلفة،مثل الظواهر الاجتماعية او التركيب السكانى للوطن.
فى كل حلقة سوف نأخذ فقرة بشكل موجز الذى لا يخيل بالمعنى،دون ان نأخذ وقت القارء اكثر مما ينبغى،بل نريد للقارء الكريم ان يخطف المعلومة المفيدة فى وقت وجيز.
الدعوة مفتوح لكل القراء المساهمة بمالديهم من المعلومات التاريخية والروايات وكذلك الاشعار الشعبية، على العنوان الاكترونى أعلاه،والتى يمكن ان نضعها فى سياق الحلقات القادمة،واهمية هذه المساهمة تتضح أكثر اذا وضعنا فى الاعتبار ان الرويات الشعبية فى بلادنا تحتوى على مخزون كبير من التاريخ الوطنى والمواقع الحربية والبطولية للشعب الارترى اكثر بكثير مما هي بين صفحات الكتب،فقط تحتاج الى الترتيب والتحليل والتوثيق،وهذا ما نطمح اليه.
ومحطتنا لهذااليوم تحليل نص تاريخى للمؤلف البريطانى (السيد س.ك.تريفاسكيس) السكرتير السياسي للادارة البريطانية فى ارتريا فى كتابه المسمى(ارتريامستعمرة فى مرحلة الانتقال 1941 الى1951م) وهو يتحدث فى معرض تحليله لمستقبل الاتحاد الفدرالى الذى اقرته هيئة الامم المتحدة،بين ارتريا وأثيوبيا. ويقول ((… إن الميل لاخضاع ارتريا لرقابة شديدة،سيبقى بصورة دائمة مصدر إغراءات كبيرة بالنسبة لاثيوبيا.لكنها لو حاولت لتعرضت لاثارة اشمئزاز الارتريين،وربما لثورة من شأنها_بمساعدة وعطف خارجين_ان تقوض دعائم اثيوبيا وأرتريا معا…))إنته النص ص228ط1984 بيروت/لبنان
التحليل:
وبالفعل لقد صدق الرجل فيما ذهب اليه من التحليل لمستقبل الاتحاد الفدرالى بين اثيوبيا وارتريا وما سيتعرض له من الصعوبات على ارض الواقع،منطلقا من النواية السيئة التى كانت واضحة لدى امبراطور اثيوبيا،وكما صدق فيما توقعه من رد فعل سريع من الشعب الارترى،والذى تمثل فى انفاجر الكفاح المسلحة فى بضع سنين،ويوم إذن عبر الشعب عن ارادته الحرة فى المقاومة والتصدى بالاسلوب التى يفهمها المستعمر فى فجر الفاتح من سبتمبرمن1961م.
من المعلوم إن المرء لا يعلم الغيب،ولكنه انطلق فيما ذهب اليه من عدة معطيات بإعتباره شاهد عيان للحراك السياسي والتى كانت تعج به المنطقة بصفة عامة وأرتريا بشكل خاص،فضلا عن ان الرجل يعتبر من احد اركان صناع قرارالسياسة البريطانية فى المنطقة،يعلم جيدا ما يدور فى كواليس السياسة والغرف المغلقة والتى يتم حجبها عن انظار الجمهور .
وكما كان يعلم جيدا بأن غالبية سكان البلاد،قاوموا الاتحاد مع اثيوبيا بكل قوة وشراسة،بل قدموا فى سبيل ذلك عدد من الشهداء على رأسهم (الشهيد عبد القادر كبيرى)رئيس حزب الرابطة الاسلامية فى العاصمة اسمرا،حتى الذين طالبوا الاتحاد مع اثيوبيا لم يفعلوا ذلك حبافى أثيوبيا او من أجل سواد عيون امبراطور اثيوبيا،انما فعلوا ذلك لحسبات داخلية ضيقة الافق،وأنانية المسلك وهو القائل فى نص اخر(( … كما ان من شأن اى تدخل أثيوبى غير ضرورى،فى شؤون أرتريا ان يثير ردة فعل خطرة_ان لم تكن مباشرة_فى صفوف الارترين المسيحين أنفسهم،فبالامس أخذت جماعة الحزب الوحدوى الارترى بإرشادات الاثيوبين عندما كانوا بحاجة الى مساعدتهم.لكن ذلك لا يعنى أنهم سيرقصون غدا على الايقاعات الاثيوبية،إن معنى إزدياد الوعى السياسي بين الارتريين المسيحين لايتجسد فى كونهم طلبوا الوحدة مع أثيوبيا وإنما فى كون الكثيرين منهم تعلموا كيف يفكرون لأنفسهم وكيف يعبرون عما يفكرون به …))ص227ط1984 بيروت.
هكذا كان الرجل يعلم الجو الوطنى العام فى مسألة الاتحاد مع اثيوبيا،وإن اصبح واقع ملموس بسبب الخلاف الداخلى،وإلتقاء مصالح دول الكبرى مثل امريكا مع الرغبات الاثيوبية فى تلك المرحلة .
فى الجانب الاثيوبى كان يدرك المؤلف بالنواية الحقيقية لاثيوبيا والنية المبيته التى تضمرها اثيوبيا فى المسألة الارترية،وهذا ما نتلمسه فى النصائح التى قدمها المؤلف للحكومة الاثيوبية بعدم التمادى بتدخلات غير ضرورية فى الشؤون الارترية،لكن على ما يبدو ان العقل السياسي المتحجرللنظام الكهنوتى الاثيوبى،لم يدرك جيد تلك الابعاد والرؤية الثاقبة فى قضايا الشعوب فقط كان يدرك ما يريد،وأثيوبيا لم تأتى الى ارتريا من اجل الفدرالية لان فاقد شيء لا يعطيه،إنما جاءت لاحتلال الارض وإحتواء الشعب وطمس ثقافته العربية والتجرينية معا،والكل كان يعلم وفى مقدمتهم الامم المتحدة صاحبت قرار الاتحاد،لم يكن هذا الاتحاد الا مدخل ومقدمة لاحتلال ارض ارتريا وشعبها، وعندها ادرك الشعب الارترى ما يجب ان يفعله من اجل استرداد حقوقه وكانت الثورة وكان الكفاح وتحقق الانتصار .
وكل هذه المعطيات هى التى اشارت الى السيد تريفاسكيس السكرتير العام للادارة البريطانية لارتريا فى تلك المرحلة بما ستؤول عليه اوضاع منطقة القرن الافريقى،وبالفعل حدث حرفيا ما سطره المؤلف فى نصوصه التاريخية بشأن الاتحاد الفدرالى بين ارتريا و اثيوبيا.
====================================
قــطوف أرتــريـة
بقلم : أحمد نقاش
الحلقة (2)
مفهــــوم الدولـــة
تحدثت فى الحلقة الاولى من قطوف عن التاريخ، واليوم سوف أتحدث عن السياسة (مفهوم الدولة ونشأتها،وتعريفها، وعناصرها) :
أصل الدولة ونشأتها:
عند ما تذكر كلمة الدولة، فى القديم كانت تعنى او تشير على وجود مجتمع فيه طائفة تحكم، وأخرى تطيع، والدولة تقوم على مساحة من الارض يتوفر فيها أسباب العيش،من ماء وغذاء ومرعى،يجتمع حولها الناس من اسرة الى عشيرة وقبيلة،وتتطور الى قرية والى مجموع قرى،ومنها الى مدينة ثم الى مدن ومع زيادة عدد المدن تتشكل دولة تحكمها سلطة معينة لمجموعة لا بأس بها من الناس،ويطلق عليهم الشعب.
هكذا ظهرت الدولة الى الوجود مع تطور الزمن،والدولة مفهوم نظرى،لا يمكن قيامها على الواقع بأى صفة ملموسة اومادية الا حين تعبرعن نفسها من خلال الحكومة، والشعب الذى يؤمن بأنها موجودة،والدولة كيان قانونى تطور مع الزمن عبر النظريات والفلسفات والتى انطلقت من اجل معالجة اسلوب الحكم الى ما هو افضل، والدولة اذن هى الظاهرة الحقوقية التى تطورت مع الفهم البشرى،وباتت تعبر عن شخصيته.
فالدولة تضم المجتمع كوحدة منظمة تقوم على الوجبات والحقوق.ومن جهة اخرى تمثل المجتمع ونظرته للحياة،والكون،والفن.وتشكل الدولة حاضنة للوحدة الاجتماعية على المستوى الداخلى،ومعبرة عن إرادته العامة على المستوى الخارجى.
تعريف الدولة:
قام كثير من الفلاسفة وعلماء السياسة بتعريف الدولة،والحديث عنه قد يطول،لكن يمكن ان نذكر فى هذه العجالة ما اجمع عليه معظم فقهاء القانون والمفكرون والفلاسفة،وخلاصة القول عندهم:
الدولة هى جماعة من الافراد يقطن على الدوام والاستقرار،إقليم جغرافى محدد،يخضع فى تنظيم شؤونه لسلطة سياسية،تستقل فى اساسها عن اشخاص من يمارسها،وهى إذن مؤسسة سياسية يرتبط بها الافراد من خلال تنظيمات متطورة.
عناصر الدولة:
لقد ذكر علماء السياسة عدد من عناصر الدولة اهمها اربعة عناصر ,هى:
1- السكان اى الشعب،وإذ لا يمكن تصور الدولة بدون شعب،بصرف النظر عن تعداد هذا الشعب،فقط يشترط ان يكون عدد كافى من الافراد من اجل تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
2- الاقليم اى المساحة الجغرافية :
إن وجود مساحة من الارض لها حدود معينة تفصلها عن غيرها من الدول شرط اساسي لقيام الدولة،وهذه المساحة تشمل كل أقاليم الدولة (الاقليم الارضى اى اليابسة-الاقليم المائ البحار والانهر والبحيرات-الاقليم الجوى) وكل هذه الاقاليم محدودة الامتداد وفق الاتفاقيات والقوانين الدولية.
3- الحكومة اى السلطة السياسية :
الدولة من الصعب ان يكون لها واقع،دون وجود سلطة سياسية وإدارية يخضع لها أفراد الشعب لقراراتها ومن افضل السلطات التى عرفها التاريخ الى يومنا هذا،هى الحكومة التى تنشأ على أساس العقد الاجتماعى بين الحكومة والشعب.والاكثر الحكومات التى حققت للشعوبها التقدم والازدهار والاستقرار والسلام هى تلك الحكومات التى تقوم على أساس الدستورالذى جوهره الممارسة الديمقراطية فى ظل دولة القانون والمساواة والعدل.
4- الاستقلال والسيادة:
من العناصر الاساسية والمهمة للدولة،ان تكون مستقلة وذات سيادة كاملة على اقاليم الدولة بكل عناصرها المختلفة،والسيادة لصقة بالدولة وبها تتميز عن غيرها من الجماعات السياسية الاخرى.
إذا كانت هذه هى الدولة بمعناها القانونى ومفهومها الفلسفى،ما هو واقع الدولة فى بلادنا مقاربتا الى هذا المعنى …؟؟وللاجابة نقول إن كل اشكال الحكم يناقض إرادت الشعب،يعتبر مجرد اداة قهر وتسلط،وعندما تصبح الدولة بلا قانون وأشخاصها فوق القانون،تكف الدولة عن كونها دولة الشعب،وتصبح سلطة غاشمة فحسب،ولا معنى لكل ما تصف به نفسها من صفات جميلة وإنجازات عظيمة. باعتبار قوة الدولة تقاس بمدى إلتزامها بالدستور والقانون والعدل والمساواة لان هذه الاشياء مجتمعة هى معنى الدولة وماهيتها،وإذا فقدته فقدت ذاتها،والشعب الذى يدافع عن الدستور والقانون والعدل هو الشعب الذى يدافع عن سيادته ووطنه ومستقبل اجياله.
على الكل ان يسعى من اجل إيجاد دولة القانون، بدلا من قانون الدولة او قانون الزعيم . ومن ابرز إشكالية الفكر السياسي الارترى،فى الحكومة والمعارضة،هو غياب الفعل القانونى والممارسة الديمقراطية وثقافتها،بل الفوضى والعشوائية والارتجال هى السائدة فى الفعل التطبيقى.وذكر المعارضة هنا ليس من باب مقارنتها مع النظام الحاكم،ولكن لما يعتريها من فجوات كبيرة يجب التخلص منها فى مرحلة النضال الديمقراطى،حتى ننتقل بنصوص الدستور والقانون الى التطبيق العملى،بأسلوب إدارى علمي،بعيدة عن مزاج فردي،مهما كان موقعه السياسي، لكى لا نكررمأساة الشعب من جديد، إن شيطان السلطة لا يولد رجلا ولكنه ينمو ويكبر فى ظل غياب القانون وتغيب الدستور والمحاسبة،والقانون اذن يجب ان يكون فوق الجميع،مهما كان شأنه،عليه ان يكون شعارناالسياسي(الحاكم والمحكوم، الشريف والضعيف،سواسية أمام القانون) حتى لا نكون كمن قيلا فى شأنهم (( أتأمرون الناس بالبر وتـنسون انفسكم…)).
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7489
أحدث النعليقات