الحوار الوطني الإرتري خلفيـــاته .. وأهـدافه
بقلم : حامد صالح تركي
Email:
التاريخ : 27/10/2009م
الحلقة الثالثة
رسالة مفتوحة إلى المناضل / حامد ضرار
مقدمة :
بالإشارة إلى مقالكم : ( عفواً ياشيخ تركي ، لاحلفاء ولاشركاء بل إصلا ) !! أود ان أتقدم اليكم بهذه الرسالة المفتوحة ، أملاً في أن تزيل عنكم كثيراً من الإنطباعات السيئة التي خرجت بها عني ، بمناسبة بعض موضوعات ( الحلقة الأولى ) المتعلقة بمناقشة قضايا الحوار الوطني الإرتري .
وموضوعات هذا الحلقة ( الثالثة ) ليست قاصرة فقط على ماورد في مقالكم ( عذراً ياشيخ تركي …) ، بل يتسع نطاقها للتطرق والمناقشة والتوقيع على كثير من قضايانا الساخنة التي تهم الشعب الإرتري وقواه السياسية ، ولربما تكون أنت قد تطرقت إليها سابقاً أو في نيتك التطرق إليها .. وانا أريد أن أوضح لك بهذا الإستطراد ، أن ما سأتناوله ليس بالضرورة ان يكون رداً أو مناقشة لما ورد في مقالك المذكور .. أي أن ما أريده هو حديث إلى كل المثقفين الإرتريين المهتمين بأمهات القضايا العالقة والتي لاتزال محل حوار ونقاش وأخذ ورد ، حتى يستقر رأي جمعينا أو أغلبنا على قواسم مشتركة تصلح لأن تكون منطلقات وثوابت لايجاد حلول مناسبة لإنقاذ الوطن الإرتري .
وقبل هذا وذاك ، أريد أن أقدم لك إعتذاري ، لما لحق بك من ضرر لطول انتظارك لصدور ( الحلقة الثانية ) ، التي كان من المتوقع نشرها من وقت مبكر ، حتى يتسنى لك الرد على الشيخ تركي ، بشكل كامل ومتأنٍ ، كما أشرت إلى ذلك.
وأنا يوسفني أن أقول أن (الحلقة الثانية ) التي كنت أنت في انتظارها – كنت قد أعددتها بشكل نهائي تمهيداً لنشرها في المواقع .. ولكن حدث تدخل يمنع نشرها ، من مستوى تنظيمي أعلى مني ، بحجة أن ساحة المعارضة والمقاومة الإرترية لا تتحمل ( الردود المتبادلة ) وأنا مع عدم الإقتناع بهذا الاجتهاد التنظيمي في المنع ، ولسوف أستأنف أمر المنع لإبطاله وإلغائه لدى المستويات والمرجعيات التنظيمية الأعلى للحزب الإسلامي الإرتري للعدالة والتنمية ، أملاً في نشرها وقد لا تنشر لأسباب أخرى !!.
وهكذا فإن تأخر صدور الحلقة الثانية ، كان خارجاً عن إرادتي ، فلك العذر والعتبى حتى ترضى لما سببته من تأخير وضرر لك ولجماهير الحزب الديموقراطي الإرتري .
وكانت تتضمن (الحلقة الثانية ) التي منع نشرها : مقدمة وتعليقات حول ماورد من تعقيب على الحلقة الأولى من المناضلين : منقستآب اسبروم ، وابراهيم محمد على .. كما تضمنت الحلقة المذكورة موضوعين آخرين ، بشأن ( الهوية الثنائية للشعب الإرتري ) وبشأن ( مجتمع الشماقلي ، – وهو نظام إداري أهلي عرفه المجتمع المسيحي – و ( مجتمع المشيخات ) – وهو نظام إداري أهلي عرفه المجتمع المسلم .
والآن سأتناول موضوعات مقالكم وموضوعات أخرى جديدة ، ذات علاقة بالشأن الإرتري ، في فقرات مستقلة ، لزيادة الفائدة ولسهولة إيصال الفكرة إلى القراء الكرام بشكل مباشر ، دون إلتواءات وإختفاء وهروب وراء العبارات المطاطة والعائمة والفضفاضة !!.
1) الجمع بين المدح والذم نتيجته القدح :
عندما نجمع في عبارة أو جملة واحدة بين كلمات تعبر عن ثناء ومدح ، وأخرى تحمل معاني الذم والإستهجان ، تكون النتيجة والمحصالة النهائية ( لعملية الجمع والطرح ) هي الذم والقدح والإساءة .. وهذا هو ما فعله معي المناضل حامد ضرار ، في ثنايا مقاله ( عذراً ياشيخ تركي ) ، وذلك رغم كلمات الثناء والإشادة الضخمة التي أرفقها جنباً الى جنب مع عبارات الذم والقدح !! .
وإليكم عباراته ( نصاً ) كما وردت في مقاله :
( – تمنيت لو كان الكاتب شخص آخر ، حتى لا أعيره أي إهتمام ، وإدراجه ضمن حملات التشهير التي اعتدنا عليها !! – ولكن أن ينزل شيخنا ساحة الهجوم بنفسه متخلياً عن وقاره ..- فهذا موقف لم أتوقعه البتة !! – نعم ثقل علىّ ماكتبه الشيخ .. الذي وصف فيه الحزب الديموقراطي الإرتري وحزب الشعب الإرتري، بالكتلة المسيحية وشركائهم من المسلمين ، ففي الوقت الذي تشوقت في أن أتعرف على قراءة رجل خضرمته الحياة ، وصقلت تجربة النضال الطويل شخصيته ليكون أحد الذين يشار اليهم بالبنان ، عند الحديث عن الكفاح الإرتري الذي أمتدت حلقاته لعقود من الزمان . مع ذلك أسقطت في يدي عندما قرأت تلك الجزئية من العنوان الكبير وفي حلقته الأولى – مثار استقرابي كان ، كيف يندفع الشيخ تركي ليضع حزبين وطنيين سياسييين في بوتقة ما أطلق عليه مصطلح الكتلة المسيحية. وكان مدعاة استهجائي أن ينزل إلى مستوى من الحديث ليطلق تسمية الكتلة المسيحية ، وأن يلحق بها وشركائهم أو حلفائهم من المسلمين – هذا الإتهام العلني للحزبين ومن قيادي مرموق كالشيخ تركي بالطائفية ، أتردد ، بل وأخشى أن أصفه بحماقة سياسية ، بما قد سيتركه من ثآليل وتقرحات في النفوس . نتوقع من انسان يفتقر الى الحذاقة والحصافة السياسية أن يعلن حرباً على فصائل وطنية تقف في ذات الخندق الذي يقف فيه ، ولكن أن يكون هذا الانسان يوزن الشيخ حامد صالح تركي ، فهذه بحق مفارقة !!) .
انتهت المقتطفات من عبارات المدح والذم الواردة في مقال المناضل ضرار، ولأ اريد أن أحصيها ، وهذا القدر يكفي منها للإستدلال على مقصوده .
وأنا ليس لي تعقيب على جوانب العبارات المتعلقة بشخصي ، ولكن يهمني أن من حقه أن يرد بالطريقة التي يراها مناسبة للدفاع عن وجهة نظره .. والأهم من كل ذلك : هو كيف نفيد الجماهير الإرترية ، التي يسميها المناضل ضرار بـ (العامة) بما يدور في رؤوس ساستها ، بدلاً من أن تكون هذه الحوارات حبيسة كواليس المؤتمرات الحزبية أو التحالفية ، كما يستحسن ذلك الإستاذ ضرار في إحدى تعبيراته الواردة في المقال ، وسنتعرض لها لاحقاً في مناسبتها !!.
2) عود حميد للمثقف الإرتري ، عندما يتصالح مع الدين ، ولكن !!
بعد إغتراب للشباب الإرتري ، والمثقفين منهم خاصة ، لسنوات طويلة في التتلمذ على مائدة الفكر اليساري والشيوعي ، إبان عقود النضال الوطني الإرتري، هاهم شباب الأمس وكهول اليوم يعودون الى مائدة الفكر الديني والحرص على التدين به .
والإسلام أكثر حظاً وأوفر نصيبا من المسيحية ، من قسمة هؤلاء المثقفين العائدين – والعود أحمد – بعد ان اجتالتهم الشياطين لفترة طويلة ورافقتهم بعيداً عن فطرة الدين ، وقفزاً فوق قيم الشعب الإرتري وأعرافه وروابط الإجتماعية .
وانا سعيد بعودة هؤلاء المثقفين إلى مائدة الفكر الديني ، من مسلمين ومسيحين ، وأنا أكثر سعادة بعودة شباب وكهول المسلمين من توَهَان الفكر اليساري الشيوعي ، لأن الدين الإسلامي لايزال غضاً يحتفظ بحيوته وجدته ، لان نصوص الاسلام الموحي بها من الله العلي القدير وسنة رسوله الصحيحة صلى الله عليه وسلم لم تطالهما أيدي التغيير والتبديل والتزييف التي عبثت بالديانة اليهودية والديانة المسيحية .. فلعل يجد هولاء الشباب والكهول مايشبع تطلعاتهم في الفكر الإسلامي لحل مشكلات البشرية وتسأولاتها ، لأن الإسلام لديه الكثير والكثير من القيم لمواجهة مشكلات البشرية ، فضلاً عن حاجة الشعب الإرتري اليه ، العريق في تدينه والراسخ فيه ، كرسوخ جبال ارتريا الشامخة !! .
ويؤسفني أن ( بعض ) المثقفين من أبناء المسلمين ، عندما يقال لهم أن الإسلام لديه ما يعطيه للشعب الإرتري ، من قيم وأخلاق وسلوك حميد ، وشرائع اجتماعية تكون في خدمة الشعب دون تفريق بين مكوناته على أسس من معتقدات دينية او عصبيات مستهجنة ، نجد هولاء البعض من مثقفي المسلمين – لغربتهم الطويلة عن الإسلام – يصابون بالإندهاش والاستغراب واحياناً بالغثيان والاشمئزاز ، فيتسابقون للإساءة الى الاسلام والمنتسبين اليه سواء كانوا افراداً او مجتمعات او جماعات او تنظيمات وأحزاب سياسية ، وهذه هي مصيبة الاسلام الكبرى في وطنه الإرتري من بعض ابنائه المتغربين !! .. وتكون النتيجة ترديد شعارات الرايات الحمراء لليسار العلماني المتطرف في معادات ومحاربة الاسلاميين وتهيئة الأجواء للإقصائيين للعمل على حرمانهم من النشاط السياسي ومن الدعوة التي ترسخ قيم الدين في الشعب الإرتري !!.
3) حيرة بعض المثقفين المسلمين في اتخاذ المواقف والخيارات السياسية الصحيحة !!.
ابتداءً ، نعني بالمثقف – بوجه عام – من له إلمام بقدر معقول من الهموم الإجتماعية والثقافية والفكرية والإقتصادية والسياسية لمجتمعه ، والحد الأدنى لتحقيق مفهوم المثقف في الشخص المعين ، هو توفر قدر من التعليم والخبرة العامة بالمجتمع .
ويمكن القول في الجملة ، عن مفهوم المثقفين ، هو مدلول عام عن جمهرة المتعلمين في مجال التخصصات المختلفة اللازمة لكافة مناشط الحياة العامة للمجتمع .. فأصحاب المهن من ذوي التخصصات العلمية والأكاديمية ، بما فيهم الأدباء والكتاب والإعلاميين والمعلمين والدعاة وعلماء الدين وقادة المجتمع من السياسين والوجهاء والأعيان – بحكم خبرتهم – فهولاء وغيرهم ممن في حكمهم من كافة المستنيرين ، يعتبرون جميعا من المثقفين ، الذين تعتمد عليهم شعوبهم ومجتمعاتهم في تعليمها وارشادها وتصدر قضاياها وهمومها في الشئون العامة من حياتها .
وإذا التفتنا الى الشأن الارتري ، فإن الشعب الإرتري اليوم – من مسلمين ومسيحين – لديه وفرة من المثقفين بالمقارنة مع ماضيه .. ويفترض في هؤلاء المثقفين أن يكونوا في الصفوف الأمامية للتصدي لهموم الشعب الإرتري في السلم والحرب ، فهل الأمر كذلك اليوم في مواجهة التحديات المختلفة التي يواجهها الشعب الإرتري؟؟ .
ونحن لانغفل الظروف الصعبة التي يواجهها ( المثقف الإرتري ) في الداخل والخارج ، من حرمان وإضطهاد ومطاردة وعوز واعتقالات وسجن واغتيالات دون أسس قانونية من قبل النظام الاستبدادي والطائفي ، الى جانب معانات ظروف الاغتراب واللجوء وضغوط الحياة المعيشية والنفسية وكثرة الإلتزامات التي تلاحقه !! .
ومع هذا نقول ، إذا تخلفنا نحن معاشر المثقفين الإرتريين عن تصدر هموم الوطن الإرتري وقضاياه العامة ، نكون قد أرتكبنا خطأ فظيعاً بحق انفسنا لعدم تقدير واحترام ثقافتنا ، وبحق شعبنا الذي ينتظر منا الانقاذ من مسلسل المعاناة المتراكمة والاحزان المتجددة ، كما أن التاريخ لن يرحمنا في تقاعصنا وتقصيرنا في تحمل مسئولياتنا كما ينبغي إزاء وطننا الإرتري الكبير !! .
وإذا تحدثت ، بشيء من الصراحة والوضوح ، وبشفافية تضع النقاط في مواضعها فوق الحروف ، واذا كانت هذه الصراحة والوضوح والشفافية مسموح بها عند الاقصائيين وعند المنهزمين نفسياً من أبناء جلدتنا ، فأقول :-
أن ( المثقف المسيحي ) ليست له مشكلة أو حيرة في اتخاذ مواقف وخيارات سياسية تناسبه لتحقيق أهدافه ، لأنه قام ولايزال يقوم بواجبه كما ينبغي لخدمة الأهداف التي يؤمن بها ، وتحديداً في كيفية تحقيق السلطة في ارتريا ومالآت السيطرة عليها .
وذلك ابتداءً من المجهودات الشيطانية للمثقف أسياس أفورقي مناضلا ورئيساً لارتريا ، ومجهودات الذين سبقوه في الاستئثار بخيرات ونفوذ ( المرحلة الفيدرالية ) لصالح المجتمع المسيحي .
والمعلوم ان المناضل الرئيس أسياس أفورقي استطاع ان يستخدم – في مرحلة الكفاح المسلح – كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة – مع تحفظنا عليها – للوصول الى أهدافه في حكم أرتريا وفرض همينة وسلطة ( المجتمع المسيحي ) عليها بالطول والعرض .
وهكذا استطاع المثقف أسياس أفورقي ان يعبأ إمكانات المجتمع المسيحي ، والمثقفين منهم خاصة ، وامكانات مجلس الكنائس العالمي والدول المسيحية ، وإمكانات الثورة الإرترية وعلاقاتها بالدول العربية واحزابها .
وقد استخدم أسياس كل هذه الوسائل لخدمة وانجاح مشروعه : ( نحن وعلامانا ) – نحن وأهدافنا – وقد تحقق له ذلك عبر مسلسل طويل معقد من المؤمرات والمكايدات والإقصاءات للآخر الارتري ، فأصبح رمزاً وأنموذجاً لأردأ أنواع الرئاسات ( الشاذة ) في عالم اليوم !!1 .
وبعد هذه الإطالالة السريعة على واقع المثقف المسيحي ، استميح إخواننا ومواطنينا المثقفين المسيحين ، لاتحدث حديثاً من نوع آخر في مخاطبة المثقفين المسلمين ، وأخصهم به لأن حال أغلبهم يحزن المجتمع المسلم ويسر الإقصائيين من بني جلدتنا ووطننا !!! .
والمثقفون المسلمون هم على ثلاثة اتجاهات ، اذا استثنيا القليل منهم – بعضهم متفرج ، ولا اهتمام ولا عواطف له بالشأن العام للمجتمع المسلم فضلا عن هموم الوطن الإرتري الكبير . والبعض الآخر يناضل ويجاهد مع شيء من التردد والحيرة في صعوبة إتخاذ المواقف الصحيحة في مواجهة التحديات القائمة. أما البعض الأخير فمصيبته أكبر ، لأنه يلهث ويركب المحاذير في طلب الاستجارة او السعي يتلهف وتطلع وراء فتاة السلطة وبريقها لدى معشر الاقصائيين وصفوفهم المتراصة ، لأنه يعتقد هم الأقوى والأقدر والأجدر بحكم ارتريا ، ولا حول ولاقوة الا بالله – من هذا الانبطاح والاستسلام للواقعية غير الشرعية !!!.
ولا ارى مبرراً لكي يكون المثقف المسلم سلبيا ازاء الشعب الإرتري عامة والمجتمع المسلم خاصة .. لأن العوائق الداخلية والخارجية التي يعاني منها ، ومهما تكن محطاتها ومنعطفاتها معقدة ، فيمكن التغلب عليها عند توفر الوعي السياسي والرؤية الاستراتيجية والرغبة الحقيقية والعزيمة الصادقة في خدمة مبادئي وأهداف المجتمع المسلم والشعب الإرتري عموماً ، سواء بسواء كل في مجال معاناته !!.
ونحن هنا ، لاندعو الى ( اصطفاف طائفي ) للمجتمع المسلم ومثقفيهم في مواجهة المجتمع المسيحي ومثقفيهم ، كما يتوهم ذلك ويزعم بعض المثقفين من أبناء المسلمين ، الذين ارتضوا لأنفسهم الارجاف والإنهزام النفسي والاستسلام للسير في مواكب الاقصائيين والطائفيين من أبناء المجتمع المسيحي .
وكل ما نطلبه هو ، أن نجتمع نحن معاشر المثقفين والسياسين من أبناء المسلمين هنا وهناك سواء في داخل ارتريا – بالقدر المستطاع – او خارجها في بلدان المهجر واللجوء ويتفاكرون ويتحاورون مع بعضهم البعض في حال المجتمع المسلم ، وما حل به من هوان واذلال واقصاء وفرض مظاهر الدونية عليه بأبشع صورها ، حتى أصبح المسلمون في ارتريا مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة!!.
ثم بعد تحديد رؤانا المتكاملة لواقع الشعب الارتري ككل وواقع المجتمع المسلم بوجه خاص ، نتقدم نحن المتحاورين مع أنفسنا لمحاورة المثقفين المسيحين وذلك من أجل الوصول الى مفاهيم مشتركة ، لتصحيح معايير ومعادلات (الشراكة الوطنية ) ووضع الضمانات الحقيقية لها للعيش بسلام واستقرار في ارتريا الغد .
والمثقفون والسياسيون المسيحيون ليسوا في حاجة لتوجيه دعوة لهم للاجتماع فيما بينهم وتحديد رؤاهم لواقع ومستقبل ارتريا ، فهم جاهزون وقد أعدوا خياراتهم الاستراتيجية من قبلُ من وقت بعيد !! .
وبهذا الأسلوب الديموقراطي والسلمي نكون قد أعطينا وقتا كافياً لمحاوره الأخرالارتري ، لإنهاء الصراع المسيحي المسلم غير المعلن في إرتريا .. واذا تعذر ذلك في إقناع المثقفين والسياسين المسيحين في حل المظالم الواقعة على المسلمين وعلى بقية المهمشين من المواطنين الارتريين ، فلا هروب ولا تخلف من اسراج الخيل وركوب اسنة الرماح لإبطال الظلم وإحقاق الحق في ربوع ارتريا !! .
وأما دعاوى الهروب من المعركة والتفرج عليها من بيعد ، أو محاولات المهادنة والاقناع بالغة الناعمة والرقيقة والمترددة والتظاهر بالتودد والمجاملات او الهرولة والاستجارة بشريحة الاقصائيين ، فلا يزيدهم ذلك الا طغيانا وتجبراً وتشجيعا لهم للسير في مشروعات التهميش والاقصاء للجتمع المسلم وفرض الامر الواقع عليه وتقنينه !!! .
كما أن استهلاك مداد كثير في تحبير التقارير والمقررات الداخلية لتنظيماتنا وتحالفاتنا ، طوال عشرات السنين لاصلاح الشأن الارتري ، ما أغنى عنا ذلك شيئاً ، وعليه فان تداعي وتنادي المثقفين والسياسين من أبناء المجتمع المسلم ، من مختلف مواقعهم التنظيمية والإجتماعية والجغرافية ، للتلاقي والتفاكر والتحاور والتضامن للخروج بمقررات وسياسات ومواقف واضحة تعبر عن رؤاهم وتصوراتهم وايجاد الآليات المتفق عليها للتحرك بها في مخاطبة ومحاورة الآخر الارتري ، كفيل لتحريك المياه الراكدة واصلاح الشأن الإرتري على كل المستويات المطلوبة .
4) دلالة المصطلحات ، وعلاقتها بالمفاهيم السياسية .. وسوء فهمها !!
بمناسبة صدور الحلقة الأولى ( من مقالات : الحوار الوطني الإرتري .. خلفياته وأهدافه ) وماورد فيها من عبارات من قبيل : الكتلة المسيحية وحلفائها المسلمين ، والكتلة الإسلامية وحلفائها المسيحين … وعبارات : التحالف ، والشراكة ، والطائفية ، ووراثة الحكم … وغير ذلك من التعابير المذكورة في الحلقة المعنية ، فإن هذه التعابير قد اغضبت بعض إخواننا المناضلين ، وأبرزهم المناضلون :-
منقستآب أسبروم ، وابراهيم محمد على ، وحامد ضرار ، حيث أداروا موضوعات كلماتهم الغاضبة حول مضامينها . ثم دخل في الخط ايضا أخوة مناضلون آخرون ، وأبرزهم الاستاذ ابراهيم قدم ، والاستاذ على محمد محمود ، وذلك بغرض الاصلاح وتوضيح المضامين اللغوية لتلك التعابير محل الجدل الواردة في الحلقة ، كمساهمة منهما في معالجة المشلكة التي أضرم نيرانها الاخوة الغاضبون !!! .
ومن جانبي أود ان الفت نظر الجميع إلى أن اللجوء إلى القواميس لبحث المعاني اللغوية لكلمات التحالف او الشراكة او الطائفية وغيرها من التعابير ، لايفيد ذلك في حل المشكلة المثارة وان كانت جهود بحث المدلولات اللغوية مشكورة ومقدرة – لأن الموضوع المطروح هو (مقال سياسي ) ويجب ان تحمل تعابيره ودلالاته مضامين ومصطلحات سياسية .. ومعلوم ان دلالة معاني الكلمات من ناحية البحث اللغوي ، تختلف عن معاني دلالتها الإصطلاحية في المجالات الأخرى ، لأن معاني المفردات اللغوية تتجدد بحسب الاستعمالات المختلفة في الحياة العامة .
وعليه ، فان الثورة والانتفاضة الغاضبة التي حدثت حول مفاهيم : التكتل او الكتلة ، والتحالف ، والشراكة ووراثة الحكم ، وطائفية تنظيم او تكتل معين ، … الى آخره ، فهم منها خطأ انها : تنتقص او تسيئ لتحالفات وشراكة مكونات ارترية بعينها .. فالموضوع ليس كما فهمه الأخوة الغاضبون ، ولانعني ابداً الاساءة لعلاقات القوى السياسية وتحالفاتها المختلفة من حيث المبدأ ، لأن فكرة التحالفات او التكتلات معمول بها عالميا ومشروعة عند توفر مبرراتها .
ومصطلحا التحالف والشراكة ، رائجان في عالم السياسة كمصطلحين سياسين ، والادعاء بان تحالفات المسيحين مع المسلمين ، وتحالفات المسلمين مع المسحين ، فيها انتقاص لاصالتهم وعلاقتهم بتنظيم او تكتل معين ، بحجة أنهم أصلا لاحلفاء ولا شركاء ، فمثل هذه الادعاءات واردة في غير محلها ، لان فيها تطويع واخضاع لدلالات المصطلحات الي غير معانيها المقصودة !!.
وذلك مع الاشارة ، إلى أن في واقع الامر ، يوجد هناك شركاء وحلفاء أقوياء لهم وجود حقيقي في تكتل او تنظيم معين ويدافعون عن مبادئهم وانتماءاتهم وقيمهم ومصالحهم التي يؤمنون بها ويحرصون عليها .. وهناك حلفاء وشركاء ضعفاء ، جيء بهم للتعمية والتضليل السياسي ، ووجودهم باهت ، وبعضهم يقبلون بهذا التكليف طمعاً في انتهاز الفرص وتحقيق التطلعات الخاصة بهم وبخاصة عندما يتعلق الامر ببريق السلطة والحصول على نصيب من فتاتها !! .
وانا أتمنى من كل قلبي دائماً ان تكون تحالفاتنا وشراكاتنا من قبيل تحالفات وشراكات الاقوياء المخلصين لا الضعفاء المترددين والانتهازيين !! .
وأما مصطلح ( الطائفية ) الذي يتبرا منه بعضنا ويلصقه بالآخرين – فلا يحتاج هو الآخر الى مراجعة القواميس لمعرفة اشتقاقات مفرداته اللغوية ، بهدف الوصول الى تحديد معناه الدقيق .. لأن دلالالة مصطلح ( الطائفية ) واضحة ومعلومة ، وان كان البعض يصر على حصر دلالتها على المنطلقات والانتماءات الدينية – لهوىً في نفسه – مع العلم ان ( الطائفية ) هي نزعة اقصائية للآخر ، سواء كان منطلقها دينياً او فكريا او عصبيا .. وكل توجه ينطلق لرفض الاخر من منطلقات عقدية او ايدولوجية ولا يقبل التعايش معه ، سمكن ان سدمغ وصف (الطائفية ) ، اللهم إلا اذا كانت منطلقاتنا القكرية والايدولوجية تحتم علينا ابتداء محاربة التوجهات والتنظيمات الدينية ، ففي هذه الحالة نكون اسارى ماضينا الاقصائي للآخر الإرتري ، الذي عهدناه في الثورة الإرترية ، وهذا هو الملاحظ في الاختيارات الانتقائية للأخوة الغاضبين !! .
والخلاصة ان التعابير الواردة في الحلقة الاولى ، لم أقصد بها الإساءة الى شخص او تنظيم او تكتل سياسي معين ، لأن انتقاداتي وردت في معرض الممارسات والمواقف السياسية التي تشي بالتوجهات الاقصائية للآخر الإرتري !!.
وعليه ، أنه امر ممكن وجود وقيام تكتلات مسيحية واسلامية مع تحالفات لانتماءات قوية اخرى . كما يمكن وجود تكتلات وتحالفات من نوع آخر ، تكون مغشوشة ومصنوعة للتضليل والتعمية ، على الشعب الارتري ، وقد فعلها من قبل أسياس أفورقي في الثورة وفي تركيبة حكومته .. ولا يستبعد ان تقلده في ذلك بعض القوى السياسة الإرترية الأخرى لتحقيق غايات سياسية مشبوهة !! .
5) تطلعات اليسار العلماني المتطرف الى السلطة وفشله التاريخي فيها !!
إذا فتحنا ملفات القوى السياسية الارترية في عهودها المختلفة نجد مفارقات عجيبة .. حيث نجد في فترة تقرير المصير ، كان أبرز القوى السياسية فيها حزب الرابطة الإسلامية وتحالفاته القوية مع الحزب التقدمي الحر للرأس تسيما ، وبقية القوى السياسية الأخرى ، التي شكلت جميعها لاحقا ( الكتلة الاستقلالية ) ، والحزب الاتحادي مع أثيوبيا ( الاندنت ) وتحالفاته مع زعماء كيانات اجتماعية ودينية من المسلمين ، انحازت للمشروع الاثيوبي لتحقيق مصالح خاصة ، ولصراعات وضغوط مختلفة !!.
ومن الملاحظ أن رجالات الكتلتين المتصارعتين حول مالآت المستقبل السياسي الإرتري ، باتجاه الوحدة مع اثيوبيا ، ام باتجاه الاستقلال التام – كانوا مخلصين لمبادئهم واقوياء في مواقفهم السياسية ، وواقعيون في مواجهة التحديات الميحطة بهم ، ولم تكن لهم المؤهلات الأكاديمية والتعليمية التي أتيحت للثورة الارترية والقوى السياسية التي تراوح مكانها حتى اليوم !! .
والشاهد من ذكر المناسبة ، ان اولئك الاباء والاجداد قد حققوا في فترة وجيزة واقعا سياسيا عمليا ، تعامل معه المتخاصمان بحكمه بعد مصادمات دموية ومواجهات مريرة ، فقام النظام الفيدرالي نتيجة لنضالات تلك الحقبة ، وارتضاه الجميع ، وذلك بغض النظر عن مالآت العبث به من قبل الامبراطور الاثيوبي وأعوانه الإرتريين !! .
وحتى بعد قيام الكفاح المسلح الارتري بقيادة جبهة التحرير الارترية ، واجهزتها القيادية : المجلس الأعلى ، والقيادة الثورية ، وقادة المناطق الخمس ، فإننا اذا فتحنا ملفات الممارسات الادارية والسياسية لتلك الفترة وما لحق بها من مظالم بحق المواطنين والمناضلين ، ومقارنة كل ذلك باضرار وخسائر قيادة اليسار المتطرف للثورة الارترية في الاعوام اللاحقة ، نجد أن سجل اولئك : (التقليديون والجهلاء والقبليون والطائفيون ) – كما كان يسميهم اليسار المتطرف – كان أهون شر وأفضل ايجابيات بكثير من سجل التيارات اليسارية المتطرفة التي قادت الثورة الارترية لاحقا وأوردتها المهالك !! .
ومعلوم للشعب الإرتري ، ان جناحي اليسار المتطرف : حزب العمل الشيوعي الذي قاد جبهة التحرير الارترية – عقب اسقاطه للمجلس الأعلى ونظام المناطق والاستمرار في عبثه ومغامراته حتى غداة هزيمة جبهة التحرير في صراعها مع الشعبية وخروجها من الساحة .. وحزب الشعب الشيوعي الذي قاد الجبهة الشعبية وبرع في اختراع كل المناورات والمخططات الكيدية لاضعاف جبهة التحرير الارترية وطردها من الساحة بعد تحالفه مع ( الوياني تجراي ) والانتصار به عليها ، كان هذان الحزبان بتوجيهاتهما الفوضوية والشيوعية ، أكبر كارثة حلت بالشعب الارتري وابتلى بها في محاربة قيمة الدينية وتفكيك نسيجه الاجتماعي ونشر الفساد والرذائل بين شبابه ونسائه ، فضلا عن فشله في تحقيق غاياته السياسية في الديموقراطية والحريات العامة والخاصة وقيادم الدولة القانونية، وتحقيق الامن والسلام والتقدم الذي أصبح سراباً بعد ان كان الفردوس الموعود به!! .
وأكبر شهادة للعصر على ذلك : ما يحدث للشعب الإرتري اليوم في ظل قيادة الرئيس أسياس افورقي وحزب الشعبية ( الذي يسمى زوراً بحزب الديموقراطية والعدالة ) ، ولسنا في حاجة الاستعراض مسلسل الماسي للانهيار الامني والاجتماعي والخلقي والاقتصادي والسياسي ، والانصراف الكيفي للجيش وهروب الشباب والموظفين والدبلوماسيين ، الذي تجرى احداثه المحزنة في ارتريا المعاصرة !! .
وأما حزب العمل الشيوعي – الذي تسبب في كوارث جبهة التحرير الارترية وقادها الى الهزيمة امام الجبهة الشعبية ، قد استمر في عناده ومكابرته ، ولم يلتفت الى الماضي ، ليتعلم من أخطائه في أسباب الهزيمة وأخذ العبر لتصحيح المسيرة .. وترتب على ذلك ان تشرذمت جبهة التحرير الارترية الى عدة تنظيمات واجنحة جديدة ، ومن بينها أصبح تنظيم خاص للمجلس الثوري باسم جبهة التحرير الارترية – المجلس الثوري .
وبعد التحرير والاستقلال وانفراد الجبهة الشعبية بحكم ارتريا مع رفضها واقصائها لبقية القوى السياسية المناضلة ، اتخذ المجلس الثوري مواقف شاذة في علاقاته مع التنظيمات الاخرى المعارضة للنظام الاستبدادي .. وفي هذا الصدد اعتبر المجلس ان ميلاد حركة الجهاد الاسلامي الارترية كارثة على الشعب الارتري ، وانها وجه اخر لنظام اسياس أفورقي ، وكرس المجلس كل جهوده لمحاربة حركة الجهاد وتعبئة واستعداء الشعب الارتري ضدها بكل التصورات والاكاذيب والمفتريات عليها !! .
وعندما سعى السودان مع بداية مجيء ثورة الانقاذ ، الى تشجيع تنظيمات المعارضة الارترية على المصالحة الوطنية مع النظام الارتري ، اعترض المجلس الثوري على ذلك ورفض المشاركة في اعداد مذكرة مشتركة مع بقية التنظيمات السياسية ، بحجة وجود حركة الجهاد الاسلامي من بينها !!
ولم : يمض وقت طويل حتى اجرى المجلس اتصالاته ( منفردا ومنعزلا عن بقية المعارضة ) مع نظام اسياس .. وذات يوم ، وبناء على الاتصالات (المغشوشة ) صدَّق المجلس وعود اسياس الخادعة ، وحملت قيادته حقائبها (المليء باوراق الخطط وبرامج الشراكة ) الى مطار الخرطوم ، في طريقها الى مطار اسمرا ، وفجأة وصل اخطار من أسياس بعدم الترحيب بقيادة المجلس كتنظيم ، وانما بوصفهم افراد ومواطنين مناضلين ، وهكذا اسقط المجلس في يده امام ألاعيب ومكايد اسياس افورقي ، وعادت قيادته بحقائبها بخطة ثقيلة الى المقر الدائم !!.
وحين تحركت حركة الجهاد الاسلامي لرأب تصدعات التنظيمات المعارضة الإرترية ، وتوحيد صفها لمواجهة الخطر المشترك من النظام الارتري الدكتاتوري ، وبدأت لتحقيق هذا الهدف في حوارات ثنائية وتوقيع اتفاقات وتفاهمات معها ، كإجراءات تمهيدية للوصول الى وحدة المعارضة الارترية تصدى المجلس الثوري لهذه الجهود وأعاق تقدمها للسير بها الى الامام . وبعد جهود مكثفة من جانبنا ومحاولات عديدة للالتقاء مع المجلس ، استطعنا اخيراً ان نجتمع مع وفد يمثل جبهة التحرير الارترية – المجلس الثوري .
وبعد عدة جلسات مضنية في الخرطوم توصلنا مع المجلس الى تفاهمات واتفاقات أولية للسير معا الى امام في وحدة تنظيمات المعارضة الارترية وكان من بين اعضاء وفد المجلس البارزين المناضل المخضرم الاستاذ محمد عمر يحي، كما حضر الجلسة للمساعدة في تقريب وجهات النظر بين طرفي الحوار ، الاستاذ الصحفي والكاتب والمصور الفواتغرافي المناضل ( أحمد أبو سعده) من الجمهورية العربية السورية الشقيقة ، والتي قدمت الغالي والنفيس من السلاح والمال والتسهيلات والعلاقات والتعليم للشعب الارتري وثورته المسلحة . والاستاذ ابوسعده الذي حمل هموم الثورة الارترية وعاش معاناتها في وديان وجبال ارتريا وعرَّفها للعالم العربي والخارجي ونقل معاركها واحداثها لعقود طويلة وقد تعرض لمخاطر جمه ، وكان متطلع بشغف الى يوم التحرير والاستقلال ولكن تبخرت أحلامه الوردية عن عروبة ارتريا وديموقراطيتها ، بعد الاستقلال وشروق يوم أغبر علي ارتريا !! ، فكاد ان يموت أبوسعده كمداً وحسرة للصدمة العنيفة ، على مآلات ارتريا !!.
وهكذا ظل اشمئزاز المجلس الثوري ، من دخول تحالفات تضمه مع التنظيمات الاسلامية مستمراً على حاله ، الى حين ظهور عوامل خارجية اجبرته للقبول بالدخول في تحالف عريض للمعارضة ، وذلك حين استفحل خطر النظام الارتري على السودان واثيوبيا واليمن ، فتداعت هذه الدول لاقامة تحالف صنعاء لمواجهة خطر أسياس افورقي ، فاحتاجت هذه الدول الى دعم المعارضة الارترية، وماكان ذلك سهلاً وميسرا بغير وحدة التنظيمات الارترية المعارضة .
ونتيجة لهذه التطورات الخارجية وسحر بريق اموالها الموعود بها للتحالف الارتري ضد اسياس ، بادرا المجلس الثوري بالقبول والدخول في التحالف مع التنظيمات الاخرى ولم يتمسك باستعمال ( الفيتو) ضد التنظيمات الاسلامية في هذه المرة ، طالما وجدت مصلحة مباشرة في المشاركة ، وطالما قاعدة ( الغاية تبرر الوسيلة ) – لمكيافيلي – هي قاعدة ذهبية عند اليسار المتطرف الارتري ، ويجب الاخذ بها دائماً ، بغض النظر عما تأمر به المبادئي والقيم !!
وهكذا تم الاتفاق على اقامة التجمع الوطني ، ومن بعضه لاحقا التحالف الوطني ، كإطار وحدوي جبهوي ، لكل اطياف اللون السياسي الارتري ، من علمانين ويسارين واسلاميين وقوميين ، لبدء ومواصلة مسيرة نضال مشترك ضد النظام الدكتاتوري .. ولكن الاخوة في المجلس الثوري كانوا غير راضين عن واقع التحالف الوطني ، لانهم كانوا يرون هم الاجدر بقيادة المعارضة الارترية ، ولم يتحقق ذلك بالكيفية المطلوبة دائماً لان الاخوة كانوا مولعين بتصنيفات مبكرة للمعارضة من قبيل : قوى فاعلة واخرى هامشية او عملية او طائفية ، وهذه التصنيفات أوجدت جواً استفزازياً وخصومات وعداوات متكررة بين المعارضة ، وأخيراً آثر المجلس الخروج من التحالف الوطني والنضال بمفرده !! .
ثم حدث تطورا آخر وذلك حين انشق قادة بارزون من الجبهة الشعبية الحاكمة ، وانحاز بعضهم الى صف المعارضة الارترية المناضلة لاسقاط الدكتاتورية .. ومن هؤلاء القادة مسفن حقوص ( وزير دفاع سابق) وادحنوم قبري ماريام ( سفير سابق) وعبدالله آدم (سفير سابق) ومحمد نور ( سفير سابق ) وغير هؤلاء كثر – ممن تمردوا على النظام الاستبدادي ، وبغض النظر عن ادوارهم المختلفة ضده .
والمؤسف ان معركة التصنيفات الاستفزازية والاقصائية والظالمة التي خاضها من قبل المجلس الثوري ضد الاسلاميين والقوميين ، قد وجدت لها انصارا جدداً من بعض القادمين من الجبهة الشعبية فاشتدت سهام الاستفزازية والانتقائية ضد الاخر الارتري !! .
واتخذت هذه المخططات الاقصائية منحىً خطيراً ، وذلك حين دعا المجلس الثوري وحلفاؤه الجدد الى وجوب حصر التحالف الارتري المزمع اقامته – فيما اسموه زوراً وبهتاناً – في القوة الفاعلة والحية ، وطرد القوى الطائفية والقبلية والعميلة منه ، حسب زعمهم في التصنيفات الاقصائية والعدوانية للآخرى الارتري !! .
ولإنجاح هذا المخطط الاجرامي وضع الاقصائيون خطة جهنمية متدرجة ، تبدأ باستقطاب جبهة التحرير الارترية والحركة الفيدرالية في المرحلة الأولى وإقامة التحالف من التنظيمات الاربع : المجلس الثوري ، والحزب الديموقراطي، وجبهة التحرير ، والحركة الفيدرالية ، مع اقصاء وطرد التنظيمات الأخرى ( مما يسمونه بالطائفين ، والقبليين والهامشيين والعملاء ) . واذا نجح هذا المخطط سيتم لاحقاً الانتقال الى طرد وتهميش جبهة التحرير والحركة الفيدرالية ، لأن يساريتهما وعلمانيتهما أمور مشكوك فيها ، ولأ نهما – أي الجبهة ، والفيدرالية لديهما نفس الافكار الموجودة لدى الطائفيين والقوميين !! .
ولم تكن الجبهة والفيدرالية بهذا البساطة والاستغفال والسذاجة ، حتى تمر عليهما هذه الحيلة الماكره !! ويدل على صحة مانقول وقائع اجتماعات فرانكفورت بالمانيا ولندن وغيرها للوصول الى هذا المخطط ، وعلى اية حال رفضت الفكرة بقوة من الجبهة والفدرالية .
وفي محاولة اخرى تقدم المجلس الثوري والحزب الديموقراطي بمقترح جديد لاقامة التحالف الارتري من تنظيمات ستة ، المجلس الثوري ، والحزب الديموقراطي ، وجبهة التحرير ، والحركة الفيدرالية ، والحزب الاسلامي ، والمؤتمر الشعبي (حركة الاصلاح الاسلامي ) مع الاستغناء عن بقية التنظيمات الاخرى .. وتمت مناقشة هذا الاقتراح في الخرطوم ولكن تم رفض هذا المقترح ايضا ، ودعونا الى وجوب اقامة التحالف الارتري من جميع التنظيمات الارترية دون إستثناء طرف منه .
وهكذا كان ميلاد (التحالف الديموقراطي الارتري ) ولم يكن هناك خيار اخر امام الاخوة في المجلس الثوري والحزب الديموقراطي ، لان رقابهم المشرأبة وعيونهم المفتحة كانت مصوبة نحو الدعم الموعود به للمعارضة من قبل دول تجمع صنعاء !! .
وما حدث بعد ذلك ، داخل مؤتمرات واجتماعات التحالف الديموقراطي الارتري ، من شغب واقصاءات ، ومحاور وتكتلات للسيطرة على التحالف وقيادته ، وتهميش الاخر الارتري فيه ، معلوم للجميع ، حتى انتهى الامر بشق التحالف وتجميد نشاطه ، نتيجة للادوار السالبة للمجلس الثوري والحزب الديموقراطي ، ومن شأيعهما !! .
وبعد ان التأم شمل وحدة التحالف الديموقراطي مرة اخرى ، لم تنته معاناته في وحدته الداخلية ، وأصبحت التهم المتبادلة عن مسئوولية تفاقم المشاكل الداخلية والمعيقة لمسيرة التحالف الديموقراطي هي الهواجس المؤرقة لأطرافه !! .
واليوم يعيش التحالف الديموقراطي تطورا اخر ودورة جديدة ، في توتر علاقات تنظيماته ومكوناته الاساسية ، ذلك أن المؤتمر الاخير لتنظيمات التحالف المتنافسة والمتصارعة ، قد أفرز مشكلات جديدة تشغل الجميع للاصطراع حولها، بدلا من توجيه طاقات الجميع نحو الهدف المتفق عليها !! .
وكان محور الخلافات فيما مضى يدور حول من يقود التحالف ، تحت ذرائع كثيرة ، سبب التنظير فيها تعميق الصراعات الداخلية .. واذا كانت كتلة الديموقراطي الشعبي عجزت عن اقناع بقية التنظيمات الاخرى المنافسة لها بحسن نواياها تجاه الاخر الارتري وقدرتها في المحافظة على تماسك مكونات التحالف والسير به الى الامام ، واكتفائها ببناء وحدتها الداخلية الاندماجية تمهيداً لتهيئة الاجواء للوصول الى حكم ارتريا ، فان ظهور كتلة جبهة التضامن الارترية وتطلعها لتوحيد المهمشين من المسلمين وغيرهم من المواطنين ، قد قلب ذلك موازين العمل السياسي الارتري واستراتيجيته لدى كتلة الشعب الديموقراطي !!.
وحيث ان كتلة الديمواقراطي الشعبي تعتقد وهما ان ميلاد جبهة التضامن الارتري يعتبر خطرا على مشروعاتها الانفرادية بالسلطة ومشروعاتها الاقصائية للآخر الإرتري في انتقاص حقوقه الوطنية مجاراة لسياسات الجبهة الشعبية الحاكمة ، اتجهت خطة اليسار المتطرف بعد ميلاد جبهة التضامن الى تشويه سمعتها لدى الرآي العام الارتري ، والعمل على إفشال مجهوداتها في جمع شمل المهمشين جميعاً ، للدفاع عن حقوقهم المغتصبة والمنتهكة من قبل النظام الدكتاتوري والطائفي ، وهذه هي المهمة الاولى التي تحظى بالأولوية في نضالات تجمع الشعب الديموقراطي ومن يشايعهم !! .
وتحقيقا لتخريب وحدة الصف المسلم ، سعى تكتل الشعبي الديموقراطي الى استقطاب عدد من المناضلين ممن كان يعتبرهم بالامس هواشم وحثالات – وعدد من التنظيمات المنتمية لشرائح المجتمع المسلم ، لإعطاء كتلته وجها جميلا لموائمة التمثيل الوطني لمكونات الشعب الارتري من مسلمين ومسيحيين !! .
وليس في هذا السلوك الاستقطابي لمناضلين وتنظيمات عيب أو عمل غير سياسي ، ولكن العيب في الخداع والوسائل الملتوية في علاقات الاخر ، فجعل المناضلين هامشين وحثالات وجعل التنظيمات طائفية وقبلية عند الاستغناء عنها واقصائها مرة ، وجعل هؤلاء وهؤلاء مناضلين شرفاء وأبطال ورموز إجتماعية وأذكياء … الخ ، مرة اخرى عند الحاجة اليهم ، هذا السلوك ينم عن النفاق والخداع الماكر ، ويهدف الى تفتيت الصف السلم وإغراقه في خلافات ونزاعات داخلية تشغله عن الهموم الكبيرة ، وكذلك يدل هذا السلوك بإطلاق النعوت البراقة والثناء الأجوف من قبل الشعبي والديموقراطي على هؤلاء المناضلين من شخصيات وتنظيمات ، انما يدل على السخرية والاستهزاء من خداع اليسار المتطرف وسياساته ومواقفه المزدوجة وغير المبدئية ، أكثر مما يسيء الى هؤلاء المستضافين على مائدة المكايدات السياسية ، لأن هذا الثناء والمديح المزيف لايزيد في قيمتهم الاجتماعية والسياسية ، حتى يكونوا مقبولين عند الجمهور كما يعتقد الشعبي والديموقراطي !! ، وعلى العكس من ذلك ( سيطرح على هؤلاء المناضلين المستدرجين اسئلة كبيرة ومحرجة من قبيل :-
1. هل اليسار الطائفي المتطرف الذي يمثله الشعبي والديموقراطي – غيّر مواقفه السالبة والاقصائية إزاء اشخاصكم وتنظيماتكم الاسلامية والقومية ، حتى تقيمون معه تحالفات ضد جبهة التضامن الارترية – تدرون أو لا تدرون ؟؟!!.
2. وإذا كنتم اقتنعتم بخياراتكم السياسية للحاق والانضمام الى موكب يجمعكم مع الشعبي والديموقراطي – بحسبانهما الاقدر والاجدر بحكم ارتريا كما تعتقدون ، فهل من الضروري التبرع له بالاساءة والتجريح والادانات المبطنه والمعلنة ضد جبهة التضامن الارترية – بأسماء حقيقية او مستعارة ؟؟ ام ذلك هو الثمن المطلوب لقبولكم في تجمع اليسار المتطرف الطائفي؟؟
وهناك عشرات الاسئلة يمكن اثارتها وطرحها على الاخوة المناضلين الذين اضطروا كما نعتقد للإصطفاف في تكتل الشعبي الديموقراطي الذي اصبح برنامجه المفضل وأولوياته الملحة تشويه ومحاربة جبهة التضامن الارترية في كل المنابر المتاحة أمامه !! .
وليلعم الجميع ، لو كان هناك اقل بصيص أمل لوصول موكب استلام السلطة ووراثتها من حكومة الشعبية ، لما اعترضنا على هذه التحالفات ومغامراتها المجهولة ؟! . ولكن نعلم يقينا – بحسابات البشر – أن ( حصان طروادة ) الذي يحمل في سراديبه قيادة المستقبل ، أصالة او تبعية او طمعاً في بريق السلطة وفتاتها عندما يتحرك نحو اسمرا لن يصل موكبه مجتمعاً وموحداً الى مبتغاه الأخير !! .
لأن المشكلة والعقدة المستعصية عن الحل تكمن في :-
من يقنع حزب الجبهة الشعبية الحاكم وجماهيره وتراثه الإقصائي لجبهة التحرير الإرترية المسماة عنده (عامّة) تحقيراً واستهزاءً بها ، بانها سترحب بقدوم حزب الشعب الارتري ، ذي الخلفية التراثية لجبهة التحرير ( عامّة) حتى ولو تناغم الشعبي مع دستور ومبادئي الشعبية لتطبيع روابطه معها ، ناهيك عن تحفظات الشعبية على خلفيات بقية الرفقة المختبئة في سراديب حصان طروادة !!.
ونتيجة لهذا التناقضات الأساسية والحواجز النفسية ومرارات العلاقات الماضية ، وكلها تمثل عوائق وألغام في طريق حصان طرواده ، فان الموكب المهيب لحصان طروادة نحو العاصمة أسمرا لن يستقبل بالموسيقى والدفوف والطبول وطوابير الشرف للقادم الجديد لاستلام السلطة الطائرة في الافق الارتري !!! .
علماً بان هناك ترتيبات تجري في الافق الاقليمي والدولي ، منذ فترة ليست قصيرة ، تتحرك لحل معضلة كيفية تغيير الرئيس أسياس أفورقي وانتقال السلطة عنه بشكل سلمي وسلس ، ضمن إطارات تضمن إستمرار السلطة تحت قبضة حزب الجبهة الشعبية الديمواقراطية والعدالة !! .
وبالطبع ان هذه الترتيبات لاتهتم ولا تعنى بأهمية إشراك المسلمين بشكل حقيقي ومتوازن في السلطة والثروة والتنمية لأن سياسات تهميش المسلمين وجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية هي محل تفاهمات دولية واقليمية ومحلية ! .. فهل يفهم المستغفلون من المسلمين ما يحاك لهم من مخططات التهميش والاقصاء؟؟!!.
وأخيراً أحب أن أوكد هنا لاخواني الذين لهم خيارات سياسية بعيداً عن جبهة التضامن الارترية ، انني احمل لاشخاصهم كمناضلين ومواطنين شرفاء كل تقدير واحترام ، كما احترم خياراتكم السياسية عندما نطمئن انها صادرة عن دراية ودراسة غير متعجلة ، ولكن لابد من الانتباه الى ان الخطأ في حساب المالآت السياسة للقضايا الاستراتيجية غير مغتفر وان عاقبته ندم وخسارة ولابد لنا جميعا ان نعتبر من صرعى المستجيرين من الرمضاء بالنار وصرعى القابعين في ردهات المغفلين النافعين ، ممن ساروا من قبلُ في مواكب اليسار المتطرف الطائفي ، والذي يحكم بعضه ارتريا بالحديد والنار ، تحت قبضة الدكتاتور المستبد اسياس افورقي .
وأقول ايضا للأخوة المناضلين : قيادة كتلة الشعبي الديموقراطي ، رغم كل المغامرات والخيارات الاقصائية التي يتبناها تياركم اليسارى الطائفي ضدنا ، وتخويفكم الشعب الإرتري بوادي سوات القادم ، وتهديدنا بغوانتناموا ارترية ، فاننا لانحمل لأشخاصكم عداوات أو بغضاً او كراهية ، لان نضالاتكم ضد المستعمر الاثيوبي السابق وضد الدكتاتورية القائمة ، لاينكرها إلا جاحد لفضيلة العدل والإنصاف . ولكننا نختلف معكم في أفكاركم وسياساتكم الإقصائية للآخر الارتري ، في قيمة الدينية والاجتماعية وحقوقه الوطنية وخياراته السياسية ، فهل من الممكن ان نجري معاً حوارات جادة في أجواء الشفافية والمصداقية المتبادلة ، حتى نساعد أنفسنا في إيجاد حلول مشتركة للخروج من أزماتنا البينية ومواجهة التحديدات الكبرى لشعبنا ؟؟ .
6) مؤتمر الحوار الوطني ( تجمع التبني خيارات الشعب الإرتري ) :-
ان التطور السياسي المعاصر لأنظمة الحكم المختلفة ، قد بلغته الشعوب والأمم المتحضرة بعد معاناة وصراعات دموية عنيفة ، لقرون وعقود مضت .. وكان من ثمرة تلك الصراعات بروز أنظمة حكم ديموقراطية ومحافظة ، ودكتاتورية بأشكال مختلفة .
ان ( النظام الديموقراطي الليبرالي ) الذي يعتبر أفضل النظم المعاصرة ، بالمقارنة مع أنظمة الحكم الاستبدادية والتقليدية ، قد بلغته أوربا ، بعد ان أزهقت ارواح كثيرة وسالت دماء غزيرة في شوارع مدن أوربا ووديانها .. وكان ثمن (الديمواقراطية الليبرالية ) مكلفا وغاليا بحق ، وكان لابد من هذا الثمن الباهظ ، طالما أوسدت الأبواب والنوافذ أمام مجهودات الحلول السليمة المخلصة !! .
وفي ارتريا ، يواجه الشعب الإرتري اليوم نوعين من التحديات الساخنة ، تحدى مواجهة النظام الدكتاتوري وضرورة إسقاطه وإقامة نظام ( ديموقراطي ليبرالي) على أنقاضه ، وتحدٍ آخر يتعلق بغياب العدل والمساواة والإنصاف في حقوق المواطنة الإرترية ، حيث أصبحت ظاهرة التهميش والإنتقاص لحقوق المواطنة بحق المسلمين ومكونات أخرى من الشعب الارتري ، هي ظاهرة خطيرة ومهددة بحرب أهلية دموية قادمة ، ان لم يتدخل العقلاء من السياسين والمثقفين ، لوضع حد لعبث الطغاة والإقصائيين في ارتريا !! .
ومابذل من مجهودات وحوارات لفهم ومناقشة المشكلات الإرترية ، والبحث عن حلول لها ، لاتزال هذه المساعي في بداية طريق طويل نحو رحلة الوفاق والسلام الارتري .. وماقامت به قيادة التحالف الديموقراطي الارتري في الأشهر المنصرمة من دراسات وورش حوارات مركزية تصب في هذا الإتجاه ، وتعتبر بدايات صحيحة للسير الى الأمام .
وأنا اعتقد ، لكي ينجح مؤتمر الحوار الوطني في غاياته المرجوة ، لابد من طرح كل القضايا المركزية والأساسية لأوجه الصراع الارتري الارتري على الشعب الارتري لمناقشتها وإبداء التوصيات بشأنها .. وأعتقد ان المواقع الإلكترونية وكافة المثقفين وتجمعات الجاليات الإرترية ، فضلا عن سمنارات التنظيمات السياسية ، هي الميادين الطبيعية والصحيحة لمناقشة قضايا الحوار الوطني الارتري ، وليس الكواليس المغلقة لمؤتمرات وإجتماعات التحالف الديمواقراطي وتنظيماته المتربصة بعضها ببعض !! .
وكذلك لا اتفق مع الأفكار والتعابير القائلة : ( لايعقل ان تزاحم ( قيادانا السياسية) عامة الناس بالخروج الى المواقع الإلكترونية بكتابات أقل من عادية…)، (والرقابة مطلوبة حتى من مواقعنا الإلكترونية المستقلة ، فمن الضروري بمكان عدم ترك الحبل على القارب بحجة حرية التعبير ) . ومع اعتذاري للأخ المناضل حامد ضرار ، فإن هذه الأفكار هي التي ساق بها اليسار المتطرف الثورة الإرترية الى الفشل والهاوية وهي التي جعل منها النظام الدكتاتوري ذرائع لقمع الصحافة الحرة في ارتريا فضلا عن جحوده عن إقامة نظام ديمواقراطي !! .
ومن أهم القضايات الجديرة بالمناقشة والاتفاق حولها في ملتقيات الحوار الوطني وحوارات المثقفين والمواقع الإلكترونية مايلي :-
1. اسقاط النظام الدكتاتوري وطبيعة شكل الديموقراطية ونظام الحكم الذي يناسب ارتريا .
2. الاتفاق على نظام ديموقراطي يضمن الحريات العامة والخاصة والتعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة .
3. الإقرار بالهوية الثنائية للشعب الإرتري واستحقاقاتها في الدين واللغة والثقافة وكافة حقوق المواطنة ، على أساس من المشاركة والمساواة في جميع مؤسسات الدولة السياسية ، والمدنية والعسكرية .
4. الاتفاق على وقف التغيير الديموقراطي ( للاستيطان الداخلي) ، الذي يجرى في اراضي السمسلمين ظلماً وعدوانا وعودة اللاجئين الى ديارهم وممتلكاتهم وأراضيهم التاريخية وإدانة النظام الإرتري لأسياس افورقي الذي يزرع الكراهية بين مكونات الشعب الارتري . والبحث في مقترحات جادة لايجاد حلول عادلة لمشكلة ضيق الاراضي في المرتفعات الإرترية .
5. مناقشة اية موضوعات أخرى يتفق المتحاورون – من السياسيين والمثقفين – على طرحها ومناقشتها ، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بضمانات العيش الإيجابي المشترك للشعب الإرتري .
7) لماذا يحدث التردد ، في تأييد إنتفاضة مجتمع الساهو ، ضد النظام الظالم ؟؟
يعيش مجتمع الساهو في جنوب شرق إرتريا ، وينتمي في جذوره الإجتماعية الى الهجرات السامية العربية وتصاهرها مع الأصول الحامية في المنطقة ، كما هو الحال في أغلب التجمعات السكانية للشعب الإرتري . وجميع قبائل الساهو مسلمة ، أو أغلبها اذا أخذنا في الإعتبار قبيلة الإيروب الرعوية الناطقة بالساهوية وتترحل بين إرتريا وإقليم تيجراي .
وتتحدث قبائل الساهو اللغة السهاوية ، وتنتسب اليها لغة وثقافة أغلب القبائل السهاوية ، ويعتقد أن قبيلة الإيروب أقدم من تحدث باللغة السهاوية ثم سادت اللغة بقية القبائل والعشائر الوافدة الى المنطقة . . وتنتمي لغات الساهو والعفر والصومال والأرومو في جذورها الأولى الى عائلة واحدة في شجرة اللغات الحامية .
وفي العهود الخديوية والإيطالية والبريطانية كان زعماء مجتمع الساهو يحملون ألقاب الباشا والبيك ، وآخرهم كان الزعيم ناصر باشا الذي كان يرأس عشائر الأساورتا ، والزعيم على بك الذي كان يرأس عشائر الساهو ( المنفري ، والحذو ، والتروعا ، والإدّا ) .
وبالرغم من وحدة الدين الإسلامي واللغة والثقافة المشتركة لمجتمع الساهو إلا أن الصراعات الداخلية والمنافسات السياسية حول زعامة مقاليد السلطة الأهلية، كثيراً ما أهدرت طاقات مجتمع الساهو ، وتركت بين المتنافسين في الزعامة مرارات خلفت وراءها الضعف والإنشغال بخلافات البيت الداخلي مع الإنصراف عن متابعة التحديات الخارجية المحيطة بمجتمع الساهو في أغلب الأحوال ! .
وتعتبر مشاكل مكلية الأراضي الزراعية والرعوية محور الصراعات بين مجتمع الساهو ومجتمع التجرنيا ، قديماً وحديثاً ، وكثيراً ما كان يستغل زعماء ودهماء المجتمع التجريني خلافات مجتمع الساهو في إضعافهم وضرب بعضهم ببعض ، وهذا مايحدث الآن في ظل حكم الجبهة الشعبية ورئيسها أسياس أفورقي.
وبالرغم من الصراعات الداخلية في مجتمع الساهو إلا أنهم كانوا دائماً متضامنين ومتراصة صفوفهم ، عندما تنتهك حقوقهم في مكلية الأراضي أو تنتهك أعراضهم وحرماتهم الدينية ، وحينئذ يهبون كلهم كالأسود الضارية ولا يتخلف منهم أحد عن الدفاع عن حقوق القبيلة وشرفها ! .
وما حدث منذ أشهر ولفترة طويلة ، من مواجهات وإقتتال بين المقاومة الشعبية لمجتمع الساهو والحكومة الإرترية ، يعتبر تجديداً وتكراراً لما كان يحدث قديماً من مسلسل إنتهاكات الأعراض والأراضي وإستفزازات الإقصائيين الرافضين للتعايش الايجابي المشترك .
والمتحقق من المعلومات الواردة من منطقة الصراع في أكلي قوزاي ، وماعكسته بعض المواقع الإلكترونية الإرترية المعارضة للنظام الديكتاتوري ، أن الحكومة الإرترية بادرت بإحتواء المشكلة عن طريق العفو العام عن المنتفضين والتودد إلى وجهاء وأعيان المنطقة بغرض التصالح مع مجتمع الساهو ومقاومته الشعبية . وجاءت هذه المبادرات بعد أن أخذ ضباط النظام الفجرة والمنتهكين لأعراض المسلمات العفيفات جزاءهم من القتل والضرب والطرد من المنطقة بأيدي الأهالي ومقاومتهم المسلحة !! .
ويبدو أن النظام أدرك خطورة استمرار الإنتفاضة الشعبية ، وخشي انتشار لهيبها في مناطق أخرى من أقاليم المسلمين ، الذين تنتهك أعراضهم وحرماتهم الدينية وتنتزع أراضيهم ضمن مشروعات التغيير الديموقراطي والاستيطان الداخلي الذي يجرى في أقليم القاش وبركا .
وما أشبه الليلة بالبارحة ، فحوادث أكلي قوزاي تذكرنا بانتفاضة أهالي قرية عرّي المعروفة في بركا ، للدفاع عن نسائهم وبناتهم ، وذلك عندما داهمت ذات صباح باكر قوة مدججة بالسلاح من وحدات الجبهة الشعبية ، بغرض محاصرة القرية وانتزاع فتياتها للتجنيد الإجباري ، وحينئذ إنبرى أهالي عرّي شيوخا وشباباً للتصدي للقوة المعتدية ، وامتشقوا السيوف والفؤوس والسكاكين والعصي لردّ المعتدين ، وسقط منهم عدد من القتلى والجرحى ، كما سقط عدد أكبر من شهداء القرية ، وأضطر البغاة المهاجمين للإنسحاب من القرية ، والكل يعلم كيف كانت شرارة أهالي عرّي لهيبا أحرق الوادي في وجه الجبهة الشعبية ، حيث تناغم مع حوادثها وتنادى وتجاوب مع صداها كل قبائل وعشائرالمسلمين في إرتريا وخارجها !! .
وكذلك تذكرنا حوادث وإنتفاضة أهالي الساهو بفتنة أم سقطة – إحدى أكبر قرى مناطق اللاجئين في جنوب القضارف بالسودان – وذلك حين دعت الجبهة الشعبية في إحدى مناسباتها الفاجرة ، إلى إحياء المناسبة بالغناء والرقص باسم القبائل المدعوة اليها . وسربت الشعبية معلومة مفادها : هل تقدم الأغاني والفنون الشعبية باسم الاساورتا أم باسم الساهو ، وهنا اشتعلت الفتنة وتنادى القوم للإنتصار والإقتتال فيما بينهم ، وتجهز الطرفان بالسلاح الناري والسيوف والفؤوس للدخول في معركة فاصلة شعارها ( لمن تكون الليلة الكلمة العليا لتأكيد الزعامة ) !!!.
وهنا انتفض الشيخ عرفة أحمد محمد وزميله الأستاذ صالح حامد عليه رحمة الله لإطفاء الفتنة وبادرا بالاتصال بمدير اللاجئين الاستاذ محمد أحمد حسين عبدالعليم لطلب إيقاف الفتنة منه ، وفعلاً إستخدم سلطاته وتم تفكيك السرداق الضخم الذي أعدته الجبهة الشعبية لإحياء ليلة فاجرة تسفك فيها دماء غزيرة وتزهق فيها أرواح عزيزة من أهالي الساهو !! .
وعلى خلفية حوادث وإنتفاضة أهالي عرّي ، وحادثة فتنة أم سقطة ، ظهرت الحركات الشعبية الجهادية المنادية بضرورة وجوب ترك المسلمين الصراعات العصيبة والداخلية فيما بينهم ، والاتجاه نحو الدفاع عن أعراضهم وحقوقهم المنتهكة من الجبهة الشعبية .. وكانت لجنة المستضعفين في مدن شرق السودان ، ولجنة الوفاق الإسلامي من مناطق اللاجئين نتاجاً لهذا التوجه الجديد .. وتم بالفعل كثمرة للتواصل والتنسيق بين لجنة الوفاق الإسلامي ، ولجنة المستضعفين ، واللجنة العليا المشرفة على وحدة منظمة الرواد المسلمين ، والجبهة الإسلامية ، ميلاد حركة الجهاد الإسلامي الإرترية برئاسة الشيخ الأمير عرفة أحمد محمد .
والشاهد من ذكر هذه الحوادث ، المعلومة للجميع ، أن أسياس أفورقي تعلم من أخطاء الماضي ولايريد تكرارها ، لهذا بادر باحتواء انتفاضة أهالي الساهو في أكلي قوزاي .. والذي نريد ان نؤكده هنا ، أن علاج مظالم المسلمين وإنتهاكات حرماتهم وحقوقهم ليس في تهدئة خواطرهم والإعتذار إليهم ، وانما يتم العلاج برفع الظلم والدونية والتهميش عنهم ، وإعتبارهم مواطنين بشراكة حقيقية وليس من منطلقات المواطنة من الدرجة الثانية أو الثالثة !! .
وفي الحقيقة أن الذي جعل إنتفاضة مجتمع الساهو تهدأ لبعض الوقت ليس خداع النظام الإرتري وشطارته في تفريق وحدة صف مجتمع الساهو ، وإنما كان السبب تأخر الدعم والتأييد المطلوبين عن الإنتفاضة في الوقت المناسب ، هذا هو الذي ساعد النظام على إحتواء المشكلة .. وكان ينبغي من تنظيمات المعارضة ، وكافة القوى السياسية والمثقفة ، والقوى الإجتماعية للمكونات الإرترية ، ان تبادر بدعم الانتفاضة وتأييدها ، وتقف خلفها بكل الإمكانات المتاحة .
ولكن ماذا نصنع أمام خذلان التناقضات الثانوية والحسابات الخاطئة للسياسيين والمثقفين من أبنائنا ، فلم يكن هناك مبرر للإختلاف والتردد حول أهمية دعم المدافعين عن أعراضهم وحقوقهم .. لان أي عمل إيجابي مقاوم للنظام الإستبدادي فيه مصلحة للجميع مهما تباينت العمليات المعقدة لحساب المصالح التنظيمية والفئوية !! .
* * *
وفي ختام الحلقة الثالثة أود ان أختتمها بملخص عام للموضوعات والمقالات التي تناولتها بشيء من الإسهاب ، على النحو التالي :-
1. أن التحدي الذي يواجهه شعبنا الإرتري يمكن تلخيصه في قضيتين ، الأولى : وجود نظام دكتاتوري يعاني منه كل الشعب الإرتري بمختلف فئاته وقواه السياسية .. وحل هذه المعضلة يكون في إسقاط الدكتاتورية وإقامة نظام ديمواقراطي على أنقاضه ، ويضمن للشعب الارتري كافة الحريات العامة والخاصة وقيام التعددية السياسية والحزبية ودولة القانون والمؤسسات الدستورية . والقضية الثانية : وجود مظالم داخلية وخلل في حقوق المواطنة ، وبوجه خاص وقوع مظالم وانتقاص في حقوق المواطنة بالنسبة للمسلمين الى درجة انهم أصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية ، وهذا الخلل طالته القسمة الظالمة بالنسبة لهم ، سواء في السلطة أوالثروة أو التنمية أو في الحقوق الدينية والثقافية ، وغير ذلك من أوجه المظالم .. وحل هذه المعضلة يكون في تصحيح معايير الشراكة الحقيقية بين المسلمين والمسيحيين !! .
2. للوصول الى حلول جذرية يتفق عليها المجتمع المسلم والمجتمع المسيحي، حول قضايا الهوية الثنائية للشعب الإرتري – كما نعتقد نحن – وحول الاتفاق على مستحقات الهوية الثنائية على كافة مستويات الحقوق المتوازنة، لابد أن تكون حوراتنا الوطنية على قدر كبير من الشفافية والموضوعية وهذا لايتحقق إلا بجعل الأبواب مفتحة لكافة القوى السياسية والمثقفة ومنظمات المجتمع المدني لتدلي بارائها ومقترحاتها حول المشكلات الارترية الاسياسية ، حتى تكون توصيات الجميع أساساً للحلول والإتفاقات التي تخدم التعايش الايجابي للشعب الإرتري .
3. ان الحوارات والمناقشات الساخنة ، التي نكون جميعنا طرفاً فيها ، لا نضجر ولا نتبرم منها ، وعلينا ان نعترف نحن الارتريين ليست لنا تجارب عميقة لفهم التعايش الأخوي والإيجابي مع الاخر الارتري الذي يختلف معنا .. وعليه كل المواجهات الساخنة بيننا – ودون الإقتتال – يجب ان نرحب بها حتى نتعرف على وجهات النظر المختلفة . واذا أشركنا في حواراتنا – نحن السياسيين – المثقفين ومنظمات المجتمع المدني ، وجعلنا حواراتنا ومناقشاتنا مفتوحة أمام الجماهير الإرترية ، فإن هذا المنهج هو الذي يجعلنا جادين في مقترحاتنا وحلولنا للمشكلات الإرترية المعلقة !! .
–انتهت الحلقة الثالثة–
–في 27/10/2009م–
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=103
أحدث النعليقات