ليس الحل في الهروب من مشكلات الوضع الارتري فهل نجرؤ على مواجتها بصراحة ؟؟؟
الكاتب : محمد عثمان ابراهيم
عند ما يقول قائل ، في سياق الحديث عن المرحلة التاريخية المعروفة في التاريخ الارتري بمرحلة تقرير المصير، ان معظم الذين كانوا ينادون بالوحدة مع اثيوبيا ، كانوا من ابناء المسيحيين بينما الاقلية كانت من ابناء المسلمين ، وان معظم الذين كانوا ينادون بالاستقلال كانوا من ابناء المسلمين بينما الاقلية كانت من المسيحيين … ، وعندما يقول آخر ان ( جيش الكماندوز) الذي كان يقاتل الثورة الارترية ويحرق القرى ويقوم بالمذابح البشرية في الريف الارتري ضد المسلمين الى جانب (جيش الطريسراويت ) حتى عام 1974، ايضا كان من ابناء التقرينيا ، وعندما يقول آخرون ان الطبقة الحاكمة في ارتريا اليوم هي ايضا من ابناء التقرينيا وان ما يقوم به من الجرائم وكافة انواع الظلم والاضطهاد ضد الشعب الارتري تتحمله هذه الطبقة ،
عندما يقال هذا ، تثور ثائرة بعض ابناء التقرينيا ويستشيطون غضبا وانزعاجا ويثيرون غبارا من التشكيك والشبهات والمغالطات حول كل هذه المسائل التارخية منها او المعصارة ويتهمون من يقول بذلك بالتجني او بعدم الدقة او المبالغات ، ويحاولون اقناع الناس وكان شيئا من هذه الامور لم تحدث مطلقا .
والادهى والامر ان هذا الانكار او التشكيك اواثارة الشبهات حول هذه الامور لوصدر من الناس العادين البسطاء من ابناء التقرينيا ، لكان الامر اهون وربما كان مقبولا ، لكن الامر ليس كذلك وهو ان هذا الانكار وهذا التشكيك وهذه الثورات والتوترات تصدر من الطبقة الواعية من ابناء التقرينيا ، التي تضم المثقفين والسياسيين والمناضلين المخضرمين الذين يفترض فيهم التعامل الواعي والناضج والمنصف مع مثل هذه القضايا .
وقبل الاسترسال في الموضوع ، لابد هنا ان اشير الى ملاحظتين ، الاولى : هي ليس كل ابناء التقرينيا ينطبق عليهم ما ذكرته آنفا، بل هناك من يقر بالحقائق التاريخية اوالمعاصرة كما هي ، لكنها قلة قليلة لايسمع لهل صوت . واما الملاحظة الثانية هي : التأكيد على حق مماثل لابناء التقرينيا في اثارة واظهار اي مظالم اومآخذ او اقصاء اوتهميش لحق بهم في اي مرحلة من مراحل تاريخنا القديم او الحديث على ايدي شركائهم في الوطن من ابناء المسلمين اوالقوميات الاخرى .
وعودا على بدء اقول هذه مشكلات واجهت الشعب الارتري وقواه السياسية في الماضي ولازالت تواجهه حتى الآن . اذا كيف يمكن ان تتصدى قوى التغيير الارتري لهذه المشكلات ؟ هل يمكن شطب هذه الاموراو القضايا بجرة قلم واحدة هكذا ونسيانها الى الابد من اجل تطييب خاطرشركائنا في الوطن ؟ وهل يمكن لشعب من الشعوب ان يلغي تاريخه او ( ذاكرته ) المليئة بالاحداث والتطورات – مشرقة كانت او مظلمة – والممتدة لعشرات السنين مرة واحدة ؟ وهل بامكان الشعب الارتري وقواه السياسية المناضلة من اجل التغيير الديمقراطي الآن ، ان تسير نحو الامام بخطى واثقة وثابتة دون فتح مثل هذه القضايا ومعالجتها بصورة او باخرى ؟؟ هذه تسآلات مشروعة ومطروحة بقوة والحاح من قبل الكثيرين .
المصارحة قبل المصالحة :
ان التعامل الجدي والسليم مع هذه التسآلات لايمكن ان يكون بطبيعة الحال بتجاهلها اونسيانها او الهروب منها ، ولايمكن كذلك مواجهتها بالانكار الكلي او بالتشنج والانفعال ، انما يكون ذلك باعتماد منهج الحوارالصريح والهادي والشفاف بيننا وبين اخواننا التقرينيا حول كل هذه القضايا لاثبات ماهوثابت وصحيح منها ونفي ماهو افتراء وبهتان ، وبهذا الطريق وحده – طريق الحوار والمصارحة – يمكن ان توضع الامور في نصابها وتسمي الاشياء باسمائها الحقيقية . انه لابد من الحوار الصريح والشفاف بين مكونات المجتمع الارتري .. بين المسلمين والمسيحيين .. بين التقرينيا والقوميات الاخري المهمشة حول هذه القضايا ، لابد من المصارحة الوطنية قبل المصالحة الوطنية ..هناك نظام يسحق شعبا بكامله لمدة عشرين عاما.. هذه الجملة الفعلية تحتاج الى اعراب … ما الفعل .. ومن الفاعل …ومن المفعول به .. من الظالم … ومن المظلوم …من الجلاد …ومن الضحية …من المقصي (بكسر الصاد ) ومن المقصى (بفتحه) … مرة اخرى لابد من ان نسمي الاشياء باسمائها ، نعم لابد من المصارحة كخطوة مهمة وضرورية تكون مقدمة لبدء مشوار المصالحة الوطنية هذا اذا كنا جميعا نريد بالفعل تصحيح الاوضاع الماساوية والشاذة التي يعيشها شعبنا حاليا في ظل نظام افورقي الشيوفيني . اننا نحتاج بالفعل الى مصالحة اليوم اكثر من اي وقت مضى نحتاج الى معالجة القلوب الجريحة (المصابة بالفايروسات ) ، قلوبنا تحتاج الى (فرمتة ) نعم انه من الضروري تبيض القلوب وتصفيتها من الاحقاد والمآخذ ضد بعضنا البعض وبالتالي ارساء مبادئ راسخة لمصالحة وطنية تكون اساسها المصارحة ثم المصالحة والصفح والتسامح بين مكونات الشعب الارتري .
بعض التقرينيا يشككون في الاحداث والواقائع التاريخية البعيدة نسبيا والتي جرت في اربعينيات القرن الماضي اوماتلاها في عهد الثورة الارترية – بالرغم من وجود الكثيرين ممن صنعوا اوعاصرو تلك الاحداث والوقائع على قيد الحياة من الطرفين – ولكن فهل في مقدورهم التشكيك في الوضع الارتري الراهن الماثل امام اعين الجميع ؟؟
البعض يقول اننا لن نتفق اذاخضنا عباب التاريخ فلننسى الماضي ، ودعونا نركزالجهود والانتباه على الحاضر، لنخرج شعبنا من عنق الزجاجة التي ادخله فيه هذا النظام القمعي . وهذا منطق وجيه سبق ان قبل به المسلمون في عهد الثورة عندما التحق ابناء التقرينيا بالثورة بكثافة في منتصف سبعينيات القرن الماضي وحينها قيل يجب ان تعطى الاولوية لمحاربة المستعمرالاثيوبي وليس لتصفية الحسابات الداخلية بين الارتريين وبالفعل تسامى المسلمون على جراحاتهم وابدوا قدراكبيرا من الصفح والتسامح واستقبلوا اخوانهم من التقرينيا بالاحضان عندما التحقوا بالثورة بالآف مؤلفة.
ورغم هذا الصفح والتسامح المشرف الذي كان علامة مضيئة في سجل نضالنا الوطني ، الا ان الشركاء في الوطن (بعض ابناء قومية التقرينيا ) لم يردوا المعاملة بمثلها والصفح والتسامح بنظيرهما عندما اصبح بيدهم القرار، بل قلبوا ظهر المجن للجميع !!! واصبحت ارتريا في ظل النظام الحالي دولة للتقرينيا فقط ، اما القوميات الاخرى فكان شانها شأن الايتام في مائدة اللئآم . هذه هي الصورة بالضبط في ارتريا اليوم … وان اي محاولة لتصوير الوضع في ارتريا خلافا لهذا ، فهي محاولة لتزييف الواقع وتضليل للرأي العام .
وطالما ان الصورة هي على هذه الشاكلة ، فان تكرار المنطق السابق القائل ( دعونا ننسى الماضي ونركز على الحاضر ) يصبح درسا غير ذي جدوى ، ومنطقا ساذجا وممجوجا ومرفوضا شكلا ومضمونا . لان المسلمين او المهمشين لايمكن ان يلدغوا من الجحر ثلاث مرات … لذا لايمكن تجاوز هذه النقطة هذه المرة هكذا ببساطة دون ان نستفيد من دروس الماضي .
توصيف النظام هي بداية التصحيح :
واذا كان لدى جميع القوى السياسية الارترية فعلا الرغبة الصادقة ، ليس فقط في اخراج شعبنا من معاناته التي يعيشها في ظل هذا النظام القمعي والدموي بل في توفير حياة سياسية كريمة له في المستقبل ، تسودها الحرية والعدالة والمساواة فان البداية السليمة لهذه المرحلة يجب ان تكون بتوصيف النظام الحاكم حاليا وصفا حقيقيا وموضوعيا يتفق عليه الجميع او الغالبية العظمى من الارتريين .
لقد دارت في الفترات الماضية مناقشات عديدة حول توصيف النظام الحاكم في ارتريا في اروقة القوى السياسية الارترية التي تناضل من اجل التغيير. ويلاحظ ان هذه القوى اختلفت في توصيفاتها للنظام ويمكن تلخيص هذه الرؤى او التوصيفات على النحو التالي :
فريق يرى ان مشكلة النظام الارتري كلها تكمن في رأسه (اي في رئيسه اسياس افورقي ) وهو سبب كل مشكلات ارتريا : السياسية والاقتصادية والامنية … الخ ، اما النظم والرؤى (او الفلسفات ) التشريعية والقانونية والبرامج والسياسات النظرية التي وضعتها الجبهة الشعبية لتحريرارتريا ( للديمقراطية والعدالة ) في كافة المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وغيرها كلها هي سياسات سليمة وصحيحة ، لكن المشكلة – في راي هذا الفريق – ان اسياس افورقي لم يطبقها على ارض الواقع بشكل سليم ولذا من الممكن اصلاح الاوضاع في ارتريا اذ امكن ازاحة اسياس من سدة الحكم في ارتريا .
فريق آخر يرى ان النظام الارتري هو نظام دكتاتوري شمولي يتمثل في اسياس ومجموعته التي تحيط به وهي التي تحبس انفاس الجميع وتضيق الخناق على كل ابناء الشعب الارتري وتمارس الجرائم ضد كل فئاته الاجتماعية والدينية والثقافية وبزوال هذه المجموعة يمكن ان تعود الامور الى نصابها لذا فان على كل القوى السياسية ان تعمل جاهدة على ازالة هذه المجموعة .
فريق ثالث يرى النظام بنظرة اعمق ويقول ان توصيف النظام بانه نظام دكتاتوري اوشمولي وحسب ، هذا التوصيف غيرمطابق لحقيقة النظام الارتري وان اصحاب هذا التوصيف لايعدون عن كونهم ، اما سذج وبسطاء اومخادعون و مضللون للراي العام الارتري ، ويرى هذا الفريق النظام على انه (مشروع تقرنة ارتريا واصباغها بصبغة الدولة المسيحية ) وان النظام الدكتاتوري الشمولي الذي تشكل الطائفة المسيحية او قومية التقرينيا العمود الفقري له ، ليس الا اداة تنفيذية لهذا المشروع اوالتوجه ، وان المسلمين هم اوائل الضحايا لجرائم هذا النظام واذا سلمنا بان الظلم في ظل هذا النظام طال الجميع فعلينا ان نسلم ايضا بان ظلما اشد واعنف طال المسلمين . ويري ان الاعتراف بهذه الحقيقة هو المدخل المناسب والطبيعي لتصحيح الاوضاع في ارتريا ولاعادة المياه الى مجاريها .
محاولات في الاتجاه الصحيح :
شهدت الساحة السياسية الارترية عدة محاولات للاقتراب من المشكلة الارترية الحقيقية الكبرى وهي تشخيص النظام الارتري او توصيفه توصيفا حقيقيا مشتركا بين كافة القوى السياسية الارترية المعارضة وكان ابرزها : المحاولات التي تمت في اروقة التحالف الديمقراطي الارتري منذ قيامه قبل اكثر من عشرة اعوام ، مرورا بتجربة ملتقى الحوار الوطني الارتري باديس ابابا وانتهاءا بتجارب السمنارات التي دعت اليها اثيوبيا في شهري اغسطس وسبتمبر الماضين والتي شاركت فيه شرائح مختلفة من ابناء الشعب الارتري من كل انحاء العالم .
وبالرغم من هذه المحا ولات ، الهادفة والبناءة في الاتجاه الصحيح لكنها للاسف حتى الان لم تكتمل ، لانها لم تبلغ هدفها النهائي وهو الاتفاق على توصيف النظام الارتري الحالي والسبب في ذلك هواصرارمعظم ابناء التقرينيا على رفض الاعتراف بحقيقة النظام الشيوفينية .
توصيف النظام يعني تحديد هوية الطبقة الحاكمة :
اذا قبلنا توصيفات الفريقين الاول والثاني للنظام ( على انه نظام فردي اودكتاتوري شمولي ) فان الاسئلة التالية تبرز امام هذا الفريق بالحاح وتحتاج منه الى اجابات واضحة وهي من قبيل : الى اي مكون اجتماعي اوقومي ينتمي هذا النظام او لنقل (مجموعة اسياس ) كما يقولون ؟ هل هي مجموعة من الجن والشياطين الحمرنزلت من السماء – كما علق احد الظرفاء – لتتحكم في رقاب شعبنا ؟ ام هي مجموعة مرتزقة من الهنود الحمر اتى بها اسياس من امريكا اللاتينية ليمارس عبرها كل صنوف القهر والقمع والارهاب ضد شعبنا ؟ الى من ينتمى: اسياس افورقي وسبحت افريم ويماني قبرآب وقزقهير وجو وهيلي سامئيل وفيلبوس وتخلي منجوس … و… و… و اوا ليس هؤلاء ومن يليهم من اخوانهم هم الذين يشكلون اعمدة النظام الدكتاتوري الشمولي الحاكم ؟؟ واذا اختفى هؤلاء في لحظة من اللحظات فهل تقوم للنظام قائمة ؟ الى من تنتمي هذه المجموعة ؟؟ هل هؤلاء من ابناء قومية الكناما ام من العفرام من البيلن ام ام من التقرى ؟؟؟ الاجابة بالطبع واضحة وضوح الشمس لكن شركاؤنا في الوطن وزملائنا في النضال ابناء قومية التقرينيا يرفضونها بالرغم من وضوحها . ان المطلوب من الزملاء المناضلين والسياسيين والمثقفين من ابناء التقرينيا هوالاقرار بالواقع المحسوس على الارض كما هو وليس اكثر … وهو الاعتراف الصريح بان الطبقة الحاكمة في ارتريا هي من التقرينيا ، على غرار ما كانت توصف به الاوضاع في كل من اثيوبيا وجنوب افريقيا اثناء حكم البلدين من قبل كل من الامهرا والبيض ، حيث كان ينسب الحكم الى الامهرا في اثيوبيا والى البيض في جنوب افريقيا .
ان عدم حسم هذا الامر( توصيف النظام ) لايشكل فقط عقبة امام تقدم مسيرة قوى التغييرالديمقراطي نحو اهدافها ، بل يشكل تمديدا في عمر النظام الدموي واعطاءه مزيدا من الوقود لطاحونتة لتسحق مزيدا من ارواح ابناء شعبنا واطالة امد معاناته .
ان القوى السياسية الارترية الراغبة في التغيير وصاحبة المصلحة الحقيقية فية ، يجب ان تقف وقفة جدية وتقرر اولا ما هي حقيقة النظام الارتري الذي نريد تغييره ؟؟ وماهي طبيعة النظام السياسي الذي نريده ؟؟ او بعبارة اخرى ما هي صورة ارتريا اليوم التي نريد تغييرها ؟؟ وما هي صورة ارتريا الغد التي ننشدها ؟؟ ان الامل الكبير الذي يعلقه الارتريون على المؤتمر الوطني القادم هو الاجابة على هذا السؤال الاستراتيجي بكل جدية وشفافية ، وان احد اهم شروط نجاحه تكمن في حسم هذه القضية . ومن بعد ذلك فقط يستطيع الجميع الانطلاق معا في مسيرة التصحيح نحو ارتريا الجديدة .
اننا نسعى من اجل وطن يتساوى فيه جميع الارتريين في الحقوق والواجبات كلها، وطن يتمتع الجميع بخيراته وثرواته دون اقصاء اوتهميش من احد لاحد ، او من قومية او طائفة لاخرى . اما ان نعيش في وطن الحكام والسادة فيه فقط من التقرينيا وغيرهم خدم وعبيد لهم فهذا امر مستحيل والف مستحيل ولن تبقى ارتريا وطنا واحدا مع استمرار هذه الصورة مسيطرة على المشهد الوطني .
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=18537
أحدث النعليقات