كانت آدال ورشة تجميع المواد الأولية للإنتصار
مدفع نابليون أيقظ وعي شعب مصر من سباته، وصوت طلقة آدال أيقظت وبشكل تدريجي وعي الشعوب الأثيوبية، التي كانت تعيش في حظيرة الإذلال، حظيرة يتوارثها الإقطاع عبر شرعية فلسفة الكهنوت، صحيح هناك إختلاف من حيث الهدف بين نابليون وعواتي، الأول كان ذو رسالة استعمارية، رغم تقديم نفسه من خلال صورة جميلة، مخالفة تماماً لنواياه أمام عيون شعب مصر. أما الثاني، عواتي كان صاحب رسالة، رسالة التحرر من المستعمر الأثيوبي، وبعيداً عن الدخول إلى تحليل المقارنة والتي هي ليست من مهمة وغرض هذا المقال، لكن المهم في الأمر هناك قاسم مشترك وهو التأثير في الوعي، أي إحداث حراك سياسي وثقافي، وحتى لايلتبس المفهوم أيضاً، أو يحدث له انزياح عن سياقه. أقول إن الحراك الثقاهي الذي أحدثه نابليون، معروف للجميع. والمهم والأهم في هذه السطور هو توضيح دور عواتي في هذا الجانب وبشكل مبسط أقول إن عواتي أوجد ثقافة المقاومة قبل إعلان الكفاح المسلح، مقاومة الظالم مهما كان نوع هذا الظالم، فرد أو جماعة، وضمن هذا الفهم كان ينشط في إطار بيئته حتى جاءت ساعة الإنتقال، وانتقل يقيم المقاومة المشبعة بالأخلاق الحميدة، من حدودها الضيقة إلى فضاء الوطن والوطنية بامتياز من خلال اشعال شرارة المقاومة ضد المستعمر الأثيوبي في الفاتح من سبتمبر 1961م.
فالأثيوبيين تأثروا بضوء الشرارة الأولى، التي أشعلت دروب موغلة في الظلام، انه ظلام دامس، وسكان هذا الظلام هم شعب قد وعى إلى ذاته لأول مرة، عندما داهمهم الضوء، في كل أماكن تواجدهم. في الوهلة الأولى رأوا في الشرارة بأنها ضرب من الجنون، لأنهم لم يستطيعوا رؤيتها بشكل صحيح نتيجة انحناء رؤوسهم المثقلة بقيود العبودية، ثم دهشتهم وأطلقوا ضحكتهم وقالوا ساعتها كيف يتجرأ هذا ويقف أمام هذه السلطة، سلطة الله على الأرض الممثلة في شخص الإمبراطور، إنه راعي مصالح الرعية عبر سلطته المباركة ولايشك أحد في هذا إلا مجنون. لكن مع مرور الأيام، لم يصمد وعي هذا الإيمان الزائف، أمام زحف وعي الثورة وقوتها في أرجاء المعمورة كالنار في الهشيم. وانطلاقاً من مفهوم هذه الخلفية التأريخية التي ساهمت في تراكم وعي المنطقة، قلت لأحد الزملاء بمناسبة سبتمبر المفروض أن تكون هنالك ساحة باسم عواتي في وسط أديس أبابا ضمن ساحات رموز الحرية في أثيوبيا. ضحك من كلامي هذا ثم قال: “تأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم؟” وكان ردي: كلا!! لم ننس أنفسنا… وقبل أن أكمل الجملة قاطع كلامي بعبارة: كيف يكون ذلك في أديس أبابا؟ أرجو أن توضح لي حتى أتأكد بأن كلامك هذا صادر عن وعي، وليس عن هذيان. واصلت في الحديث من حيث توقفت، وقلت له يا أخي بالنسبة لنا المسألة محسومة، ويجب –وأشدد على كلمة يجب- أن تكون كل بيوتنا ساحة لتمثال عواتي، وليس هيكوتة فقط أو ديباروا، لأن عواتي كان يمتدد بفكره وعمله وطموحه بمساحة الوطن، والوطن كلما داهمه الظلام يستنجد بعواتي، وعواتي لم يتردد لحظة واحدة في ترجمة عقيدة العمل النضالي من خلال تصرفات نضالية يومية، هكذا فكفك عقد مصاعب الطريق ومدد جسور الهدف حتى تكسب القضية رهانها وحصل ما أراد. ولهذا لايكون عواتي إلا عواتي غير قابل للتأويل وغير قابل للإختصار انه رقم لم يتكرر حتى الآن في تأريخ هذا الشعب رغم تماهي البعض، ولكن لم يستطيعوا توفير الشروط المناسبة، كل المحاولات قصرت ظلها على نفسها ولهذا لم تنل ثقة الناس وهؤلاء أقل ضرراً من أولئك الذين حاولوا ويحاولون طمس معالم التأريخ من خلال زرع بذور التشكيك قائلين أنه كان (شفتا) أي قاطع طريق وأحياناً آخرون يفلسفون بالقول انه مجرد فرد ويجب أن يفهم ضمن هذا السياق في التأريخ. المهم بعيداً عن الهرطقة نقول ان يطلّ سبتمبر ورفاقه هم الذين غيروا مسار تأريخ أسماؤنا من أثيوبيا وأندنت إلى آدال وتقوربا وشادوا إريتريا.
عاشت الأسماء، وعاش سبتمبر.
محمد اسماعيل هنقلا
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7566
أحدث النعليقات