ماذا سيكون مصير هذا المولود… ؟!؟
هنالك تحديات مصيرية حقيقية وصعبة سوف تواجه الشعب الإرتري بعد زوال نظام العصابات في ارتريا…وعلينا ان نستعد من اليوم لمواجهة هذه المخاطر حتى يتحصل الجميع على حقوقهم ونستطيع بناء دولة القانون، العدالة، المساواة والديمقراطية. بعد نضال سياسي أكثر من 60 عامَا وكفاح مسلّح دام 30 عاماَ، توّج كفاح الشعب الإرتري بإستقلال الأرض وهزيمة المحتل الإثيوبي، لكن الشعب الإرتري لم يتحرر ولم ينعم بالحرية، الرخاء، الأمن والأمان بعد. اعتلى حكم البلاد نظام عصابات، غير شرعي وغير منتخب، يتفنن في تعذيب وتنكيل الشعب الإرتري، واللجؤ الى دول الجوار في ازدياد مستمر واحوال البلد تسير من سيء الى اسوء.
تحت حكم الطاغية افورقْ، من الصعب توصيف حال ارتريا، هل هي دولة أم شبه دولة أم ماذا؟ ارتريا هي البلد الوحيد في العالم بلا دستور!؟ الطاغية المعتوه له جميع السلطات، يعلن الحرب كيف يشاء، يسجن، يقتل بلا قانون ولا حساب…البلد اصبحت مزرعته الخاصة، ولكن ماذا سيجري بعد رحيل أو هلاك الطاغية؟
بلد بلا دستور… بلا مؤسسات… بلا نظام حكم واضح ومحدد…مجتمع متفرق وممزق، يطرح الكثير من التسئلات والمخاوف. ماذا جرى في الصومال بعد رحيل الطاغية سياد بري؟ ماذا جرى فى ليبيا بعد هلاك مجنون ليبيا المعتوه؟ بناء دولة بعد انظمة فاسدة وشمولية، صعب جدا، والنتائج غير معلومة، لأن المجتمع يصبح ويتصرف كأنه طفل حديث الولادة، بلا خبرة ولا مؤسسات وعرضة لكثير من التحديات المصيرية، والسبب عدم وجود مقومات اساسية “للدولة” حتى يكون لها كيان ويمكن ان “تكون” وتنموا.
“إذا اعتبرنا أن استقلال الدولة هو ميلادها أو ما يوازي ذلك، فهي شخص اعتباري، فإن الميلاد يقتضي إشهار وتثبيت. والدستور يقوم بجزء من هذه الوظيفة فهو أقرب إلى شهادة الميلاد التي تصدر للإنسان بعد ولادته فتعلن عن هذه الواقعة وتتضمن عددًا من البيانات المؤثرة في تحديد هوية الكائن الجديد. ولعل أهمية الدستور تتجاوز فكرة شهادة الميلاد، مع اهميتها، فالدولة كائن اعتباري كما الجمعيات والشركات، والدستور هو النظام الأساسي الذي يبين وظائف هذا الكائن وكيفية قيامه بهذه الوظائف والتكاليف وحقوق وواجبات اعضاء الجمعية العمومية وهم في حالتنا الشعب” (من ملف: دستور دولة الكويت..وقفة بمناسبة مرور خمسين عامًا على ميلاده – د. محمد الفيلي مجلة العربي (الكوتية) العدد 639 ربيع الأول 1433هـ فبراير 2012 ص. 16)
الدستور يحدد شكل الدولة (مركزية، اللامركزية، فيدرالية) وهويتها، نظام رئاسي أو برلماني، كذلك يحدد ما هو نظام الحكم فيها من حيث مصدر السيادة والعلاقة بين السلطات (التشريعية، القضائية والتنفيذية)، كيفية تقاسم السلطة والثروة. يحدد بوضوح موضوع الحقوق، الحريات (حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر)، اللغة (اللغات) الرسمية، حقوق القوميات، الإثنيات وحقوق الأقليات وضمان الحقوق الأساسية للإنسان مستوحى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (انقر الرابط للمزيد عن: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ).
http://www.un.org/ar/documents/udhr/
الدستور فى ارتريا: فى الماضي، الحاضر والمستقبل
– الماضي: اجهض من المحتل الإثيوبي 1) دستور 1952 (الدستور الفيدرالي)
2) دستور 1997 (دستور افورقْ) – الحاضر: لا يوجد دستور
3) دستور 2011 (دستورانتقالي/ المجلس الوطني) – المستقبل: الأمل ليكون شرعي، قانوني وفعّال…
الدستور الفيدرالي (1952) لم ينجح لأن الإحتلال الإثيوبي لم يعترف بالنظام الفيدرالي وضم ارتريا بالقوة لتكون المحافظة رقم 14 الإثيوبية. أما دستور افورقْ (1997) معمول بطريقة غير شرعية ومفصل على مزاج وبرنامج افورقْ وحتى هذا الدستور المنقوص لم يرى النور واجهض قبل الولادة من قبل الطاغية. اما الدستور الأخير فهو دستور انتقالي (لمرحلة ما بعد افورقْ) ويحتاج الى التوافقية والإستفتاء من قبل الشعب الإرتري ليكتسب شرعيته، بعد تحرير ارتريا من مخالب الديكتاتورية بإذن الله.
على سبيل المثال، لنرى ماذا تقول الدساتير عن اللغات الرسمية في ارتريا؟
دستور اريتريا-1952: (نص الدستور الاريتري الذي اعتمدته الجمعية العامة في ۱۰ تموز (يوليو) ۱٩٥٢)
المادة ٣٨ – اللغات ۱. التغرينيه والعربية هي اللغات الرسمية لاريتريا.
٢. وفقا للممارسة المتبعه في اريتريا، واللغات المحكيه والمكتوبة من مختلف المجموعات السكانيه يجوز ان تستخدم فى التعامل مع السلطات العموميه ، وكذلك للأغراض الدينية او التعليميه وجميع أشكال التعبير عن الأفكار.
الدستور الارترى- 7199: الذى صادق عليه المجلس الدستورى فى 23 مايو 1997
المادة الرابعة: الشعارات واللغات الوطنية (ص. 6) 3 – يضمن هذا الدستور المساواة بين كافة اللغات الارترية.
الدستور الوطني حتى يكون مقبول وفعّال لا بد ان يوفي الشروط التالية:
1- المجلس التأسيسي للدستور: الذي يمثل جميع الأحزاب والتنظيمات السياسية، جميع الطوائف الدينية والقوميات، جميع شرائح المجتمع، جميع فئات المجتمع وخبراء قانونيون…
2- الدستور لازم يتم بالتوافق ولا يكون مفروض من حزب او جماعة أو أغلبية.
3- لا بد ان يكتسب الدستور شرعيته بالإستفتاء حتى يكون مقبول وفعّال في المجتمع.
كما يعلم الجميع دستور افورقْ (1997) غير مقبول لأنه غير قانوني وشرعي وهو يفرض سياسة النظام الطائفي والإقصائي الذي ينتهجه الطاغية افورقْ. فمثلا بما يتعلق “اللغة/اللغات الرسمية” مكتوب بطريقة سخيفة. كلام ضبابي، عام وغامض والهدف هو طمس وابعاد اللغة العربية بطريقة غير مباشرة وجعل التجرنية اللغة الفعلية والعملية في ارض الواقع كما هو الحال اليوم في ارتريا.
لا يمكن ان تقام دولة بطريقة “فرض الأمر الواقع” و”القوة” و”الفهلوة” على حساب حقوق الأخرين. المفروض الدستور ان يتم بالتوافق والتفاهم ويتضمن جميع حقوق المواطنين بدون استثناء. هذه هي الخطوة الأول والصحيحة نحو بناء دستور وطني وفعّال. وكما يقولون “مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة” . يمكن ان يتسائل المرء ويقول: ما فائدة وجود دستور ولكنه غير فعّال في ارض الواقع؟ فمثلا (كما يدّعي النظام الفاشل في ارتريا) توجد انتخابات في اثيوبيا ولكنها مزورة والنتيجة معروفة مسبقاَ؟ أولا وجود الدستور (الذي يعبر عن طموحات وآمال الشعب) شيء اساسي ولا يحتاج الجدال، اما تفعيل وعمل بالدستور يحتاج الى زمن ومراحل عديدة تعتمد على امور كثيرة، والمسؤلية تقع على الحكومة، احزاب المعارضة، الإعلام الوطني الهادف، النخبة السياسية الخ…مستوى التعليم، الثقافة العامة، تقاليد الشعب، الإحساس الوطني، التوجيه الثقافي والمعنوي للدولة، الإعلام…عوامل كثيرة ومتداخلة لها تأثيرات مباشرة وغير مباشرة. الشعب يتعلم ويتطور من الأخطاء وبالتجارب حتى ينضج ويصل الى مرحلة متقدّمة لا يفرط فيها عن حقوقه وواجباته وهذا يتم بالممارسة وليس بالأحلام.
المطلوب من الجميع (من الأن) توعية وتثقيف الشعب بجميع الطرق المتاحة لخلق مجتمع متحضر يؤمن بالدستور، سيادة القانون، العدل، المساوة، احترام حقوق الإنسان، دولة مبنية على المواطنة والحرية والديمقراطية التي تحكم فيها الأغلبية ولكن جميع حقوق الأقليات تكون محفوظة.
ذهاب الطاغية في الأفق وعلينا ان نفكر..كيف نبحر بوطننا وشعبنا الى بر الأمان؟
عند انهيار النظام الشمولي (كما حدث في الصومال وليبيا – مستعمرتين ايطاليتين سابقتين) الوضع يصبح خطير…ويهدد الكيان وسيادة الوطن وحتى وجود الدولة ككيان واحد وموحد يكون في خطر.
اناشد الجميع، وخاصة المثقفين والنخبة (الفقهاء الدستوريين) ان ينشروا ثقافة “الدستور” “حكم القانون” وينشروا لنا مواد الدستور للنقاش (مثلا في البالتوك ومنابر ثقافية آخرى) لتوعية الشعب حتى ننهض بمستوى شعبنا. لا بد ان نتعلم مما يحدث وحدث للأخرين في العالم من حولنا، نتعلم، نستفيد ونستعد لهذه الفترة العصيبة. وارجوا ان ينشر على حلقات ما تم تداوله ونقاشه مسودة الدستور (مجلس الوطني الإنتقالي) حتى تعم الفائدة.
واناشد جميع منظمات المجتمع المدني ألإرتريا ان تلعب دورها الحقيقي (بدل ان تكون اجنحة فرعية للتنظيمات والأحزاب السياسية كما هو الأن) تدافع عن حقوق الشعب الإرتري وتقوم بدورها الحقيقي بعيدا عن السياسية والخلافات السياسية.
نعم الخطورة حقيقية…الكيان الإرتري مهدد، اليوم ارتريا “دولة” بلا دستور، بلا هوية، معزولة، يهرب منها جميع ابنائها وبعد انهيار نظام العصابات المتهالك سوف نواجه تحديات حقيقية تهدد الوجود والكيان الإرتري. لنستعد من اليوم…ونعمل من اجل دولة القانون التي تحافظ على كيان، سيادة ووحدة الوطن والشعب الإرتري، ولا نفرط في التفائل ونتخيل بإنتهاء نظام افورقْ كل شيء سوف يكون على ما يرام. هنالك عدّة قوات (بعضها توصف نفسها معارضة للنظام مثل حزب الشعب) تريد وتعمل بكل جهد للمحافظة المكتسبات الغير شرعية وغير قانونية لطائفة واحدة وقومية واحدة التي حققها الطاغية افورقْ، بالإضافة الى مناصرين النظام ليحافظوا على المكتسبات التى حققوها في عهده. التحديات كبيرة وعلينا ان نفكر من اليوم…ماذا سنفعل بعد سقوط الطاغية؟ كيف نستطيع الحصول على حقوقنا؟ وهل نحن مستعدون؟ الرجاء عدم تكرار الأخطاء السابقة التى حصلت في فترة الكفاح المسلح التى كنا نناضل من اجل تحرير ارتريا فقط، من غير تفكير عن الحكم ونوع الحكم “بعد التحرير”.
يجب ان نحدد بكل وضوح ماهي “ثوابتنا الوطنية” ولذا علينا ان نعمل، ننشر ونفعّل الوعي عن حقوقنا الدستورية والقانونية، والمطلوب تفعيل وتوضيح مثل هذه المفاهيم بعدة طرق، منها على سبيل المثال:
وثيقة العهد مجلس إبراهيم المختار (مجلس إبراهيم مختار)
https://www.farajat.net/ar/1622
هذه الوثائق تكشف بطريقة علمية الواقع الإرتري (كما هو) ولا احد كذّب او تحدّى هذه الوثائق…ببساطة لا احد يستطيع ان ينكر أو يكذب الواقع الموجود في ارتريا (بدل الحديث عن الوثائق ومحتواها تسائلوا كثيرون عن “من” كتب الوثائق، منهم رئيس حزب الشعب وغيره). السيطرة والهيمنة واضحة…اللغة الرسمية والعملية الوحيدة هي التجرنية، ولمعرفة حقيقة النظام علينا ان نسأل ونتسائل: من يساند النظام ما دياً ومعنوياً؟ من المستفيد من النظام؟ من هم المبعوثون للمنح الدراسية؟ والباقي تكمله الوثائق بكل وضوح. اتمنى المواضيع التالية ان نناقشها بكل وضوح من اجل غد افضل للجميع بعد رحيل الطاغية:
– عودة اللاجئين الإرتريين (منذ عام 1967) الى اراضي اجدادهم الأصلية في اسرع وقت ممكن، واعتبار جميع المستوطنين في اراضيهم غير شرعيين، ولا بد الأعلان هذه الثوابت من الأن.
– لا بد أن يكون “قانون موحد” في جميع انحاء ارتريا بما يتعلق “ملكية الأراضي”. اما اليوم جميع اراضي وممتلكات المسلمين مستباحة من الجميع، اما اراضي المسيحيين في المرتفعات مصانة بقوانين وشروط ولا نصيب للمسلمين فيها…هذا الهراء لا بد ان ينتهي بعد نهاية حكم الطاغية.
– تحديد اللغات الرسمية بدون “لف ودوران” ونص بوضوح في الدستور، انّ اللغة العربية لغة رسمية ووطنية ارتريا.
– تحديد نظام حكم اللامركزي (فيدرالي أو غيره) وضمان حقوق جميع الأفراد، الإثنيات، القبائل والقوميات واحترام لغاتها/لهجاتها، تقاليدها وتاريخها. على سبيل المثال…العفر في اثيوبيا يتمتعون بحكم (كونفيدرالي) لهم ميزانية خاصة ويحكمون منطقتهم، يستخدمون لغتهم ولهم تلفزيون الخاص الخ…وفي جيبوتي يشاركون في الحكم، اما في ارتريا لا وجود ولا حقوق لهم. اذا طالبوا بحقوق مثل اولاد اعمامهم في اثيوبيا وجيبوتي…هل هذا يعتبر جريمة؟
– تقاسم عادل، واضح ومحدد في الدستور: للسلطات (محلية/اقليمية/وقومية)، الثروة والتنمية المتوازنة بين جميع افراد الشعب، ولا بد ان يكون العدل والإنصاف للجميع بلا استثناء.
– استماع ومناقشة جميع مطالب وشكاوي الشعب الإرتري…وايجاد حلول عادلة ودستورية الى جميع مشاكل الشعوب والقوميات الإرترية. تصحيح ومراجعة جميع الأخطاء والقوانين والممارسات الغير عادلة الموجودة اليوم.
– ضمان جميع الحريات ومن بينها حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية بدون وصايا وقيود وبدون تميّز. على سبيل المثال اليوم في ارتريا (المسيحيين يشكلون 50% والمسلمون 50% من الشعب، كما يدّعي النظام الحاكم) ولكن لماذا سُمح للكنيسة المسيحية الأرثذوكسية الإرترية الإنضمام الى الكنائس الدولية في يوم 29 اغسطس عام 2003م.؟ (نشر في موقع “شابيت” للنظام يوم 16 سبتمبر من عام 2003) بالمقابل لماذا لا يُسمح للمسلمين الإرتريين (الذين يشكلون 50% من الشعب كما يدّعي النظام) للإنضمام الى منظمة المؤتمر الإسلامي؟ مجرد تسائل…هل المسلمون يعتبرون مواطنون درجة ثانية؟ أم ماذا؟ هذا الوضع (التميّز) لا بد ان ينتهي بعد رحيل الطاغية. بناء دولة القانون، المؤسسات، الحريات والديمقراطية بدون هيمنة أو وصايا مجموعة واحدة (كما هو الحال اليوم). لا نريد ان نجامل على حساب حقوقنا وعلينا ان نَصِف الواقع كما هو لإيجاد حلول عادلة ومنصفة للعيش والتعايش بسلام.
التحديات حقيقية…الخطر حقيقي… وعلينا ان نتحمل مسؤليتنا الوطنية وننقذ شعبنا ووطنا من الضياع. لقد ضحى عشرات الألاف من نبلاء ارتريا من اجدادنا، ابائنا، اخواننا واولادنا، لأكثر من 60 عاما…من اجل هذا الوطن العزيز والغالي. اليوم نحن مطالبون بتحديات جديدة وخطيرة: التخلص من الطاغية والعصابات الحاكمة وبناء دولة القانون والمؤسسات والعدالة الإجتماعية…وهذه هي مسؤلية الجميع، وعلى الجميع ان يعلم بأن المخاطر حقيقية والتحدي قائم…(وضع ارتريا اليوم..مثل مولود بلا شهادة ميلاد ومسيره مجهول) ولكننا نستطيع ان نمر هذه المراحل اذا خلصت النية وبدءنا نعمل (بدل الكلام والتحليلات) بوعي ومسؤلية، من اليوم، من اجل غد افضل للجميع بدون فاعل ومفعول به كما هو الوضع اليوم.
وكتبه: محمد صالح أحمد
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=22032
أحدث النعليقات