ما وراء الحملة الاعلامية الارترية على الادارة الامريكية
1- ابريل 2005
كثيرون هم الذين علت الدهشة وجوههم وعلقت الكثير من علامات الاستفهام بأذهانهم وهم يتابعون ما كان يكتب أو يقال في أجهزة دعاية النظام الارتري المقروءة منها والمسموعة والمرئية! والتقط بعض دهمائهم الخيط وانخرطوا في لعبة الهجوم الدعائي ، فأصبحنا نرى ونسمع في وسائل النظام واقلامه المدفوعة الثمن في المهجر تكتب عن ديمقراطية الامريكان وانتهاكهم لحقوق الانسان، وفي لاقانونية الحرب على العراق وهم من ركب الزفة مع من ركب وكانو في ذيل قائمة المؤيدين لهذه الحرب ، في حلف ما سمي بالراغبين للعق الحذاء الامريكي. فكيف زالت الغشاوة من أعينهم ليكتشفوا انتهاكات سجن ” أبو غريب ” والمهازل التي ترتكب في المسلخ البشري في الجزيرة الكوبية اياها وذلك بعد مرور حولين عليهما أو مايزيد؟ وماذا حدث للعلاقة التي كان يقال عنها انها ” زى العسل واللبن” في تعبيرهم الدارج، وهي علاقة كان يرى كلا الطرفين أزليتها واستراتيجتها، علاقة نشأت في ” كانيو اسيشن” ( أقرأ موضوع ولدى يوسوس عمار بهذه الشأن في عواتى ) ومرت بمراحل تطور كثيرة لعبت فيها حسابات الحرب الباردة دورا في وقت كان نظام منقستو هيلى ماريام يزداد دموية واحمرارا. ففي وقت عنيت فيه الادارة الامريكية بمكافحة المد الشيوعي والسوفيتي كانت ترى في الجبهة الشعبية وهو تنظيم تمدشف بالشعارت اليسارية وحاول زعيمه تقمص شخصية ” ميشيل سامورا” يا ترى من الذي اغتال سامورا وهو في سابع سماوات _ ما علينا _ فهي كانت ترى في هذه التنظيم دون سواه من التنظيمات الوطنية الأخرى حليفا استراتيجيا لها، فما هي الصفات التي توفرت في الشعبية دون غيرها؟؟ لو تجاوزنا غلبة العنصر المسيحي فيها!! وبلغت العلاقة ذروتها بعد ما سمى بالانسحاب الاستراتيجي، لتنفض الشعبية الغبار عن ” شدتها” وتأتي بهجوم كاسح بالتحالف مع قوات ويانى تجراى الاثيوبية على مواقع جبهة التحرير الارترية في بداية لتنفيذ السيناريو الامريكي المعد لارتريا والذي تضمن عزل واقصاء التنظيمات الارترية ذات الوجه العروبي والاسلامي وتلك ذات العلاقة الوثيقة مع القوميين العرب البعثيين منهم والناصريين.
خلال هذه الفترة وصل الدعم الغربي الكنسي منه والرسمي أقصى درجاته، دعم بنت الشعبية اسطورتها عليه، تمثل في اسطول ” الاسكانيات” الشاحنات الضخمة التي كانت تنقل هذا الدعم الى الداخل، وزوارق بحرية ومصانع لصناعات الشدة والقطن المعقم، ومخارط لصنع قطع غيار الاسلحة وبالفعل تمكنت الشعبية بنجاح وجدارة من التصدي لكثير من حملات الدرق تأتي على رأسها الحملة السادسة والحقت به خسائر فادحة على جميع الجبهات ، وأصبحت تتفوق عليه عسكريا في بعض الاحيان، وفي خط متوازي استمر هذا الدعم فبدأ كتاب غربيون يحاولون توثيق تجربة الجبهة الشعبية ويقزمون السنوات الأولى من الكفاح المسلح وتقليصها الى مرحلة العمل الغير المنظم الذي يقوده الجهلاء والفلاحيين. وحاول هؤلاء الكتاب تسويق هذه التجربة للمواطن الغربي لكسب تعاطفه ووده وجيبه، وبدأت الشعبية تعلن بأنها التنطيم الوحيد في الساحة في اشارة واضحة لاسيادها الامريكان، واصبحت تتحدث عن الاستفتاء قبل حدوثه بسبعة أعوام بل وتطلب من جماهيرها في أروبا الخروج في تظاهرات سلمية للمطالبة به وكل ذلك في ظل غياب التنظيمات الأخرى التي كانت في انتظار زكوات وحسنات أخوتنا العرب المتمثلة في “قصورات” العجوة والشنطة السومسنايت التي لا تحتوي أى دعم فني أو تقني.
هكذا رسممت الخطوط العريضة للسيناريو لتبدأ مرحلة وضع خاتمة له والتي بدأت تفاصيلها بمبادرة : مركز كارتر للسلام ، وهو مركز وثيق العلاقة بالادارة الامريكية ويعمل وفق سياستها الخارجية.لتبدأ محادثات اطلانتا بين النظام الاثيوبي والجبهة الشعبية بمعزل عن التنظيمات الأخرى، ولتتفاوض الشعبية الدرق وحدها وتحدد مستقبل البلاد وحدها ولم تكن المراة الأخيرة اذ استمرت الجلسات في كينيا وفي هذه اللحظة بالذات تعالت بعض الأصوات والاحتجاجات لاندري اذا كانت صادرة من التنظيمات نفسها أو من الدول المجاورة أو من العدو الاثيوبي نفسه كمناورة لتملصه من محادثاته مع الشعبية. فعقدت محادثات أخرى في اليمن مع التنظيممات الأخرى مجاملة أو الهاءا.
وأخيرا كانت اتفاقية لندن والتي عقدت على نعش النظام الاثيوبي المندحر، برعاية كوهين ووضعت فيها اللمسات الأخيرة لمستقبل ارتريا ودورها في المنطقة من وجهة النظر الاميريكية وعلاقاتها بدول الجواروبالذات مع نظام العقام في اثيوبيا وخاصة مايعني حاجة اثيوبيا الماسة لمنفذ بحري كما يراه الاميريكان زمن الربط الفيدرالي وكما يرونه الآن، وهذه الاتفاقية بالذات لايعرف فحوى بنودها سوى الاطراف الموقعة لها مما يعني انها وقعة بمعزل عن الشعب الارتري وقواه المناضلة الأخرى وهو غير ملزم بها اذا كان هنالك شرط من قبل الاميريكان أو وعد من قبل الشعبية بما يخص مسألة الميناء ، والا بماذا نفسر حالة اللاحرب واللاسلم التي تعيشهما الدولتان وصمت الولايات المتحدة المخزي لطرف رافض تطبيق حكم صادر من محكمة دولية ، فلا عقوبات أو حصار مما نرى الاثيوبيون وهم يستعرضون عضلاتهم وطاقاتهم البشرية امام الحدود الارترية ، وخزى الدولة الارترية عجزت في رص الصفوف الوطنية واجراء المصالحة والاصلاح السياسي؟!
المهم، بعد الاستقلال تبنت الولايات المتحدة سياسة دعم ارتريا اقتصاديا وتنمويا وطلبت من اصدقائها في منطقة الخليج العربي ان يسهمو في ذلك فكان مشروع كهرباء حرقيقو من الكويت وحل مشكلة المياه في كرن من قبل السعوديين بالاضافة الى مشاريع أخرى تعطلت نتيجة لعقدة النظام من كل ما هو عربي! أما المستثمرين الامريكان فتدافعو الى أخذ رخص التنقيب والبحث عن الذهب والبترول والغاز التي ذهبت الى الامريكان ونصيب الذئب الى كل من اروبا واستراليا وكوريا الجنوبية، واستأثر الامريكان ايضا بمشروع تنمية جزيرة دهلك وتحويلها الى جزيرة سياحية علىنمط مونت كارلو مشروع رصد له حوالى 200 مليون دولار أمريكي ولو حدث لطمست معالم الجزيرة وضاعت اثارها الاسلامية والعربية.
ثم أصبحت تغمض عينيها على التجاوزات الارترية بما يخص انتهاكات حقوق الانسان واطلاق الحرية والدستور، بل أصبحت تلمح وتروج لما أسمته القيادات الجديدة في أفريقيا في اشارة واضحة الى ارتريا ، اثيوبيا، روانا وأغندا. وتدفقت المنظمات التبشيرية الكنسية الى البلاد تدفقا تبشيرا وبناءا للكنائس من قرورة الى أديبرا بغض النظر الى حوجة الناس اليها، وليرحم الله المعترضين من أبناء هذه المناطق؟
ثم شهدت العلاقات تدهورا واضحا منذ عام 1995م ، بدات منطمات نروجية وايطالية وغيرها بتسريب معلومات عن الحياة اليومية وصعوباتها وعن فظاعة النظام ، مما أضطره الى طردها الى خارج البلاد، ثم تدرجت الى دول أخرى عنما أبدت عدم ارتياحها من المعاملة، وتأزمت العلاقة مع الامريكان وبدأت تأخذ منعرج الفتور عندما بدأت ارتريا باعتقال مواطنيين لها من أصل ارتري من الذين كانو يجاهرون بأرائهم السياسية المعارضة للحكومة الارترية. الا ان الامريكان كانوا دئما يوهمون النظام بأنه رجل امريكا في القارة السمراء أو على الأقل في الشرق الافريقي، وحتى يثبت النظام بأنه رجلهم في المنطقة كان يقوم بين الفنية والأخرى بعمليات ضد دول مجاورة وغير مجاورة مثل الكنغو ورواندا وغيرهما تطوعا وتكليفا. ثم جاءت الحرب الحدودية…
القشة التي قصمت…
مع بدأ الحرب الحدودية كان معظم الاصدقاء والحلفاء قد تراجعوا الى خانة الحياد أو الانحياز غير المعلن الى الجانب الاثيوبي كما هو مع العرب الذين كانت الحرب مع اليمن عالقة بأذهانهم، فمثلا نرى الوسيط الامريكي في الشرق الاوسط – اسرائيل – وهي التي أتمنها الرئيس على صحته دون غيرها عندما داهمته فيروسات حمى الملاريا الدماغية، وهي التي كانت ترسل سفن بحوثها التي كانت تجوب البحر الاحمر قبالة الشواطئ الارترية لأكثر من عامين وهي التي تبنت مشروع قحيتلاى الزراعي وتدريب عصابات البوليس السري الارتري، نراها تملصت من صيانة سلاح الطيران الارتري وتقديم قطع غيار له، بينما قدمت للأثيوبين معونةعسكرية، ومازالت تفعل حتى الآن ففي وقت تحتشد فيها القوات الاثيوبية على الحدود الارترية توسطت اسرائيل الشهر الماضي للاثيوبين لدي الاتراك لعقد صفقات عسكرية واتفاقيات أخرى ، ياترى من الذي أعطاها الضوء الأخضر لفعل ذلك؟؟؟ هذا مما أضطر رئيس النظام الارتري الاتجاه شرقا الى كل من باكستان والصين!
بالنسبة للامريكان مثل رد ورفض المبادرة الامريكية الرواندية لحل الازمة صفعة قوية لكبرياء امريكا لم تكن تتوقعها من ارتريا. رغم ان ما نفذ من اتفاق في الجزائر لا يختلف عنها كثيرا. وحتى يكسر النظام الطوق المضروب حوله ، سمح بصحافة حرة وارهاصات تطبيق الدستور المعلق ، وارهاصات بتكوين أحزاب سياسية وغيرها وبدأت الحوارات السياسية والمناقشات تجري في كل مكان، وظهرت صحف جديدة على رصيف الشارع السياسي الارتري غير صحيفة النظام اليتيمة، ولما كان النظام لا يطيق الآخر أو الحوار أو الندية أو مفهوم تداول السلطة لانها لاتوجد في تقاليده أو ارثه أو مفاهيمه ، فبدأ باعتقال الكبار والصغار والصحفييين وأغلق الصحف المستقلة مما دعى خمسة عشر من وزرائه وعلية القوم في حزبه بتقديم رسالة احتجاجية الى جماهير الحزب والشعب يدعون فيها الى معالجة الاوضاع في البلاد وعقد مؤتمر الحزب ولكن كان مصيرهم النفق المظلم سوى حفنة فرت عبر المطار الصغير.
الأزمة الحالية…
مثلت هذه المرحلة آخر مسمار في نعش العلاقة التي انهكتها متعرجات المسار ، ولكن في الأونة الأخيرة بدأت الادارة لامريكية تفكر جديا في تغيير النظام خاصة ان اليمين المتطرف في البيت الأبيض لا يروق له اعتقال مجموعات دينية صغيرة ومنع ممارسة طقوسهم الدينية واسر رجال الدين منهم والراهبات – كأنهم أول رجال دين يرمى بهم في الحبس – بالاضافة الى الصحفيين والناشطين السياسين . لذا هنالك خطوات حثيثة تجري الآن في أمريكيا بالتعاون مع وزراء سابقيين ودبلوماسين ، وأكاديميين في سبيل ايجاد وبديل للنظام الذي فقد لمعانه وبريقه لدى الادارة الامريكية وأصبح التعامل معه صعبا، وفي طريق ايجاد البديل ووسائل تغيير النظام والتي هي جارية على قدم وساق وصلت الانباء مسامع النظام وأقلقت مضاجعه وهو الذي اعطى الكثير ( شباب ارتري ) من أجل السياسة الامريكية في الشرق الافريقي، فعبر عن انزعاجه بالهجوم الاعلامي اياه، من تشكيك في ديمقراطية امريكا، وغيره ابوغريب وقونتانمو، وان ابرهام لنكن كان يملك سبعين من العبيد!؟ الم يحول النظام الشعب الارتري كله الى عبيد؟
هذا هو سر الحملة الاعلامية الارترية ضد الولايات المتحدة واذا عرف السبب بطل العجب وان غدا لناظره قريب ولنتظرالسيناريو الجديد هل من جديد؟
أما العجب العجاب في ان المعارضة في جمعها وطرحها وعملياتها الحسابية الكثيرة لا ندري اذا كانت جزء من السيناريو ام لا؟ أم انها يجري الهائها في هذه المؤتمرات بينما المؤتمرات الحقيقية تجري في واشنطن؟.
فرجت.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=5632
أحدث النعليقات