ماذا تبقى لنا من الكرامة يا جبهة التضامن ؟
علي عافه إدريس ـ الدوحة
تمر بحياتنا الكثير من الكلمات والمصطلحات التي نستعملها في حياتنا العامة ، لكننا في أحياناً كثيرة لا نهتم بمعناها الحرفي و نكتفي بما ترمز إليه هذه الكلمات والمصطلحات ، ومن هذه الكلمات (الكرامة ).
وتعتبر الكرامة جوهر إنسانية الإنسان وأصل وجوده ، لذا يجب علينا صونها والدفاع عنها أمام كل من يحاول أو يساهم في المساس بقدسيتها .
وإرتباط الكرامة بمبادئ حقوقية جعل منها مبدأ كوني بغض النظر عن ديانة الأشخاص أو ألوانهم أو جنسياتهم ، كالديمقراطية ، والحرية ، والمساواة والعدل ، وقد شددت كل الديانات السماوية على إحترام كرامة بني البشر ، بإعتبارها حق لكل إنسان ، كما أن كل المواثيق الدولية وضعت كرامة الانسان من بين أهم المواد الحقوقية العالمية بإعتبارها تشكل مرتكز حقوق الإنسان .
ونحن الارتريين قد فقدنا الكثير من كرامتنا كبشر في ظل النظام الدكتاتوري الشيفوني في أرتريا فتعرضنا للتعذيب والتغييب في السجون وللاغتيال والتشرد واللجوء ، ولإنتهاك الأعراض وسلب الأرض من قبل من سخر قوتنا لاستعبادنا فأمتلك قوة أكبر من قوتنا فأستخدمها لسلبنا كرامتنا ، وعلى الرغم من أن فارق القوة لصالح المغتصب إلا أننا لم نستسلم له بل قاومناه ولا زلنا نقاومه .
وطالما أن هذا هو حالنا في مقاومة من هو أقوى منا فلماذا تسلب وتمتهن كرامتنا من قبل من هم أقل منا في كل شئ، أهو نتيجة لعدم مبالاتنا أم أن ذلك ناتج عن ضعفنا، فأنا قد أحزنتني كثيراً الأخبار المتواترة عن ما يتعرض له إخوتنا وبني جلدتنا الهاربين من جحيم أسياس لويلات بطش الرشايدة والهدندوة إلى هذا المستوى من الدونية قد وصلنا يا قوم بحيث يتطاول علينا الرعاع وقطاع الطرق ليمتهنوا كرامتنا ويستبيحوا أعراضنا ، في الوقت الذي بإمكان ثلاثة أفراد مسلحين منا تأديب هؤلاء الجرذان وإعادتهم لجحورهم ، وأنا صراحة أحمل هذا التقصير لقيادات جبهة التضامن الأرترية، فأنا على الأقل أعلم عظمة بعضهم ، وكذلك أعرف التاريخ المشرف لبعضهم الأخر ، وأيضاً أني لا إعتقد أن الأخرين الذين لا أعرفهم هم أقل منهم في الهمة والعزيمة خاصة وأنهم إختاروا مع رفاقهم الدرب الصعب للعيش ، وأنا عندما أتوجه بخطابي لقيادات جبهة التضامن إستند في ذلك على إعتبارين ، أولهما أن جبهة التضامن هي جذوة الأمل التي تم إشعالها في ليالينا حالكة الظلام ، وإذا وجدنا لها بعض الأعذار في عدم تحقيق إنتصارات كبيرة في منازلة النظام الدكتاتوري في ظل غياب الدعم سوف لن نجد لها الأعذار في التهاون في مثل هذه الإهانات التي توجه لشعبنا ، وثاني هذه الإعتبارات هي أن المنطقة التي تنتهك فيها كرامتنا هي المنطقة الجغرافية التي عادة ما تتواجد فيها التنظيمات المكونة لجبهة التضامن على مستوى عضويتها وكادرها العسكري والمدني .
وعلى الرغم من أني متأكد من أن أخواننا في جبهة التضامن سيجدوا طرق ناجعة لحل هذه المشكلة إذا أرادوا ذلك ، إلا أني مع هذا سأحاول المشاركة في إقتراح الحلول لهذه المشكلة وسأقسم هذه الحلول لثلاثة أقسام هي حل سلمي رسمي ، وحل سلمي غير رسمي وحل عسكري و هي كالاتي:ـ
أولاً الحل السلمي الرسمي :
وهو مخاطبة أجهزة الحكومة السودانية بالطرق الرسمية والاستفادة من العلاقات التنظيمية والشخصية ببعض الدوائر والمسئولين السودانيين ، وأني لا أرى جدوى لهذا الحل لأن إحتمالات الفشل فيه كبيرة في ظل عدم الإعتراف من قبل الحكومة السودانية بتنظيمات المعارضة الإرترية بالإضافة للآليات التي يمكن أن تتبعها الحكومة السودانية لمكافحة الظاهرة هذا في حالة إستجابتها لنداء التنظيمات ، وقبل هذا وذاك أن نتائج هذا الحل قد تتأخر ونحن في حاجة ماسة لحل سريع في ظل حالات الهروب المستمرة من أرتريا وتدفقات اللاجيئين .
ثانياً الحل السلمي غير الرسمي:
أن كل القبائل المتواجدة في المنطقة الحدودية بين أرتريا والسودان لديها الكثير من الأعراف المرعية التي على أساسها يتعايش الجميع في سلام، كما أن كل منها يعرف مخاطبة الأخر ونقاط قوته وضعفه وهذه القبائل هى البني عامر في الحدود الغربية لأرتريا و الحباب وبعض قبائل البني عامر في الساحل الشمالي هذا في الجانب الأرتري مع بعض التداخل مع الجانب السوداني، أما في الجانب السوداني فهناك الهدندوة والحلنقة والرشايدة مع بعض التداخل في الجانب الأرتري، وأنا هنا لا أقصد تحويل الأمر لصراع وتفاهمات قبلية ، إنما الذي قصدته هو الأستفادة من معرفة أبناء هذه القبائل المتواجدة في الجانب الأرتري بالقبائل المتواجدة في الجانب السوداني، وهؤلاء موجودين في التنظيمات المكونة لجبهة التضامن ، والجدير بالذكر هنا هو سيطرة نظار القبائل في هذه المنطقة على أفراد قبائلهم سيطرة غير مباشرة إلا أنها سيطرة تامة عبر العمد المشايخ ، كما أن معاداة تنظيمات تحمل السلاح هو أخر أمر ما يمكن أن يخطر في أذهان هؤلاء النظار والعمد ، لذا فرصة نجاح الحل السلمي للمشكلة كبيرة جداً في ظل هذه المعطيات وهذا الحل في حالة نجاحه يضمن سرعة الحصول على نتائج له ، وأنا في الحقيقة الأمر عايشت ثلاثة قصص مليئة بالعبر سأذكر هنا أحداها وقد عايشتها شخصياً عندما كنت في كسلا حي الشعبية وتفاصيل هذه القصة كالاتي:
أن حسن إبن جارنا محمد آدم وهو عائد من حي المربعات في ليلة حالكة الظلام تم رميه بسفروك (نوع خاص من العصي) فضربه السفروك بمقدمته المدببة في جبهته فسبب له جرح غائر ، إلا أن الولد لم يخبر والده بما حدث له وكان يتحاشاه حتى لايسأله عن الجرح ، وفي اليوم الرابع أكتشف عمنا محمد آدم جرح إبنه وكنت وقتذاك حاضراً فقد تعودت أن أزورهم بعد صلاة العصر فنحن جيران منذ عشرون عاماً تقريباً ، وبسؤال عمنا محمد آدم لولده عن الجرح قال الولد أنه قد سقط من العجلة فأخذ الأب بمعاينة الجرح فقال لإبنه أنها ليست سقطت عجلة وتحت ضغط والحاح الوالد إعترف الإبن بما حدث له وأفاد أن السفروك جاءه من ناحية بيوت الهدندوة على طرف منطقة إمتداد حي الشعبية ، فإذ بعمنا محمد آدم يلبس صديريته ويطلب مناّ الحضرين وهم أنا وإبن عمه وإبنه الكبير بمرافقته للبيوت الموصوفة من قبل إبنه، وأنا صراحة لم أرى أي منطق في ذهابنا لتلك المنطقة، كما أني إستشعرت الخطر للذي أعرفه من غدر الهدندوة إلا أني لم أظهر خوفي خاصة وأن عمنا محمد آدم سوف لن ينسى لي مثل هذا الموقف لذا رافقتهم خشية أن يتهموني بالجبن ، وعند وصولنا لمجموعة بيوت الهدندوة سأل عمنا محمد آدم عما إذا كان هناك رجل كبير يمكن سؤاله عن بعض الأمور فتطوع أحدهم وأشار إلى إحدى القطاطي ، وبإختصار بعد السلام والمقدمات و تجمع بعض الرجال والترحيب أخذ عمنا محمد آدم بطرح مشكلته ، فقال أنه قبل أربعة أيام وبينما إبني يعبر الجسر قرب بيتوتكم تم رميه بسفروك من إتجاه بيوتكم وقد أصابه السفروك في رأسه وسبب له جرح عميق في جبهته ، وأنا الأن لم أحضر لأطلب منكم شئ ، إلا أن الجرح موقعه في الرأس وأنتم تعرفون الذي يمكن أن تتسبب فيه الجروح في الرأس فأخشى أن يتطور الجرح ويتسبب في أذية الولد أو موته ، لذا في ذاك الوقت ستكونوا كلكم غرمائي إذا لم تعطوني غريم الأن وسوف لن أقبل أن تعطوني غريم في ذاك الوقت ، وهو الآخر سوف لن أطالبه بشئ وأنا صراحة قد جمعت المعلومات الكافية عنكم قبل حضوري إليكم ، فطلب منّا الهدندوة فرصة للتحدث فيما بينهم ، وبعد ربع ساعة من النقاش عادوا إلينا ، فأبلغنا الرجل الكبير أن لديهم في الحي ولد شبه مجنون هو من يقوم بمثل هذه الأفعال ، فسأل عمنا محمد آدم عن أسم الولد وطلب منهم إحضاره إلى هنا حتى يراه فقاموا بما طلب وعندما وقف الولد أمامنا أخذ عمنا محمد يحادثه بالبداويت وبعد محادثة قصيرة معه وجه كلامه للموجودين في المجلس فقال لهم ابنكم ليس مجنون فهو مسئول عن تصرفاته ،إلا أني سوف لن أطالبه أو أطالبكم بأي شئ الآن ، وعلى هذا انفض المجلس بعد أن شكرناهم وشكرونا ، وقد استغربت أنا السهولة التي تم الوصول بها للجاني ، وفي طريق عودتنا سألت عمنا محمد آدم إن كان يتعامل بالسحر أم لا ؟ فقال لي أن كل ما في الأمر إني أعرف كيف أوصلهم رسائلي بأقصر الطرق كما أني أعرف نقاط ضعفهم ونقاط قوتهم وهم كذلك يعرفون نقاط قوتي وضعفي لهذا كان التفاهم بيننا سهل كما رأيت .
أما القصتين الأخرتين لا يوجد مجال لسردهما إلا أن أحدى هاتين القصتين تتعلق بتعهد أحد زعماء الهدندوة وهو سليمان علي بيتاي بإحضار الفردين اللذان قتلا غدراً أحد أفراد قبيلة البني عامر خلال ثلاثة أيام بعد الأحداث التي رافقت حادث القتل وتوعد البني عامر بأخذ الثأر لقتيلهم ، وقد نجح بيتاي فعلاً بتسليم القاتلين في المدة المحددة للشرطة .
وكما أسلفت ليس القصد من وراء إقتراح هذا الحل تحويل المشكلة إلى مشكلة قبلية فهذا بالتأكيد سيضر بالقضية ويفرغها من مضمونها إنما قصدت من وراء ذلك الإستفادة من خبرات وأعراف قبائل المنطقة لمعرفة الشخص الذي تتم مخاطبته وبماذا تتم مخاطبته ، وكيف تكون صيغة المخاطبة ، وماهي نقاط الضعف والقوة … الخ .
ثالثاً الحل العسكري:
إعتقد أني أخر من يفهم في هذا الحل ، وبالتأكيد أن تنظيمات جبهة التضامن تملك خيرة الكوادر الأمنية والعسكرية وبالتالي هي من تستطيع وضع وتقييم مثل هذا الحل ، إلا أني أعلم أن إحساس المختطفين بالخطر يردعهم ، فهم طلاب مال وليس طلاب قتال لذا سلامتهم فوق كل إعتبار آخر ،لهذا يجب ذرع الخوف فيهم بجمع المعلومة الأكيدة عنهم وعن أساليبهم واعتراض دروبهم ومسالكهم من قبل مجموعة بسيطة مسلحة ، سيذرع الخوف فيهم ويردعهم ، وإذا إضطر الأمر إيقاع إصابات في صفوفهم فآخر العلاج الكي .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=1429
أحدث النعليقات