قــطوف أرتــريـة (3)
الحلقة (3)
بقلم : أحمد نقاش
مسيرة جبهة الانقاذ الارترية
من إعلان كاسل إلى مؤتمر أديس
إن العمل السياسي لا يتقدم الا بالملاحظة والتقويم من فترة الى اخرى، تحدد فيه الايجابيات والسلبيات،بإعتبار المعرفة السياسية لا تتأتا الا بتراكم الايجابى منها وتحسس النواقص لاكمالها.والنقد عندما يكون من البيت يكون أقرب الى الواقع،وابعد من الشبهات،وتأكيدا للنقد الذاتى،وممارسة الديمقراطية ولكن يجب ان يكون النقد دائما بناء وليس هدام،ولا يجوز الخلط بينهما،لان الخلط بين النقد البناء وأخر هدام، هى التى احدثت إختلال فى حياتنا السياسية ،وبتالى هى المسؤلة عن معاناتنا اليوم والازمات المختلفة بل هى التى اوصلت الوطن الى ماهو عيله اليوم من تسلط فريد لم يشهد له التاريخ مثيل فى العصر الحديث.
والنقد عند الانسان عموما يأتى بإعتبار ان حياة الانسان فيها إجبيات جيدة يفضل ذكرها،لكى يستمد منها القوة والعزيمة والامل.ولكن علينا ان نحذر ان ينتهى بنا الصمت الى تجاهل السلبيات فنرجع بذلك الى نقطة الصفر ونحن نتوهم أننا نصعد الى السماء.ما ايسر ان ننتمى الى تنظيمات سياسية ونسجل اسمائنا فى سجلاتها،وما اصعب ان نكون عضوية ناقدة وحرصين على المبادئ،وإصلاح ما إعوج فى مسيرة العمل. ورحم الله الخليفة الثانى عمر الفاروق(رض)،الذى قال لإمرأة وجهة اليه النقد: ( بارك الله فيك، ثم اتبع قائلا: لا خير فيكم إن لم تقولها،ولا خير فينا إن لم نقبلها…).
إن ثقافتنا السياسية نحن الارترين مليئة بالمجاملة،ومراعاة الاواصر والانتماء التنظيمى، والثقافى،وكذلك الاجتماعى،فكيف يتسنى لنا أن ننزلها منزلة النقد البناء الذى به وحده يتقدم العمل وتبنى الثقة.
وفى هذا السياق اريد ان اتناول مسيرة جبهة الانقاذ الارترية، من إعلان كاسل عام 2004 الى انعقاد مؤتمرها الاخير 20/08/2006م وما صحاب هذه المسيرة من الايجابيات والسلبيات.
فى نهاية يوليو من عام 2004م وقعت خمسة تنظيمات من قوى المعارضة الارترية على هامش مهرجان كاسل بألمانيا،إعلان وحدوى،وكانت الفصائل هى : جبهة التحرير الارترية(المؤتمر الوطنى)، الجبهة الثورية الديمقراطية (سدقى)،الحركة الشعبية الارترية،المنظمة الديمقراطية لعفر البحر الاحمر، الحركة الديمقراطية لتحرير كوناما أرتريا.
من اهم الايجابيات الذى تمخض عن هذا الاعلان،هو التأكيد على إستراتيجية وحدة العمل المعارض،لتحقيق الانتصار للشعب الارترى، فضلا عن انها احيت روح الوحدة والتفاعل الجماهيرى وسط الجالية الارترية فى المهجر والذى انعكس بدوره الى الداخل.
فى يونيو من عام 2005م عقدت هيئة القيادة للتنظيمات الثلاث وهى: جبهة التحرير الارترية(المؤتمر الوطنى)، الحركة الشعبية الارترية، الجبهة الثورية الديمقراطية(سدقى)اعلنت فيه عن وحدة إندماجية بين تنظيماتها الثلاث،مواصلتا لما اعلنته فى مهرجان كاسل،بينما انسحبا التنظيمين الاخرين من عملية الدمج،نتيجة لتباين برامجيهماوإختلاف المطالب والاهتمامات فى اولويات كل من الطرفين.
من اهم القرارات التى خرج بها إجتماع القيادة هى:
*عقد المؤتمر التوحيد فى اقرب وقت ممكن.
*تشكل لجان وآليات الدخول الى المؤتمر.
كان لهذه القرارات صدى طيب فى قواعد التنظيمات الثلاث التى اكدت تمسكها بكل خطوة فى إتجاه الوحدة،ومن ابرز ايجابيات تلك الخطوة،خلقت روح الالفة والتعارف بين كوادر وقواعد التنظيمات، والذى ادى بدوره إلى إكتشاف ان العوامل المشتركة اكثر بكثير من غيرها.
فى شهر ديسمبر عام 2005م عقدت التنظيمات الثلاث فى الخرطوم مؤتمر تداولى بحضور جميع مجالسها التشريعية،وخرج المؤتمر التداولى بعدد من القرارات التى جعلت الوحدة الاندماجية واقعا شرعيا لا رجعت فيه، ومن ابرز تلك القرارات هى :
*دمج المجالس الثلاث فى مجلس واحد.
*دمج القيادات التنفيذية.
*البدء فى عملية خلط القواعد.
*تشكيل لجنة تحضيرية للمؤتمر.
*تحديد المكان والزمان لعقد المؤتمر.
وضعت هذه القرارات النقاط فوق الحروف،وكلفت اللجنة التنفيذية لتطبيق القرارات فى ارض الواقع.وإن أعتبرت كل هذه القرارات إيجابية فى مسيرة الوحدة،إلا ان تشكيل اللجنة التحضيرية لم يكون على المستوى المطلوب،إذ لم تراع فيها الاستقلالية عن التنفيذية فى شخوصها وصلاحيتها،ولعل هذا ما جعلها فيما بعد جسد بلا روح،وكانت الرؤية ضبابية فى الفصل بين صلاحيات اللجنة التحضيرية،واللجنة التنفيذية فيما يخص التحضير للمؤتمر من اعداد البرنامج السياسي والقانونى،وكذلك فى مسألة تحديد نسب الفروع والاشراف على الاختيار.ورغم ان مهمة اللجنة التحضيرية إدارية صرفة، وحيادية فى نفس الوقت،لكن فى عرف الثورة الارترية بمختلف فصائلها لم تكن كذلك،بل يتم إختيارها من شخوص القيادة السياسية نفسها،مما كان يجعل تكوينها ووجودها فى كثير من الاحيان تحصيل حاصل، ولعل حظ مؤتمر الانقاذا فى هذه المسألة لم يكن اكثرحظا من المؤتمرات الارترية السابقة.
فى فترة ما بين 19-22إبريل2006م عقدت الهيئة التنفيذية للانقاذ إجتماعها الدورى الثانى فى الخرطوم لتعبيد الطريق للوصول الى المؤتمر وخرجت بقرارين مهمين وهما :
*عقد المؤتمر فى المكان والزمان المحددين.
*تحديد أسلوب التمثيل النسبي للتنظيمات الثلاث،وتم تحديد نصيب كل منهما.
مسألة التمثيل النسبي فاجئ الجميع بما فيهم قواعد وكوادر جبهة الانقاذ ذلك لعدد من الاسباب :
* بإعتبار ان مثل هذا القرار الذى يحدد كيفيت مشاركة قواعد الانقاذ من المفترض ان يكون من صميم قرارات تشريعية وليس تنفيذى،وإن تم تبرير مثل هذا لقرار بتفويض الذى تحصلت عليه اللجنة التنفيذية من المجلس التشريعي الموحد،ولعل هذا المبرر هو الذى،جعل قواعد الانقاذ لقبول القرار رغم الملاحظات والتحفظات التى سجلت هنا وهناك.وما زاد الطينة بله ان قرار اللجنة التنفيذية فى مسألة التمثيل النسبي،لم يحدد كيفيت تطبيق هذه النسبة وكيفية توزيعها داخل كل تنظيم بل ترك الحبل على القارب،لكل تنظيم ليحدد الكيفية وفق ما تراه القيادات التنفيذية لكل تنظيم على حد،وبتالى تصرف كل تنظيم فى هذا الشأن حسب رصيده الديمقراطي وخلفيته العملية،مما جعل مشاركة القواعد يترنح بين الانتخاب والتعين،وكانت الكعكة خليطة بين السكر والحنضل.
ولكن الجميع كان حريص على الدخول الى المؤتمر وإنجاحه تحت اى ظرف بإعتبار المؤتمر هو الذى سينقل الوحدة الى افاق ارحب رغم العثرات التى قد تصاحبه، وتحت هذا الهدف الكل كان يتنازل ويتجاوز عن الاخطاء سواء كانت مقصودة او غير ذلك، حتى اصبح المؤتمر قاب قوسين او ادنى وفى لحظة الصفر، هبة رياح أسمرا الباردة بقوة لتختلط برياح الخرطوم الساخينة،محدثتا مناخ غير طبيعى وغير متوقع فى سماء عاصمة الامام المهدى وارض المهيرة،ورغم محاولة امواج الامير عثمان دقنة لتلطيف الاجواء، ولكن دون جدوى.وهنا حدث إرتباك شديد فى الفكر السياسي الارترى الذى لم يعمل يوما بنظرية توقعات التغير وتجهيز البدائل فى المناخ الافريقى المتقلب.
مما جعل طائرة الانقاذ وفى اللحظات الاخيرة أن تقلعت إضطرارا من الخرطوم، لتهبط بسلام فى أديس أبابا بلاد الملك النجاشى والامام أحمد قران. إلا ان بعض وفود الانقاذ لم يتمكنوا من المشاركة نتيجة هذا التغير والارتباك الذى حدث، وإنعقاد المؤتمر رغم هذه الظروف,كان إيجابية كبرى تحقق بفضل المجهود الجبار الذى بذلته قيادة الانقاذ وكذلك تمسك كوادر وقواعد جبهة الانقاذ الارترية فى كل مكان بضرورة انعقاد هذا المؤتمر.
هكذا بدأ المؤتمر أعماله فى 18/08/2006م فى جوى من التفاؤل والترقب وبالفعل تقدم المؤتمر فى اعماله بشكل سريع واقرا برامجه السياسية والقانونية، وإن تعثر قليلا كعادة المؤتمرات الارترية فى إنتخاب مجلسه التشريعى،ليتريث اكثر فى إنتخاب اللجنة التنفيذية،على ما يبدو ان ديمقراطية حرق المراحل هى التى سادت اجواء إختيار القيادة تحت شعار( الضرورات تبيح المحظورات). إذا اردن الحديث عن إيجابيات هذا المؤتمر يمكن ذكر النقاط التالية :
*إنعقاد المؤتمربمشاركة اكثرمن(200) شخص من العضوية العاملة، وميلاد جبهة الانقاذ فى ثوبها الجديد كانت محمدة كبرى فى ظل مناخ سياسي متقلب فى القرن الافريقي.
*اقرار برنامج سياسي واحد وكذلك النظام الاساسي .
*تقليص عدد القيادة من الكم الهائل الى (37)عضوا فقط .
أما النواقص تتمثل فى الاتى:
*غياب الديمقراطية المباشرة .
*قلة العناصرالاكاديمية والشابة فى القيادة الجديدة .
ما هو المستقبل ؟؟
مستقبل الانقاذ يتوقف بدرجة الاولى الى حكمة القيادة الجديدة ومدى تحررها من الارث التنظيمى السابق وان تنظر الى الامام،وان تدرك جيدا إن الظروف التى جاءت بهم ليست مرضية للجميع،وإن فرضتهاالضرورة المرحلية، وكما ان جماهير جبهة الانقاذ فى درجة عالية من الوعى والطموح،مما يساهم ذلك مراقبتها لاداء القيادة الجديدة فى كل الخطوات والمستجدات، وكما يجب على هذه القيادة ان تخلق ثقافة إحترام الدستور والقانون،بدءا بنفسها وان تسعى لعقد المؤتمر القادم فى موعده او قبله، وان تشرع من الان فى السير الى مؤتمر يتمتع بشفافية واضحه وديمقراطية أكثر. وكما يجب عليها ان تسرع فى إكمال ما لم يكتمل من عناصر الوحدة وان تتحرر من اسلوب إتخاذ قرارات مهمة فى ظل غياب إستشارت القواعد والرجوع إليها لان المرحلة القادمة لن تكن مثل السابقة.
اما جماهير جبهة الانقاذ وكوادرها عليهم مسؤليات كبيرة فى الحفاظ على ما تحقق من الانجازات وعليهم التركيز على الايجبيات اكثر من السلبيات وان تكون هذه القواعد حريصة على هذا المولود الجديد،وأن تركز من الان من اجل عقد المؤتمر القادم فى موعده، ان تركز على قانونية الاعداد،وأن تساهم القواعد فى تكوين اللجنة التحضيرية القادمة، من ذوى العدل والقدرة والامانة(إن خير من إسأجرت القوى الامين) اكثر من عقد المؤتمر فى حد ذاته.
وكما يجب على هذه القواعد ان تتمسك الان بكل ما خرج به المؤتمر سواء من حيث القرارات او القيادة،من أجل الحفاظ على الوحدة وعلى ما تحقق من الاجبيات، بصرف النظر عن السلبيات التى صاحبة المؤتمر، بإعتبار ما تراكم عبر الزمن يحتاج لمعالجته الى شئ من الوقت والصبر والنظرة البعيدة الى الامور،والتحرر من الاطر السابقة وخاصة إذا وضعنا فى الاعتبار الظرف السياسي السيئ الذى يمر به الشعب الارترى اليوم.
فى الختام اتمنى لهذا الميلاد وقيادته وقواعده فى كل مكان كل التوفيق والسداد… إنه نعم المولى ونعم المجيب.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7493
أحدث النعليقات