مبادرة حماية الملاحة في البحر الأحمر: تقدم أمريكي أم تراجع؟
فتحي_عثمان
هل تعد المبادرة الأمنية متعددة الجنسيات لحماية الملاحة في البحر الأحمر من مؤشرات التراجع في الهيمنة الامريكية المنفردة؟
قد يبدو السؤال غريبا تماما، مثل الإجابة عليه والتي تبدو هي الأخرى معقدة بشكل ما، ولكن محاولة الإجابة عليه من واشنطن قد تساعد إجلاء بعض حقائق السؤال.
وزير الدفاع الأمريكي لويد اوستن أعلن من المنامة في الثامن عشر من الشهر الجاري عن تكوين تحالف دولي لحماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب من الهجمات الحوثية. المبادرة المسماة ب “عملية حامي الرفاهية” وصفها الوزير اوستن أنها “استجابة دولية لتحدي عالمي”.
ضمت المبادرة فور الإعلان عنها كل من بريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا، والنرويج وسيشل واسبانيا. تشرف قوات المهام المشتركة (سي تي إف 153) والتي تضم في عضويتها 39 دولة على تنفيذ المبادرة والتي ستقوم بالتواجد وتقديم العون بدلا من مرافقة السفن، وستضم المبادرة بحسب ما ذكر المتحدث باسم البنتاغون باتريك رايدر دولا أخرى، حيث أنها مبادرة مفتوحة العضوية. وتتواجد بالتزامن مع المبادرة حاملات الطائرات مايسون وكارني ومدمرات امريكية أخرى في المنطقة.
بناء التحالفات الدولية أصبح من المهام الملحة للرؤساء الامريكان عقب انهيار الاتحاد السوفياتي والهدف الأساسي منها هو تحميل أعباء المهام العسكرية في أعالي البحار للشركاء والحلفاء لعدم قدرة الخزائن الامريكية الوفاء بتوفير المال الكافي لهذه العمليات. ثانيا، تحاول واشنطن وعبر التحالفات اكتساب شرعية دولية مؤيدة تنفي هيمنتها المنفردة، وأخيرا، تحاول كذلك إكساب هذه العمليات الشرعية القانونية عبر الموافقة الأممية.
كل هذا يتصادم وبقوة مع حقائق ومتغيرات كبيرة تشهدها الولايات المتحدة منذ فترة، ودوافع هذه التغييرات هي الحد من التورط الأمريكي في أعالي البحار ابتداء من التدخل في الصومال وحرب أفغانستان وغزو والعراق، وترتبط هذه التغيرات الطارئة مع الاستراتيجيات التقليدية للإدارات حول الطاقة وحماية منابع وممرات النفط.
يظهر تيار متصاعد يقوده خبراء استراتيجيين مثل ريتشارد هاينبرج ومايكل تي كلير وآخرون يقول بأن الولايات المتحدة لا يمكنها دفع الدم والمال من أجل مصالح يمكن حمايتها بدون عمليات تدخل عسكري مكلفة. ويطالب الخبراء الإدارات الامريكية “بفسخ عقود الحماية” مع بعض الدول؛ وان تترك مسائل الدفاع لترتيبات منفردة وجماعية كتقوية القدرات الدفاعية لمجلس التعاون الخليجي على سبيل المثال. ويتطلب ذلك حسب رأي هؤلاء الخبراء سحب الجنود الأمريكيين وإغلاق القواعد وعدم التورط في مواجهات ضد دول أخرى بسبب النفط بشكل خاص. ويؤمنون كذلك على أن تكف الإدارات في واشنطن عن دعم وحماية الأنظمة المتسلطة لأن ذلك يضر بمصالح وصورة الولايات المتحدة بشكل كبير.
يقول هؤلاء الخبراء بأن مصادر الطاقة وممراتها الحيوية أمر دولي يهم دول العالم الصناعي الغربية وكذلك اليابان والصين وأن هذه الدول يجب أن تلعب أدوارا مناسبة في الحماية والتأمين دون القاء كل العبء على الولايات المتحدة.
مستشار الأمن القومي السابق للرئيس جيمي كارتر زبغنيو بريجنسكي (1977-1981) مضى شوطا أبعد من ذلك مصرحا بأن الهيمنة الامريكية قد تتلاشى تماما بحلول عام 2025 وذلك بسبب الأزمات الاقتصادية المتعاقبة وارتفاع الدين الحكومي والاختلالات الاجتماعية المتمثلة في اللا مساواة والفقر إضافة إلى الاستقطاب السياسي الحاد، كل هذه مجتمعة سوف تؤدي إلى تراجع الدور العالمي للولايات المتحدة، ولا يعني ذلك، حسب تأكيده، بروز الصين كقوة عالمية وحيدة لأنها لا تستوف كل الشروط لوراثة الدور الأمريكي؛ مما يخلق حالة فوضي عالمية في غياب المهيمن القديم ومحاولة ظهور قوة مهيمنة جديدة.
عمليا شهدت فترة الرئيس السابق دونالد ترامب أقل “حالات” تورط عسكري خارجي، بل ومضي ترامب خطوات أبعد بالتخلي عن مفهوم الحماية الأمريكي التقليدي وعرض الحماية الامريكية لمن يدفع أكثر وطالب الدول المحتاجة بالوفاء بمتطلبات الحماية المالية، عملا بقاعدة أن الحماية عبارة عن بيزنس وبيزنس إز بيزنس. ويمثل تأجير دور الشرطي نقلة أخرى في مفهوم حماية الحلفاء والأصدقاء التقليدي والذي ساد بعد الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم.
فهل تبدو استراتيجيات بناء تحالفات مركزها واشنطن وموزعة الأعباء عالميا أول مؤشر على تراجع الدور الأمريكي المنفرد وتكون بذلك عملية حماية الملاحة في البحر من مظاهر هذا التراجع في الدور الأمريكي المنفرد؟
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=46991
أحدث النعليقات