ماذا حدث في 21 يناير؟
هذا هو السؤال الحائر الذي يسيطر على الساحة الارترية حتى اليوم ؟
في هذا اليوم تحركت وحدة عسكرية من الجيش الارتري من مواقعها القريبة من الحدودالارترية الاثيوبية واستولت على مبنى الاذاعة والتلفزيون الارتري واجبرت المسئولين لاذاعة بيان – بيد ان الارسال توقف فجأة ، وتوقف معه بالتالي بث كامل البيان.
تضمن البيان المطالب التالية :
1- اطلاق سراح المعتقلين
2- تفعيل الدستور الارتري
3- تحديد جدول زمني لاجراء الانتخابات
4- الاستجابة الى مطالب الجيش
لم يكن لحركة 21 يناير صدى في اسمرا وسائر ارجاء الوطن . . . وظلت الامور تسير كما كانت من قبل . . . ولكن حدثا كهذا في بلد يرزح تحت القبضة البوليسية، تقود على حضور ، سياسي واعلامي ، طاغ برأس النظام واركان السلطة – يتطلب تفسيرا رسميا لما حدث . . . على الاقل حفاظا على سمعة النظام .
بيد ان صمتا مطبقا على مدى اسبوعين كان الرد الرسمي . وفي ظل هذا الغموض وغياب الادوات التي تملك الجماهير المعلومات من الاوضاع الراهنة ، فقد ظل شعبنا داخل ارض الوطن ، يتالم ويتحسر وينتظر ( المهدي المنتظر )الذي سيخلصه من بطش . . . اكلة لحوم البشر .
اما جماهيرنا في بلدان المهجر فقد اصبحت منذ 21 يناير اكثر من اي وقت مضى اسيرة للاشاعات واحلام اليقظة ! !
لم تتورع بعض مواقع الانترت الارترية من نشر معلومات تؤكد تأليف حكومة ارترية جديدة ابرز عناصرها عبدالله جابر ، مصطفى نور حسين وعبده هيجي، وتؤكد مواقع اخرى اونفس المواقع في يوم تالي، ان الشخصيات سالفة الذكر زج بها في المعتقلات .
وسارعت بعض المواقع الى ترويج اشاعات عن التصفية الجسدية لاسياس او اعتقاله ، وواكدت بعض المواقع سريعا الى انتهاء التمرد الذي قاده صالح عثمان واعتقاله ، بينما ادعت مواقع اخرى ان الوحدة العسكرية التي استولت على مبنى الاعلام انسحبت بعد اجراء مفاوضات مع اخرين ، وعادت الى مواقعها .معاينة
تمادى اسرى احلام اليقظة الى الادعاء ان حركت 21 يناير هو افراز للصراع بين التيار الانعزالي الذي يقوده اسياس ، والتيار العقلاني الذي يرى ان المصالح العليا لارتريا مرهونة بتقوية الاواصر بالمحيط الاسلامي والعربي ! !
واوهمونا بأن قناة الجزيرة قد شمرت عن سواعدها لمقارعة النظام الدكتاتوري ، وما دام الامر كذالك فهناك تغيير سياسي جذري لقطر تجاه صديقه النظام الارتري الراهن . . ودعما لهذا التغيير وتعميقه لابد من الصراخ ” مدد ياحمد . . ” او ” وا قطراه ” .
لست بصدد تفنيد هذه الادعاءات او دعمها ، فلا زالت ارتريا – كما كانت من قبل – صندوقا مغلقا .
ولكنني شاهدت وسمعت كسائر افراد الشعب الارتري ، رأس النظام الارتري يقول انه ليس هناك ما يقلق وان كل شيئ على مايرام ، وسوف تملك الجماهير المعلومات عن الحادث ! !
وشاهدت رأس النظام يحتفل بذكرى ” فنقل” بمصوع برفقة الامين العام للحزب الامين مجمد سعيد واللواء كاريكا قائد البحرية وفي غياب سائر اركان النظام لا سيما اللواء سبحت افريم وزير الدفاع .
اذن لا يزال الجناح الاقوى في السلطة ، بقيادة اسياس افورقي يسيطر على الامور ، ولا زالت موازين القوى كما كانت قبل احداث 21 يناير .
ولكن. . . .لا استطيع ان اقول ان حركة 21 يناير امرعرضي يمكن تجاهله كأن لم يكن …
فلا شك ان مهابة النظام، ارتريا، وسمعته دوليا واقليميا قد اهتزت اكثر من اي وقت مضى . . . . وان لم يستطع الشعب الارتري داخل ارض الوطن ، ان يترجم بعد عن الحالة الجديدة .
فقد تمكن الارتريون في المهجر من اختراق حاجز الخوف عبر المظاهرات الحاشدة في مختلف بلدان المهجر واقتحام السفارات الارترية .
اذن فلنعمل على تطوير هذه الحالة السياسية ونبتعد عن الاراء والاطروحات التي تؤدي الى تزييف الوعي السياسي .
نحن في احوج ما نكون، اكثر من اي وقت مضى ، الى امتلاك وضوح الرؤية السياسية كمدخل اساسي لحشد كافة الطاقات المادية والمعنوية لاسقاط النظام الدكتاتوري واقامة البديل الديمقراطي .
نحن مطالبون امام جماهيرنا في هذه المرحلة الحرجة لتحديد المغزى السياسي لحركة 21 يناير .
ليس هذا الامر ترفي ، بل هو من صميم العمل السياس لكافة الحادبين على مصلحة النظام الديمقراطي ، لا سيما ان الجناح الاقوى في السلطة يلمح ان الحركة ذات اهداف طائفية . كما ان البعص يشيع في صفوف الدياسبورا . . . رموز حركة 21 يناير ينتمون الى اقليم محدد ، كما يشيع البعض الى دور قطري . . . . الخ
لا ادعي امتلاك الحقيقة او تفسير صحيح وحيد لما حدث ، ولكن ادعو الى تفكير بصوت مسموع وصولا الى امتلاك وضوح الرؤية . . . من خلال متابعة ممارسة النظام على مدى العشرين عاما الماضية ، وعلاقاته الاقليمية والدولية ، وصراعات الاجنحة في السلطة الحاكمة نستطيع القول ، تتصاعد الازمة الخانقة التي يواجهها النظام ، وكانت السبب الاساسي في اندلاع تمرد 21 يناير .
وبكلمات احرى هناك اسباب عديدة لحركة 21 يناير، اهمها :
اولا : شدة وطأة العقوبات التي اصدرتها الامم المتحدة .
ثانيا : ضمور الدعم المادي الخارجي نتيجة :
1- سقوط نظام القذافي الذي كان يعتبر من اهم داعميه .
2- فتور العلاقات مع دولة قطر .
3- انفصال جنوب السودان ، كما هو معلوم كان السودان السابق يوفر للنظام الارتري البترول والحبوب بشروط مريحة، ويشكل ، احيانا هبات.
ثالثا: اصرار مكتب الرئيس على المضي قدما في تكوين الجيش الشعبي بقيادة” تخلي منجوس” ، ويشكل ذلك بلا ادنى شك ، ضربة لنفوذ ومصالح جنرالات الجيش الكبار الذين كانوا
يعتبرون حتى وقت قريب احدى اقوى الاجنحة في صفوف السلطة الحاكمة .
وكان المهتمون بالسياسة الارترية يعتقدون ان السلطة الحقيقة في ارتريا تتمثل في تحالف :
– رأس النظام ومكتبه
– وزير الدفاع وكبار الجنرالات
– مكتب الامن وكوادره الاساسية
ورغم الغموض والسرية التي فرضها النظام على ممارساته على الصعيدين ، الداخلي والخارجي ، والحيلولة دون مشاركة الجماهير في صناعة القرار السياسي، وتمليكها المعلومات عن الشأن العام ، فان الازمة السياسية كانت تتفاقم يوما بعد يوم .
وبدأت افرازات تلك الازمة تفرض نفسها بوضوح على ارض الواقع . تمثل ذلك في التدهور المريع في شح المواد الغذائية،والبترولية والادوية. ووصلت خدمة الكهربا حدودها الدنيا، لدرجة ان العديد من المنازل في اسمرا تعتمد الآن على ” لامبدينا ” ، وبدأت تعاني من عدم توفر ” الشمعة ” .
وبدأت تطفح على السطح ، خلال الاشهر القليلة الماضية ، تجليات الخلاف والصراعات في صفوف قمة السلطة كما ظهر في انشقاق وزير الاعلام علي عبدة واستقالة وزير المالية. وفرضت الازمة الخانقة نفسها على نقاشات الكوادر القيادية في الجيش والحكومة والحزب الحاكم ، ولم يتعد طموحها الاساسي الحفاظ على وحدة مختلف اجنحة السلطة الحاكمة.وكان المدخل الاساسي لتحقيق هدف العودة الى تفعيل الدستور الارتري الذي صيغ قبل بضعة سنين ولم ير النور حتى الآن ، كما طالبت تلك الكوادر، بشكل خجول ، باطلاق سراح مجموعة ما يعرف بمجموعة ” 15 ” . وشاركت في تلك النقاشات بعض مواقع الانترنت خارج ارض الوطن ، والمرتبطة بالنظام الراهن، مباشرة او بطريقة غير مباشرة .
في هذا المناخ اندلغت حركة 21 يناير، وكان محتوى البيان الذي بثه التلفزيون الارتري باسمها نفس ما كان يردده بعض الكوادر القيادية في النظام وراء الكواليس.
ولن نبتعد عن الحقيقة اذا قلنا ان الحركة ليست الا تعبيرا عن طموحات بعض الاجنحة التي تتطلع الى حسم الصراع.
لا تملك ” الحركة ” برنامجا سياسيا يتوق الى اقامة البديل الديمقراطي على انقاض النظام الدكتتوري كما اتضح في بيانها .
كانت الحركة معزولة ، لم تتجاوب معها سائر وحدات الجيش الارتري او الكوادر القيادية في مختلف المواقع، ولم يحس بها المواطن العادي .
وبغض النظر عن طبيعة موازين القوى داخل السلطة الحاكمة ، والتي ربما تكون قد تبلورت بعد فشل حركة 21 يناير ، فان تداعيات ما حدث سيصب في مصلحة النضال الديمقراطي . .
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=30287
نشرت بواسطة فرجت
في فبراير 16 2013 في صفحة المنبر الحر.
يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0.
باب التعليقات والاقتفاء مقفول
أحدث النعليقات