كى لانقع فى نفس المستنقع
ادريس عبدالله عوناى
عانت الساحة الارترية منذ بداية الكفاح المسلح من مرض عضال اسمه الانشقاق والاختلاف، واصيبت بجرثومة اخطر من المرض اسمها التوفيقيات والتوازنات فى القيادة مما يوحى ان الخلاف فى فصائل الثورة الإرترية هو حول السلطة اكثر منه حول البرنامج او الافكار اوالأنتماءت الإيدلوجية، حيث الكل كان يسعى الى الوصول الى السلطة ومن لم يستطع الوصول اليها بطرق مشروعة كانت افضل الوسيلة هى اعلان الانشقاق والانفصال تحت اى مبرر، و من ثم سرعان ما يتم تسميت الرئس الجديد وحواريه من طلاب السلطة. كان الانفصال فى بداية عهد الثورة جريمة تقابل باعلان الحرب على الانفصالين، ومع مرور الزمن اصبح الانشقاق شر لابد منه والتعامل معه اصبح واقع لا مفر منه، لتكون كلمة الوحدة من اقوى الشعارات التى ترفع من اجل المزايدات السياسية لخداع الجماهير من ناحية واتهام الاخر بالانفصالى من ناحية اخرى.
والمضحك ان قيادات الفصائل تزرف دائما دموع التماسيح على الوحدة بقدر ممارستها فى قتلها واجهاضها لها قبل ان تولد وترى النور على ارض الواقع.
ان الخلاف فى واقع الامر هو فى السلطة، بدليل ان كل برنامج فصائل الثورة الارترية السياسية لاتختلف حتى فى اسلوب التعبير، حيث يلاحظ ان كل الخطوات واللقاءات التى تسبق عملية تطبيق الوحدة تسير بشكل سلس دون اى خلاف يذكر حتى الوصول الى مرحلة التنفيذ والبدء فى تكوين قيادة مشتركة او عقد مؤتمر، حيث تظهر عندئذ كل اعراض المرض وحمى السلطة والتوازنات والحسابات الدقيقة، والكل يبدع فى التخطيط والالتواء، اكثر من الأبداع فى تحقيق احلام الشعب الذى انتظرهم طويلا لتحمل مسؤلياتهم القيادية فى تحقيق الوحدة الوطنية و العدل والديمقراطية والتغيير الايجابي من اجل تحقيق الأمل المنشود.
والملاحظ ايضا انه عندما تتعثر الامور يلجأ الكل الى المخرج المتعارف عليه وهو تطبيق نظرية “التوفيقيات” التى يتم من خلالها تقسيم كل شئ بما فيها الجماهير و كأنها تركة او ميراث لعناصرالقيادة التى لها حق التصرف فيها فى اجراء القسمة فيما بينها، فمنها من يأخذ نصيب الاسد دون وجه حق، ومنها من يأخذ نصيب الثعلب بمكره ومبرراته، ومنها من يسلم الامانة الى غير اهلها.
واذا عدنا بأحداث التاريخ قليلا الى الوراء، نجد ان وحدة المناطق فى بداية الستينيات كانت قد وصلت الى طريق مسدود فى تقسيم عضوية المجلس ما بين المناطق الخمسة وانتهت بعد جدل طويل بمنح 20 مقعداً للمنطقتين الاولى والثانية و18مقعداً للمنطقة الثالثة والرابعة والخامسة معا،ولم يكتب لهذه الوحدة العمر الطويل،ورجعت الأنشقاقات الى مرحلة اشد مما كانت فى الأساس.
وجاءت وحدة اخرى فى بداية السبعنيات بين ثلاث فصائل هى: مجموعة اسياس افورقى التى كانت تعرف ب(قنتاتات اسياس) وبين قوات التحرير الارترية (جناح عوبل) وقوات التحرير الشعبية (بقيادة الشهيدعثمان سبي) ولم يكتب كذلك لها العمر الطويل والكل عاد من جديد يتهم الآخر فى التسبب فى افشال الوحدة , واعلن على اثر ذلك افورقى جبهته التى سماها(الجبهة الشعبية ).
وفى عام 1977 جاءت وحدة اكتوبر بين اقوى فصيلين فى تلك المرحلة وهما جبهة التحرير الارترية والجبهة الشعبية لتحرير ارتريا، الا انها فشلت قبل ان يجف المداد الذى كتبت به؛ وفى اقل من نصف عقد من الزمان تحولت الى حرب اهلية طاحنة، كانت الغلبة فيها للجبهة الشعبية بفعل تحالفها مع قوات اجنبية من ناحية وبفضل الطابور الخامس الذى كانت قد ذرعته داخل جبهة التحرير الارترية.
ثم حدثت اتفاقية جدة فى بداية الثمانينيات،بين ثلاثة فصائل ارترية وهى جبهة التحرير الارترية بقيادة عبدالله ادريس،وقوات التحرير الشعبية بقيادة الشهيد عثمان سبي،واللجنة الثورية بقيادة عبد القادرجيلانى، وكانت خطوات هذه الوحدة تسير بشكل ايجابي حتى انزعجت منها قيادة الجبهة الشعبية فى تلك المرحلة ووصفتها بأنها تجمع اسلامى طائفى،وعلى نقيض الجبهة الشعبية استبشرت بتلك الوحدة جماهير ارترية عريضة خيرا،الا ان تلك الوحدة اصيبت من البداية بجرثومة (التوفيقية) على اساسها تحصل كل فصيل على 27 مقعد فى المجلس،ولم يستطيع التنظيم الموحد التحرر من اسلوب التوفقيات حتى بعد مؤتمره التوحيدى الذى عقده وهذه الالية القاتلة اقعدت التنظيم اكثر من عقد فى معسكر ساسريب الذى عطل العمل النضالى الحقيقى، حتى انتهت الوحدة باطلاق صواريخ اتهمات الخيانة وغيرها من مبرارت الانشقاق من جديد وعادة كل شئ كما كان عليه وربما الى الأسوأ حيث اصيبت الجماهير بإحباط شديد.
هكذا فشلت كل تجارب الوحدة فى الثورة الارترية،لانها كانت تولد مثقلة بطمع القيادة واوزارها،وما يبنى على غير اساس ديمقراطى وارادة جماهيرية، لامحال ان مسيره سيكون الانهيار المبكر والفشل الذريع، والعودة باحلام الجماهير الى المربع الاول.
ان الأخفاقات فى التجارب الماضية فيما يخص وحدة الفصائل الإرترية، تدفعنى ان اكتب مااكتبه هنا حتى تسلم وحدة جبهة الانقاذ من مثل هذا التاريخ السيئ السيرة فى تجارب الوحدة فى الساحة الارترية وحتى لانقع فى نفس المستنقع وخاصة ان ما يمكن اعتباره ظاهرة صحية فى هذه التجربة هو ان جماهير التنظيمات المكونة لجبهة الإنقاذ كانت قد سبقت قياداتها فى تطبيق برنامج الوحدة على ارض الواقع، حيث تم دمج اجهزة التناظيم المختلفة بشكل سريع وناجح فى معظم الفروع.
و الحق يقال ، انه على الرغم من وجود هذه الظاهرة الصحية على مسرح هذه الوحدة الاَّ انه وللأسف الشديد بدأت تلوح فى الافق جرثومة التوفيقيات وما يسمى بضرورة حرق المراحل لغزو فضاء الوحدة الحقيقية، مما يشير الى نذير شؤم وهو ان وحدة جبهة الانقاذ تمر باخطر مراحلها التاريخية وفق ما يراه بعض المراقبين للشأن الارترى فى هذه الايام، حيث باشرت قيادات جبهة الانقاذ فى اختيار صيغة التمثيل التوفيقى، وبالتالى تحجيم دور قواعدها وعدم النزول عند رغبة الجماهير المتعطشة الى وحدة اندماجية فورية تنبثق منها قيادة موحدة مختارة بطريقة ديمقراطية مباشرة وليس قيادة شكلية مكونه عن طريق التعيينات والمبايعات وفق معايير حسابية ضيقة الأفق.
ومما لاشك فيه، انه فى حالة تجاهل قيادة جبهة الأنقاذ لتجارب اسباب فشل محاولات الوحدة فى الماضى التى كان السبب الرئيسى فى فشلها يعود الى اتباع سياسة التوفيقيات والتوازونات وتوزيع الحصص، فانه لامحال سيكون مسير هذه الوحدة التى استبشر بها الكثيرخيرا، مثل سابقتها من الوحدة.
ولذا وجب على قيادة جبهة الإنقاذ اخذ العبر والدروس من اخفاقات الماضى وكما وجب عليها ان تحاول ايصال الجماهير الى الوحدة الحقيقية عبر ممارسة النهج والسلوك الديمقراطى الغير مزيف من اجل احداث التغيير الحقيقى فى ساحة النضال الارترى.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6757
أحدث النعليقات