كلمة التحرير: بمناسبة الثامن من مارس
يصادف الثامن من مارس اليوم العالمي للمرأة وهو يوم دأبت المرأة الارترية الوقوف عنده لتقيم ما تحقق من انجاز وما تكسر من أغلال ، واليوم ليس بالضرورة بأن يكون يوم زغاريط واحتفالات ورقص بقدر ما هو يوم تضامن وتلاحم والرغبة في مواصلة النضال لفك القيود ولتحقيق الكثير من الحقوق للمرأة خاصة في مجتمعات العالم الثالث. كما تصادف ذكرى هذا العام مرور عشرة أعوام على مؤتمر بكين وهو أول مؤتمر من نوعه تعقده منظمة الأمم المتحدة لمعالجة قضايا المرأة ، فما الذي تحقق من مقرارت بكين من أجل تحسين أوضاع المرأة الصحية والتعليمة والوظيفية مما يمكن حسبانه لصالح هذا المؤتمر ؟ لاشئ فبالأمس القريب طارد البوليس التركي بالهروات والغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطي جمع من النساء لخروجهن الى ميدان عام للمطالبة بحق ضاع أو اغتصب.
كما تواجه النساء في كل من الهند وبنقلاديش وغيرهن من دول اسيا وامريكا الجنوبية خطورة العولمة واتفاقيات وبرتكولات التجارة الحرة خاصة للعاملين في الغزل والنسيج وصناعة الملابس وغيرها.
كما يهدد مرض الايدز والحروب المرأة في افريقيا حيث بلغ رقم الذين يتهددهم الايدز في افريقيا حوالى التسعون مليونا، وكدأب الدول الآفريقية والشرق أوسطية التي تتنكر الى كل صغيرة وكبيرة حتى لا يفتضح امر الرؤساء والأمراء والملوك والاجراء الحاكمون باسم دول أجنبية فقد ضرب تعتيم اعلامي حول هذا الموضوع. أما ما يهمنا هنا هو قضايا المرأة الارترية ، وكشف حساب حقوقها وواجباتها:
لعبت المرأة الارترية دورا بارزا في النضال التحرري للشعب الارتري ، وهو دور لايقل أهمية وخطورة وفعالية عن الدور الذي لعبه الرجل. فلم يقتصر دورها في انجاب الابطال فقط، بل تعداه الى التحريض والتعبئة العامة في زمن كانت الثورة الارترية لاتملك فيه أجهزة الدعاية والتعبئة والاعلام. فكانت الأغنية الشعبية والحكي الشعبي الذي نجد له أمثلة لا حصر لها في كل لغاتنا الوطنية. ثم بدأت المرحلة الثانية، والتي تمثلت في مقدرتها في لعب دور صاحب البريد بحملها لمراسلات الثورة من والى اللجان الشعبية والاجهزة السرية بالداخل بالاضافة الى حمل الادوية وغيرها من امدادات الثورة الخفيفة ، وايواء الفدائيين ومساعدتهم في تنفيذ عملياتهم الجريئة والبطولية وتوفير الغطاء اللازم لهم. هذه أدوار ليست بالسهلةبل هي أدوار ترتعد منها نفوس الرجال وتمتحن فيها كبريائهم في ادائها ولكنها مثلت دورا ثانويا بالنسبة للمرأة واستشهد البعض منهن اثناء القيام بتلك المهام.
ثم انتقلت الى دور أكثر خطورة واكثر جرأة وأهمية حيث وقفت جنب الى جنب في طابور العرض الصباحي في جميع هيئات التدريب مع رفيقها وابنها وأبيها، فتمنطقت البندقية وأختارت البارود عطرا وتنازلت عن ضفائرها طوعا ليحل محلها القبعة والشال الفلسطيني أو الأفرو، وبدأت أولى خطواتها في درب الشهادة والعصيان الثوري المسلح فكانت سعدية ، الم مسفن ، مريم البتول ، فرجة وسميرة ، الماظ وفقورت …الخ ، الأول تتلوها الأخر. وهو درب سقط فيه أكثر من بنات وابناء شعبنا وأدت فيه المرأة بنفس مقياس الرجل وشمل دورها كل من الأجهزة الطبية والفنية والميكانيكية، وتحملت في سبيل ذلك ما يفوق طاقات الرجل نفسه كما انها حاولت تغيير نظرة المجتمع اليها كنصفه والذي لا بد من ان يشارك في تحرره ونهضته، ليس هذا فحسب بل لعبت دورا كبيرا في تغيير نظرة الرجل التقليدية اليها خاصة الرفاق من ذوي السلطة أو غيرهم ودفعت في ذلك ضرريبة الأنوثة كاملة غير منقوصة.
وتحرر كامل التراب الوطن الغالي. وأصبحت المرأة أمام وضع مختلف يتطلب منها طاقات أخرى لتغيره وهي التي أنهكها مشوار التحرير الطويل، فالمجتمع ورؤاه التقليدية بقت حاجزا أضيف اليه حاجز ما يسمى بالحكومة المؤقتة واعضائها الذين رموا بلباس الجندية المعفر بالتراب عند أقرب ” بلوكو ” وبدأو في اقتناء بدل من دكاكين الايطاليين القديمة فاذا بنطالها يتعطل عند ركبة الأول وكفوفها زادت باعا عن معصم قصيرهم العجيب ، فهؤلاء رأو في المرأة سلعة مازالت قابلة للتسويق وهم الذين تاجروا على اسطورة المرأة المناضلة في افريقيا والمتحررة ودأبهم دائما تحريرها من ملابسها الداخلية.
فالمجتمع بعض انقضاء سنوات الفرحة الأولى أصبح يعاملهن ككائنات غريبة قادمة من كوكب آخر ، حتى ان هنالك شريحة اعتبرتهم نساء ساقطات وأصبح الأقربون يتهافتون الى خطبتهن ليس من مبدأ ” أظفر بذات الدين “ولكن لغرض واحد لاغير وهو رغبتهم في ستر العورة أو رأفة بهم وكفيهم مزيد من الازددراء. وبدأت المرأة في خوض نضال جديد تمثل في محاولتهن في أن يصبحوا كائن ” أليف” يرضي الجميع والعمل على نسيان عالم القتال المرير ودمويته وجثثه وفرقعاته وانفجاراته وحرائقه، محاولة نسيان جثث الشهداء والمناظر الفظيعة المأساوية التي حفرت في الذاكرة والضغط النفسي المصاحب لها، الى صورة العروس والمرأة التي ترعى الزوج والابن والدار وهي عملية تحتاج الى تأهيل خاص ورعاية بدنية ونفسية وقبول اجتماعي وهو دور كان مطلوبا من الحكومة القايام به ولكن حكومة السلطان قبل ان تطوي هذه الصفحة بدأت في انتزاع نساء أخريات لما سمي بالخدمة الوطنية في صورة كريهة لاطالة أمد عذابات المرأة الارترية.
هذا ما يخص جانب المجتمع أما الحكومة فأصبحت ترى في المرأة ارث ثقيل فقد لمعانه وبريقه وتم استهلاكه فبدأت تحاول التخلص منه بشتى الطرق فبعثت بهم الى الى الخليج العربي ولبنان والاردن للعمل في بيوت الاغنياء والشيوخ ، ثم بدأت بجانب استخدامهن لجمع المعلومات بدأت تقتطع جزء كبير من رواتبهن ومن لم تدفع تتعرض للتهديد والوعيد باعادتهن الى ارتريا ، هذا بالاضافة لعدم الاكتراث لظروف عملهن وما يتعرضن له من استغلال بشع وضغوط واضطهاد، ثم اضف الى ذلك الرسوم والضرائب والتبرعات المفتعلةتحت حجج وزرائع مختلفة ومتعددة.
ثم تأتي في المرتبة الثانية مسالة تأهيل المقاتلات القدامى بعد تسريحهن بصورة انسانية ، ورعاية الجرحى والمعقوات منهن واللائي لهن احتياجات متنوعة ومختلهة من كراسي متحركة وأطراف صناعية ورعاية فاقدات البصر منهن من سكن ورعاية صحية واستثناءات في وسائل النقل والمواصلات المحلية وتمليكهن مهن حسب امكانياتهن البدنية والاعاقية تدر عليهن رزقا يكفيهم شر اعانة الحكومة والاهانة المصاحبة لها. وهذا مالم يحدث حتى الآن رغم مرور أربعة عشر عاما والذي من الفترض أن التحرير يضيف قيمة انسانية الى حياتهن، ومرور أكثر من حكومة بوجهها الشعوبي ورشيسها الأوحد؟
أما المرأة في ارتريا اليوم فانها تعاني مثلها مثل بقية قطاعات الشعب ألأخرى ، فالوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه البلاد له تأثير كبير على المرأة العاملة خاصة تلك التي فقدت معيلها في الحروب المهزلة التي يخوصها السلطان كلما اشتد وطئ الملاريا الدماغية عليه، خاصة هؤلاء الذين فقدوا أكثر من رجل في الحرب الأخيرة.
ثم تأتي قضية الايدز وهي أكبر المخاطر والكوراث التي تواجه البلاد بعد كوارث الجراد والويانى والجنرالات الأربعة، وهذه المصيبة تستهدف الشباب والشابات وهم عماد البلد ومستقبله فمن لم تحصده الحرب جاء الايدز ليقضي عليه في صورة فطيعة من تهالك الجسم الانساني، فليس هنالك سياسة تعليمية أو وقائية واضحة للحكومة ويأتي الايدز في ذيل قائمة أولوياتها واهتماماتها، فليس هنالك قائمة حصر معروفة والرقم الذي يذكر هو 300 ألف حالة لا ندري اذا ما كان الرقم احصائي أو تقريبي، لكنه يبقى كعلامة فاصلة وناقوس خطر ينظر بفناء شعب لا يتعدى احصاءه في أحسن الحالات الأربعة ملايين المذكورة. يضاف الى المشكلة مع ضخامتها عدم وجود مستشفيات متخصصة واطباء متخصصون هذا مع شح الأدوية وندرتها واتكال الدولة على منظمات أجنبية للقيام بهذه الوجبات كأنها تقول لهذه المنطمات : ” عليكم باطعام هذا الشعب ورعايته وعلاجه وعلينا التسلط عليه واضطهاده.”
ثم تأتي في المقام الثالث من قضايا المرأة اليوم قضية المرأة والارض، فتوريث الارض للذكور دون الاناث فيه جانب كبير من الاجحاف بحقها ، فيجب ان يكون هنالك قانونا ضمن العرف المتداول – عرف أهل الأرض – منفذا يتم من خلاله اعطاء المرأة حقها في تورث الارض وتتملكها وتفلحها وتتصرف فيها بالبيع والشراء ، وليس بأن تفلح لها بلانابة من قبل العم والآخ والخال.
ثم حق المرأة في التعليم والتأهيل الى أعلى الدرجات ، حقها في دخول الجامعات وحقها في تبوأ المناصب العاليا بما فيها رئاسة الدولة وغيرها من المناصب العليا الحكومية منها والأهلية المتاحة للرجال. فمصادرة حق المرأة في التعليم بحجة المرأة لا تحتاج الى كثير من التعليم وأن موقعها الأساسي هو المنزل هو قول حق اريد به باطل ولا بد من أن تتغير نظرة العامة الى هذه القضية ، والمرأة المتعلمة هي عون لزوجها وبيتها وأولادها كما ان العلم هو زينة لا تضاهيها زينة الحلى وغيرها ، خاصة وان متوسط عمر الرجال في ارتريا – والله أعلم – لا يتعدى حدود الأربعين فمن لم يمت في السجن أو الخدمة الوطنية مات بالجوع.
وأخيرا نبذ الممارسات الضارة ويأتي على رأسها موضوع ممارسة عملية الختان الفرعوني بحق نساء المستقبل وهذه العملية تقتل عدد لايستهان به من النساء اثناء الولادة ومابعدها وحتى ما قبلها نتيجة المضاعفات الضارة التي تسبب للمرأة امراضا نفسية وبدنية وفشل الحياة الزوجية.
كما اننا ندعو المعارضة الارترية والشعب الارتري اليوم يقف عند مفترق طرق أن تضيف الى برامجها قضايا المرأة هذه وتتبناها، وأن تنظر الى المرأة كشريك ، ومما هو مبشر ان نرى ارهاصات ذلك واضحة في بعض تنظيمات المعارضة وهذه حالة ربما أسهم وعى المرأة ومبادراتها دورا كبيرا في ذلك ولكن في نفس الوقت نرى غيابا واضحا لدى تنظيمات أخرى نتمنى أن تتيح متسع في برامجها لقضايا المرأة بجانب القضايا الوطنية الأخرى التي تناضل من أجلها ، لأن المرأة مازالت نصف مجتمعنا الغائب.
فرجت
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=5716
أحدث النعليقات