قمة تعاون صنعاء بين “الآمال والتحديات” ملف معارضة القرن يتصدر جدول محادثات القمة
ديس أبابا – مركز الخليج للدراسات والإعلام –
محمد طه توكل23/12/2004
تبدأ في العاصمة السودانية قمة تحالف صنعاء في الخرطوم في الربع الاخير من الشهر الجاري بحضور زعماء السودان واثيوبيا واليمن، الى جانب وفود كبيرة من البلدين ستبحث كل مجالات التعاون بين بلدان هذا التجمع. وكان وعلى مدى العامين الماضيين التعاون بين البلدان الثلاث وهي (السودان، إثيوبيا، اليمن) تجاوز المستويات الدبلوماسية والسياسية وانتقل الى تنفيذ الاتفاقيات في المجالات الأمنية والاقتصادية والسياسية وغيرها من مجالات التنسيق بين دوله التي وصلت علاقاتها إلى مرحلة التكامل بعد ان تجاوزت التطبيع. وقد طورت دول المحور التنسيق المتعدد في الجوانب المختلفة على المستوى الدولي والإقليمي واتفقت على صيغة محددة في خطابها الإعلامي على المستوى الإقليمي بما يخدم أهدافها المشتركة.
وتبدو دول المحور أكثر تماسكا الان من أي وقت مضى رغم ما يقال عن احداث ارتريا بلبلة حقيقية في دول المحور بعد زيارة الرئيس الارتري اسياس افورقي المفاجئة الى صنعاء الشهر الجاري والتي فسرت على انها اختراق لجدار محور صنعاء، وأكثر ما فاجأ دول التحالف هي تعلقيات افورقي الذي قال ان تجمع صنعاء ليس عدوا لارتريا ولا يستهدفها وهو مهم وحيوي من اجل السلام والتنمية وتعزيز الامن بين دول المنطقة، مما جعل الدول الاعضاء في التحالف خاصة (اثيوبيا والسودان) ترفعان حاجب الدهشة وكأنهما لا يصدقان ما يقوله افورقي الذي كان يردد بالامس القريب ان تحالف صنعاء هو العدو الاول لبلاده. لكن المراقبين لا يرون غريبا في تصريحات افورقي الذي قد ينضم هو الاخر الى التحالف بمجرد ان يأخذ النزاع الارتري- الإثيوبي طريقه الى الحل.
* وتنتظر هذه القمة العديد من الملفات الشائكة تتعلق بالظروف التي تمر بها دول الحلف ومناقشة توسيع التحالف وضم دول جديدة إليه، بالإضافة إلى إجازة ميثاق جديد للتحالف يتضمن عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى، ويفسح المجال في ذات الوقت أمام تعاون أمني استراتيجي شامل في إطار جهود دول المحور لحماية أمنها القومي من التهديدات الأمنية والأخطار ومحاربة الإرهاب، وترقية أدائها التجاري المشترك ورفع وتيرة تعاون دول الحلف في مجال الاستثمار.
* من جهة أخرى تقول مصادرنا بأن كلا من جيبوتي والصومال ربما انضمتا إلى التحالف في المستقبل المنظور، كما أن كينيا بدورها قد طلبت حصولها على عضو مراقب في هذا الحلف الإقليمي المتنامي الذي يرنو إلى أن يكون نواة لإنشاء تكتل اقتصادي تنموي يهدف إلى السلام والتنمية وتعزيز الأمن بين دول المنطقة.
* في غضون ذلك تحدثت عدة مصادر عن اختراقات إرترية لحلف صنعاء مثلتها زيارة الرئيس الإرتري إلى صنعاء، وإعلان صنعاء على لسان رئيسها تبني مبادرة لإصلاح ذات البين بين إرتريا من جهة وكلا من السودان وإثيوبيا من جهة ثانية، إلا أن المصادر مطلعة أفادت بأن حظ مثل هذه المبادرات من النجاح ليس كبيراً إن لم يكن معدوماً!!، وانها أي المبادرة اليمنية تأتي نتيجة لرغبة اليمن في لعب دور محوري مؤثر في منطقة القرن الأفريقي من خلال محور صنعاء بعد أن تعثرت محاولاتها العديدة في الدخول لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، كما أن المبادرة اليمنية لا تشتمل على أجندة سرية أول حلول سحرية، ولا تتعدى مجرد مبدأ عدم التدخل في شئون الغير، وأن ترفع إرتريا يدها عن المعارضة السودانية مقابل أن يرفع السودان يده عن المعارضة الإرترية على حد الطرح الحرفي للمبادرة اليمنية.
* هذا التصور اليمني يواجه عدة عقبات كأداء وحقيقية محلية تتعلق بعلاقات الحكومتين في كل من أسمرا والخرطوم، وذات ارتباطات دولية بنسق النظام العالمي الجديد، خاصة وأن النظام في إرتريا ظل وعلى مدى أكثر من عشرة أعوام يمثل قاسماً عدائياً مشتركاً لدول منطقة القرن الأفريقي، كما أن طبيعة الدور المرسوم للحكومة الإريترية من قبل بعض الدوائر العالمية لا تزال ترى فيه خشبة قفز حقيقية عسكرية وسياسية تجاه بعض بؤر التوتر التي عملت على تزكيتها وأخرها مشكلة دارفور في السودان.
* من جهة أخرى فإن إثيوبيا الدولة الكبرى في المنطقة والأكثر شراكة مع دول العالم الكبرى وبخاصة الاتحاد الأوربي، وبما تملك من قراءات سياسية واقتصادية استراتيجية لا تعلق آمالاً على زيارة الرئيس الإرتري إلى صنعاء، وبالتالي ليست فلقة من المبادرة التي سيحملها الرئيس اليمني إلى قمة الخرطوم، خاصة وأن أديس أبابا قد تمكنت خلال السنوات الطويلة نسبياً من عمر أزمتها مع الحكومة الإرترية من قراءتها بصورة عقلانية حتى وصلت إلى رؤية عميقة لا تؤثر فيها أحاديث المجاملات الدبلوماسية التي تتخلل لقاءات رؤساء الدول وهي – أي إثيوبيا – مهيأة أكثر من أي وقت مضى لكافة الاحتمالات ما فيها خيار الحرب، وإن كانت تؤمن بالسلام مع الجيران، ومشغولة بإنجاز مستلزمات البناء والأعمار والنهوض ببنى الدولة واستحقاقات الانتخاب القادمة.
* بقى أن نشير إلى أن ميلاد تحالف صنعاء الذي تزامن مع ميلاد التحالف الوطني الإرتري في عام 2002، ألقى بظلال من الشك والريبة على التحالف الوطني الإرتري واعتباره مجرد صنيعة لحلف صنعاء، وبالمقابل فإن حلف صنعاء حاولت الحكومة الإرترية تشويه دوره واختزاله في فرضية تبني خيار إسقاطها والتدخل في شئونها وخياراتها الداخلية.
* والتحدي الحقيقي الذي يواجه تحالف صنعاء في قمته الثالثة هو ملف المعارضات في دول المنطقة وبخاصة المعارضة الإرترية، ففي القوت الذي تخوض فيه الحكومة السودانية ومعارضاتها حوارات جادة ومسئولة ستفضي كما تشير الدلائل إلى اتفاقات نهائية بعد أن تم بحث وتجاوز كافة الملفات الخلافية، تجد المعارضة الإرترية نفسها في وضع لا تحسد عليه، فالحكومة الإريترية لا تعترف بوجودها ناهيك عن محاورتها أو الاعتراف بها وبوطنيتها، ونتيجة للخلافات الإرترية التاريخية والطويلة لم تستفد المعارضة الإرترية من المناخ الإيجابي الذي توفر لها خلال السنوات الماضية، وذلك لانشغالها – المعارضة – في صراعاتها الآنية الضيقة وكان ذلك خصماً من صراعها الاستراتيجي مع الحكومة الإرترية وما تمثله من تجاوزات طالت دين الشعب وثقافاته وحقوقه المستحقة.
* كما أن المعارضة الإرترية استجلبت خلافاتها التاريخية التي أسهمت في تقوية الحكومة الإريترية وتمديد معاناة الشعب الإرتري في الداخل والخارج، ولم تتمكن – على الأقل حتى الآن – من قراءة تجربتها بصورة نقدية بل تجاذبتها وبقوة رياح دول المنطقة المتغيرة الهبوب، في حين كان من المفترض أن تصوغ المعارضة الإرترية خطاباً استراتيجياً يشخص الأزمة في إرتريا بكل تداعياتها وتفصيلاتها ويضع تصوراً عميقاً للحلول الآنية والمستدامة لإشكاليات المجتمع الإرتري واستصحاب كافة التحديات الحقيقية الثقافية والاجتماعية والدينية ومرارات التجارب، * ولا بد من توقف المعارضة الإرترية وبشدة إزاء العديد من المحطات وعلى رأسها مسألة التعايش في إرتريا وحقوق طرفا المعادلة الإرترية، فضلاً عن استصحاب رياح التغيير والديمقراطية والتجديد التي تهب على العالم، وأن لا تعتبر المعارضة الإرترية نفسها بمعزل عن رياح الديمقراطية والتجديد وتصعيد الدماء الجديدة لوجوه أكثر قدرة ويمكنها خلق واقع أكثر إيجابية، خاصة وأن معظم الخلافات الإرترية ترتبط بالأشخاص أكثر من ارتباطها بالبرنامج السياسي أو الفكري لمكونات العمل الإرتري المعارض.
* كل هذه الملفات الشائكة وغيرها من التحديات التي تواجه دول المنطقة وانعكاسات الأوضاع في العالم وفي المناطق المجاورة لدول حلف صنعاء، ستحاول القمة التوقف أزاءها ومحاولة شق أفق حقيقي واقعي لتجاوز كافة المثالب التي تواجه دول الحلف، والخروج بخطاب يضمن وحدتها ويكون جاذباً لدول المنطقة الأخرى للالتحاق بما يضمن مصالح شعوب المنطقة الاقتصادية والسياسية والأمنية.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=40732
أحدث النعليقات