للذكرى معناها
بقلم: عــمـــــر هيــابـــوا
Heyab3@yahoo.com
في يوم 14/4/1992 تمر علينا حادثة اعتقال الدعاة والمعلمين في المعاهد الاسلامية فى ارتريا فأردت ان اشارك بهذه الأسطر وفاءا وحبا ومودة لهؤلاء الشرفاء من بني وطني وان لم اكن من اهل القلم والاختصاص فليس القصد منها الاتيان بالجديد وذكر مالم يذكرْ ولكن للذكرى فقط [لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد ].
فلو بحثت بين دفاتري وبين اوراق كتاباتي لعلني اجد ما سجلته فيها من الحديث الذي مضى فيه اربعة عشرة عاما كاملة واستعرض ذكرياته وتقليب صفحاته لأن هذا الحديث شاهد لايكذب وكاتب لا يحرف الكلم عن مواضعه ولا ينحرف بالقول الى غير مظانه ومراجعه .
فكلماتذكرت هذه الأيام تترقرقت دموعي في جبيني وأتمثل بقول الشاعر :
أمـرٌ على الديار ديار سلمى أقبًل ذا الجدارَ وذا الجدارَا
فلن اجد فيها الكلمات التي تسعفني لأعبر عما يجول في خاطري فلقد عجز لساني وفاضت احاسيسي ومشاعري فلم اجد سوى قلمي هذا لأعبر به أحرفا من المودة لهؤلاء الشرفاء .
ولم ارد ان اضع على الجرح ملحا ليزداد ألمـا ولكن كلما مضى عام عانق عاما جديدا ليحمل معه الكثير من الآمال والثقة في وعد الله ونصره .
بينما صفوة الصفوة من الأمة الارترية قابعون في غياهب السجون لا يدري عنهم اهليهم شيئا أهم في الحياة ام في الآخرى .. دون ذنب إقترفوه او جريمة إرتكبوها الا ان قالوا ربنا الله [ أتقتلون رجلا ان يقول ربي الله ] وسوى أنهم حملوا على اعناقهم أمانة هذه الأمة وميراث هذه الرسالة التى كانوا حريصين على نشرها وتبليغها من حرصهم على المال والولد .. فطبيعيا جدا ان يؤاذى من كانت همته هذه في عالم الأشرار الذين لا يرعون دينا ولا خلقا .
فالسجن ليس جديدا في حياة الدعاة فقديما :
سجن ابن تيمية فكان شيخ الاسلام
وسجن العز بن عبد السلام فأصبح سلطان العلماء
وسجن الامام احمد فصار امام اهل السنة .
فلا تظنوا السجن قهر، رب سجن قاد نصرا .. فحياة الدعاة ليست مفروشة بالرياحين والورود .. لا يسلك هذه الطريق الوعر الشاق الا أولـوالعزم من الرجال .. ولا يصبر عليه الا من تذوق حلاوة الايمان .. فكانوا اشد الناس ادراكا لما سيتعرضون له من اذى ومحن وابتلاءات ..
ولو كانوا من أهل الدعة والراحات لكان لهم من السهل ان يشتغلوا مثل اقرانهم في الخليج او السفر الى الغرب بحثا عن لقمة العيش لكن هممهم العالية ونفوسهم الكبيرة هي التى حملتهم للعودة الى ارض الوطن فهم اصحاب الوطنية الحقة ـ ان جاز لي التعبيرـ فالوطنية : ليست شعارات او هتافات تردد ولا لافتات ترفع او تعلق بل هي إيمان وعمل والتزام بالحق وتضحية وصبر .
انا ان عشت لست اعدم قوتا واذا مت لست اعدم قبـرا
همتى همة الملـوك ونفسي نفس حر ترى المذلة كفرا
واذا ما قنعت بالقوت عمري فلماذا اخاف زيدا وعمروا
فهؤلاء هم صناع الحياة ورجال التأريخ فكم من اناس يمرون على هذه الدنيا مرورا عابرا كسحابة صيف لا ينشرون فكرا ولا يحدثون اثرا لكن التأريخ له رجاله الميامين يضعون احداثه ويسيرون حركته هؤلاء الرجال الجبال لا تحملهم الأقدام وانما تحملهم الهمم ويدركون تماما انه لا راحة في هذه الدنيا الا في دار المستقر وهي الجنة (فالامام احمد عندما سئل متى يجد العبد طعم الراحة ؟ اجاب قائلا : عند أول قدم يضعها في الجنة ) انها سلعة الله وسلعة الله غالية .. ومن يطلب الحسناء لم يغلها المهر.
فالدولة بدل من ان تكرم هؤلاء الرجال المخلصين غيبتهم في السجون( مع ان الأمة لا تقوًَم الا برجالها ورجال الأمة هم الذين تنتفع الدولة بأخلاقهم ومواهبهم وفضائلهم فاذا رأيت امة تقدم المفضول على الفاضل فأعلم انها دولة تهدم أمتها ولا تريد ان يكون لها عماد من رجالها الفاضلين الموهوبين الصالحين).
يجب علينا ان ندرك جيدا ابعاد هذه المؤامرة الخبيثة التى نتعرض لها فلا يعني سجن عالم او قتله إلا قتل امة بأكملها .. فالعالم الواحد يساوي امة فما بال العلماء المعتدى عليهم اذا كانوا فوق المائة ما هو إلا استئصال جذري للإسلام وأهله ولكيان الأمة بأكمله .. القضاء على كل شيئ مقدس لدينا
أذكر من هؤلاء الأبرار على سبيل المثال وليس الحصر..
القاضي محمد مرانت الخطيب الثائر الذي كانت تهابه المنابر اختطفته عصابة القدر والخيانة في اوائل ايام التحرير.
وابوا الشباب الأستاذ عبد العليم محمد على زرؤم الذي كان يحبه الصغار والكبار الذكور والاناث كان صاحب اسلوب متميز في الدعوة وفريد يخاطب كل الفئات وافراد المجتمع باللغة التى يفهمها فيسابقون حتى لا تفوتهم كلمة نطق بها هذا الشاب العملاق حقا انه الفتىالألمعي ، اذكر كنا نأتي الى جامع كرن حتى نحجز مكان قرب الكرسي الذي يجلس فيه لإلقاء درس العصر او بعد صلاة الجمعة وفي اسمرا كانت تضرب له الخيام في ساحات المساجد التى يعقد فيها جلساته العلميةلأن المسا جد تضيق بالمصلين الشباب عند زيارته لهم في ايام الاجازة الصيفية..
كانت له همة فتية نشطة وجوارح مثابرة سخية ، صحبته في بعض مشاويره الدعوية فكانت له صولات وجولات دعوية اسالوا عنه شباب كرن واسمرا ومصوع تنبأكم عن اخباره قـًل من لا يعرفه فكان الفقيه في أمـر دعوته ولا شك ان تقوى الله التى توصل الى هذا الفقه وكان منهج دعوته الوسطية المعتدلة يتسدى لكل مظاهر الغلو في الدين ويحارب البدع والخرفات . انه شبل من ذاك الأسد فوالده هو ذاك العالم المجاهد المشهور الذى اعطى كل شيئ لدعوته..
واذكر ايضا الأستاذ ابراهيم جمع وكنت قد حضرت له بعض الدروس والمواعظ في جامع كرن والأستاذ على حسن آدم ازوز خطيب مسجد عد حباب والأستاذ ابراهيم مالك وعبد الرحمن على امحراى والأستاذ محمد حامد والأستاذ ابوبكر محمد نور وان لم اسمع من بعض هؤلاء الدعاة الأربعة الأخيرين حيث لم اجلس يوما للدراسة في معهد فكنا متحمسين لهم ونهابهم اجلالا للعلم الذي يحملونه والمشقة التى يكابدونها من اجل تعليم الناس أمور دينهم..
والمعلمين الذين اعتقلوا من بعدهم اذكر منهم ياسين برعيداي في عام 1993م اختطفوه من المطار..
والذين من بعده في اواخر 1994التى هي اكبر مجموعة من سابقاتها..
اين كل هؤلاء ؟ من يوم ان غابوا عن مدينتنا غاب عنها الطهر .. العفاف .. من يومها غاب السلام .. الوئام .. تبدد الحلم .. غاب الوعي .. الفضيلة .. انتشر الفساد في كل مكان ..
لكن ما اريده في هذه الأسطر هو ان الفت السادة القراء الى معانات اسر هؤلاء المعتقلين ..
اني سائل كل اخ شريف وكل مواطن صالح ينتمي لهذا الوطن هل فكرت يوما بأسر هؤلاء وتفقدت حالهم ماذا يصنعون وكيف يعيشون ؟ وان سألت واستفسرت هل قدمت شيئا من المساعدة لهم ولو معنويا؟ وما المقدار الذى قدمته؟ هل حاولت ان تتقرب اليهم فتكون لهم ابا ، او اخا ، او إبنا؟ لكن الذي يحدث هو العكس الكل تخلى عنهم لا أحد يساندهم .. يقف بجانبهم .. فالله وحده هو الذي يعلم كم يعانون . أما نحن لا يهمنا سوى انفسنا واولادنا .. نعم البعض منا يعيش حياة هادئة وهانئة مع زوجاته واولاده بينما لا يصل اليه صوت ذاك الطفل الذى يصرخ بأعلى صوته اين ابي ؟
ائتوني به .. اتمنى لقائه ولو للحظة ..
والزوجة تسال اين زوجي ؟ شريك عمري وانيس وحدتي ..
الأب : اين ابني ؟ فلذة كبدي وثمرة فؤادي ..
كل منهم يصرخ اريد ابي .. زوجي .. ابني .. خذوا مني كل شيئ واعيدوه لي ..
ابحثوا لنا عنهم اين غيبوا ؟
اسئلة كثيرة ولكن لا احد يجيب..
لأسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي
وما فائدة ان نلعن النظام( الظلام) من بعيد وفي لحظة ونسة ويكونوا في طي النسيان بعد ذلك..
أليس من الأفضل ان نضيئ شمعة بدلا من ان تلعن الظلام ؟
دعوة الى كل إرتري شريف .. دعوة الى كل ضمير انساني حي
لأن تتفقدوا هذه الأسر فان فيهم القريب والأخ المسلم ..
دعوة نبعثها الى الذين يتوسدون الريال والدولار قدموا لأنفسكم برأوا ذممكم ..
دعوة لإقامة جمعيات تتبنى قضية هؤلاء المعتقلين ودعم أسرهم وأبنائهم الذين يوجدون في مراحل التعليم المختلفة او دعمهم عن طريق افراد ( قريب او صديق لهذه الأسر )
أنقذوا هذه الأسر من الفقر و التسول..
ففيهم الشيخ الكبير .. والأم العجوز .. والزوجة التى ترك على عاتقها السبعة والخمسة من الأولاد
فمن لهؤلاء ؟ من لهؤلاء ؟ من ؟ الا انتم ايها الشرفاء ..
صدقوني لو ندري ما يعاني هؤلاء لما تلذذنا بالفرش ولخرجنا الى الطرقات نبحث عنهم ؟
والا فنحن شركاء في هذا الجرم والظلم الى وقع عليهم .. ولن يعفوا التاريخ عنا .
نداء أخير اوجهه لأقطاب المعارضة بمختلف اطيافها وحدوا جهودكم فإلى متى هذا الخلاف ؟
أسالكم بحق هؤلاء المعتقلين .. بدمعة الأطفال الأبرياء
بالزوجة الأرمل .. والأم الثكلى .. والأب المكلوم
بدماء الشهداء الطاهرة .. عن اي شيئ سكبت ؟ ولأجل من اهريقة ؟
اسالكم بحق كل هؤلاء ..
نداء الى تنظيماتنا الاسلامية ان آمال شعبنا منعقدة عليكم بعد الله سبحانه فماذا انتم فاعلون ؟ اما اللهث وراء هذا المسيحي المراوغ في التحالف فهو محض هراء .. ولنأخذ العبرة من التأريخ وما فائدة ان ندرس التأريخ دون اخذ الدروس والعبر .. والمؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين .
خدعونا من قبل وما زالوا بل وأشـد مما كانوا .. أذلونا .. طردونا من ارض آبائنا واجدادنا .. قتلوا دعاتنا وعلمائنا (والا فما معني ان لا يعرف مكانهم 14 عاما يموت الواحد فيهم في اليوم أكثر من مرة ، هذا ان كتب له ان يعيش فتخرج روحه كل ثانية و دقيقة ويموت معه اهله واحبابه تصور معي الحالة النفسية التى يعيشها السجين داخل الزنزانة خلال هذه المدة العمرية الطويلة وتخيل انت نفسك مكانه دون ذنب ارتكبته ماذا كنت فاعل ؟ ألا توافقني ان الموت ارحم من حالهم ؟ انه جحيم لا يطاق لكن سلواهم ونجواهم انه الطريق الموصل الى الجنة) .. استولوا على مدننا ومزارعنا .. ماذا بقى لنا الا العراء .. اذا ألسنا في معركة ؟ نعم انها معركة وعلى جميع المستويات وفي كل الأصعدة .. اقتصادية .. سياسية .. اجتماعية .. ثقافية .. دينية ..
فحري بنا ايها الاخوة ان نتكاتف لنواجه هذا العدو المشترك الذي استباح عرض اخواتنا وبناتنا وزوجاتنا .. فاختلاف اذا كان في الراي لا يفسد للود قضية فالصحابة اختلفوا فيما بينهم وما ضرهم ذلك في شيئ المهم والأهم ان لا يؤدي هذا الاختلاف الى تفريق وحدة المسلمين والعداوة فيما بينهم .
فاختلاف في الراي ايها العاملون ليس امرا شاذا ولا خروجا عن المألوف وليس كفرا او خيانة ( فلكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات )
لابد ان تسود بيننا لغة الحوار .. لابد من ايجاد ثقافة التسامح وقبول الآخر .. فكتاب الله يأمرنا بذلك والواقع يفرضه .. انها دعوة الى التسامح .. توجيه النقد الى الذات .. دعوة الى فتح البصر والبصائر لنرى الهدف بوضوح .. ولن يصلح حالنا حتى نتعلم شجاعة الاعتذار ونعالج عيوبنا باصرار.
نحتاج الى مصالحات داخلية سواء كانت بين تياراتنا الاسلامية أو العلمانية وتيارات الحداثة حتى نكون جبهة واحدة .. ولنبحث معا عن المشترك ..
لنعمل من مبدأ ( نعمل فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه ) فما احوجنا ان تتشابك الأيادي وتطير معا الى آفاق المستقبل قبل أن يفوت قطار الرحلة ولا ساعة مندم ..
مطالبون بتكوين الجماعة فانما يأكل الذئب من الغنم القاسية ..
ولله در حافظ عندما قال :
رأي الجماعة لا تشقى البـلاد به رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها
ويد الاله مع الجماعة فأضربـوا بعصا الجماعـة تظفروا بنجاح
ولنعي جيدا أننا الآن في ساحة معركة يجب فيها التلاحم والتضامن ولا مكان فيها للخلاف ولا حتى الاختلاف والله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص .. وإلا أتينا من حيـث لا ندري ..
فمتى تستيقظ هذه الجموع ؟
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6909
نشرت بواسطة فرجت
في أبريل 9 2006 في صفحة المنبر الحر.
يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0.
باب التعليقات والاقتفاء مقفول
أحدث النعليقات