متى تبكي حنان مران ؟!
بقلم د.حامد محمد إدريس
كنت أسمع عن معجبيها ثناء وحمداً بلا حدود ، وكنت أسمع عن شانئيها أنها بنت الشبكة والنت و رصيدها لا يتجاوز مجموعة أنشطة تسلية ومعاتبات ومغاضبات من بعيد ، لكن تواصلي معها عبر النت كذلك مثل تواصلي مع الآخرين لا يقلد في الثناء ولا في الهجاء وإنما يتعامل مع الناس بحسن الظن ولم أجد ما يريبني فيها وإن كنت لست مولعاً بالمتابعة الدائمة لما تنشره صفحتها من مناشط وظل الاحترام المتبادل والتقدير يحكم تواصلنا .
أتتني منها رسالة إشعار بالفيسبوك ، أنها بالخرطوم في زيارة خاصة ، سرتني الرسالة ، وتواصلنا ، وكانت مشاغلي ومشاغلها تبعد اللقاء ، وكانت مشاعري ومشاعرها تقربه ، يدفع إلى ذلك أن كلانا يسمع عن الآخر من أقاويل بعضها يسوق إعجابه إلى إغفال الحقيقة ، وبعضها تسوقه أحقاده وخصوماته إلى تكبير السلبيات ، فالتقينا في الفضاء دون حجاب حاجز، ودون وسيط شافع ، وحلقنا ، واخترقنا قيود المكان والزمان، قضينا ثلاث ساعات بل تزيد في أنس هادف طيب تجاذبنا فيها أطراف الحديث وهموم الوطن
كنا سبعة أفراد ضمتهم الجلسة الطيبة والأنس الطيب بينهم :
- د. محمود ( مجاهد) محمد علي الضيف الكريم القادم من ماليزيا وابن أرتريا البار وكان آية في المعرفة والهم اتضح لنا أن بين يديه مشروعاتٍ ضخمةً، فكرية وسياسية يعمل فيها، ومن أجلها زار الشيخ الترابي – ولو لا خوف الملامة في إفشاء السر لبُحْتُ بها- و فلانين كثيرين من كبار خبراء مجربين .
- الشيخ محمد همد نوراي صاب القرآن الكريم وحامل الدعوة والنشط في التنمية البشرية والعمل الاجتماعي كان وقارَ الجلسة وأنسَها الممتع الذي تحفه الملائكة
- الشيخة آمنة محمد نور جمع رئيسة الاتحاد الإسلامي للمرأة التي جادلت عن دور المرأة وفاضت بالحديث الطيب الخبير المجرب ، إنها عصامية، إذ بدأت تعليمها من صفر؛ لا تدعمه بيئة اجتماعية إلا بالحظر القاسي ضد تعليم البنات ، و ضد عمل النساء خارج البيت ، ومع ذلك وصلت موقعاً مرموقاً في قيادة العمل الإسلامي فهي رائدة فيه كما أنها محاضرة جامعية مؤتمنة في تغذية عقول الجيل الرائد
- الأستاذ نادية موسى رئيسة منظمة التنمية النسوية التي تساهم في خدمة اللاجئين الإرتريين مواسية باذلة فخبرت المعاناة من قريب وخاضت الآلام لتمسح الدمع عن الأيتام والأرامل والعجزة ، يدفعها واجب التخفيف عن المعاناة ، ويحد من حضورها الدائم قلة ذات يدها.. ومع ذلك تقوم بتجربة إنسانية زاخرة جديرة بالإشادة، إذ تكون المرأة فيها ضمن الرجال تسطر التاريخ المجيد
- الأستاذة سلوى محمد إدريس المشرفة في مركز ألتي القرآني ابنة الشيخ المربي الصموت المتواضع ، وقد ظهرت إنجازات مركزه المبارك في الآفاق، إذ بدأ بالخلوة القرآنية ثم دفع بطلابه الخريجين فيه حفظة القرآن الكريم إلى الجامعات وفي تخصصات مختلفة مركزاً على العنصر الأنثوي مع عدم إغفاله الطرف الآخر
وكل هؤلاء الثلاث – وحنان كذلك – ربات بيوت يُدِرْنَ أسراً بهمة كما ينشطن في العمل العام بحماسة
طرحت أ. حنان سؤالاً مهنياً غير متوقع في الجلسة الأنيسة :
إلى من تقدمون خدماتكم والشعب بين مسلم ومسيحي ؟
أتاها الجواب الواثق والحقيقة الساطعة … وقد علمت أن خدمات المنظمات الخيرية الإسلامية تنشط في تأسيس ودعم المراكز القرآنية وإنشاء المساجد.. فهذه تستهدف نفع أبناء المسلمين وليس من مقاصدها أن يحظر خيرها عن غيرهم وإنما ربما يحجب غير المسلمين عن هدى الإسلام وتعاليمه عرفُهم ومواقفُهم ومعتقداتُهم.
والخدمات ذات الطابع الإنساني تقدم إلى الفئة المحتاجة دون فرز على أساس الديانة او العرق أو اللون ، والإسلام الذي تهتدي به هذه المنظمات يوجب على المسلم تقديم المعروف إلى كل كبد رطب ويرتب الأجر والثواب على سقي كلب يلهث ، ويعاقب على الإساءة حتى لو كانت متجهة إلى هر أو طير أو نملة أو شجرة ظليلة أو مورد عذب . إنه دين الإحسان إلى الحياة والتنمية والتعمير.. بمثل هذه المفاهيم تنطلق تنظيماتهم السياسية وجمعياتهم الخيرية الإنسانية ودعمهم المتيسر فلا يمنع دينهم من تعميم الخير إلى كل فئات المجتمع وإن ظهر عجز فهو من قلة ذات ا ليد – فخزائن الله هي التي لا تنفد ولا تعجز – لا من فرز عقدي ، ولا موقف سياسي ، فإن دين الله رحمة للعالمين وحملته ودعاته بشرى السماء للناس أجمعين
تواصل الحوار :
وتواصل الحوار الأنيس وكلما أردناه ضاحكاً ساقَنَا إلى عذابات الأهل والوطن ، وننظر إلى طموح الجالسين وأملهم وأحلامهم ونتذكر أن مثلهم من أبناء البلاد كثير فتحلو هذه العذابات لأن لها أطباء قادمين – بإذن الله – وما أعذب لحظات المخاض الأليمة عند الأم الحنون تستقبل بفرحِ باكِ ميلاد ابن سعيد
د. مجاهد أمتع الجلسة برحلة حياته والأستاذة حنان وعدت بالكتابة فيها لأنها قصة خالدة انطلقت من المحن القاسية وتجاوزتها بصمود دفن فيها الأبوان المجاهدان في الطريق اثنين من ابنائهما ولم تنكسر عزيمته بل حلق في الأمل حتى ارتقى مراقي العلم والمعرفة فتم تعيينه في إحدى جامعات ماليزيا الراقية ومع انفراج كربه الخاص وعبور محنته الشخصية لا زال يذكر مواطن صباه في أرض الهجرة بالسودان وأرض الميلاد في أرتريا حيث ترعرع بين الغبار وبيوت القش والماء العكر ولا زال يعمل لتحقيق أماني الوطن الأصيل ..
وتناوب في الجلسة الحديثُ العذبُ فلم نجد أحدًا نبت بين تراب المسك ولا في رياض الجنة وإنما كلهم كان رضيع المعاناة التي لم تكسر قناته بل اتخذها مطية للعبور الناجح تحصيلاً و عملاً وتنمية الأخلاق والدين، إنه نجاح لم يتكئ على دعم حكومات ، ولا عززته أمجاد أسرية ، ولا موروث مادي وإنما بدأ من سِفْرِ الألمِ وصِفْرِ المحفزات وهنا تظهر حكمة الله وكرمه، ومن هنا تظهر كرامة الله للأيتام فكم تحول منهم إلى رواد الأمة وقادة مستقبلها المشرق بإذن الله
وحنان الشاعرة تستمع بانبهار ، تصغي لهذا الصوت ، وتستنطق الصوت الصامت، وتضيف في الجلسة و لم تجد خصوصية تذكرها – مثل الآخرين – إلا ما كان إضافة بذكر مشهد من مسرحية متعددة الفصول، إنها عبرت ساحل أرتريا محمولة في بطن أمها وشهدت صرخة الميلاد في طريق الهجرة بمنطقة ” قرورة ” ، فعرفت السودان منذ ميلادها ثم سعت بها قدماها إلى القاهرة ثم استراليا ثم عرفت العالم بنشاطها ومواهبها ومهنتها ..و لا تزال لم تُلْقِ عصى الترحال ، عصى الهجرة حتى تعود إلى الوطن الذي يحبها كما تحبه ، ويشتاق إليها كما تشتاق إليه وإن كان العاشق والمعشوق لم يتعارفا إلا عبر حنين الوالدين والعرق النزاع.
مواعيد الزيارة :
يوم الأربعاء 20 يناير 2016م في الساعة العاشرة صباحا كنا على موعد سعيد ، وكان للزمن تقدير من كلينا ، وكم كافحت أن أفي بالوعد فتغلبنا على مصاعب خطوط المواصلات التي ساقتنا إليها ، هذه خمس دقائق باقيات من الموعد وأنا أتفحص أسماء المنازل وخائف من أن يغلبني الوقت أمام ” خواجية “- كما تخيلتها – قدمت من استراليا متعودة على الضبط والربط وتساعدها على الوفاء بيئة مواتية بخلاف بيئتنا الخاذلة ومواصلاتنا الخاذلة ، ومعيقاتنا الخاذلة
رن جرس هاتفي فقال :أ. حنان تتصل بك ، والتقطت عيناي اسم مكان الموعد فسرني
أني قريب منه فقلت لها : بيني وبينك أمتار وزحمة السيارات تبطئ خطواتنا ، فشكرتْ وأخذت تنتظر مفاجأة اللقيا لشخص عرفت قلمه وقليلاً من تواصله ولم تعرف شخصه .
وهذه لحظات لاحقات جعلتنا أمام مقر إقامتها ، لمحتُها بالباب واقفة محتشمة جاهزة لاستقبالنا مستنفرة الانضباط والمشاعر .
تعرف أن ستة ضيوف يصلون إليها زيارة لكنها تجهل أشخاصهم فكان التعويل علي لأني أعرف صورتها الحاضرة الفاعلة في النت ناقدة ومشاغبة وغاضبة وكتبتْ سرورًا كما كتبت غضباً ، حَيَيْتُها ملوحاً بيدي وبيننا الباب الزجاجي الفاصل، فعرفتْ أن ضيوفها حضروا فردت السلام بأدب أهلها، و وتعليم دينها ، ونبيل عرفها ، لم تنتزعه منها حضارة الغرب، و لا تقاليد الغرب، ولا أفكار الغرب, إنها بنت “حرقيقو” أرض الخير والإسلام والنضال والعلم والعرف السليم
جلسنا معا في أنس ممتع إنها لحظات سعيدة أن يلتقي فيها الأخوان آدم وحواء يتدارسان التزمات الخليفة في الأرض ، ويستعرضان صعوبة المهمة ، ودور المثقف الرائد ويتواثقان على القيام بأداء الأمانة كل في ثغره وعلى قدر طاقته
مشهد الوداع :
لم تكن لحظة فراق قاطع إنما كانت وعدًا على التواصل الدائم ، والتعاون المثمر ، وكم عبرت الأستاذة حنان مران عن عظيم تقديرها لجهود الأخوات في دعم المرأة الأرترية والطفل الأرتري واليتيم الأرتري وقد أصغت لاستعراض أوضاع اللاجئين أمامها ، مساكنهم من قش ومدارسهم من قش ، وطرقهم غير معبدة ، تنقطع بهم السبل أيام الخريف ، ولهم من الأرامل والأيتام والعجزة ما ترق له القلوب الرحيمة ، والكلمة عاجزة أن تنقل الصورة الحقيقة لمعاناة اللاجئين ، ومن زارهم في مقامهم الأليم استوعب الدرس الكافي عنهم أمة تعيش في قسوة الهجرة منذ ما يزيد عن خمسين عاماً ولا سبيل للعودة إلى وطن يطرد المزيد من أهله
والأستاذ حنان تسمع القصة من أصحاب الوجع ، وتروى لها الحقيقة الصادقة فتتهيج لديها المشاعر الإيجابية تجاه أهلها ، وتسأل عن المعسكرات كم تبعد من الخرطوم ، وتسأل عن الإجراءات الرسمية التي تساعد في زيارتها ، وتنظر إلى مشاغلها في الخرطوم الضاغطة ، ويتزاحم لديها شعوران : رغبة للوقوف على معاناة اهلها وعجز عن تحقيق الرغبة بسبب ضيق الزمان وبعد الشقة فيختنق الصوت متاثرًا باكياً فتعالجه بابتسامة حازمة فتعود تدريجياً إلى الحديث المتزن وتعد بالتواصل وتطلب من أخواتها تذليل بعض الصعاب لزيارة أقرب المراكز التي فيها جهدهن الطيب تربويا وتعليميا لصالح أخواتهن
ويختتم اللقاء الطيب أن المحنة على الرغم من اشتدادها ترنو إلى فجر باسم قريب بإذن الله ويوصي بدوام التواصل والتعاون مؤكدًا أن الإنسان قوي بإخوانه عزيز وأن ما تفعله اليدان في الميدان أكبر مما تفعله الأقلام العاطلة العيابة الغارقة في الأحلام والأماني غير الواقعية.
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=36350
يديك العافية اخ حامد على سطورك التي سلطت الضوء على شخص الاستاذة حنان….. لكن لي ملاحظة صغيرة كبيرة كبر ديننا الحنيف،،،، فقد ذكرت ان اجتماعكم ضم سبعة افراد ،،، وفي الصورة ثمانية افراد،،، اخشى ان تكون من نسيت هو من نناضل من اجله ,,,, ولك التقدير والاحترام
استاذ حامد محمد ادريس شكرا على ما قدمت وشكرا على هذه اللغة النظيفة الراقية نحوا وصياغة . دعني اتجاوز عنوان الموضوع وتفاصيله مع حفظ التقدير والأمتنان إلى مقالات الكتاب التي يدفعون بها إلى مواقع الشبكات حيث تجعل القارئ احيانا يخجل من قراءة سطورها لفرط ما تحوي من اخطاء في الهجاء وتهشيم للقواعد وركاكة في الأساليب والتراكيب …الخ.
مثل هذه الأقلام وأنت تملك احدها يستحق أن يقرأ لصاحبها وتستحق أن تزين بها المواقع صفحاتها اتمنى لك مزيدا من العلم والتألق.