لمصلحة الشعب الارتري
صالح عثمان كيكيا
7/9/2009م
الأستاذ إبراهيم محمد علي من القيادات التاريخية لجبهة التحرير الارترية ، تفرغ للعمل النضالي منذ وقت مبكر في شبابه ، وضحي كثيرا من أجل قضيته ووطنه ، فقد كان موظفا ناجحا ومرموقا في مجال عمله بمهنة التخليص بمدينة بورتسودان ، وهو عمل كان يحقق لمنتسبيه الكثير من الماديات في منتصف الستينيات ، ولكنه آثر أن يناضل لتخليص شعبه .
والأستاذ إبراهيم وإن كان قد تلقي قدرا ضئيلاً ومتواضعاً من التعليم النظامي ، إلا أنه من القلائل العصاميين الذين نهلوا من الثقافة بالقراءة ورفع القدرات الذاتية مما أهله ليكون في موقع الصدارة من بين رفاقه ويتبوأ مقاعد الريادة والقيادة في جبهة التحرير الارترية .
طالعنا الأستاذ إبراهيم بمقال نشرته المواقع الإعلامية بعنوان ( لمصلحة من الإصرار علي الفرز الطائفي ) ، يرد فيه علي الشيخ حامد تركي ، فيما يعتبره توصيفا غير مقبول لتنظيمه في مقال الشيخ ، ولكنه لم يأتي بجديد فقد سبقه أخوه منقستآب أسمروم بمقالة رد فيها علي الشيخ ذلك الرد الذي لم يخرج عن أسلوب الحوار ، فقد كان فيه كثير من اللباقة واللياقة الأدبية . أما الأستاذ إبراهيم فأقل ما يمكن أن نقوله عن أسلوبه في الخطاب والرد أن لهجته لم تكن ودية ، ولجأ إلي أسلوب التجريح الجلي والخفي .
يقول في مبتدأ حديثه وهو يتحدث عن مأساة الشعب الارتري
( والمسؤال الأول والشريك الأكبر في صناعة هذه المأساة هو نظام الحكم الفرد ، المستبد الجاثم علي صدره مدة عقدين من الزمن ، مارس خلالها ولا زال يمارس أبشع أنواع الاضطهاد والإذلال ضد الشعب الارتري المغلوب علي أمره ، بل وحرمانه من أبسط حقوقه الإنسانية التي يستحقها كما بقية الشعوب في العالم أجمع . أما المسؤول والشريك الأصغر للدكتاتور في صناعة هذه المأساة فهي بعض أطراف المعارضة سيما أصحاب مشاريع الفرز والاصطفاف الطائفي والقبلي والتمييز بين مكونات الشعب الواحد علي أسس دينية أو لغوية أو قبلية ، فكلاهما الحاكم الدكتاتور ودعاة الفرز الطائفي وإن بديا في الظاهر كمعارضين لبعضهما إلا أنهما يشكلان في الجوهر وجهان لعملة واحدة ، يلحقان معا أكبر الأضرار بالشعب والوطن حاضرا ومستقبلا وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة فالحاكم اللاشرعي لكي يضفي الشرعية علي إدامة حكمه الاستبدادي علي البلاد ورفضه للديمقراطية وحكم القانون ، ولكي يبرر ممارسات القتل والتعذيب النفسي والجسدي ضد الوطنيين الديمقراطيين أو الزج بهم في المعتقلات المجهولة الأماكن ، إنما يستغل وجود دعاة الطائفية والقبلية السياسية في المعارضة ).
طالما أن المقاييس والموازين مختلة عند الكاتب فإنه يساوي بين الجلاد والضحية ، ليحرر شهادة براءة لأسوأ نظام بأن ما يرتكبه من بشائع بحق شعبنا إنما هو ردة فعل فقط ، ولا يقول بهذا إلا من يعاني من حول سياسي فكلما أدار ناظريه منعه حَوَلهُ من رؤية الأشياء علي حقيقتها فاختلطت علي الأستاذ الأمور وتشابه عليه البقر حينما أعتبر أن المعارضة الإسلامية طائفية المنحي متناسيا أن برنامجها المتخذ من الإسلام نهجا سياسيا لا يجعل من إرتريا دولة ثيوقراطية لحكم طائفة بعينها بل تدعو صراحة في أدبياتها وبرامجها وسعي قيادتها للم شمل المعارضة وتنظيم إبراهيم محمد علي من ضمنها ، هادفة من خلال ذلك لإقامة وطن يسع الجميع ويضم بين جناحيه المسيحية والإسلام .
أما وسيلة المعارضة الإسلامية واستنهاضها للموروث الجهادي للمسلمين لإزالة الظلم فهذا ليس عيباً ، فهي لم تستدعي ثقافات دخيلة علي شعبنا كما فعلتم بإدخال المنفستو الشيوعي الماركسي المتعارض مع قيم شعبنا بكل أطيافه وأديانه السمحة ، لتؤججوا نار الصراع الطبقي الموهوم واستخداماتكم لصيغ الرجعية والتقدمية والانحياز للمحرومين في وقت كانت تشكل فيه قوي الضعفاء أكثر من 90% من الثورة الإرترية ، ولكنه بلاء استيرادكم الأعمى لمشاكل مجتمعات بعيدة بواقعها عن واقعنا الإرتري فأدخلتم الثورة في أتون صراعات وهمية طحنت عظام الشرفاء ولم يهدأ لكم بال حتي قضيتم علي جبهة التحرير الارترية وأضعتم مكتسبات شعبنا التي بناها بعرقه وسقاها من دماءه .
أتراها الحركة الإسلامية استوردت مثلكم مشاكل الآخرين وفصلتها علي شعبها أم إنها استنهضت مكنونه التراثي والثقافي والديني لمقاومة الظلم والطغيان .
الحركة الإسلامية يا أستاذ إبراهيم لم تكن يوما من الأيام إقصائية لا في برامجها المعلنة ولا في أدبياتها المنشورة ، بل علي العكس من ذلك فقد كانت سباقة في العمل والدعوة للتآلف والتوحد والتحالف بين مكونات المعارضة بمختلف أطيافها لتوجيه الجهود نحو هدف واحد وهو إسقاط النظام الطائفي ، و إقامة نظام بديل عنه يشارك فيه الجميع في أجواءٍ من الحرية والديمقراطية . وفي هذا الصدد أعتقد أن الأستاذ لا ينسي تلك الدعوة التي انطلقت من الحركة الإسلامية بعد تحرير إرتريا لقوي المعارضة الإرترية ممثلة في فصائلها المختلفة لتوقيع ورقة تفاهم للمصالحة الوطنية ، يومها تنظيمك يا أستاذ هو من أجهض هذا المسعى الوطني بحجة أن وجود حركة جهادية يعد مانعاً دون مشاركتكم في مثل هذه التفاهمات واضعين بذلك ( فيتو ) علي قطاع كبير وضخم تمثله الحركة الإسلامية الإرترية ، ومارستم هوايتكم القديمة في الإقصاء وهي هواية تتفق تماما مع النهج والمدرسة التي تنتمون إليها والتي في الأساس لا تعرف إلا رأيا واحدا !! وتنظيما واحدا !! ونهجا واحدا ! .
أما الحركة الإسلامية أستاذ إبراهيم فإن مكنونات قناعاتها وعقلها الجمعي الباطني أصلاً يقبل الآخر ويتعامل معه ، يحاوره بالحسنى لا يجرمه ابتداءً ولا يقصيه انتهاءً ، بل يدعوه بالقول الرشيد ( وإنا أو إياكم لعلي هدي أو في ضلال مبين ) تساوي بينها وبين المخالف بدء ً في الهدي أو الضلال حتي لا تسد دونه باب الحوار والنقاش ، قيمة حوارية لا ترقي إليها أساليبكم التي شغبتم بها علي ساحتنا وصنفتموها لرجعي وتقدمي ، وتركتم شعبنا المظلوم يُدير طواحين الهواء .
الحركة الإسلامية الإرترية والأستاذ الشيخ حامد صالح تركي أحد قادتها التاريخيين هي التي دعت وناضلت في عام 1996م لتكوين كيان جامع يضم المعارضة الإرترية ، وفي سبيل تحقيق ذلك أجرت العديد من الحوارات مع تنظيمات المعارضة الإرترية آنذاك أسفر كما هو معلوم عن قيام التحالف الوطني الإرتري الذي ضم جبهة التحرير الارترية _ وجبهة التحرير الارترية المجلس الوطني _ الحزب الإسلامي الارتري _ حركة الجهاد وقتئذ .
والشاهد في الأمر أن هذه الحوارات لم تستثني تنظيما في ساحة المعارضة ، ومن ضمن من تم الاتصال بهم تنظيم المجلس الثوري والذي يعتبر الأستاذ إبراهيم أحد قادته ومنظريه ، ولكنه لم يقبل الدخول في ذلك الكيان الجامع للمعارضة والحجة هي نفسها وجود حركة إسلامية جهادية ، وكم بذلت قيادة الحركة من جهود لإقناعكم بالدخول في هذا التحالف واضعة كل الخيارات لتحقيق هذا الهدف إلي الدرجة التي أبدت استعدادها للانسحاب لإتاحة الفرصة لكم للدخول في التحالف ولكنكم رفضتم مما يؤكد بجلاء أن تنظيمكم لا يقبل مبدأ العمل مع الآخرين أصلاً ومنطلقاً .
حاججتكم القيادة بما تقولونه وتصمون آذان الناس به بأنكم ديمقراطيين وتحتكمون إلي مبدأ خيارات الشعوب وإختياراتها ، عليه وفقا لهذا الإعلان النظري اقبلوا العمل معنا كل ببرنامجه علي أن نحتكم إلي شعبنا ، أقنعوه في جو من الحرية بسوء منهجنا وهداية منهجكم يومها لا تسألون عن أجرمنا ولا نُسأل نحن عما كنتم تعملون ، أيضا رفضتم مبدأكم !! إنكم أيها السادة تخافون من العمل تحت ضوء الشمس .
إن المتتبع الراصد لعلاقة الحركة الإسلامية الإرترية مع بقية رصفاءها في المعارضة الارترية لا تخطئ عينه ذلك التراث الكبير من العلاقات الذي سعت لتكوينه مع كافة فصائل المعارضة ، وذلك من خلال عمل كل ما من شأنه أن يرطب العلاقات بينها وبين الآخرين من دعوتهم في مؤتمراتها ومناسباتها الدينية والتنظيمية ، بل إن الحركة الإسلامية ممثلة في الحزب الإسلامي الارتري للعدالة والتنمية دعت الي مؤتمرها راعي الكنيسة الأرثوذوكسية الارترية وأتاحت له مخاطبة المؤتمرين ، هل يعتبر مثل هذا السلوك الودي مدعاة للفرقة أم للتآلف ودعوة لوحدة أبناء الوطن الواحد ، لقد كانت سابقة لم تكن ساحتنا تعرفها أو تمارسها ، إن من هذا شأنه لا يستقيم أن يوصف بأنه إقصائي أو يعمل علي الفرز والفرقة والتشتيت والاصطفاف كما يحلو للأستاذ إبراهيم أن يصف به الحركة الإسلامية الارترية .
إن وحدة المسلمين خلف برنامج سياسي يستلهم قيمهم وتراثهم وموروثهم الحضاري والديني كان دائما صمام الأمان لوحدة إرتريا وطناً وكياناً بدءً من الرابطة الإسلامية راعية الحركة الوطنية والتي حافظت بأطروحاتها الوطنية علي إرتريا وطناً يسع الجميع ، يومها لم يكن أشباه إبراهيم محمد علي قد خُلقوا في الساحة الوطنية ليتجرؤوا ويصفوا الرابطة الإسلامية بأنها طائفية وإقصائية وإصطفافية .
وجبهة التحرير الارترية التي فجرها المسلمون وضحوا في سبيل نهضتها وتقويتها لم تكن تدعو إلا بإرتريا وطناً جامعاً لكل أبنائه ، ظلت قائدة لأشواق شعبنا حتي اختطفتها عصابات اليسار وانحرفت بها عن الجادة ، لقد كانت دائما وحدة المسلمين لمصلحة الوطن .
وبالمقابل لماذا تنكأكم الحقيقة من توصيف الشيخ لواقعكم في تكتل حزبي الشعب والديمقراطي بأنه يجسد التوجهات الثقافية والدينية والسياسية للتجرينية وأنه تكتل للمسيحيين وحلفاءهم من المسلمين .
إن الأمر لا يحتاج أن يوجد في برامج التكتل السياسية أو شعاراته أو خطابه الإعلامي فيما طلبته دليلا عن ما أستند إليه الشيخ في تصنيفه وتوصيفه للتكتل والقول بأن تركيبته الوطنية التي تضم مسيحيين ومسلمين تنفي عنه ( ما تعتبرونه تهمة ) ، انه السلوك اليومي والتصريحات التي يطلقها قادتكم ضد كل ما هو إسلامي وإيجاد المبررات للنظام وتبرئته من ما أصبح معروفاً لكل ذي لب وعين بأنه نظاماً طائفياً ،و الأستاذ يصف المسلمين بالطائفية والإقصائية ولكن لم يفتح اللهُ عليه بأن يصف ممارسات النظام بالطائفية والتي يعرفها أبسط المتابعين .
أما سؤالك أستاذنا الكريم ( وإذا كان الأمر كذلك فماذا يعني في نظركم وجود محمد نور أحمد وإسماعيل نادا وسواهما من المسلمين في قيادة التكتل ذاته وكونه تكتل لحلفاء مسلمين ومسيحيين حسب الشيخ نفسه ألا ينفي عنه ضمنا صفة الطائفي ؟ ) . نقول لك لا ….
فوجود أسماء للمسلمين لا تعني بالضرورة نفي الصفة عن الكتلة بالمجموع ووجودكم في هذا الجسم كوجود رمضان محمد نور ومحمد علي عمرو في الجبهة الشعبية ، لم يزيل عنها المساحيق الخادعة ولم يخفي وجهها الطائفي البغيض .
ليطمئن الأستاذ إبراهيم محمد علي (أن إقامة حركة سياسية ذات هوية دينية واحدة في بلد متعدد الديانات بمثابة الدعوة إلي فتنة طائفية ) كما جاء في سؤالك للشيخ ، وإجابة ذلك ( حسب رأي بالطبع ) هو أن التعامل بالواقع وعدم القفز عليه هو أكبر ضمانة لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي في إرتريا ، فشعبنا المتدين بطبعه من مسيحيين ومسلمين قابل للتعايش علي قاعدة الإحترام المتبادل وهذا من مرتكزات برنامج الحركة الإسلامية فهي لا تدعو لدولة ثيوقراطية دينية أنما لدولة مدنية يحكمها دستور يتراضي عليه الجميع أساس الحقوق والواجبات فيه المواطنة .
وقبل الختام أؤكد أن ما ورد في هذه المقالة لا يمثل إلا أراءً خاصة بكاتبه ولا علاقة لأية جهة بما ورد فيه .
وختاما أسأل الله أن يمتع الأستاذ إبراهيم محمد علي بالصحة والعافية ، وأن يمن عليه بالشفاء
العاجل ، وأن يشرح صدره للحق ويوسعه له وينقيه من السخائم والضغائن ، وألا يجعله ضيقا
حرجا كأنما يصعد في السماء .
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=7694
أحدث النعليقات