ما مصادر القيم وكيف تنشأ ؟
بقلم / متكل أبيت نالاي
مرد الأخلاق يعود إلى النفس الراضية المطمئنة التي تنمو في رضاها واطمئنانها شجرة الفضائل الكريمة. ولا يكون ذلك إلا بالتربية السليمة والتنشئة المنضبطة مع أعراف المجتمع وفضائل الأعمال. أما من تخلى عن الأخلاق فأنه لا يجد مغزى لحياته إلا في حدود النفعية الضيقة التي تؤول إلى ميلاد الشخصية الممقوتة. أن القيم في المجتمع البشري, وفي الممارسة الغالبة ليس بمجانية. نرها تتبادل مثل التبادل التجاري, تنتظر منها ممارسها عوضاً ما, معنوياً أو مادياً. فالشجاع ينتظر عوضاً عن تضحيته والكريم يتوقع مقابلاً مادياً أو معنوياً لبذله. ولهذا يظهر التفاوت بين ممارسة الفرد الشخصية وممارسة الاجتماعية. أي بين ممارسته بعيداً عن رقابة المجتمع وسلوكه في إطار المجتمع العام ورقابته.
غير أن القيم الدينية والقيم الحضارية تسعى عادة إلى الترقي بالقيم الإنسانية إلى أن تكون بعيدة عن تطلب المنفعة من وراء الالتزام بها, بحيث تتحول إلى دوافع ذاتية لا يتغير بها الحال بتغير حال ممارسها بين الإنفراد والجماعية, كما تسعى إلى إحالة فكرة البدل والعوض إلى الإيمان بما يرضى الوجدان الإنساني والضمير الحي, في الحياة الدنيا أو بما يوعد به الإنسان في الحياة الآخرة. وهذا هو السقف القيمي, المثالي الذي تسعى الأديان والحضارات إلى بلوغه كثمن روحي أسمى من المادة.
وسواء قيل إن القيم وقائع اجتماعية أم حاجات نفسية, إلا نها باتت تدرس في عصرنا الحديث على إنها حقائق اجتماعية تقوم على أصول سلوكية مشتركة في المجتمع. وباهتزاز مصادر القيم التقليديةـــ كالدين وتقاليد الأسرة, والقدوة والتنشئة الاجتماعية والتجارب و الخبرة وغياب البيئة الطبيعية بأشياء لا تدرك بالعقل وحده لكثرة المتغيرات الموجودة من حولها والمولدة للقيم المتجددة فربما تذوب وتتلاشى إذا لم يتنبه لها أهلها. فقد نقدوا المجددين قيم الحق والخير والجمال واستبدلوها بقيم المنفعة والخنوع والاستكانة والقوة والسلطة, بل وأجبروا المجتمع أن يتقبلها كما يراها ويسمعها. ونحن الإرتريين بدأنا نتفكك ونفقد جذورنا الإرترية نتيجة الانقسامات الدائمة, والممارسات الذي رسخها علينا النظام الحاكم.
ومع ذلك لم نتوصل إلى مفهوم تنويري لعلاقاتنا الغير متكافئة وإشكالاتها المختلفة التي تعوق تطورنا, ولا شك أن عدم وضوح هذا المفهوم في خطابنا السياسي من بداية النضال هو الذي خلق هذه الحمولات الجدلية, وحينما كنا في مرحلة التحرير الوطني غاب عنا تعريف وتحديد الثوابت الوطنية التي يتفق عليها الجميع . لنجد أنفسنا اليوم أمام قضايا غير محلولة وطنياً, وهي اليوم تمثل كل خلافاتنا, بل مشاكلنا المفصلية في خطابنا السياسي, وهي مفاهيم مازلنا ندور حولها.. ونركض بعضنا وراء بعض.. دون أن نحسمها. ولا ننكر شيء إذا قلنا : ظهرت في الثورة الإرترية شخصيات من الطراز الأول في الشجاعة والبطولة ولكن لم تخرج لنا الثورة عظماء وعباقرة الفكر مما خلق فينا هذه دوامة التي نعيشها.
ما المانع في استمرار الحوارات الفكرية لتفكيك معاني الغموض الذي يغلف حياتنا؟ حتى لو كان من أجل إثراء خطاباتنا السياسية للمستقبل, لأنه من المهم أن نصل في نهاية المطاف إلى اتفاق في الرأي حول المفاهيم الأساسية والأولية, من أجل إيجاد قاعدة من الثبات والاستقرار في النظرية والعمل والمتانة في سلطة الخطاب, وغياب هذا المجهود هو ما أشعل حرب المفاهيم حول الديمقراطية الإرترية الانشطارية الذي لا تتأثر ولا تؤثر ومع ذلك نرى الكل يتقدم بطريقته نحوها. ويتناقضوا معها, بل حلوا كظواهر جديدة محل الظواهر القديمة. وهكذا تعيد هذه المجموعة نفسها كلما أردنا أن نرسي على الديمقراطية الحقيقية لشعبنا.
بهذه الصفة الإرترية المستمرة التي نسميها المعارضة أصبحنا ننتكس كل مرة.فهم يعرفون هناك محددات تقف حجر عثرة أمامنا تتكون من مجموعة أحكام يحترمها شعبنا من زمن طويل, ومع ذلك لم نتوصل في حلها.وأنا أتعجب لماذا صعب علينا التغلب فيها.
كيف نصنع قدرتنا على تحدي نظام دكتاتوري قمعي ونحن لا نتج وعي, ولا نكون مواقف إيجابي, ولا نفكر بعقلانية, ونريد أن نمارس الديمقراطية استنادا إلى ماذا؟ وهل مواقفنا محرضة على التغيير بما توصلنا إليه من وحدة وتحالف؟ خطابنا لا يحمل التأثير بل هو يتشكل من مجموعة نصوص نتلقها برؤية التحالف وهي ملئت بالتصريحات التكتيكية التي تخفي الصراع الحقيقي لمجتمعنا ,ونحن نعرف سلفاً هذا التحالف لا تولد فينا طاقة التغيير. وهذا ما يجعل أعمالنا تتأخر بنفس الأسباب القديمة, والمعارضة هذه هي اليوم تتلفظ أشياء تشير لنا إنها غير قادرة أن تضبط سلوكها في الخارج, وهي مازالت تتحرك لبناء رؤية مغايرة لتحالف وتسعى لتأمين سلامة مشروعها الذي تخالف الإرادة الجماعية الإرترية. وهكذا تقع الوحدة الإرترية مرة أخره في أزمة, وبإفرازاتها تحفر في وعينا اليأس .
لهذا الثوابت الوطنية هي أهم أهداف الوحدة ونحن نعرف لا تتحقق بالقرار السياسي وحده , بل نؤمن الشعب الإرتري أن يقرر ما يريد , وفي نفس الوقت ليس من حقنا أن نفرض عليها نطاقاً لتأجيل بل علينا أن نناضل من أجل رفع ما نراه من ظلم.أن الأفكار التي تمثل تراكم علاقات بين أنا المعطي الثقافي , ونحن المعطي الثقافي يجب حلحلتها فوراً, لهذا نريدهم أن يتحاوروا في تناقضات الديمقراطية التي نتحدث عنها من أجل الخروج بنا من مربع رقعة الشطرنج! والوصول بنا إلى تجسيد متكامل ومتوازن مع حقوقنا وفق منطق ( بناية تنبني بقدر ما تبني ) ربما نبني نظرية (الانسجام الداخلي) من تقربنا والتفافنا في الثوابت الوطنية. وهنا عوامل مهمة يجب تفكيرنا أن يبدع فيها وهي فلسفة حياتنا ونظامنا الإرتري, ونظامنا التربوي, والتنمية المتوازنة كأساس للنهوض والتفاعل الإيجابي في المستقبل. وهذا لا ينبع إلى بتوسيع خياراتنا بالمشاركة لعموم الناس على اختلاف أطيافهم وطبقاتهم وهذا وحده كفيل لتعزيز الشفافية والمساءلة في المجتمع, أن تطور المجتمع لا يتحقق تلقائياً بمجرد تحقق الديمقراطية وحدها, بل هو رهن بما نقدمه من آليات تسهم في بناء مجتمع حر ومواطنين أحرار, وبما نبنه من مؤسسات قانونية تقف ضد التعسف والعنف والفساد بكل أنواعه وتكون هي ما تحتكم إليه الأجيال القادمة. فهل نقدر أن نترك للأجيال القادمة تراثا يجعلهم أمة حرة مساهمة في بناء الحضارة الإرترية.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=6365
أحدث النعليقات