ماذا قال عبّي؟
في زمن عمت فيه الضبابية رؤانا، وأعتمت فيه ديارنا بظلم الحاكم الجاثم فوق صدورنا، وساد فيه عدم إكتراثنا بتحوّل منازلنا إلى أطلال تحكي حكايات الماضي القريب والبعيد، في زمنٍ لم تعد مدائننا لنا فلا من بيمينك منك ولا من بيسارك يعرفك، في زمن أُزكمت أنوفنا بروائح دخان بيوتنا المحترقة وحثث خيرة أبنائنا التي امتلأت بها فضاءات كلّ الدنيا، فلنا في كلّ القارات قبورا بعد الممات كما لنا في بلادنا قبوراً أحياءاً وأمواتاً.
في زمن خرَسَت فيه ألسن الأحياء ونطق فيه من في القبور، في زمن إختفى فيه الحياء وعمّ وانتشر فيه
الفجور، في زمن أصبحت نهاراته مظلمة ولياليه لا تحلم بالصباح والنور. في هذا الزمن الذي سماه بعض أهلنا “زمن قرمبيط!!!” حين تسيل الوديان نحو القمم من أسفل القيعان!!
قال لنا عبّي عبد الله سالّا سيفه وقد انبرى من بين براثن المرض والشيخوخة وما تصنع الأيام من جراحات في الجسد وجروح في النفس. أخرج لنا ما تخفيه بطوننا من حماقة وضعف وهوان ورداءة حال.
قال عبّي لي ولك يا أيّها الرجل المُدّعَى، إنّ أمك وأختك وعمّتك وخالتك ملأن الدنيا زغاريداً وقفزن بقدومك فرحاً وابتهاجاً بحضورك مولوداً جديداً، أملاً في أن تكون سنداً عتيداً – حافظاً للكرامة، و حامياً لكلّ الحمى – بطلاً عنيداً لن توقفه كلّ العقبات.
قال لي ولك، إنّهن ابتهجن بحضورك وليته ما كان، لم يعرفن أنّك ستتركهن فرائس للغازي يستثمر في غواليهن تجارة يجني من خلالها أبناء مدرسة الثورة. قال لك عبي هربت وأنت ترى ذاك الذباب أكرم منك إذ يضحي بحياته بإلقاء ذاته في اللبن الساخن فيصب الناس اللبن ومن ثم يعيش أهله في رغد العيش.
قال لنا عبّي، كان لابد من بكائية تخضّب دموعها تعرجات وجهه الذي شقت الأزمان فيه كهوفاً وودياناً، بكائيةٌ يذكّر بها بكريمات الأصل – الخادمات في بلاط الغازي عديم الأصل، بكائية يرسلها لحامي الحرائر المُدّعَى، والذي “يتيه في الأرض” بين صحاريها وأبحرها، ينعم فيها بكل وسائل الجبن والضعف والهوان.
قال لنا عبّي، إنّنا إخترنا أن نكون جيفاً تأكلها الضباع على أن نكون فرساناً نخوض غمار الصراع، قال لنا عبّي الموت آت في وقته ينتظر ساعته المحتومة، والذي منّا لا يصطحب معه شيئا من كرامته حين الموت ويترك إرثاً يحيا به الآخرون من ورائه لهو أهون من ذاك الذباب الإنتحاري الذي فدى “الرفاهية في حياة أهله” بنفسه !!! ونحن لا نقوى على الحفاظ حتى على كراماتنا وأعراضنا وأوطاننا.
أتدرون ماذا قال لنا عبّي؟ قالها صريحة مدوّيةً!! أنّنا نحن من فَرَّطَ في الثورة الإرترية لصالح من جاء لإغتيالها من أبناء الكوماندوس بعدما عَدِمَ هيلي سلاسي سبيلاً للتخلّص منها في مهدها. قدّمنا له كلّ ما نملك دون أن يكون لنا الوعي الكافي بما جلبه معه ذاك الشريك المُدّعَى!! قال عبّي، أتانا شريداً من غير لبس فغطيناه، وجائعا دون زاد فغذيناه، ضائعا بلا أهل فآويناه، جاهلاً بلا علم فأعددناه خير الإعداد حتى إشتدّ ساعده!!
أرأيتم ماذا فعلنا؟!
يقول عبّي، المهمة أصبحت ضخمة والتضحيّات أصبحت ضرورة، وبما أنّ سبيل الحياة يمرُّ حتماً بالممات فالموت ليحيا أهلونا بكرامة فعل أذكى وعمل أزكى!!
يقول لنا عبّي، نحتاج إلى بداية أكبر وأعمق، ونعمل بالعلم ونبني على التعلّم من دروس الماضي، وبما أنّ الدرس كان قاسياً ولا بد أن يكون من بيننا من تعلّم منه وأخد كلّ العِبَر، وعليه فإنّ العمل الجاد يبدأ من إلقاء أسباب التشرذم والفرقة والإختلاف المنهجي جانباً ونتفق على القضية.
يتساءل عبّي!! ألف تنظيم وقضية واحدة ولا إنجاز واحد!! ألا ترون هذا إنحطاطاً؟! ألف كيان متناحر يعمل جميعه في إطار الأجندة الخالدة للتلاشي والهوان الإختياري!!
يقول لي ولك عبّي، خيارك الوحيد أن تعي ما أنت فيه وتعمل من خلال واقعك المرّ، لتحيا أو ليحيا لك أحفاد، ويبقى لك تاريخ وأمجاد!! فطريق الموت الذي اخترت لنفسك لا يفيد إلّا دود الأرض الذي ينتظرك أينما متّ وكيفما مُتّ، ولتعلم أنّك لست أقلّ كرامة من ذاك الذّباب الشجاع المُخْلِص لأهله. الذباب كان مخلصاً فبذل كلً ما استطاع، وعليك أن تكون مخلّصاً (بشدّ اللام) اليوم ثمّ تذهب كخطوة لاحقة إلى الإخلاص لمجتمعك حتى تتساوى معه!!!
يا لبشاعة المقارنة يا عبّي!!
أتذكر ما كان من أحد أجدادنا حين ارتكب أول جريمة قتل في التاريخ الإنساني وكيف علّمه الغراب (رمز كثرة الشؤم) كيف يواري سوءة أخيه وللعلم فإنّ تلك الجريمة كانت نذير شؤم على الإنسانية كلها، ولكننا قد تعلمنا منها الكثير، وبناءاً عليه نقول، لم لا نتعلّم من تضحياته ونحن نرى ذاك الذّباب (رمز كثرة الوساخة) يضحي بالغالي والنفيس من أجل رفاهية أهله، خاّصة وأنّ عوالمنا قد عبأناها بكلّ مستخ قذر من الفعل وردّ الفعل، حتى أصبح لا يُرى فيما نفعل إلّا ذلك.
يقول لي ولك العم عبّي، أنّ منزلك سكنته الثعابين الغازية، ولتتذكر دائماً ولتعلم علم اليقين أنّ أضعف الحشرات تستميت لتخرج الثعبان الدّخيل من جحورها أو تهلك دون ذلك. فأين انت منها يا صاحب الفخار والإدعاء بأنّك تحمل الكرامة ولا تحتمل الملامة!! ألم يصل إليك ما جرى من تغيير لأسمائك وأسماء سمواتك وأراضيك؟ وهل هناك ما تنتفض من أجله أكثر من ذلك – سواء أنت بداخل الوطن مرتهناً أو خارجه ممتهناً؟!
قال عبّي، إنّ لنا أبناءاً اُسكِنوا ضفاف الموت، فلا حياة بلا منزل، ولا منزل بلا وطن، ولا وطن بلا حرية، ولا حرية بلا تضحية، والتضحية اليوم للأسف – أصبحت بين موج البحار الهادر ورمل الصحاري الغادر، ثم بين فكوك ضباع الغاب فريسة تؤكل، وبين صكوك إنسان الغاب سلعة تباع وتستبدل.
قال لنا عبّي، إحيوا أو موتوا بشراً كراماً، فلا حياة لمن عاش دون كرامة، فإنّ مدائنكم أصبحت اليوم دياراً للمآتم ومنازلكم أصبحت مآوي للمياتم. الدموع التي تذرفها أمهاتكم أصبحت أكثر من المياه التي يمكن أن تضخها المواسير في بلادكم.
عيشوا كراماً في أوطانكم أو موتوا كراماً بحثاً عن أوطانكم، فالكرامة أولا وأخيراً.
بدأت بكائية عبي!!
بشرى بركت
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=42006
ياالله ………………كم أنت رائع يا بشري كم، وكم انت واع لما تسمع كم وكم انت معبر عما قرأت وسمعت كم !!!! نعم عبرت عما قال عبي وفسرت ما رمز وابنت ما ابهم فلله درك أخي. اااااااااااااااااه …نعم بدأت بكائية عبي ولكنها البكائية التي ستفيق الكل للانتباه والوعي والمبادرة انشاء الله. ماقال عبي أخي ليس جلدا للذات ولكن سيكون البداية الصحيحة انشالله.
اعجز عن شكرك على كريم المجاملة ورفيع الذوق يا أبا محمد..
الأمل سينتشر في كل ربوع بلادنا، والبشرى ستصل كل مسامع أهلنا حيثما وجدا إذا ما وجدت الارادة لاسترداد الحق المسلوب، وقريبا غير بعيد، سنسرد انشودة عبي لقادم الاجيال..
ولك كل شكري وامتناني
ب.ب