مات … لم يمت أنه في غيبوبة .. من الذي أوقعنا في فخ الطاغية ؟
علي عافه إدريس
الجميع وأنا أحدهم أبدى سعادته وفرحه بالأخبار المتواترة عن موت الطاغية أسياس أفورقي أو مرضه الذي أدخله في غيبوبة لا يرجى له منها شفاء ، ومصدر فرحنا أن الرجل قد بلغ من السوء مبلغاً لم يبلغه أحد قبله ، فقد قتل وسجن وعذب وشرد وهجر ، ودمر كل ما هو جميل في حياة الشعب الأرتري ، حتى الأحلام سرقها ، و رغم تأخر تأكيد الخبر بعد الأسبوعين من أول نشر رسمي له ، إلا أن الفرح قد أستمر وهو مشوب بشئ من القلق ، وذلك مع تأخر تأكيد صحة الخبر ارتفعت نسبة عدم صدقيته، ومهما كانت ضآلة نسبة عدم صحة الخبر فهي مقلقة ، فقد فتحت الأبواب واسعة لتخيل حالة الإحباط التي ستصيبنا ، وكذلك فتحت الأبواب لتخيل السيناريوهات التي يمكن أن تلعبها مخابرات الطاغية لتوقعنا في مثل هذا الفخ بالإشاعة الكاذبة ، وأنا صراحة لا أعلم كيف يمكن أن تستفيد مخابرات أسياس من مثل هذا الخبر؟ فرغم كثرة قرأتي خلال الأيام الماضية لمواضيع عن أساليب المخابرات في بث الإشاعات وكيفية الإستفادة منها عسى ولعل أن أجد ما يقنعني إلا أنني لم أحقق ما كنت أصبو إليه ، كما أنني فشلت في أن أجد حالة مشابهة للحالة التي كنا فيها ، إلا أنه في كل الذي قرأته يتفق جميع الكتاب أن الرد ببيان لتكذيب الإشاعة هو تعزيز لصحتها ، فيجب الاكتفاء بنفي الإشاعة عبر إظهار الموضوع المستهدف بالإشاعة بشكل مباشر دون الإشارة إلى الإشاعة التي استهدفته ، إلا أن أسياس خالف كل ذلك ، ففي البدء أصدر بيانه ، كما أنه عند ظهوره لم يتجاهل الإشارة للإشاعة بل أنه قد أوضح أن سبب ظهوره كان لتكذيب الإشاعة وفي حديثه القصير لم يكن لديه موضوع غيرها ، وقد حدث من قبل أن استهدفت إشاعة مشابهة في المضمون إلا أنها من صنع المعارضة وليس الحكومة كما هي في الحالة الأرترية، الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة فاكتفى بالظهور في إجتماع الحكومة وكذلك الرئيس المصري السابق حسني مبارك عام 2007م عندما أجرى عملية جراحية في المانيا فاكتفى بعد عودته مباشرة بمخاطبة مجلس الشعب في جلسة منقولة على الهواء تحدث فيها عن الشأن العام ، إلا أن إشاعة موت أسياس كان مصدرها مخابراته ، بدليل أن الحكومة الأرترية أصدرت بيانها الذي زاد من صدق الخبر وهي تعلم أنه سيعزز الخبر ، وهي بالتأكيد لديها المقدرة التقنية في أن تفبرك خبر مع صورة من الأرشيف مثلما فعلت في الصورة التي ظهر فيها أسياس وهو يمارس الرياضة و يحي المارة ، فقد فعلوا ذلك بقصد حتى يعززوا صحة الخبر ثم يظهر الرئيس بعد أن يكون الجميع اقتنع بصحة الخبر فيظهر بمظهر المستهدف من السي أي أيه وعملائها من المعارضة التي أصلا متهمة بالعمالة لأثيوبيا ، وقد تكون تلك مراهنة خاسرة لاستعطاف الشعب الأرتري إلا أنها تنم عن معرفة بحساسية الشعب الأرتري ضد كل استهداف أجنبي .
وقد علمنا أن كل ذلك كان من تخطيط أسياس ومخابراته ، وكان بإمكانهم أن يوقعوا عامة الشعب الأرتري في فخهم الذي نصبوه إلا أنهم نجحوا بتفوق في الزج بعامة الشعب الأرتري وقيادة معارضته في فخهم ، و السؤال المهم الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو ، من الذي أوقعنا في الفخ الذي نصبه لنا أسياس ومخابراته؟ باختصار شديد و بدون أي مجاملات أن الذي أوقعنا في هذا الفخ هي المعارضة الأرترية بجميع فصائلها السياسية منها والمدنية ، وهي في ذلك تنقسم إلى ثلاثة أقسام، قسم أستطاع تزويدنا بخبر مفبرك ، وقسم ببياناته وتأكيداته على مطالب الشعب الأرتري عزز لنا ذلك الخبر والقسم الثالث لم يفبرك لنا خبر ولم يؤكد لنا تمسكه بمطالب الشعب الأرتري بما يوحي بصدقية الأخبار التي كانت تتداول كما أنه لم يستطع نفي الخبر!!!! والأقسام الثلاثة كلها مسئولة مسئولية مباشرة عن ما حدث لنا ، والحقيقة المؤلمة التي كشفها لنا هذا الخبر هي سقوط آخر أوراق التوت عن تنظيماتنا المعارضة لنراها عارية ، وعريها اتضح لنا من عدم استطاعتها تأكيد أو نفي خبر يعتبر بسيط بكل المقاييس لأناس قضوا الجزء الأكبر من حياتهم وهم يمتهنون السياسة والمعارضة وقد فشلوا فشل مدوي رغم أنه كان لديهم فرصة شهر كامل منذ اختفاء الطاغية ، وعدم الاستطاعة لنفي أو إثبات هذا الخبر قد أعطانا مؤشر أن تنظيماتنا المعارضة كلها بدون استثناء هي خارج نطاق الفعل بالكامل وكأنها تعارض النظام الكوبي وليس النظام الأرتري ، وربما معرفتي بهذه الحقيقة ليس جديد ، فأنا أكاد أعلم علم اليقين أن الحديث عن قواعد جماهيرية وخلايا سرية في الداخل الأرتري هو مجرد بيع أوهام ، إلا أنني لم أتوقع أن تكون درجة الخروج من دائرة الفعل قد وصل بها إلى درجة تفشل فيها عن تأكيد خبر موت الطاغية أو دخوله في غيبوبة طويلة من عدمه وهو خبر يمكن أن يقرأه مواطن عادي من مواطني الداخل من واقع حال الدولة أمنياً ، إلا أنني بعد هذا الأمر سوف لن أستغرب لو سمعت أي قطب من أقطاب المعارضة يسأل من هو يماني قبرآب أو عبدالله جابر أو حقوس كشا ؟ أما التنظيم الذي تفاجأت به أكثر من غيره من تنظيمات المعارضة في عدم مقدرته لتأكيد هذا الخبر أو نفيه هو حزب الشعب الديمقراطي وقد كنت متابعاً بشدة لموقعه في الانترنيت خلال الأيام الماضية ، وذلك أن الحزب من بين قياداته العليا من تقلد مناصب عليا في حكومة أسياس ومنهم السيد/ مسفن حقوس عضو اللجنة المركزية والمكتب السياسي للجبهة الشعبية و وزير الدفاع ، والرجل كان ثالث ثلاثة وهو كذلك لا زال يشار إليه بالبنان ، وبعيدا عن أوهام الخلايا السرية والعناصر التي تعمل بالداخل ، هل يعقل أن الرجل خرج من أرتريا ومن وزارة الدفاع بدون أي علاقة يمكن أن تستمر حتى وهو بعيد عن وزارة الدفاع ؟
الوضع الذي نحن فيه وضع كارثي ، وأول هذه الكوارث حالة الإحباط التي إصابة الجماهير الأرترية بظهور أسياس … و كأن به يخرج لنا لسانه بطريقة استفزازية… أنا لا أموت… أنا حي باقٍ فوق رؤسكم… وحتى لو حدث ذلك…!! فقد استنسخت لكم نفسي وتركت لكم سلالتي حتى تنعموا بها يا حثالة يا ناكري الجميل … الخ ، خاصة أن تنظيماتنا المعارضة هي من تسبب في حالة الإحباط تلك بالطريقة التسابقية في تداولها لخبر هلاك الطاغية و بأسلوب مثير لا يخلو من الشحن العاطفي قابلته رغبة شديدة للتصديق من قبل الجماهير ، وقد ساهمت الكثير من المواقع الأرترية في تفاقم الكارثة وأنا شخصياً أعتبر الكثير من تلك المواقع تابع للتنظيمات السياسية وفي معظم الأحوال أن مصادر تلك المواقع هي القيادات العليا لتلك التنظيمات ، وكان من باب أولى في ظل ضعف حيلتهم لتأكيد أو نفي الخبر أن تترك أمر تداوله حصرياً بين قيادات وكوادر التنظيمات السياسية والمدنية وأن يتم ذلك بغرض التأكد من صحته ودراسة السيناريوهات المتوقعة لا أن تتسابق في نشره بشكل مثير عبر المواقع أو تزويد الجماهير به عبر التليفونات القادمة من أديس أببا ، أما ثاني الكوارث التي أحسست إنها يمكن أن تحدث هذه المرة أيضاً هي حالة انهيار للتنظيمات السياسية والمدنية والمعارضين المستقلين في حالة وصول بديل اسياس لسدة الحكم في أرتريا في حالة شبيهة بتلك التي حدثت في فجر الاستقلال يوم أن هرول معظم المعارضين جماعات وأفراد نحو أسياس في إطار تسابق مصلحي ضيق الأفق ، رغم أن إقصاء أسياس للآخرين كان واضحا لدرجة أدركه المواطن الأرتري البسيط في معسكرات اللاجئين فأمتنع عن الهرولة نحو أسياس ، في الوقت الذي عجزت معظم قيادات وكوادر المعارضة عن إدراك ذلك ، ولعلها عميت عنه قاصدة ، في إطار تسابق واضح لجني المصالح الشخصية فسقطوا في الفخ و أسقطوا كل قضيتنا معهم .
فلاش : إلا أنه ورغم كل ما حدث بقت هناك مساحة للفرح ، فرغم عدم صحة خبر موت أسياس ومرارة الطعم الذي إبتلعناه ، أن خبر موت أسياس أو دخوله في غيبوبة لا يرجى له منها شفاء ، كان بحق وحقيقة استفتاء وتسابق لإظهار مدى الكراهية التي يتمتع بها أسياس في أوساط الشعب الأرتري .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
للتواصل aliafaa@yahoo.com
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=22622
أحدث النعليقات