كلمة جبهة الإنقاذ الوطني الإرترية في الذكرى الثامنة والعشرين للتحرير
قدم شعبنا على مدى عقود من النضال مهرا غاليًا من أجل استقلاله الوطني. غير أن الاستقلال للأسف ارتبط على مدى ما يقارب الثلاثة عقود في أذهان الإرتريين، بخيبات طالت كل مناحي الحياة، جراء سياسات إسياس الديكتاتوري وعصابته، من كبت وانتهاك فادح للحريات الفردية والجماعية، وحالة إفقار وتهجير ولجوء لكافة شرائح المجتمع، ولا سيما فئة الشباب الذي يمثل نصف الحاضر وكل المستقبل، وفرض الخدمة الإجبارية غير محددة الأجل على كل الأعمار، تحت مسميات مختلفة، وسجن عشرات الآلاف بلا محاكمات، ولو صورية، وحظر عمليات بناء المنازل وصيانتها وهدم ما بني بحجج واهية في المدن والأرياف…. إلى غير ذلك من سياسات التدمير الممنهج للأرض والإنسان الإرتري التي لم تحدث حتى في أسوأ العهود الاستعمارية.
غير أن ما استخلصه شعبنا من دروس وبعد كل هذه السنوات، أن إسياس وسدنته وحلفائه عمدوا بقوة على إفراغ استقلال إرتريا من محتواه، حتى يتسنى لهم إرغام شعبنا على المفاضلة بين عودة الاستعمار وبقاء الاستقلال المهين الذي حاول إسياس فرضه وتشويهه بكل حقد وكراهية وعمالة .
وتأتي الذكرى الثامنة والعشرين هذا العام على هذه الخلفية المشوهة للاستقلال. غير أن ما يميز ذكرى هذا العام أنها تحمل تباشير من جهة وتحديات إضافية من جهة أخرى. فمن تباشيرها أن النظام الديكتاتوري يمر بأضعف مراحله، خصوصا بعد المواقف المخزية الصريحة التي تنال من السيادة الوطنية الإرترية في أعقاب ما سمي باتفاقية السلام مع الحكومة الإثيوبية، والتي لم تتضح كل أبعادها حتى الآن. وأنه صار أكثر انكشافًا أمام الشعب الإرتري الرافض لسياساته بصورة غير مسبوقة. من خلال تصاعد رسائل الاحتجاجات الشعبية الرافضة له والمطالبة برحيله، ولا سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي بصورة فردية وجماعية.
وبالمقابل بدأت المعارضة الإرترية تكتسب مساحات مقدرة لدى الشارع الإرتري على حساب النظام وخاصة بعد نجاح المؤتمر الثاني للمجلس الوطني الإرتري للتغيير الديمقراطي. وتجاوز أزمته التي لازمت نشأته، مما أعاد الأمل في أن يلعب دوره في تحقيق التحول الديمقراطي في بلادنا. وهذا بالطبع يتطلب من قيادة المجلس سرعة البدء في حوار مفتوح مع القوى السياسية والمدنية خارج المجلس لبلورة شراكة وطنية أوسع لكافة قوى التغيير، ولحشد جميع الطاقات من أجل الهدف الوطني المشترك. ولن يتأتى هذا إلا بإدراك الجميع أهمية هذا المنحى في هذه اللحظة الوطنية الفارقة. والتركيز على القضايا الوطنية الكبرى التي توحد الجميع، وفي ذات الوقت الابتعاد عن كل القضايا الخلافية الثانوية، التي من شأنها النيل من بلوغ الهدف المشترك.
إننا في جبهة الإنقاذ الوطني الإرترية نجدد العهد بأن نسخر كل جهودنا وعلاقاتنا في هذه المرحلة من أجل القضايا الوطنية العليا، ونضع يدنا في أيدي كافة القوى الوطنية، السياسية والمدنية، تنظيمات ومظلات، حادبة على الوطن والتحول الديمقراطي في بلادنا، لتسريع الخطى نحو الأهداف الوطنية الكبرى.
كما نهيب بكل الطاقات الوطنية الفئوية والأكاديمية والاعلامية والرأسمالية، تسخير جهودها وإمكانياتها من أجل إنجاح نضالات شعبنا في الحرية والكرامة الإنسانية والحفاظ على الاستقلال الوطني، الممهور بالدم والعرق والمعاناة، والنأي عن محاولة تعويق جهود التخلص من ربقة هذا الديكتاتور.
وفي هذا السياق نحذر الأقلام والأصوات التي بدأت تنبري عبر وسائل التواصل الاجتماعي، للتشويه والتحريض ضد نضالات شعبنا وتساهم، من حيث تدري أولا تدري، في تطويل أمد النظام وتمس بوحدة وسيادة إرتريا ومكوناتها الدينية والاجتماعية، من أن التاريخ لا يرحم أحدًا، وأن شعبنا سينصب يوما وقريبا جدا ميزان العدل ليقتص ممن جيروا تضحياته وتحالفوا مع أعدائه سرًّا وجهرًا.
ونقول لشعبنا أن ساعة الخلاص قد أزفت وما عليه إلا أن يضاعف جهوده ويستعد ليوم الفرح القادم برص الصفوف والاحترام المتبادل والإيمان بأن إرتريا للجميع دون حجر أو إقصاء أو تهميش لأحد.
وحول السلام بين دول الإقليم، نؤكد بأننا، في جبهة الإنقاذ الوطني الإرترية، مع السلام العادل بين دول الإقليم، بما فيها إثيوبيا، التي بيننا وبينها الكثير الذي يحتاج إلى وضع معالجات منصفة،
بغية قفل باب العداء التاريخي بسبب أطماعها وحروبها التوسعية تجاه إرتريا، التي ما يزال شعبنا يدفع فاتورتها من دمه واستقراره. إننا نؤكد على أن أي سلام مع إثيوبيا يتم على حساب شعبنا، سيعيد علاقة الشعبيين إلى مربع الحرب والدماء التي سالت بينهما عبر التاريخ، وهذا بالتأكيد لن يشكل مدخلا مناسبًا لتحقيق السلام بينهما.
وعليه نهيب بالحكومة الأثيوبية النظر بعمق في علاقاتها مع إرتريا والانحياز بصدق لخيار السلام المستدام بين الشعبين القائم على أساس احترام المصالح المتبادلة والسيادة الوطنية لكل منهما. ولن يتم ذلك إلا بترسيم الحدود بين البلدين وفقًا للاتفاقيات التي تنظم ذلك، فضلا على عدم التعامل مع نظام إسياس الديكتاتوري لا يمثل إرادة الشعب الإرتري. وفي هذا الصدد أكدنا، في أكثر من مناسبة، ونؤكد هنا مجددا، بأن الاتفاقيات، التي يبرمها هذا النظام، الفاقد للشرعية، سواء مع إثيوبيا أو مع غيرها، وتمس السيادة والمصالح الوطنية الإرترية، لن تكون ملزمة للشعب الإرتري.
ونحن إذ نحتفي بهذه المناسبة الوطنية نتوجه، بخالص التحايا وأصدق التهاني للشعب السوداني الشقيق على نجاح ثورته، مع إيماننا بأن جميع الأطراف حريصة على التوصل إلى اتفاق يضمن التحول الديمقراطي السلس، وإرساء دعائم السلام والاستقرار والديمقراطية في السودان، آملين أن تنداح قيم ومفاهيم الحرية والسلام والديمقراطية في عموم منطقة القرن الأفريقي.
كما ندعو الفرقاء في اليمن الشقيق إلى وقف الحرب والانحياز لصوت العقل والحوار ووضع حد للدمار والخراب الذي أصاب اليمن في غياب المقولة المشهورة “الحكمة يمانية” والتي عرفوا بها على مر الأزمان وصارت مثلا على كل لسان. والشعب اليمني في أمس الحاجة إلى استلهامها أكثر من أي وقت مضى في هذا المنعطف الخطير الذي يمر به اليوم.
عاشت إرتريا حرة مستقلة !!
السقوط للدكتاتورية
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار،،
الهيئة التنفيذية لجبهة الإنقاذ الوطني الإرترية
24 مايو 2019م
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=43961
أحدث النعليقات