ماذا نحن فاعلون؟
بقلم: بشرى بركت
راجع نكسة 24 مايوا المنشور في فرجت بتاريخ 7/11
صدقت عزيزي صالح فالسؤال الأهم اليوم هو ماذا نحن فاعلون؟ وبما أننا قد فشلنا في الوصول بثورتنا إلى أهدافها وأنها وصلت إلى نتيجة كانت
الأسوأ على الإطلاق في قائمة توقعات الفشل للثورة، فإن علينا التفكير في بداية جديدة بأهداف جديدة ومفاهيم جديدة وأدوات جديدة.
لاتنزعجوا من الاعتراف بالفشل والقبول بحقيقة أننا قد خسرنا كل شيء فأكثر، إذ أنّ هذه الحقيقة المُرّة أعزائي، هي التي لن نحرّك ساكنا ولن نصل إلى حقّ مسلوب قبل الإعتراف بها، فما بني على باطل وكذب ونفاق للذات فهو بالضرورة باطل ونقش على موج البحار وهائج الأنهار.
إذن، السؤال الأصعب الذي يحتار أمامه كل عاقل يبحث في منطق الأشياء ويبني على معطيات اللحظة، هو الذي يُعنيني هنا ، أوجه حديثي إليكم سادتي، فماذا إذن نحن فاعلون؟.
وبالرغم أنه من النوع غير التقليدي في حالتنا فإني أرى أن نبدأ بتعريف المشكلة الرئيسية التعريف السليم.
نحن أمّة أُخرجت من أجندات بلدها فلا نملك شيئا من أرضنا ولا نرى ضوءا في آخر مسارنا ولا نعلم كيف سنمضي في قادم أيامنا!
أليس هذا صحيحاً؟
ألم نخسر ثورتنا لصالح من كان ألدّ الأعداء لها قبل وأثناء انطلاقها وحتى تمكنها من الميدان؟
إليكم سادتي نبذة عمّا حدث في سنوات الإنقلاب من الوحدوية إلى الوطنية الإرترية المدّعاة وليدة الظروف القاهرة.
هل سمعتم باجتماع كان في غاية السرية والأهمية عقد في أديس أبابا؟ ضم هذا الإجتماع الجنرال أمان عندوم والدكتور برخت والسيد ولدآب ومندوب البلاط الملكي تحت رعاية التاج في إثيوبيا، بحسب وثائق إثيوبية، كان هذا الإجتماع يهدف إلى التعامل مع حقيقة أن الثورة الإرترية قد تمكنت من الميدان وأن محاولة اللحاق بالرّكب لا بد أن تكون ذات أبعاد شاملة بحيث يتم الانخراط في الثورة والعمل على خلق كيان موازي لها في إرتريا وإثيوبيا يوازن الكفة ويكون عاملاً مساعداً وحاسماً في لحظة الإنقضاض على الثورة ومن ثم التفرد بها. وكان أمراً بالغ الأهمية بالنسبة للنظام الكهنوتي في إثيوبيا حيث الإعتقاد الراسخ بأن أتباع الكنيسة الأرثودوكسية ممن يعتقدون فيه ثانيا لإلاههم “حادي أملاخ حادي نقوس” لن يخرجوا عن طوعه وعليه فليتسلّموا زمام المبادرة هناك ثم مرحبا بهم في وطنهم الأم، إثيوبيا طوعا بسطوة الكنيسة المسطوا عليها من الإمبراطور أو كرها بموجب الجرائم التي سيرتكبونها في حق الشعب وثورته!!!. ولكن سارت الرياح بما لم تشتهي سفنهم واساطيل مليكهم. فبعد محاولة إنقلا ب منقستوا نواي في إثيوبيا والتي كان لأمان عندوم الدور الفاعل في إفشالها، لم يكن هناك بدّ من محاولة أخرى يقوم بها نخبة من الجيش الإثيوبي ممن يجيدون قراءة الواقع فيعرفون كيف يلاعبونهم، فيدخلونهم في دائرة القرار ويجعلون أمان عندوم في رأس الثورة الإثيوبية ثم يقذفون به وباتباعه الى نهايتهم المحتومة ليفشل المشروع الذي كان قد اقترب من نهايته باستكمال قوة الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا وحليفتها الوياني الشعبية لتحرير تقراي ووصول التنسيق بينهما إلى ذروته بالعمل الدؤوب لإرهاب شعبنا “صانع الثورة وصاحبها” في مواطنه.
اتذكرون في تلك الفترة تحديداً حين كان نشاط الشفتا في ذروته، هل سمعتم أنّ الشعبية أمسكوا بأحد من الشّفتا وتعاملوا معه؟؟؟؟ إنها أسوأ تمثيلية إذن، حيث ذاك يلعب دور الشّفتا وهذا يعمل دور المنقذ يأتي بعد إستكمال الشّفتا مهمتهم في السرقة والقتل والتّرويع. فمن لم تهجّره الحرب هجر بلاده خوفاً من عمل الشفتا المنظّم.
ينتهي بنا المطاف إلى أنهما ينقضان سويّاً على بقايا ثورتنا ليتمكنا من الميدان ويبقى لنا الأطلال والبكاء عليه، نراهم رأي العين جهاراً نهاراً يسعون لتطبيق أجندتهم بشكل مختلف بعض الشيء عما تحركوا من أجله بحيث يغيرون جوهرها إلى القومي التقرنياوي من الوطني الوحدوي، ذلك لأن الكنيسة الأرتودوكسية لم تعد ذات سطوة ومكانة، وعليه نشّطوا أجندتهم الجديدة (الخطة – ب) وقد امتلكوا زمام المبادرة على الأرض.
رأيناهم لاحقاً وقد إختلفوا فيمن يديرها من على القمّة إساياس المتمكّن بالقوة العسكريّة آنذاك أم ملس المتمكن بالعدد ومصادر الثروة وقد امتلك كلّ مقدرات إثيوبيا.
هذه رؤية لا أدعي شيئاً فيها إلًا النقل حرفياً عن مصادر من قلب منطقة إتخاذ القرار في إثيوبيا. والجزأ الأكبر منها في القلب من مؤسّسات إقامة دولة التقراي تقرنيا ورؤى منظريهم، فهذا واقع لاينكره إلا من إحترف خداع ذاته.
إنتصروا نصراً ساحقاً عسكريا ودعائياً ونفسياً إذن!! ونحن قد خسرنا ثورتنا لصالح ألدّ الأعداء.. معترفين بتخطيطهم السليم واستراتيجيتهم التي استكملوها بالخطة (ب)!!
إذا اعترفنا بهذه الحقيقة أعزائي سنصل إلى أن حقيقة ما نحن فيه ليس إلا معاناة وتبعات وآثار الهزيمة، حيث أننا في مواجهة النتيجة الطبيعية لهذه الحالة وهي الإنقسام والتشرذم والتآكل والتوهان والتبشيع ببعضنا بعضاً تحميلاً للمسؤولية لغير الذات والبحث عن الأمجاد في الماضي السحيق الذي مات وانتهى بانتهاء القصة نهاية مروّعة إسمها 24/5.
لاأشك عزيزي القارئ وعزيزتي القارئة بأنكما تلومانني على هذه الكلمات الموجعة فهي تؤلمني كثيرا كما تؤلمكم وتعمّق جرحي الغائر كما تفعل لديكم، ولكنها الحقيقة الوحيدة التي لابد من المرور عبرها لنصل إلى بداية جديدة برؤى وأفكار مختلفة وصولاً إلى النتيجة النهائية التي هي أسمى أهدافنا باستعادة زمام المبادرة
ها نحن اليوم وقد انقسمنا إلى أربع فئات كلها أبشع من بعضها:
الأولى هم فئة المستكينون القابعون تحت وقع ضربات النظام فلم يجدوا أي فرصة لإستيعاب ما يحدث فهم عرضة للضّربات المتتالية لا يستوعبون إلا ما يأتيهم كل يوم من أهوال الإهانة والإزدراء وصناعة الإحساس بالدّونية أمام الآخر المتجبّر، بقوة السلاح والرّعب المنظّم.
أمّا الفئة الثانية فتتمثل في المعارضين التقليديين بعيدًا عن مواقع العمل المؤثّر والفعل الجدّي، وبما أنهم يعملون في إطار المُتاح والتّقليدي فلا لوم عليهم فيما يفعلون ولا لوم علينا أيضاً إذا تجاوزناهم ولم نعر كل ما يفعلون أدنى إهتمام ، فنحن البادئون من التعريف السليم للمعضلة والساعون إلى الحلول غير التقليدية. فليسعوا فيما يسعون فيه ولنا طريق آخر، وسنكون أسعد البشر إن وصلوا إلى شيء من أهدافنا الجوهرية في إستعادة الوطن بأرضه وعرضه. ولهم علينا أن نعيش ممتنّين لهم بكلّ شيء ونعمل خدماً في بلاط دولة الحق والعدل التي سيقيمون. لامزاح ولا إستهزاء في ذلك فأنا أعني كلماتي حرفيّا والله على ما أقول شهيد!!!
لاحظ يا سيدي ولاحظي يا سيدتي الكريمة في أنني لا أقلل عمل أي من المحاولين كلّ حسب المتاح له من أرض الفعل وليعمل كلّ حسب أهدافه فمن أراد أن يصنع زوبعة في فنجان ليظهر من خلالها فله ذلك ومن أراد أن يرضي ضميره بما يفعل فينام قرير العين كلهم جميعا لهم كل التّقدير، ولنا الرّؤية الحديثة والواقعيّة والعمل من خلالها.
الفئة الثالثة هم المنتظرون في حيواتهم المترفة وظلالهم الوارفة حتى يأتي القدر بما يشاءون ولهم أفكار وآراء يريدون العمل عليها في دولة القانون التي ربما ستأتيهم سيراً على قدميها عطاءا ومنّةً من السّارق لها بالأمس. فلينتظروا هم إذن ولنفكّر نحن فيما يلزمنا فعله حتى نحقّق الإختراق اللازم لحالة الموت السّريري التي نعاني.
والفئة الرّابعة والأخيرة هم التائهون بين كلّ هذا والمحاولون لمعرفة ما يجري هنا أو هناك وكلهم آذانٌ صاغية لكلّ ما يُرمى إليهم كل ّيوم يصبحون على غير ما يبيتون. ولنا فيهم كما في غيرهم الكثير من الآمال في أن يفيقوا ويصحوا عن سباتهم وصولاً لفهم حديث وتعريف مستحدث ثم عمل يحدث التغيير اللازم في أنفسنا ومفاهيمنا.
وبناءأً على هذا وذاك، سادتي، سُرقت منّا المعارضة ذاتها، فهم اليوم المعارضة التي تتعامل معها القوى الإقليمية والدولية، بالرغم من معرفة الكل بأنّ أيديهم ملطّخة بدمائنا وكلهم مُجمعون على سلب أبسط حقوقنا ومن يحضر منّا في أيّ من أنشطتهم الدعائية فمرحباً به. أمّا في صناعة القرار والتوجه العام والسياسة المستقبلية فهذا يأتينا مُعدّاً سلفاً و(مكتوباً بالتقرنية) لتأكيد الإنتماء والتوجه، بحسب ما ذكر أحد الرّموز التي ألفت الحضور في تلك الملتقيات التي تعقد هنا أو هناك، ليتركوا لنا خياراً واحدً وهو أن نجد لنفسنا طريقا آخر نصل من خلاله إلى حقوقنا كاملةً غير منقوصة.
هذا كله إن دلّ فإنما يقودنا إلى خيارنا الأفضل وهو أن نجد لنا طريقا مختلفا غير الأربعة المذكرة سلفا.ً
نريد إذن ذاك الخامس ولتسمّه عزيزي القارئ ب”الطّابور” فلا تعني التسمية كثيراً بقدر ما يعنينا الرّد على السؤال المحوري المتمثّل في أين هو؟ وكيف نصل إلى الذي ياتي بفكرة خارقة حلّا لمشكلة خارقة نعيشها، الإعتماد الكلي على إستيعاب حجم المشكلة ومن ثمّ التفكير في الوصول لخطة علنية بعيدة المدى تعتمد فقط الكرامة والعزة وإستعادة المسلوب والعمل على توحيد الراغبين في الوطن الواحد مهما كلف الأمر.
أين “الطّابور” الخامس؟ هذا سؤالٌ سيكون محوراً لقادم حديثنا نتطارح بعده الأفكار في واقعية آنيّة ومستقبليّة لنصل إلى أفكار نسعى سويّاً لبلورتها ومن ثمّ السعي لتحويلها إلى واقع على الأرض.
وعليه فلنتفق على بذل القدر الأكبر من المجهود في التفكير بإيجابية والتوجه نحو إقامة بناء فكري يعتمد المشكلة بكلّ واقعية واضعا في الإعتبار أنّ الواقع بكل حذافيره هو المتاهة التي سنخرج بسيناريوهات الخروج منها إعتماداً على معطياتنا إن أردنا العيش بكرامة. لا نطلب أكثر من حقنا ولن ندع أو نؤجل حقّاً جوهرياً لنا، فأن يرتع الدّخلاء بديارنا ونبيتُ في الشوارع إنتظاراً للحلول الوسط ذاك أمرٌ غير قابل للخوض فيه. فنحن اليوم لابد أن نكون في إحدى خانتين إمّان نكون قد نلنا كلّ حقوقنا ونعيش في دولة العدل والمساواة والحريات الشاملة أو نحن في نضال جدّي واضح الأهداف والأدوات والوسائل.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=38106
[…] هذا المقال ذي علاقة بالمقال السابق : ماذا نحن فاعلون؟ […]
تحليل يلامس الواقع جدا … لكني ما زلت اقرأ في هذا التحليل والذي سبقه تحت عنوان “نكسة 24 مايو ” أسبابا لتمسك بالرابع والعشرون من مايو كحق أصيل لنا يحفزنا على السعي الى الجد والعمل لاعادة هذا الحق.