مجاهدات يعقبها رحيل..!
سيرة العظماء صانعي المجد لا يلتفت إليهم أحد وهم أحياء سرعان ما يتبارى لتسجيل سيرهم قطرات من بحر فعالهم وبصماتهم، كان الأولى الاحتفاء بهم وهم شهود بين ظهرانينا بعطائهم الثر وبصمتهم في الحياة.. لست معتادأً في الكتابة لسير الرجال .. جهد المقل، لرجل كبير على كلماتنا مهما قلنا ، عندما أحاول- هنا – ان أكتب كلمات في حق الرجل وعكس مجاهداته الحافلة في الدعوة إلى الله لابد من قراءة واقع الدعوة ابتدءاً واستصحاب أجوائها مداً وجزراً هبوطاً وصعودا.
منطقة صنعفي (المرتفعات ) إذ الأجواء ملبدة بالتحدي في وسط مسيحي غالٍ بعضه وموسوم بالكراهية في أحيان قصص المواجهات في صفحات التاريخ مسطر بعضها في التنافس على الكلأ والماء وكثير منه على النفوذ وسطوه (الدين) لذا كان أهلنا (الساهو والجبر) عظماء في التحدي العقدي في هذه (البحيرة) محيط مشاكس لا تهدأ ثورته بين أصحاب عقيدة التوحيد وعقيدة الثليث منذ أمد بعيد صراع اثبات الوجود في منطقة تتدافع فيها عقيدتان ونعلم الاساليب التي كانت تستخدم سواء من المستعمر أو من النظام الارتري في التضييق على المسلمين خاصة في بناء المساجد ومحاولات دائمة في اختراق مجتمعات المسلمين واغراق مناطق المسلمين الارتريين بوسائل الفجور والمياعة ومحاولات التأثير العميق على الثقافة العربية والحد من التعليم الديني بكل قوة وشهدت هذه الممارسات أحداث مضطردة بعد الاستقلال وكثير من أهلنا في تلك المنطقة استطاعوا رغم ضيق اليد وصعوبة التحرك من الحفاظ على ثقافتهم ودينهم رغم الحرب التي استخدت فيها كل الاسلحة المشروعة وغير المشروعة بمنطق القوة وحدها وفي هذه الاجواء الموغلة بالتحدي كان أهلنا المسلمين في المرتفعات بعيدين النظرة أقوياء الشكيمة والصبر على الآذي طيلة قرون متطاولة .
بعضاً من الذين هيئ لهم القدر التعليم في لدول العربية عادوا تاركين نعيم الوظيفة وبريق الحياة المترفة عادوا الى قراهم ومدنهم لتعليم أجيال تقف في وجه العاصفة ووجه من يريدون طمس الهوية الاسلامية.
من رحم هذه المعاناة وهذا التحدي خرج شيخنا المغفور له بإذن الله الشيخ/ محمد صالح عبد الله ، الميلاد في اسمرا ما بين 1951/1953م بعد المشاكل السياسية التي حدثت في أسمرا انتقلت به والدته إلى قرية حمس بضواحي مدينة صنعفي ليشب بين والد حافظ لكتاب الله وأم حريصة على وليدها تحفه برعايتها وترمقه بيعنها الحانية وأن يظل محفوظاً بالقرآن محاطاً برعاية الله.
الشيخ/ صالح عبد الله والد الشيخ/ محمد الملقب (بحافظ القرآن) كان حريصاً على تعليم الطفل الصغير القرآن من وقت مبكر حتى شبّ على القرآن حفظاً ومدارسة إذ كان والده الحاج/ صالح عبد الله يُقرئ القرآن ويتنقل في مختلف المناطق.
بذرة القرآن حركت في الشيخ/ محمد صالح – وهو صغير – رغبة اكمال الدراسة فاتجه طلباً للعلم حيث ارتحل الى مدينة اغردات ثم إلى المنصورة تلقى فيها تعلميه الأولي ولم يوقفه لطلب العلوم حتى ارتحل مرة أخرى ألى السودان طالباً للعلم ملبياً طموحه الذي لا يقف عند حد.. استمر في البحث عن وسائل تدفعه الى نيل مراتب العلماء فوفق في الذهاب إلى المملكة العربية السعودية طاب له المقام بجوار البيت الحرام وأكناف بيته الكريم وفي نهاية عام 1973م ، انتظم في الدراسة النظامية بواسطة الشيخ/محمد حسن عبدالقادر الذي كان يقييم دروس دينية في الحرم المكي حينها مما ساعده في دخوله المساق النظامي أكمل المرحوم- بفضل الله- المرحلة الإعداية والثانوية مما أهله لدخول كلية الشريعة بالجامعة الاسلامية حقق حلمه الكبير وسهره الطويل.
هاهي الاحلام تتحق بعد رحلة طويلة وشاقة عانا فيها ماعانا تخرج من كلية الشريعة بتفوق وامتياز عام 1982م بفضل الله ومن ثم بمثابرته وجهاده المستمر طوال السنوات الطويلة ومن اصدقائه وزملائه المعروفين في المرحلة الجامعية الشيخ/ إبراهيم حجي اسماعيل في مكة المكرمة والشيخ/ محمد سعيد صالح في المدينة المنورة طموحه ونهمه المتواصل للعلوم والمعرفة حقق رغبته في الالتحاق بمعهد إعداد الدعاة بمكة المكرمة وتخرج منه كما نال شرف الجلوس والتعلم على يد الشيخ الوقور العلامة بن باز رحمه الله ،واصل بحثه عن العلم فنال دبلوم التربية ليجمع العلوم الشرعية بالعلوم الانسانية يتصلح لأيام طوال وأحداث جسام وامتحان أطول.. كان يمكن أن يفرغ كالدعاة الذين تفرغوا للدعوة في أقطار الدنيا الواسعة باحثاً عن النعيم لكن هم الدعوة في أقليمه وقريته والتدافع الذي ذكرناه كان يشده إلى العودة وإنجاز عمل دعوي كان يؤرقه فبحث مع نفر كريم في بناء مسجد ومجمع اسلامي يجمع ما بين تدريس العلوم الاسلامية وتحفيظ القرآن وتقديم خدمات لأهل المنطقة فصال وجال في المملكة مع أبناء منطقة صنعفي أمثال الشيخ/ أبو نوال محمد إسماعيل والاستاذ/ محمد حسن والأستاذ/ عمر ديهشي وقد ذهب ألى هرر باحثاً مع ابناء المنطقة في إكمال صرح المجمع الاسلامي بحمد لله وفضله وتوفيقه إكتمل بناء هذا الصرح ليكون منارة تقف شاهدة على همم الرجال التي لا يحدها حدود. لم تثنيه المكايدات والعراقيل التي كانت تضعها العصابة ليكون نزيل المحابس والاعتقال خرج بعدها وهو مريض أصابته علل السجن والمعتقل ، بالكاد سمحوا له بالسفر إلى السودان للعلاج ، كنت في زيارة الى الخرطوم في نفس الأيام حاولت جاهداً أن التقيه لكن الله قدر أن لا نلتقي ليبقى في النفس ألم وحسرة أن لا اتشرف بلقاء أمثال هؤلاء الرجال الذين تركوا أسم ومعنى للاجيال تذكرهم أعمالهم وتشهد عليهم. طويت صفحة ناصعة للعالم العامل المنافح عن دينه وثقافته انتقل إلى رحمة مولاه في يوم الثلاثاء الموافق الثاني عشرة من شهر رجب لعام 1437 هـ ، 19/04/2016 م بمدينة اسمرا.
أسأل الله أن ينفع بما قدم لوطنه وأهله ،وأن يوسع له في قبره ويحشره من الصديقين والشهداء. إنا لله وإنا إليه راجعون.
بقلم/عبده يوسف أحمد
26 إبريل 2016م
روابط قصيرة: https://www.farajat.net/ar/?p=37100
نشرت بواسطة فرجت
في أبريل 27 2016 في صفحة المنبر الحر.
يمكنك متابعة اى ردود على هذه المداخلة من خلال RSS 2.0.
باب التعليقات والاقتفاء مقفول
أحدث النعليقات