“كل قرار يكون سيئاً، حين لا تستطيع تغييره”


لم أجد أنسب من كلمات الشاعر الروماني بوبلبيوس سيروس معاصر الخطيب المفوه شيشرون عنواناً لهذا المقال.
وسبب المقال هو اللغط، أو بالأحرى، التمنيات، بأن يطل الطاغية أفورقي في نهار الرابع والعشرين من مايو الجاري ليعلن للشعب بداية عهد “ذهبي جديد”. والهمس يدور حول عقد مؤتمر للجبهة الشعبية وتقديم مسودة دستور جديد وتكوين حكومة جديدة من دماء شابة (يحلم البعض بتولي حقيبة فيها!).
يقول المفكر السياسي اليكسي دوتوكفيل بأن التجارب “تعلمنا، وبصورة عامة، أن أخطر اللحظات على الحكومات الفاسدة هي اللحظات التي تسعى فيها لتحسين أحوالها”. نعم، تلكم اللحظات هي التي تتراخي فيها القبضة الحديدية، وتبدأ العيون بالنعاس ثم يهجم المفترس المتربص على الضحية.
أفورقي عندما سئل يوما في مقابلة له باللغة الإنجليزية عن الديموقراطية والانتخابات أجاب بتبجح على المذيعة بأنه لا يؤمن بالديمقراطية على “الطريقة الكينية”؛ وقال العبارة الأخيرة باللغة الفرنسية “الا كينيا”. في تلك الفترة كانت كينيا تشهد اشتباكات عرقية دامية بين مؤيدي مرشحين رئاسيين ينتميان لمجموعات اثنية متصارعة على الحكم تاريخيا.
ومن التجارب – تحت القبضة الحديدية – أيضا، والعين التي لا ترمش خوفا من انقضاض المفترس عليها؛ لن يقوم أفورقي لا الآن ولا لاحقا بإرخاء قبضته الحديدية بمحاولة نفخ النار في جسم الجبهة الشعبية التي تجمدت أوصالها من الموت؛ أو يقدم على تكوين حكومة قوية، ما لم تكن العوبة أخرى من خيوط تحت يديه.
لماذا يقدم الطاغية على ذلك؟ ولماذا يرخي قبضته الخانقة؟ وهو لم يشك يوما في “جدوى” إمساكها بتلابيب البلاد.
يقوم الاستبداد، حيثما وجد، على سياسة حرق الجسور والتجمد عند نقطة اللاعودة. حرق الجسور أمام العودة للعقل والرشد في الفعل وفي الحكم. لأن العودة والتراجع عن الاستبداد تعني الخطوة الأولى في مسار التنازلات التي لن تقود بدورها إلا إلى أعواد المشانق المنصوبة في الساحات. فهل عند أفورقي الاستعداد اليوم أو غدا لمواجهة تلك الاحتمالات عبر إطلاق سراح السجناء لتبدأ مساءلته من قبلهم ومن قبل عائلاتهم؟ ولماذا يدخل نفسه في ذلك الجحر الضيق وقبضته تشق له كل يوم جرحاً جديداً في جسد الوطن الصريع؟
وعيب انتظاره ليزف البشائر في نهار 24 مايو انتظار مشين ومخزي للمنتظرين. فهم في انتظارهم يؤمنون بأنه هو الذي يعطي ويمنح ويحرم ويمنع، وهم لا يمانعون انتظار تكرم يده واستجداء عطيته وتكرمه: وأين المبيت على الطوى حتى ينال به كريم المأكل؟
فإذا كان هو لن ينطق بما يأمله مرتجيه ومنتظريه فماذا سوف يقول يومها؟
الراجح أنه لن يخرج عن دائرة ما درج عليه من التفنن في بيان حجم “المؤامرة الدولية” المتربصة بالبلاد والنظام الدولي الجائر “الذي بدأ يلفظ أنفاسه بالثورات من داخله”. ولربما يبدأ تمثيله وشرحه للوضع بسرد معاناة السودان الجريح، ليقول في تجلياته المعهودة بأن ما حاق بالسودان كان “معداً ومجهزاً” لارتريا ولكن حكمته وقيادته وتنبه “الشعب” كشف المؤامرة والدسائس. ولكن المؤامرة لم تنته بعد فهي بعد أن نالت من السودان مستعدة للالتفاف حول عنق ارتريا والمطلوب من الشعب ربط الأحزمة فالتهديدات المصيرية كشرت انيابها ضد شعوب المنطقة وعلينا تأكيد “صمودنا” التاريخي مرة أخرى.
أتمنى للبلاد موسم أمطار وفيرة.
عاوتنا حفاش!!
فتحي عثمان.

روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=47110

نشرت بواسطة في مايو 22 2024 في صفحة المنبر الحر. يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0. باب التعليقات والاقتفاء مقفول

باب العليقات مقفول

الأخبار في صور

تسجيل الدخول
جميع الحقوق محفوظة لفرجت 2010