مبادرة: العقد الاجتماعي لحل معضلة الحكم في إرتريا
ضمن فعاليات المهرجان الثقافي الثالث لرابطة أبناء المنخفضات الإرترية الذي أقيم في لندن، ألقى الأستاذ محمود آدم، رئيس المكتب التنفيذي للرابطة، خطابا ضافيا خلال الحفل الختامي يوم 2 إبريل 2017م تناول فيه العديد من القضايا المجتمعية والوطنية، كان أهمها إطلاقه مبادرة باسم رابطة أبناء المنخفضات الإرترية موجهة الى جميع المكونات المجتمعية للشعب الإرتري والى قواه السياسية والمدنية تمثلت في دعوة لضرورة اعتماد العقد الاجتماعي كمبدأ أساسي لحل مستدام لمعضلة الحكم في إرتريا.
وكانت الرابطة قد تقدمت برؤيتها في نفس هذا الاتجاه ضمن ورقة قدمة في ورشة العمل الإرترية التي نظمها معهد فيلسبيرغ الألماني في يومي 13 و14 نوفمبر 2015م في فرانكفورت لبعض القوى السياسية والمدنية في المعارضة الإرترية من اجل تداول كيفية الانتقال الى مرحلة ما بعد سقوط النظام القائم.
كما أن الرابطة قد ضمّنت رؤيتها هذه للحل في ورقتي العقد الاجتماعي والورقة السياسية منطلقة من واقع قراءتها للواقع الإرتري والتي تمت مناقشتهما وإقرارهما في المؤتمر التأسيسي للرابطة الذي انعقد في ضواحي استوكهولم خلال الفترة من ١٨ الى ٢١ يوليو ٢٠١٦م.
انطلاقا مما ذكر أعلاه، واستناداً الى ما جاء في الورقتين المذكورتين، نتقدم فيما يلي بتصورنا للعقد الاجتماعي المقترح كمدخل لابد منه للوصول الى حلول ناجزة لمجمل إشكاليات الصراع والحكم في إرترية.
مقدمة
منذ أوائل الثمانينيات من القرن المنصرم، وخاصة خلال السنوات الـ 25 الماضية من الاستقلال، فقدت المكونات الاجتماعية والثقافية الإرترية الثقة في بعضها البعض، لما تولد لديها شعور عميق من الشك وعدم الثقة في الآخر نتيجة للمعاناة الطويلة التي تعرضت لها من اثار الهيمنة والتهميش والإقصاء والاضطهاد الذي عانته من قبل النظام وأعوانه خلال تلك الحقبة، حيث تتجلى هذه الظاهرة بوضوح في واقع الإقصاء وعدم المساواة السائد المتمثل في التغييب من المشاركة في صنع القرارات الاقتصادية والثقافية والسياسية الكبرى التي مورست على غالبية المكونات الاجتماعية والثقافية عامة ومجتمعنا خاصة.
ولاستعادة الثقة المفقودة، لابد من الجميع أن يفصح عن النوايا الحسنة بوضوح وصراحة تامة، مصحوبة بإجراءات عملية تفضي إلى معالجة جميع مظاهر عدم المساواة والظلم والهيمنة بما يرضي الجميع، والتأكيد على أن كافة الفئات الاجتماعية الإرترية ستكون جزءًا من عملية التغيير والاستفادة منها على قدم المساواة.
وعليه يجب الوصول لمقاربة جديدة تعالج هذه المشاكل، مقاربة مختلفة عن الأساليب التقليدية القديمة والدارجة التي اتبعت حتى الآن دون جدوى. قبل كل شيء، نحن بحاجة إلى إجراء حوارات مفتوحة وجادة بحيث يتم وضع كل الأوراق على الطاولة دون الالتفاف على القضايا أو تجزئتها مهما كانت درجة صعوبة أو مرارة ذلك. ودون اتباع هذا النهج، لن نتمكن من التوصل إلى حلول مرضية تكون مقبولة في نهاية المطاف من قبل جميع الشركاء.
ان الفشل في التصرف على النحو الصحيح حيال هذه المشاكل من خلال البحث الدؤوب عن حلول حاسمة ودائمة لها، وبالتالي عدم التوصل إلى توافق في الآراء بشأن كيفية إدارة الحكم في إرتريا بما يتفق مع رغبة وطموح جميع أصحاب المصلحة، من شأنه أن يفتح الباب على مصراعيه لكافة أشكال المخاطر والتهديدات التي لا يتمناها أحد ولا تحمد عواقبه، بما في ذلك تفكك البلاد وتمزقها، والأمثلة في محيطنا الإقليمي وفى العالم اجمع خير شاهد على ما نقول.
نحن اليوم في إرتريا نجد أنفسنا مرة أخرى على مفترق طرق نتيجة لفشلنا في إدارة التنوع الذي يذخر به الوطن بطريقة سليمة، وقد يفضي بنا ذلك الى دولة فاشلة وخاصة في غياب خطة لانتقال السلطة سواء عبر قوى من داخل النظام أو قوى خارجية من المعارضة ا و سواها قادرة لتشكيل البديل المؤهل الذي يجنب البلاد الفوضى وعدم الاستقرار المتوقع في حال حدوث فراغ في السلطة بشكل مفاجئ إما نتيجة لانهيار النظام الدكتاتوري بسبب عوامل ضعف وتفكك داخلية كامنة في طبيعة النظام أو انقلاب عسكري او بتدخل خارجي.
إذن، من المهم إدراك حقيقة الوضع المزرى الذي تمر به البلاد والعواقب الوخيمة التي قد تنجم عن سقوط نظام اسياس أفورقي المحتمل. وعليه فإننا في رابطة أبناء المنخفضات الإرترية وانطلاقا من واجبنا والمسؤولية التي نستشعرها لتجنيب البلاد أي احتمالات لتطورات غير محمودة، وتمشيا مع مبادئ مبادرتنا، فقد ندعو جميع الأطراف المعنية في الصراع للانخراط بجدية في مناقشات بناءة للتوصل إلى حل مبدئي وعملي لمستقبل الحكم في إرتريا، بدلا من اختزال المشكلة برمتها في إزالة النظام القائم. لإن مشاكلنا متجذرة وأعمق من أن ننسبها كلها للديكتاتورية القائمة حاليا لوحدها.
ان المزيد من التحليل للوضع الراهن يتطلب منا أن العودة إلى الوراء لاستعراض الأحداث التي وقعت خلال السبعين سنة الماضية والتي دفعت بسير التطور نحو هذا المصير الخطير. حيث عند التحليل الجدي لتحديد الطبيعة الطاغية للصراع حينها سوف نلاحظ أن ظاهرتا محددة تطفو للسطح بشكل متكرر عند كل منعطف من مسيرتنا، متمثلة في ظاهرة محاولة تذويب التنوع وصهره في بوتقة قالب واحد من خلال فرض الهيمنة الكبساوية، بدلا من تحقيق شعار الوحدة في التنوع، والاعتراف بواقع التعدد باعتباره الخطوة الأولى في الطريق الصحيح، وخاصة ان إرتريا ليست دولة ذات أغلبية طاغية لأحد مكوناتها الاجتماعية تمكن من فرض إرادتها على أقليات ضئيلة وخانعة، بل بالعكس فإن واقع تعدد الأعراق والثقافات يتطلب التعايش السلمي بين جميع المكونات على أساس الاعتراف والقبول بهذه الحقيقة. ولا شك إن الحلول المبتسرة وغير العملية لمشاكلنا التي جربت من قبل قد كلفتنا ثمنا غاليا في الأرواح والوقت والفرص المهدورة المتمثلة:
- بالنسبة لنا كدولة أفريقية، كان لدينا فرصة للحصول على الاستقلال الكامل في وقت مبكر، لكننا فوتنا تلك الفرصة حين اختار جزء من شعبنا الوحدة مع إثيوبيا. وكحل وسط بين الطرف المؤيد للوحدة وأولئك الذين اختاروا الاستقلال التام، تم التوافق على قبول نظام حكم فيدرالي بين أثيوبيا وإرتريا. ولذا، فإن إثيوبيا في واقع الأمر لم تحتل إرتريا بالقوة الذاتية المباشرة، بل تحقق لها ذلك من خلال مساندة جزء من شعبنا فضل الانحياز لمصالحه الخاصة عبر الحدود، بدلا من مراعاة المصالح المشتركة مع باقي المكونات الوطنية الداعية لإنشاء دولة مستقلة تسع الجميع. ولكن حتى النظام الفيدرالي المتواضع الذي كان حصيلة لحل وسط توفيقي يضمن بعض الحقوق الأساسية للجميع وقتها، اعتبر ذلك في نظر البعض الآخر استقلالا أكثر من اللازم يبعد عن حضن “إثيوبيا الأم”، وبالتالي عمل أنصار حزب الوحدة يدا بيد مع إثيوبيا لإفراغ الاتحاد الفدرالي من اي مضمون عملي أولا، ثم قاموا بتقويضه تدريجيا وحله في نهاية المطاف.
- عندما خسر الشعب الإرتري حتى ذلك الاستقلال الشكلي الذي أتاح له مساحة محددة من الحرية، لم يعد أمامه من خيار سوى بدء الكفاح المسلح لاستعادة حقه في الاستقلال الكامل. ومرتا أخرى، قاتلت النخب الكبساوية بشراسة بوقوفها إلى جانب إثيوبيا مشاركة في تنفيذ حملات الأرض المحروقة بهدف إخماد الثورة.
- بعد سقوط الإمبراطور هيلا سيلاسي وصعود “الدرق” بقيادة منغستو هيلي ماريام الى السلطة، حدث تحول سريع وإيجابي في مواقف أبناء الكبسا المسيحي عموما تجاه الثورة، مما أدى إلى تدفق حشود من الكبساويين للانضمام إلى صفوفها. وهذا التغيير المفاجئ كان بصورة رئيسية نتيجة انعكاس مباشر للتحولات السياسية الكبيرة في أثيوبيا والتي أثرت بدورها على موازين القوى لغير مصلحة النخب التقليدية التي كانت مهيمنة على سدة الحكم وحلفائها المخلصين من نخب الكبسا في إرتريا والذين خسروا جميع الامتيازات السابقة جراء التطورات الجديدة التي أوصلت العسكر الى سدة الحكم، حيث بدأت الروابط الحميمة مع إثيوبيا الأم في التحلل والانفصام مما افضى الى التحول والتدفق العكسي للالتحاق بالثورة. ولكن لم يمض وقت طويل قبل ظهور الفجوة والاصطفاف الى محاور متناحرة بين أولئك الملتحقين الجدد ومن سبقوهم في الكفاح المسلح تماما كما حدث في أربعينيات القرن الماضي، وبلغت الخلافات ذروتها حين قامت الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا وبمساندة كاملة من الجبهة الشعبية لتحرير تجراي (كيان أجنبي)، بإخراج جبهة التحرير الإرترية وجميع حركات التحرير الأخرى من الميدان. وهكذا، تمكنت الجبهة الشعبية من فرض سيطرتها الكاملة على المناطق المحررة، وانفردت بقرار التحكم في مستقبل ومصير إرتريا في نهاية المطاف.
- وبعد الاستقلال وصعود الجبهة الشعبية إلى السلطة، رفضت التعامل مع كل التنظيمات السياسية، بل ومنعتها من المساهمة بأي دور في بناء وإدارة البلاد مدفوعة بنفس روح الهيمنة التي دأبت نخب التجرينية على ممارستها. أما أولئك الذين قبلوا بحل منظماتهم أو أحزابهم وفقا للوضع الذي فرض عليهم، فقد سُمح لهم بدخول البلاد كأفراد، ليواجهوا العزل والاضطهاد السياسي لاحقا. مما دفع البعض للمغادرة إلى المنفى مرة أخرى، أما من كانوا أقل حظا منهم فقد تمت تصفيتهم أو ما زالوا يقبعون في غياهب السجون.
- تبنى النظام ممارسة وسياسة الهيمنة الكبساوية في جميع مناحي الحياة: كاللغة، الثقافة، والاقتصاد، والوظائف المدنية والعسكرية وقنوات اتخاذ القرارات المصيرية، وحتى إعادة كتابة تاريخ البلاد بصورة محرفة ومشوهة وبما يتناسب ويتوافق مع رؤاهم وأهدافهم. ومن المعروف لكل من يهمه أمر الوضع في إرتريا اليوم، أن المعارضة للنظام الدكتاتوري نفسها تعاني من الانقسامات المختلفة جزاء منها على ذات الفواصل العمودية القديمة تقريبا، وكنتيجة لذلك، نشهد عدم قدرتها في توحيد جهودها من أجل تحقيق التغيير المنشود في البلاد.
رؤيتنا للعقد الاجتماعي
إننا نؤمن بأن من اهم واجباتنا المساهمة الفعالة في البحث الجاد عن الحل الناجع لمعضلة مستقبل الحكم في إرتريا، وذلك عبر التواصل مع كافة الأطراف المعنية لخلق توافق حول شكل نظام الحكم المستقبلي الذي يقوم على أساس الاعتراف بالتعدد الإرتري القائم وبما يضمن حقوق وحريات ومصالح جميع المكونات الوطنية ضمن الصيغة المناسبة لنظام حكم لا مركزي دستوري قائم على قواعد التعدد والديمقراطية وحكم القانون والمشاركة العادلة لتقاسم الثروة والسلطة. ونعتقد جازمين بأن الحل العادل والدائم لمعضلة مستقبل الحكم في إرتريا واستقرار البلد وتقدمها بما يضمن تحقيق أهداف وطموحات كل أصحاب المصلحة المعنيين لا يمكن الوصول اليه إلا من خلال إبرام عقد اجتماعي يحظى بإجماع ورضى كافة الأطراف صاحبة المصلحة الحقيقية في الوطن.
يجب أن يشكل هذا العقد الاجتماعي القاعدة المتينة التي تقوم عليها مبادئ وبنود الدستور الوطني الذي يحدد وينظم كيفية حكم البلاد وإدارة شؤونها بشكل راشد، ودور وعلاقة الحكومة بالشعب. وحسب وجهة نظرنا، ولفائدة إيجاز الجوانب الواردة تفصيليا في اورقنا المتعلقة بالبنود المطلوب التوافق عليها لتشكل أسس العقد الاجتماعي.
لذلك، وانسجاما مع قناعتنا ومبادئنا الراسخة وانطلاقا من واجبنا الوطني تجاه مجتمعنا بشكل خاص والشعب الإرتري بشكل عام، فإننا مصممون على أن نكون جزءًا من الحل الذي من شأنه المساهمة في الخروج من هذه الحلقة المفرغة والمساعدة في تجاوزها.
وعليه، ينبغي على جميع الأطراف المعنية الوصول الى اتفاق حول طبيعة النظام الذي من شأنه استيعاب جميع أصحاب المصلحة في الوطن ولن يتأتى ذلك إلا من خلال التوافق على عقد اجتماعي يستوعب تعددنا ويكفل ضمان الحقوق والحريات والمصالح المشتركة لجميع المكونات من خلال تبني شكل مناسب للدولة يرتكز على أساس الديمقراطية وسيادة القانون والعدالة في تقاسم الثروة والسلطة. ونعتقد حقا أن هذا من شأنه تحقيق أهداف وتطلعات الجميع، كما سيحافظ على الوئام الاجتماعي والتعايش السلمي، وصولا إلى بناء وحدة وطنية مستدامة في إطار التعدد في دولة حرة ديمقراطية. ومن الضروري أن يسهم جميع الشركاء المعنيين في رسم وصياغة واعتماد هذا العقد الاجتماعي الجديد والتراضي عليه، ليشكل أساسا لسن دستور وطني من شأنه تحديد وتنظيم الكيفية التي سيتم عبرها حكم البلاد وشعبها. ونرى في هذا الخصوص أن المنطلقات التالية يجب ان تشكل المرتكزات الرئيسية لبناء وحدات العقد الاجتماعي الجديد:
أ) الوحدة والتنوع
ان الوضع الحالي المفعم بالشك والخوف وانعدام الثقة بين المكونات الاجتماعية الإرترية المختلفة، يعود في الأساس إلى ما تراكم من معاناة خلال سنوات طويلة نتيجة سياسات الهيمنة والإقصاء التي مورست ضد معظم المكونات الوطنية. ولا يمكن النظر الى سياسة الهيمنة والإقصاء التي يتبعها النظام الدكتاتوري الحالي إلا على إنها مواصلة لإرث النخب التجرينية الحاكمة منذ أربعينيات القرن الماضي. وعلى الجميع أن يدركوا ويقبلوا بحقيقة أن إرتريا ليست كما يروج النظام والمتعاونون معه “حادى هزبى حادى لبى” – شعب واحد، على قلب رجل واحد – وعليه، ينبغي تأسيس الوحدة الوطنية الدائمة على أساس الإرادة الطوعية لجميع المكونات الوطنية والاعتراف المتبادل فيما بينها بالتعدد مع الإقرار بضمان مصالح جميع المكونات وحقوق المواطنة الكاملة والمتساوية لكل الأفراد والجماعات الوطنية، حتى نرسي أساسا متينا لإقامة وحدة وطنية حقيقية ومستدامة.
وبما أن إرتريا من البلدان متعددة الأعراق والثقافات، فإن الاعتراف والقبول بهذا الواقع بكل تجلياته العرقية والثقافية والدينية واللغوية يعتبر الخطوة الصحيحة نحو معالجة مشاكلنا المزمنة.
ب) الدين
يجب ضمان حرية العقيدة والعبادة لجميع أتباع الديانات التي يعتنقها سكان البلاد باعتبار ذلك من الحقوق الإنسانية الأساسية ولا ينحصر حق أتْبَاع هذه الديانات في ممارسة شعائرهم التعبدية فحسب، بل يجب ان يتعداها ليشمل إدارة كافة شؤونهم الدينية باستقلالية ضمن نطاق القانون ودون أي تدخل من الدولة. ويشمل ذلك حماية جميع الممتلكات الوقفية وغيرها من الأصول التابعة للأديان، مع توفير المساعدات اللازمة وذات الصلة على حد سواء للكل. كما يجب أن تكون الدولة على مسافة واحدة من جميع الأديان.
ت) المصالحة الوطنية
لقد عشنا أرضاً وشعباً فترات عصيبة من الصراع في خضم عملية كفاح سياسي وثورة مسلحة، خاض خلالها شعبنا معارك في ظروف صعبة ومريرة من أجل التحرير. ولم يكن سير العملية النضالية سلساً، بل مر بمنعرجات خطيرة جراء ما صحبه من الخلافات والصراعات الداخلية الى حد الاقتتال بين الأطراف المختلفة مما أدى الى تمزيق النسيج الاجتماعي الى أشلاء. لذلك صار من الأهمية بمكان إجراء مصالحة من شأنها رتق هذا النسيج الاجتماعي الممزق وذلك لضرورة بناء أساس متين لمستقبل البلاد بمشاركة الجميع، حتى يستعيد المجتمع الإرتري عافيته ويعمل على تطبيع أوضاعه للتعايش مستقبلا في سلام ووئام. ولا شك أن ذلك لن يتحقق إلا من خلال التصدي لمعالجة المظالم والتجاوزات والمرارات المتراكمة على مر الزمن بطريقة صحيحة لتمكين هذه الأمة من التغلب على رواسب الماضي الأليم والمضي قدما في طريقها إلى المستقبل بثقة وثبات.
من المسلمات أن المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية الناجزة تعتبران اليوم من أنجع الوسائل المطبقة من قبل العديد من الشعوب التي مرت بتجارب مماثلة لحالة شعبنا، وذلك للتعافي من المآسي والصدمات الاجتماعية العميقة التي تعرضت لها. وينطوي ذلك على خوض عمليات علاجية معقدة للتعامل مع المظالم التي ارتكبت، على نحو صحيح وعلمي، بتوفير تعويضات عن الخسائر المادية المترتبة، وإزالة بؤر وأسباب التوتر لاستعادة الثقة المفقودة بين المكونات الاجتماعية وذلك من خلال وضع تدابير خلاقة ومبتكرة لعملية إعادة بناء الثقة وفق مناهج وآليات تتناسب مع ظروفنا المتفردة.
على الرغم من أن هذه العملية لا يتوقع لها أن تبدأ فورا وقبل المرحلة الانتقالية، إلا أنه من الضروري التوصل الآن إلى اتفاق بشأن ضرورتها ووضع المبادئ الأساسية التي يجب اعتمادها وتطبيقها على أرض الواقع، ويستدعي ذلك تشكيل لجنة للمصالحة تضطلع بمهمة جمع وتحري الحقائق والأدلة ذات الصلة لتتمكن من الإسراع في تنفيذ العدالة الانتقالية الناجزة خلال المرحلة الانتقالية.
ث) الأرض
يمكن الجزم بأن غالبية – إن لم يكن جميع الإرتريين – يؤمنون بأن قضية الأرض تعتبر الأكثر أهمية وخطورة على مصير الوحدة الوطنية والتعايش السلمي، والتي إن لم تحل بشكل صحيح ومرضٍ، سوف تزج بالبلاد إلى أعماق هاوية سحيقة لتغرق في دوامة صراع وعدم استقرار يمكن ان يفضي إلى اندلاع حروب أهلية كارثية تزعزع وحدة البلاد ووجودها. علاوة على ذلك، تعتبر مسألة الأرض ذات أهمية بالغة بالنسبة للمنخفضات الإرترية، حيث ظلت عدة أطراف تعتقد وتتصرف وكأن المنخفضات لا تزال تخضع لقرار الدومنيالى سيئ الصيت منذ إصداره تحت حكم الاستعمار الإيطالي في عام 1893م والذي يعتبر معظم الأراضي الخصبة في إرتريا عامة وفي المنخفضات بشكل خاص ملكية خالصة للدولة، حيث شمل ذلك القرار مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة في منطقة المنخفضات. ومنذ ذلك الحين اعتبرت أراضي المنخفضات ملكية مشاعة ولم تصبح فقط خاضعة للمصادرة وسوء الاستخدام وتعريض النمط المعيشي للرعاة وبقية القاطنين عليها للخطر فحسب، بل أيضا لتعرية تربتها الخصبة لعوامل ترجع بدرجة كبيرة للإهمال وسوء الاستخدام المنافي للاعتبارات البيئية السليمة. وقد واصلت الجبهة الشعبية الحاكمة هذه السياسة الجائرة تحت ذرائع مختلفة واهية منها أن السكان الأصليين لهذه الأراضي قد هجروها إلى الأبد منذ السنوات الأولى للكفاح المسلح، متجاهلين حقيقة أنهم طردوا قسرا من منازلهم تحت الإرهاب وسياسة الأرض المحروقة وحملات التطهير العرقي التي قام بها نظام هيلا سيلاسي، كما يردد الادعاء الباطل عمدا وزورا بأن أهلها غير راغبين في العودة إلى مواطنهم الأصلية، بل يفضلون البقاء بشكل دائم في مناطق اللجوء الحالية في محاولة تضليلية ورغبة خبيثة للنظام والمتعاونين معه ان يغلقوا أبواب العودة أمام أصحابها وتكريس واقع الاستيطان باعتبار ان لهم وطنا بديلا. لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أنه رغم رغبتهم واستعدادهم الكامل للعودة، إلا أن النظام الحالي هو المسئول الأول من وضع عقبات لا حصر لها أمام عودتهم الطوعية إلى أرض الوطن. وتحت هذه الذرائع يستمر ارتكاب معظم التجاوزات بحق الأرض وأصحابها وهي تجاوزات لا تهدد الحياة المعيشية برمتها فحسب، بل تهدد وجود مجتمع المنخفضات ذاته.
تقليديا، تعتبر الأراضي الواقعة ضمن حدود الموطن الأصلي لأي مجتمع، سواء كانت مملوكة لأفراد أو جماعات، حقا أصيلا للمجتمع المعين. وبالتالي، يجب مراعاة توافق ملكية الأراضي مع القواعد والأعراف التقليدية المعروفة والمتعامل بها تاريخيا من قبل المجتمعات المعنية في المناطق المختلفة والتي أثبتت ملاءمتها وصلاحيتها في إدارة وملكية الأراضي عبر العصور، وذلك لكون هذه التدابير والقوانين التقليدية تعترف بالحق المطلق للمكونات الاجتماعية في ملكية الأراضي في المناطق التي توارثتها عن أسلافها عبر التاريخ، والتي قبل بها الجميع منذ القدم كشرط للحفاظ على التعايش السلمي القائم فيما بينهم.
لذلك، فإن كل الانتهاكات المرتكبة بما لا يتفق والتقاليد والأعراف المذكورة آنفا، سواء تمثل ذلك في مصادرة الأراضي أو إعادة توزيعها أو تغيير حدود المقاطعات من خلال السياسات القسرية الجائرة التي تم تنفيذها، وما ترتب عليها من إجراءات، وقرارات تعتبر غير قانونية ولاغية، ويجب التعامل معها على هذا الأساس بما في ذلك جميع أشكال التمليك وعمليات إحلال آخرين جدد وتوطينهم مكان السكان لأصليين والتي تمت على يد النظام الحالي أو نظام الاحتلال الإثيوبي في مناطق المنخفضات وأماكن أخرى دون الحصول على رضى وموافقة أصحاب الأرض الشرعيين.
على الرغم مما تقدم، نعتقد أنه من حق أي مواطن إرتري العيش والعمل، بل وحتى امتلاك الأرض من خلال الإجراءات القانونية والتعامل مع أصحاب الأرض الشرعيين في أي جزء من البلاد، سواء كان ذلك في المنخفضات أو المرتفعات، ولا يشمل هذا القبول المبدئي بأي حال من الأحوال الهجرة المنظمة لإقامة مستوطنات جماعية سواء بالقوة أو غير ذلك بما يترتب عليه من استيلاء على الأرض وإزاحة أصحابها الأصليين أو تغيير التركيبة الديموغرافية.
علاوة على ما تقدم، يمكن إجراء مشاورات مع الملاّك الشرعيين، ليتم بموافقتهم الكاملة الوصول إلى تسويات تعترف بحقوق الملكية الكاملة لأصحاب الأرض الأصليين، وفي نفس الوقت تأخذ في الاعتبار احتياجات ومصالح الآخرين في البلاد.
ج) اللاجئون
ان قضية اللاجئين هي الأخرى قضية مهمة وترتبط ارتباطا مباشرا بمسألة الأرض وحقوق الملكية وانتهاك حقوق الإنسان والمواطنة الأساسية التي ينبغي حلها بشكل صحيح.
المجموعات الأولى من اللاجئين الذين لا يزالون قابعين في مخيمات البؤس في شرق السودان، أجبروا قسرا للفرار بحياتهم في أواخر الستينيات من القرن الماضي نتيجة لحملات الأرض المحروقة العسكرية المتكررة من قبل الجيش الإثيوبي والمتعاونين معه من وحدات الكوماندوس والمليشيات المسلحة. واستمرت موجات قدامى اللاجئين في التدفق بأعداد كبيرة إلى شرق السودان خلال العقود التالية بسبب تواصل الحملات العسكرية وغارات التطهير العرقي الوحشية التي جعلت الحياة الطبيعية في مواطنهم مستحيلة. وبعد الاستقلال، جرت محاولات لإعادة اللاجئين بالتعاون مع المفوضية العليا لغوث اللاجئين ولكنها كانت محاولات غير جادة من قبل حكومة الجبهة الشعبية. ورغم ذلك حتى أولئك الذين اختاروا العودة الطوعية، لم يسمح لهم بالعودة إلى قراهم وبلداتهم الأصلية التي هُجِّروا منها أصلا، لكنهم اجبروا للسكن في مناطق قاحلة ذات موارد شحيحة مع عدم توفير ما يستلزم لأبسط مقومات الحياة الكريمة في تلك المناطق على المدى الطويل. وكانت النتيجة موجات معاكسة أخرى من الهجرة للعودة إلى مخيمات اللاجئين في السودان. وفي خضم هذه العملية، فقدوا الصفة القانونية للجوء لأن الهيئات الدولية المعنية قررت بشكل متعجل وغير مدروس سحب صفة وامتيازات اللاجئ منهم بفرضية عدم وجود أسباب قاهرة تدفع الإرتريين الى اللجوء مجددا بعد الاستقلال وذلك بدعوى أن إرتريا أصبحت بلدا آمنا.
ان تدفق اللاجئين الجدد، وخاصة بعد الاستقلال، هو نتيجة طبيعية للظلم والوحشية والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان التي يقترفها النظام مثل السجن الانفرادي والتعذيب والإعدام خارج نطاق المحاكمات القانونية والإخفاء القسري والخدمة الوطنية غير المحددة الأمد، وهي في الواقع أعمال سخرة مفتوحة تتم على يد النظام الدكتاتوري الحالي. حيال هذه الظروف التي لا تطاق، يضطر الشباب إلى مغادرة بلادهم بأعداد كبيرة معرضين أنفسهم لمخاطر مهلكة على أيدي مهربي البشر ورحلات خطرة عبر الصحاري والبحار، حيث غرق الآلاف في البحر أو ماتوا من العطش في الصحراء أو فقدوا أجزاء من أجسادهم على أيدي تجار الأعضاء البشرية.
أصبح من الضروري الاعتراف والتأكيد على الحق المطلق لجميع اللاجئين القدامى والجدد في العودة دون قيد أو شرط إلى أوطانهم الأصلية وحقهم في المطالبة باسترداد أراضيهم وأسلوب الحياة التي اعتادوا عليها مع توفير الدعم اللازم والتعويض المناسب لإعادة تأهيلهم ليتمكنوا من ممارسة حياتهم الطبيعية في مواطنهم الأصلية.
وعليه من واجب الجميع التأكيد والمطالبة بحقهم المشروع في العودة وندعو جميع الدوائر المعنية، بما في ذلك شركاء الوطن للاعتراف بهذا الحق المشروع واعتبار ذلك أولوية ومسؤولية مشتركة للجميع يجب الالتزام بها والعمل على تحقيقها من كل الأطراف فور سقوط النظام الدكتاتوري وخاصة هؤلاء اللاجئين الأكثر عرضة للمخاطر والأقل حظا في توفر الاحتياجات الأساسية والذين يقبعون منذ خمسين عاما في مخيمات اللجوء في السودان.
ح) اللغة
ينبغي النظر الى مسألة اللغة في سياق الحقائق على أرض الواقع، والتأريخ والعقود والمواثيق الاجتماعية السابقة ورغبة وحقوق الناس في أن يختاروا لأنفسهم ما يريدون وما يمثل مصالحهم. وفي هذا الصدد، نورد بعض الحقائق التي يجب أخذها بعين الاعتبار:
أولا: إرتريا بلد متعدد اللغات ولا يوجد إجماع في الآراء لصالح استخدام لغة واحدة تلبي احتياجات ومصالح جميع المكونات.
ثانيا: اختار المسيحيون في كبسا اللغة التجرينية في حين اختارت بقية المكونات اللغة العربية، ومن هنا جاء قرار الدستور الفيدرالي رقم 38. وتجدر الإشارة هنا الى ان خيار اللغة العربية لبقية المكونات التي تمثل مسلمي إرتريا لم يأت من فراغ، حيث ان اللغة العربية كانت حاضرة في حياتهم وكانت لغة الدين والثقافة ولغة المعاملات اليومية في الدواوين الحكومية والأحوال الشخصية ولغة التجارة والعقود والمواثيق في العهود السابقة لتأسيس إرتريا وحتى في عهد الإيطاليين والبريطانيين.
ثالثا: كان موضوع اللغة أحد ركائز الاتحاد الفيدرالي وكان أيضا من أوائل الحقوق التي انتهكها نظام هيلي سلاسي باعتماد الأمهرية بديلا عن اللغتين الرسميتين وقتها.
رابعا: وفي مرحلة الثورة كانت اللغة واحدة من اهم المرتكزات وتم اعتماد اللغتين كخيار متفق عليه وينعكس ذلك حتى في وثائق كافة التنظيمات المعارضة حاليا.
خامسا: بما أن إرتريا دولة صغيرة ذات مكونات متعددة فانه من غير الممكن من الناحية العملية استخدام جميع لغاتها في تسيير أمور الدولة في الدواوين الحكومية والتعليم. ومع ذلك أقر الدستور الفيدرالي بحق جميع المكونات الإرترية في استخدام لغاتها وتطويرها وقد وردت نصا في القرار المذكور أعلاه كما يلي:
“اللغات التي يتحدث بها ويكتبها جماعات مختلفة من السكان يجوز العمل بها في صلاتهم بالحكومة كما لهم حرية استعمالها في أغراضهم الدينية والتعليمية وفى جميع مظاهر التعبير عن الرأي طبقا للعرف السائد”
سادسا: واضعين كل ما سبق في الاعتبار، نؤكد ان جميع اللغات الإرترية يجب ان تعامل على قدم المساواة من حيث الوضع القانوني والأهمية وحق الاستخدام في جميع جوانب الحياة، وكذلك حقها في التطور عبر الزمن تحت رعاية الدولة.
سابعا: نؤكد ان كل ما ورد أعلاه هو فقط من قبيل إيراد السياق التاريخي والملابسات المتعلقة به وان الأصل في موضوع اللغة هو الاختيار الحر من جميع المكونات لما تراه مناسبا لها ويلبي احتياجاتها اللغوية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية دون إملاء من أي طرف كائنا من كان لأن هذا هو المعنى الحقيقي للقبول بالتنوع في إطار الوطن.
ثامنا: نؤكد ان خيارنا هو اعتماد اللغة العربية لغة رسمية لمجتمع المنخفضات لاستخدامها في الدواوين الحكومية وجميع الجهات الرسمية ومختلف المعاملات التجارية وان تكون لغة التعليم في مرحلة الأساس.
تاسعا: بما ان نظام الحكم الذي نناضل من أجله هو النظام اللامركزي الدستوري، فإننا نؤكد على تضمين اللغة العربية في كل ما يخص الأعمال الرسمية للحكومة على مستوى الوطن.
خ) الاقتصاد
يشتغل غالبية السكان في الزارعة الصغيرة والبدائية والرعي وما يترتب عليها من المعاملات التجارية ذات الصلة بالاقتصاد التقليدي الذي يتطلب تطويره عن طريق إدخال الآلات والأساليب والخبرة الاقتصادية الحديثة لتحسين نوع وكمية الإنتاج في المجالات المختلفة ليرتقي إلى الجودة ومستوى الإنتاجية المتطابقة مع المعايير العالمية.
يجب على الدولة اعتماد اقتصاد مختلط بحيث تتخذ الأنشطة الاقتصادية في القطاعين العام والخاص خطين متوازيين، للحفاظ على توازن المصالح بين القطاع الخاص الذي يسعى الى تحقيق الأرباح للأفراد والقطاع العام الذي يهدف لتقديم الخدمات الضرورية العامة لقطاعات الشعب. ويمكن استكمال ذلك بوضع قوانين من شأنها تشجيع وجذب الاستثمارات المحلية والخارجية لتطوير وتحديث القطاعين، مع تقديم حوافز لزيادة تنشيط الاقتصاد، وتطوير صناعة التعدين والسياحة والتجارة والصناعات الحرفية.
كما يجب أن تعطى أولوية للتنمية الاقتصادية والتعليمية في المناطق الإرترية المتخلفة والمحرومة والفئات الاجتماعية التي تعاني من تدني المستوى المعيشي بسبب تحملها العبء الأكبر للتبعات الوخيمة لحرب التحرير المدمرة، ونتيجة لتعرضها للإقصاء الممنهج والسياسات الظالمة في العهود الاستعمارية وكذلك في فترة ما بعد الاستقلال. ويمكن تحقيق ذلك كله من خلال اعتماد مبادئ التمييز الإيجابي لتمكين المناطق الأقل نموا والفئات الاجتماعية المستضعفة من اللحاق بركب المجتمعات الأخرى الأكثر حظا، لتحقيق التنمية المتساوية في جميع أنحاء البلاد.
د) العلاقات الدولية
بما أن السياسة والعلاقات الخارجية تتمثل بشكل عام في الأنشطة والعلاقات الدبلوماسية في تعامل دولة ما مع الدول الأخرى للحفاظ على المصالح المتبادلة فيما بينها، يتعين على إرتريا اتباع السياسات التي تهدف في المقام الأول لحماية وتحقيق المصالح والأهداف الوطنية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون على النطاق الإقليمي والدولي وفقا للقواعد الدبلوماسية المقبولة والمتداولة عالميا. لذلك ينبغي عليها بذل كل الجهود من أجل:
- مراعاة واحترام المصالح الوطنية المتبادلة بين الدول والعمل على تحقيقها بكل السبل.
- مراعاة وصون مبدأ المساواة بين الدول واحترام سيادتها الوطنية على أراضيها.
- الحفاظ على التعايش السلمي بين الدول وخاصة بين الدول المجاورة.
- المصادقة على جميع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والإقليمية التي من شأنها تحسين التعاون الدولي وخدمة مصالحنا الوطنية والالتزام بتنفيذ الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وغيرها من الاتفاقيات الدولية والإقليمية والثنائية على أكمل وجه.
- بناء وتطوير علاقات خاصة وقوية مع دول الجوار بما يعزز المصالح المشتركة والعلاقات التاريخية والثقافية بين امتدادات الشعوب عبر الحدود المشتركة.
- الانضمام كعضو فاعل ونشط في جميع المنظمات السياسية والاقتصادية والدينية، الإقليمية منها والدولية التي من شأنها خدمة مصالحنا الوطنية، وتشجيع التطور الثقافي والتعليمي والاجتماعي، وتعزيز التفاهم والعلاقات بين الشعوب من مختلف البلدان.
- بما إن النظام الإرتري القائم لم يحترم أي من التزاماته الدولية حسب ما هو متوقع من أي عضو مسئول في المجتمع الدولي، بل تتصرف دائما كدولة مارقة، فلابد من ان تقوم أي حكومة مستقبلية بمراجعة وتصحيح هذا الوضع الخاطئ.
ذ) نظام الحكم
أولا: الفترة الانتقالية
سيكون الهدف الأساسي للفترة التي تعقب تغيير النظام مباشرة، إنشاء حكومة دستورية دائمة، بغض النظر عن أداة أو آلية التغيير. ومن الضروري أن يتفق جميع أصحاب المصلحة على كيفية تشكيل الحكومة المؤقتة ووضع الفترة الزمنية لها وتنفيذ خارطة الطريق المفصلة لإنجاز المهام المطلوبة منها بنجاح.
ثانيا: المجلس الانتقالي
تشكيل مجلس مؤقت يتألف من ممثلي جميع الأحزاب والمنظمات السياسية المعارضة للنظام، والمكونات الوطنية وقوى التغيير وأصحاب الكفاءات، ليكون بمثابة برلمان مؤقت يضطلع بمهمة إنشاء حكومة مؤقتة، ووضع ميثاق شامل وخارطة طريق مفصلة لإنجاز مهام الفترة الانتقالية بنجاح.
ثالثا: الحكومة المؤقتة
تشكيل مجلس رئاسي يضم أشخاصا مؤهلين لتصريف شؤون البلاد، ويعكس بشكل صحيح التنوع الإرتري من خلال تمثيل مختلف المكونات في تشكيلة الحكومة المؤقتة.
تتمثل المهمة الرئيسية للحكومة المؤقتة في الإشراف وإدارة شؤون البلاد في الداخل وتقديم كافة الخدمات للجمهور، وإدارة العلاقات الخارجية، ووضع الأساس لنجاح العملية الانتقالية إلى نظام حكم ديمقراطي دستوري دائم وفقا للميثاق وخارطة الطريق المنبثقتين عن العقد الاجتماعي المتفق عليه. وتشمل واجباتها صياغة دستور للبلاد وتشكيل لجان متخصصة مثل: المصالحة الوطنية، العدالة الانتقالية، إعادة اللاجئين، قضايا الأرض، الانتخابات، لجان صياغة الدستور، الخ.
من أجل ضمان الاستقرار وتحقيق انتقال ناجع إلى إقامة حكومة دستورية ديمقراطية، يجب مراقبة العملية الانتقالية عن كثب من قبل المنظمات الإقليمية والدولية المحايدة مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ومنظمة الإيغاد وغيرها.
رابعا: الحكومة الدستورية
في اعتقادنا أن اعتماد نظام حكم لامركزي ديمقراطي دستوري هو الخيار الأفضل بالنسبة لبلد يتميز بالتنوع مثل إرتريا، ذلك أن نموذج الحكومة اللامركزية من شأنه أن يضمن التقاسم العادل للسلطة والثروة بين جميع المكونات على المستويين المحلى والوطني.
نظام حكم لامركزي ديمقراطي دستوري، يقوم على أساس التعددية الحزبية ويتكون من السلطات الثلاث المستقلة: التشريعية والتنفيذية والقضائية، والتي نرى أيضا أنها لن تكون مكتملة دون وجود السلطة الرابعة ممثلة في حرية الصحافة ووسائل الإعلام المستقلة.
وينبغي أن يستند نظام الحكم على الحقوق الدستورية والمبادئ الديمقراطية، والعمل المؤسسي، وفعالية سير العمل، وجهاز حكومي يتسم بالشفافية والمساءلة ضمانا لإرساء سيادة القانون، والمساواة في الحقوق والحريات الأساسية، وتوفير فرص متساوية لجميع المواطنين.
ولا يساورنا أدني شك أن هذا الشكل المقترح للحكم هو الطريقة الوحيدة الممكنة لمعالجة المشكلات المزمنة التي عانت منها السياسة الإرترية منذ منتصف أربعينيات القرن المنصرم.
ر) رؤيتنا حول هيكل الدولة الحالي
من المعلوم أن جهاز الدولة حاليا يعاني من عيوب هيكلية ومبدئية أساسية. ويمكن معالجة هذه العيوب الفادحة خلال المرحلة الانتقالية عن طريق اتخاذ خطوات لإعادة هيكلة الدولة بغرض إصلاح السلبيات الرئيسية مثل:
- الخلل الواضح في تمثيل المكونات الاجتماعية في جميع مستويات التسلسل الهرمي، وبوجه خاص في المستويات المتوسطة والعليا في مواقع عملية صنع القرار.
- وجود توجه كامل نحو فرض وحماية وتنفيذ نهج دكتاتوري على جميع جوانب الحياة، كما يتجلى ذلك بوضوح في غياب الديمقراطية والشفافية وحكم سيادة القانون.
- اعتماد وتشجيع ممنهج لسياسة التجاهل الكامل لكرامة وحياة الإنسان، حيث يتعرض الناس للملاحقة والإخفاء القسري والسجن غير القانوني، وأعمال السخرة، والإعدامات والتصفيات خارج القانون.
ان بناء إرتريا أفضل، يتطلب القيام بمراجعة كاملة لجهاز الدولة الحالي وإعادة هيكلته وفق هياكل مبنية على أسس مؤسسية دستورية قائمة على ترسيخ مبادئ وتقاليد العمل المهني والحياد السياسي والشفافية والمساءلة، بغرض تحقيق الهدف النهائي المتمثل في خدمة المصالح الوطنية للشعب.
كذلك يجب مراجعة تركيبة جهاز الدولة الحالي لما يعانيه من شروخ كبيرة كما ذكر، لكي يعبر بحق في بنيته عن حقيقة تنوع الشعب الإرتري، وأن تشمل إعادة الهيكلة كل الخدمات المدنية والعسكرية والأمنية، وجميع الممارسات التجارية التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من سياسة النظام المعتمدة لخدمة مصالحه بشكل مباشر.
لا شك أن تركيبة النظام السياسي الحالي الذي يعتمد على حكم الحزب الواحد غير مؤهل إطلاقا ليكون أداة فعالة لإحداث التغيير الإيجابي المنشود. لذلك، يجب تعديله من حيث الأهداف والعقيدة والأساليب ليتوافق مع المتطلبات العامة لتشكيل نظام لتعدد الأحزاب يحكمه دستور ينبثق من عقد اجتماعي متفق عليه، بعيدا عن روح الهيمنة والإقصاء والتهميش.
انطلاقا من موقفنا الثابت والداعم للمصالحة الوطنية، لا نرى ما يمنع من استيعاب غالبية أولئك الذين خدموا تحت النظام الدكتاتوري وفي مواقع واختصاصات مختلفة، والذين لم يكونوا مسؤولين بشكل مباشر عن الجرائم والفظائع التي ارتكبت، في مؤسسات الدولة الحديثة بعد إعادة هيكلتها.
تقتضي روح المصالحة أيضا، وحتى لا يفلت من ارتكبوا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من العقاب، ولتعويض الضحايا أو أهاليهم، أن يخضع من احتلوا ويحتلون المراتب العليا في الدولة للمساءلة القانونية ومن تتوفر ضدهم أدلة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، لمحاكمات عادلة وفق القانون لنيل جزاءهم المستحق.
كما إن الجيش ليس استثناء من هذه القاعدة لأنه انحرف عن دوره الأساسي في حماية الوطن لكي يتفرغ للمحافظة على استمرار النظام الدكتاتوري. عليه ينبغي إعادة هيكلته بحيث يعكس تكوينه التنوع الإرتري في جميع مستويات السلطة والتخصصات. كما يجب إعادة تعريف عقيدته المهنية بوصفه المؤسسة الوطنية المسؤولة عن مهمة الدفاع عن الأمن القومي لتحقيق الاستقرار والسلام للوطن وخدمة مصلحة الشعب، مع التركيز على المهنية العسكرية والنأي عن أي انتماء سياسي. يجب أيضا تقليص حجمه ليتناسب مع أغراض الدفاع عن سيادة وسلامة الدولة، بدلا من إساءة استخدامه كأداة لزعزعة الاستقرار في المنطقة كما يفعل النظام حاليا.
الخلاصة:
النظام الحاكم في إرتريا والذي يقوم على الهيمنة القومية وإقصاء باقي المكونات الوطنية يعتبر شكل من الأشكال البدائية الغريزية في الممارسة و التفكير الأناني لتحقيق الذات في التطور البشري، وذلك يتم من خلال السعي للهيمنة والاستحواذ على كل المقدرات وتطويعها للمصالح الفردية او الجماعية الخاصة على حساب الآخرين على نحو يفضي إلى اندلاع صراع وعدم استقرار يهدد وجود واستمرار وحدة وتماسك الشعب والوطن .ومن اجل التعايش السلمي بين الجميع في اطار وطن واحد لا بد من تجاوز هذه الحالة السالبة والولوج الى مرحلة الدول الحديثة التي تقوم على أساس التوافق على عقد اجتماعي يؤسس للشراكة الحقيقية في الوطن لبناء دولة تضمن تمثيل ومصالح جميع مكونات الشعب.
ان خلفية المشاكل المتعلقة بقضية الحكم والصراع الناجم عنها عبر مراحل تأريخنا الوطني التي عاش مراراتها شعبنا ومجتمعنا تعتبر معقدة وذات جذور اجتماعية وثقافية عميقة ومستفحلة، ومن الخطورة البالغة استمرارها على هذا النحو مما يهدد وحدة الوطن والمواطنين. لذلك لا يمكن الوصول إلى حلول جذرية ومستدامة إلا من خلال الاعتراف بواقع التعدد والإيمان بضرورة الإقرار والاعتراف بحقوق ومصالح الجميع، الأمر الذي يستدعي التوافق وتقريب وجهات النظر حول المضامين وكيفية معالجة أسباب المشاكل وذلك باعتماد مقاربات جديدة لصياغة عقد اجتماعي يؤسس لوطن يسع الجميع ويضمن التعايش السلمي والسلام والوئام والاستقرار والحياة الكريمة في كنف نظام حكم دولة القانون والعدالة. نظام حكم قائم على قبول العناصر الأساسية والضرورية للعقد الاجتماعي الذي يشكل أساس حكم الوفاق والتراضي بين كافة الأطراف في البلاد وفق ما تم تناوله أعلاه بإسهاب ضمن هذه الورقة.
تبعا لاختلاف ظروف التطور التاريخي من دولة الى أخرى، تختلف أيضا متطلبات التعاقد الاجتماعي، الذي يقوم على قاعدة التوافق من أجل ضمان حصول كل مكون من مكونات المجتمع على نصيبه العادل في السلطة والثروة. من هذا المنظور، يتطلب الأمر اشراك ومحاورة جميع قوى الشعب الإرتري للتوصل الى توافق بين جميع الأطراف ذات المصلحة الى شكل ومضمون لعقد اجتماعي جديد يضمن المصالح والحقوق المشتركة فيما بينهم.
الخاتمة:
اننا كرابطة نطرح عبر هذه المبادرة رؤيتنا للحل للكل من خلال مقترحنا المقدم للعقد الاجتماعي المذكور أعلاه وبالرغم من اعتقادنا الجازم بأن هذا هو المخرج الصحيح من الأزمة المزمنة والمستفحلة لمشكل الحكم السائد في ارتريا اننا منفتحين على الرأي الأخر ونأمل تقابل بالتفاعل النشط والتعاطي الجاد معها وندعو التحاور حولها من اجل ان يتم اثراء مضامينها من خلال مساهمات وملاحظات الآخرين لنتمكن في نهاية المطاف من الوصول الى توافق كامل حول مضمون شامل للعقد الاجتماعي يمثل مصالح وحقوق جميع الأطراف المعنية.
رابطة أبناء المنخفضات الإرترية
المكتب التنفيذي
يوم 2/4/2017م
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=42593
أحدث النعليقات